شمعة الحب
21-03-2006, 11:47 PM
م. محمد بن عبد الكريم بكر - كاتب سعودي 21/02/1427هـ
قد يصبح المال نقمة على صاحبه في بعض الأحيان عندما يجلب له متاعب لم تكن في الحسبان ولم تدر بخاطره فضلاً عن أنه لم يسع إليها أصلاً. والمال الذي أعنيه هنا الأصول الرأسمالية التي يملكها "صندوق الاستثمارات العامة" في بعض الشركات المدرجة للتداول في سوق الأسهم في المملكة. إذ يملك الصندوق الذي يرأس مجلس إدارته وزير المالية حصصاً مؤثرة في تلك الشركات تشكل في مجموعها نحو نسبة 40 في المائة من القيمة الإجمالية للسوق أو ما يعادل 800 مليار ريال تقريباً وفقاً لأسعار إغلاق يوم الأحد الماضي.
وبالرغم من تفاوت حصص " الصندوق " في تلك الشركات من 5 إلى 85 في المائة، إلا أن بينها قاسما مشتركا وهو أنها كيانات اقتصادية ناجحة حققت الكثير من المكاسب لمساهميها، وخير مثال لذلك الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، التي أحسب أن معظم القراء يعرف تاريخ مسيرتها منذ تأسيسها في عام 1976م برأسمال قدره عشرة مليارات ريال قدمها "الصندوق" في وقت كانت فيه قدرات القطاع الخاص متواضعة، كما كان مستقبل الصناعة في المملكة يلفه الكثير من الغموض. وقد تنامت أرباح الشركة عاماً بعد عام إلى أن بلغت في العام الماضي 2005 ضعف رأسمالها الذي بدأت مشوارها به، كما قفزت قيمتها السوقية لتصبح قريبة من حاجز الـ 600 مليار ريال ما يضعها في مصاف الشركات العالمية الكبرى.
وكما أن هناك تفاوتا في حصص "الصندوق" في الشركات المساهمة، هناك أيضاً نماذج متعددة لأنماط وأسباب منشأ ملكيته لتلك الحصص. فعلى سبيل المثال تحمّل "الصندوق" كامل مسؤولية تأسيس وتمويل كل من شركة " سابك "، وشركة الاتصالات السعودية، بينما تغير هذا النمط في شركات: "النقل البحري"، "النقل الجماعي"، "صافولا" و"ينساب"، حيث أسهم الصندوق بنسب مختلفة مع مستثمرين من القطاع الخاص في تأسيس تلك الشركات. أما حصة الصندوق في الشركة السعودية الموحدة للكهرباء والبالغة نسبتها 85 في المائة من رأسمال الشركة، فهي تمثل قيمة القروض التي قدمها الصندوق لشركات الكهرباء (قبل دمجها) لمساعدتها في مواكبة الطلب الكبير الذي شهدته المملكة في هذا القطاع. بالطبع هناك أسباب وظروف أخرى دعت الصندوق لتملك حصص في بعض الشركات المساهمة منها ما كان لإنقاذ مؤسسة مالية من الانهيار، ومنها ما آلت إليه بالشراء من شريك أجنبي إثر انسحابه من السوق كصفقة مجموعة سامبا المالية.
أياً كانت أسباب منشأ ملكية تلك الحصص، فهي تدر دخلاً جيداً يقدر بأكثر من عشرة مليارات ريال سنوياً من الأرباح الموزعة، ناهيك عما تحتفظ به تلك الشركات من أرباح في بنود الاحتياطيات العادية وغيرها. ولا شك أن هذا الدخل أصبح يشكل رافداً يُعوّلُ عليه ضمن سياسة الدولة تنويع مصادر إيراداتها. لكن، وبكل أسف، بات "صندوق الاستثمارات العامة" في الآونة الأخيرة هدفاً لبعض الكتاب والمحللين، إذ ما فتئ كل منهم يدعو بطريقته وزارة المالية إلى بيع حصص الصندوق في الشركات المساهمة بحجة توسعة السوق. والأكثر عجباً أن البعض منهم يطالب في دعواه بنقيضين في آن واحد، إذ لا يكتفي بعرض "رؤيته" لمعالجة أزمة سوق الأسهم عن طريق بيع الصندوق لأسهمه في تلك الشركات وتجريده من أية أصول استثمارية منتجة، بل يطرح أيضاً "رؤيته " للمستقبل وينادي بإنشاء صندوق للأجيال القادمة، وكأن "صندوق الاستثمارت العامة"، الذي بين أيدينا إنما أُنشئ للأجيال البائدة!
من الواضح أنه بجانب التناقض الصارخ بين "الرؤيتين"، هناك مغالطات أو لبس في طروحات كل منهما أو ما يسمى في مبادئ علم الاقتصاد Fallacies ينبغي ألا تترك دون تفنيد. بداية لابد من الفصل بين حركة سوق الأسهم المتأرجحة صعوداً وهبوطاً في حالة غير مستقرة وبين توزيع ملكيات تلك الأسهم في السوق، إذ لا يمكن تأسيس وتثبيت علاقة بينهما في ظل سيولة مالية متدفقة غير منضبطة. ومن ثم فإن الذين يرددون مقولة "دعونا نبيع أسهم الدولة كي نزيد سعة السوق ونحافظ على استقراره"، ربما لا يعلمون أنهم يروّجون لفكرة تنطوي على مغالطة ينبغي التنبيه إليها. إذ إن سعة السوق لن تتغير بخروج أو دخول طرف أو أطراف مهما كان حجمهم، فعمليات الدخول إلى السوق أو الخروج منه لا يترتب عليها سوى انتقال ملكية حصص من الأسهم من يد إلى أخرى. هناك أيد كبيرة بالطبع كصندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، المؤسسة العامة للتقاعد، صناديق البنوك، وبعض كبار المستثمرين من رجال الأعمال. فهل يا ترى سنبدأ في تحديد مقاس الأيدي التي سيُسمح لها بالبقاء في السوق وتلك التي لن يُسمح لها؟ أم أن وجود " صندوق الاستثمارات العامة " في السوق أمر مرفوض لذاته من حيث المبدأ وإن كان صندوقاً لأموال الأجيال القادمة؟
ثم لو سلمنا جدلاً بأن بيع حصص الصندوق في الشركات المساهمة سيحقق للسوق الاستقرار الذي ننشده، فلم لا نطالب كذلك كلاً من "التأمينات الاجتماعية"، و"التقاعد" اللتين تسيطران على حصص مقاربة في مجموعها لحصص الصندوق بالانسحاب أيضاً من السوق؟ وحتى ندفع بهذه المجادلة إلى حدودها المنطقية القصوى علينا أن نطالب أيضاً جميع كبار المستثمرين من رجال الأعمال بالتخلي عن حصصهم في الشركات المساهمة كي يتحول السوق حينئذ إلى ساحة "حراج" للمضاربين وأشباههم بدلاً من أن يكون وعاء استثمار وتنمية للأموال.
إن بيع حصص "صندوق الاستثمارات العامة" في بعض الشركات المساهمة لن يضيف سعة للسوق أو يمنحه استقراراً، بل إنه قد يلحق ضرراً بتلك الشركات ومساهميها إذ ستخسر شيئاً من الدعم الذي تحظى به والرعاية التي تُظلها بوجود الدولة ضمن قائمة الملاك. صحيح أن تلك الشركات تدار وفق معايير تجارية وفي سوق منافسة على المستوى المحلي والعالمي، لكن هل كان يمكن لـ "سابك" مثلاً أن تحقق ما حققته من نجاح دون الدعم الذي قدمته الدولة لها منذ نشأتها؟ ثم من هم يا ترى المستفيدون الحقيقيون من نجاح "سابك" والشركات الأخرى التي يسهم فيها الصندوق؟ أليسوا هم الأجيال القادمة الذين يملكون رأسمال الصندوق والمساهمين الآخرين الذين يتداولون اليوم أسهما.
تلك الشركات؟ أي أن الجميع يشارك في جني ثمار هذا النجاح، كما أن الجميع سيفقد تلك اليد الحانية إن غابت! وليست "سابك"، وحدها التي يصدق عليها هذا القول، بل يكاد ينسحب على جميع الشركات المساهمة الأخرى التي يمتلك الصندوق حصصاً في رؤوس أموالها.
كنت أتمنى ممن تفضل بطرح رؤيته لمعالجة وضع سوق الأسهم أن يطالب وزير المالية بتفعيل دور "صندوق الاستثمارات العامة" كصانع سوق لما يمتلكه من مقومات يتطلبها مثل هذا الدور، وأهمها حيازته حصصا مؤثرة في معظم الشركات المدرجة، ملاءة مالية لا نظير لها، وملكية عامة تنأى بنفسها عن المصالح الضيقة أو قصيرة الأجل. لكن هذا الدور لا بد أن يسبقه عمل مؤسسي منظم يدعمه فريق خبراء على درجة عالية من المهنية لئلا يدهس هذا العملاق الآخرين إن لم تُضبط تحركاته في السوق. ويمكن أن يُسند دور مماثل لكل من "التأمينات الاجتماعية" و"التقاعد" كي نسهم في إيجاد بيئة مستقرة ومتوازنة للمتداولين.
لا يعتمد استقرار السوق على وجود مثل أولئك الصناع فقط، بل وهو الأهم, فلا بد من ضبط وتقليص التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك لعملائها في الاكتتابات والمضاربة، وهي قضية يجب تنظيم إيقاعاتها بشكل دقيق من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي كي يتعامل السوق مع إمكانات مالية حقيقية غير مصطنعة، وإلا إن تُرك الحال على ما هو عليه، فلن يُشبع نهم المضاربين أسهم بورصات العالم أجمع. والشاهد على ذلك الهبوط الحاد في أسعار بعض أسواق الأسهم العربية والخليجية الذي صاحب هبوط السوق السعودية, والمأزق الذي وجد المضاربون أنفسهم فيه ما دعاهم إلى بيع مراكزهم في تلك الأسواق لتغطية التزاماتهم هنا. إن توسعة سوق تداول الأسهم لن تتحقق ببيع حصص صندوق الاستثمارات العامة أو غيره من كبار الملاك، كما أنها لن تتحقق بالتوسع في عمليات الإقراض، إذ لا بد من إضافة شركات حقيقية لم تكن موجودة أصلاً في السوق. وهناك روافد كثيرة لمثل تلك الإضافات منها المشاريع النفطية، الخدمات الصحية، التعليم، نظافة المدن، وتحويل المؤسسات العامة الحكومية ذات الصفة التجارية إلى شركات مساهمة، مثل السكة الحديد، الخطوط السعودية، صوامع الغلال، مشاريع التحلية، وغيرها. إذ إن من شأن هذه الخطوات فتح قنوات جديدة للاستثمار أمام المواطنين ورفع كفاية الأداء في تلك المرافق.
أخيراً، أود أن أضم صوتي لأولئك الذين يطالبون بصندوق للأجيال القادمة.. وأقول لهم ما رأيكم في صندوق يمتلك أصولاً منتجة تصل قيمتها السوقية إلى 800 مليار ريال تقريباً، وتوفر فرص عمل للآلاف من المواطنين، كما تحقق إيرادات سنوية متنامية من موجودات جميعها تُظلها سماء الوطن؟ ألا يستحق مثل هذا الصندوق أن نحافظ عليه حتى نسلمه لأصحابه وهم الأجيال التي ستأتي بعدنا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
"قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون".
سورة يوسف - الآية 47
قد يصبح المال نقمة على صاحبه في بعض الأحيان عندما يجلب له متاعب لم تكن في الحسبان ولم تدر بخاطره فضلاً عن أنه لم يسع إليها أصلاً. والمال الذي أعنيه هنا الأصول الرأسمالية التي يملكها "صندوق الاستثمارات العامة" في بعض الشركات المدرجة للتداول في سوق الأسهم في المملكة. إذ يملك الصندوق الذي يرأس مجلس إدارته وزير المالية حصصاً مؤثرة في تلك الشركات تشكل في مجموعها نحو نسبة 40 في المائة من القيمة الإجمالية للسوق أو ما يعادل 800 مليار ريال تقريباً وفقاً لأسعار إغلاق يوم الأحد الماضي.
وبالرغم من تفاوت حصص " الصندوق " في تلك الشركات من 5 إلى 85 في المائة، إلا أن بينها قاسما مشتركا وهو أنها كيانات اقتصادية ناجحة حققت الكثير من المكاسب لمساهميها، وخير مثال لذلك الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، التي أحسب أن معظم القراء يعرف تاريخ مسيرتها منذ تأسيسها في عام 1976م برأسمال قدره عشرة مليارات ريال قدمها "الصندوق" في وقت كانت فيه قدرات القطاع الخاص متواضعة، كما كان مستقبل الصناعة في المملكة يلفه الكثير من الغموض. وقد تنامت أرباح الشركة عاماً بعد عام إلى أن بلغت في العام الماضي 2005 ضعف رأسمالها الذي بدأت مشوارها به، كما قفزت قيمتها السوقية لتصبح قريبة من حاجز الـ 600 مليار ريال ما يضعها في مصاف الشركات العالمية الكبرى.
وكما أن هناك تفاوتا في حصص "الصندوق" في الشركات المساهمة، هناك أيضاً نماذج متعددة لأنماط وأسباب منشأ ملكيته لتلك الحصص. فعلى سبيل المثال تحمّل "الصندوق" كامل مسؤولية تأسيس وتمويل كل من شركة " سابك "، وشركة الاتصالات السعودية، بينما تغير هذا النمط في شركات: "النقل البحري"، "النقل الجماعي"، "صافولا" و"ينساب"، حيث أسهم الصندوق بنسب مختلفة مع مستثمرين من القطاع الخاص في تأسيس تلك الشركات. أما حصة الصندوق في الشركة السعودية الموحدة للكهرباء والبالغة نسبتها 85 في المائة من رأسمال الشركة، فهي تمثل قيمة القروض التي قدمها الصندوق لشركات الكهرباء (قبل دمجها) لمساعدتها في مواكبة الطلب الكبير الذي شهدته المملكة في هذا القطاع. بالطبع هناك أسباب وظروف أخرى دعت الصندوق لتملك حصص في بعض الشركات المساهمة منها ما كان لإنقاذ مؤسسة مالية من الانهيار، ومنها ما آلت إليه بالشراء من شريك أجنبي إثر انسحابه من السوق كصفقة مجموعة سامبا المالية.
أياً كانت أسباب منشأ ملكية تلك الحصص، فهي تدر دخلاً جيداً يقدر بأكثر من عشرة مليارات ريال سنوياً من الأرباح الموزعة، ناهيك عما تحتفظ به تلك الشركات من أرباح في بنود الاحتياطيات العادية وغيرها. ولا شك أن هذا الدخل أصبح يشكل رافداً يُعوّلُ عليه ضمن سياسة الدولة تنويع مصادر إيراداتها. لكن، وبكل أسف، بات "صندوق الاستثمارات العامة" في الآونة الأخيرة هدفاً لبعض الكتاب والمحللين، إذ ما فتئ كل منهم يدعو بطريقته وزارة المالية إلى بيع حصص الصندوق في الشركات المساهمة بحجة توسعة السوق. والأكثر عجباً أن البعض منهم يطالب في دعواه بنقيضين في آن واحد، إذ لا يكتفي بعرض "رؤيته" لمعالجة أزمة سوق الأسهم عن طريق بيع الصندوق لأسهمه في تلك الشركات وتجريده من أية أصول استثمارية منتجة، بل يطرح أيضاً "رؤيته " للمستقبل وينادي بإنشاء صندوق للأجيال القادمة، وكأن "صندوق الاستثمارت العامة"، الذي بين أيدينا إنما أُنشئ للأجيال البائدة!
من الواضح أنه بجانب التناقض الصارخ بين "الرؤيتين"، هناك مغالطات أو لبس في طروحات كل منهما أو ما يسمى في مبادئ علم الاقتصاد Fallacies ينبغي ألا تترك دون تفنيد. بداية لابد من الفصل بين حركة سوق الأسهم المتأرجحة صعوداً وهبوطاً في حالة غير مستقرة وبين توزيع ملكيات تلك الأسهم في السوق، إذ لا يمكن تأسيس وتثبيت علاقة بينهما في ظل سيولة مالية متدفقة غير منضبطة. ومن ثم فإن الذين يرددون مقولة "دعونا نبيع أسهم الدولة كي نزيد سعة السوق ونحافظ على استقراره"، ربما لا يعلمون أنهم يروّجون لفكرة تنطوي على مغالطة ينبغي التنبيه إليها. إذ إن سعة السوق لن تتغير بخروج أو دخول طرف أو أطراف مهما كان حجمهم، فعمليات الدخول إلى السوق أو الخروج منه لا يترتب عليها سوى انتقال ملكية حصص من الأسهم من يد إلى أخرى. هناك أيد كبيرة بالطبع كصندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، المؤسسة العامة للتقاعد، صناديق البنوك، وبعض كبار المستثمرين من رجال الأعمال. فهل يا ترى سنبدأ في تحديد مقاس الأيدي التي سيُسمح لها بالبقاء في السوق وتلك التي لن يُسمح لها؟ أم أن وجود " صندوق الاستثمارات العامة " في السوق أمر مرفوض لذاته من حيث المبدأ وإن كان صندوقاً لأموال الأجيال القادمة؟
ثم لو سلمنا جدلاً بأن بيع حصص الصندوق في الشركات المساهمة سيحقق للسوق الاستقرار الذي ننشده، فلم لا نطالب كذلك كلاً من "التأمينات الاجتماعية"، و"التقاعد" اللتين تسيطران على حصص مقاربة في مجموعها لحصص الصندوق بالانسحاب أيضاً من السوق؟ وحتى ندفع بهذه المجادلة إلى حدودها المنطقية القصوى علينا أن نطالب أيضاً جميع كبار المستثمرين من رجال الأعمال بالتخلي عن حصصهم في الشركات المساهمة كي يتحول السوق حينئذ إلى ساحة "حراج" للمضاربين وأشباههم بدلاً من أن يكون وعاء استثمار وتنمية للأموال.
إن بيع حصص "صندوق الاستثمارات العامة" في بعض الشركات المساهمة لن يضيف سعة للسوق أو يمنحه استقراراً، بل إنه قد يلحق ضرراً بتلك الشركات ومساهميها إذ ستخسر شيئاً من الدعم الذي تحظى به والرعاية التي تُظلها بوجود الدولة ضمن قائمة الملاك. صحيح أن تلك الشركات تدار وفق معايير تجارية وفي سوق منافسة على المستوى المحلي والعالمي، لكن هل كان يمكن لـ "سابك" مثلاً أن تحقق ما حققته من نجاح دون الدعم الذي قدمته الدولة لها منذ نشأتها؟ ثم من هم يا ترى المستفيدون الحقيقيون من نجاح "سابك" والشركات الأخرى التي يسهم فيها الصندوق؟ أليسوا هم الأجيال القادمة الذين يملكون رأسمال الصندوق والمساهمين الآخرين الذين يتداولون اليوم أسهما.
تلك الشركات؟ أي أن الجميع يشارك في جني ثمار هذا النجاح، كما أن الجميع سيفقد تلك اليد الحانية إن غابت! وليست "سابك"، وحدها التي يصدق عليها هذا القول، بل يكاد ينسحب على جميع الشركات المساهمة الأخرى التي يمتلك الصندوق حصصاً في رؤوس أموالها.
كنت أتمنى ممن تفضل بطرح رؤيته لمعالجة وضع سوق الأسهم أن يطالب وزير المالية بتفعيل دور "صندوق الاستثمارات العامة" كصانع سوق لما يمتلكه من مقومات يتطلبها مثل هذا الدور، وأهمها حيازته حصصا مؤثرة في معظم الشركات المدرجة، ملاءة مالية لا نظير لها، وملكية عامة تنأى بنفسها عن المصالح الضيقة أو قصيرة الأجل. لكن هذا الدور لا بد أن يسبقه عمل مؤسسي منظم يدعمه فريق خبراء على درجة عالية من المهنية لئلا يدهس هذا العملاق الآخرين إن لم تُضبط تحركاته في السوق. ويمكن أن يُسند دور مماثل لكل من "التأمينات الاجتماعية" و"التقاعد" كي نسهم في إيجاد بيئة مستقرة ومتوازنة للمتداولين.
لا يعتمد استقرار السوق على وجود مثل أولئك الصناع فقط، بل وهو الأهم, فلا بد من ضبط وتقليص التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك لعملائها في الاكتتابات والمضاربة، وهي قضية يجب تنظيم إيقاعاتها بشكل دقيق من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي كي يتعامل السوق مع إمكانات مالية حقيقية غير مصطنعة، وإلا إن تُرك الحال على ما هو عليه، فلن يُشبع نهم المضاربين أسهم بورصات العالم أجمع. والشاهد على ذلك الهبوط الحاد في أسعار بعض أسواق الأسهم العربية والخليجية الذي صاحب هبوط السوق السعودية, والمأزق الذي وجد المضاربون أنفسهم فيه ما دعاهم إلى بيع مراكزهم في تلك الأسواق لتغطية التزاماتهم هنا. إن توسعة سوق تداول الأسهم لن تتحقق ببيع حصص صندوق الاستثمارات العامة أو غيره من كبار الملاك، كما أنها لن تتحقق بالتوسع في عمليات الإقراض، إذ لا بد من إضافة شركات حقيقية لم تكن موجودة أصلاً في السوق. وهناك روافد كثيرة لمثل تلك الإضافات منها المشاريع النفطية، الخدمات الصحية، التعليم، نظافة المدن، وتحويل المؤسسات العامة الحكومية ذات الصفة التجارية إلى شركات مساهمة، مثل السكة الحديد، الخطوط السعودية، صوامع الغلال، مشاريع التحلية، وغيرها. إذ إن من شأن هذه الخطوات فتح قنوات جديدة للاستثمار أمام المواطنين ورفع كفاية الأداء في تلك المرافق.
أخيراً، أود أن أضم صوتي لأولئك الذين يطالبون بصندوق للأجيال القادمة.. وأقول لهم ما رأيكم في صندوق يمتلك أصولاً منتجة تصل قيمتها السوقية إلى 800 مليار ريال تقريباً، وتوفر فرص عمل للآلاف من المواطنين، كما تحقق إيرادات سنوية متنامية من موجودات جميعها تُظلها سماء الوطن؟ ألا يستحق مثل هذا الصندوق أن نحافظ عليه حتى نسلمه لأصحابه وهم الأجيال التي ستأتي بعدنا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
"قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون".
سورة يوسف - الآية 47