المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأديب الكبير : أحمد أمين , مقالة جميلة .



التركي
23-08-2010, 01:36 AM
مقال للأديب الكبير أحمد أمين رحمه الله

--------------------------------------------------------------------------------

الأديب الكبير : أحمد أمين | 22-08-2010 01:06

مقال للأديب الكبير أحمد أمين رحمه الله ، مما نشره بمجلة الرسالة وجمع بعد ذلك في كتابه ( فيض الخاطر ) بتاريخ 1357هـ أي منذ 75 عاما تقريبا يتحدث فيه عن أخلاق العمل ..

***

نجار ونجار
الأديب الكبير : أحمد أمين

استأجر دكانًا أمام منزلي الأسطى حسن النجار .
وهو شاب في نحو الثلاثين من عمره ، مَهزول الجسم ، أصفر الوجه ، ينتعل نعلا بالية ، ويلبس ثيابا رثة ، وعلى رأسه طربوش أسفله أسود ، وأعلاه أحمر ، قد دفعه إلى الوراء ليُظهر (( قُصَّته )) من شعره ، فرّعها فروعا ورفعها إلى السماء لتناطح السحاب .
ينظر إليك بعين مُنتفخة كأنه قريب العهد دائمًا بنوم طويل ثقيل ، ويمشى متطرحا كأن في رأسه دائما فضلة خُمَار ، وعلى وجهه غَبرة كأن الماء لم يمسه أبدًا ؛ أقوى شيء فيه لسانه في السباب ، وصوته في النزاع .
ليس لفتح دكانه أو إغلاقه موعد ، ولا لعمله وراحته وقت محدد ، يحلو له أحيانًا أن يغلقه في الصباح ويفتحه في الظهر إذا بدأ الناس يَقيلون ، وأحيانًا يسره أن يتركه مغلقًا طول النهار ويفتحه ليلا حيث يبدأ الناس في النوم ، فيضيء مصباحه ، ويخرج عدده وأدواته في الشارع ، ويأخذ في نجارته ما حلى له ذلك ، فحينًا إلى الفجر ، وحينًا إلى الصباح ؛ تحاول أن تصده عن ذلك وتنصحه فيظهر الطاعة ثم يستمر في خطته ؛ وأحيانًا تتقلب دكانه في الليل حانة يجتمع وأصحابه فيتنادمون ويتشاربون ؛ حتى إذا تمشت الخمر في مَفَاصلهم ، ودبت في عظامهم ، ذهبت بهم كل مذهب ، وأخذت منهم كل مأخذ ، فيتغنوا أحيانًا ، وَوَقْع الغناء في نفوسهم أحسن وَقْع ، وصاحوا جميعًا بصوت واحد : آه ! ممدودة ما طاوعتهم أنفاسهم – وأحيانًا يعدلون عن الغناء إلى تبادل النكات ، ويعقبون كل نكتة بضحكة عالية تَسُرّ نفوسهم وتخرق آذان جيرانهم .
* * *
وإذا فتح الدكان نهارًا فمعرض غريب ، لا لجودة المصنوعات ، ولا دقة المعروضات ، ولكن لأصحاب الحاجات قد أتوا يطالبون بإنجاز أعمالهم ، والشكوى من تأخير طلباتهم ؛ ثم يصل الأمر في أغلب الأحيان إلى تدخل البوليس ، وأحيانًا يكون ما هو أدهى وأمرّ ، إذ يكون قد سلّم إليه صاحب حاجة دولابه أو كرسيه لإصلاحه ، فلم يجد دولابه ولا كرسيه ، لأن الأسطى حسن اضطرته الحاجة الملحة فباعة وأضاع ثمنه .
وهكذا أصبح شارعنا بحمد الله معرضًا في النهار للسباب والمنازعات والخصومات والبوليس ، ومنتدي جميلا ليلًا لأهل السّماح الملاح ، إلى الصباح .
وأخيرًا : عدت من عملي يومًا فرأيت الزحام شديدًا على دكان الأسطى حسن ، وإذا جَلَبَة وضوضاء ، وصياح يملأ الآذان ، وإذا المنادى ينادى لبيع عدد النجارة وأدواتها :
منشار في حالة جيدة !
عشرة قروش – أحد عشر – اثنا عشر .
أَلاَ أونا – أَلا دو – أَلاَ تريه .
وهكذا حتى تم بيع كل ما في الدكان ، وفاءً لأجرتها خمسة شهور تأخرت على الأسطى حسن .
وكان شعوري إذ ذاك مزيجًا من غبطة وألم ، وحزن وفرح ؛ فقد آلمتني خاتمته ، وأفرحني ما منّيت به نفسي بعد ذلك من نوم هادئ سعيد .
ودعوت ربي جاهدًا أَلا يرغب في الدكان مستأجر بعدُ ، فإن كان ولابد فكَوّاه أو عطار ، لا نجار ولا بائع فراخ ولا مبيض نحاس ؛ وقَصَرْت شكواي على الله بعد أن جربت البوليس فوجدته لا يأبه لهذه السفاسف ، وليس له من الزمن ما يلفته لهذه الصغائر .
* * *
ولكن أبى القدر أن يستجيب دعوتي – وكأن الدكان وقفٌ على سُكْنى النجارين – فقد سكنها هذه المرة أيضًا نجار ، ولكنه من صنف آخر ، هو نجار رومي ، لم أشعر بسكناه إلا بعد شهر ، إذ لم يكن في عمله شيء غير عادي ، فهو يفتح دكانه وقت العمل ، ويغلقها عند الغروب ، وينجر فتندمج أصوات دقاته ونجارته في أصوات البائعين وحركات المارين .
دعوته يوما لإصلاح دولاب ، فإذا شاب يشترك مع الأسطى حسن في سنه ، ويختلف عنه في كل شيء آخر ، جميل الهندام ، وإن لم يكن ثمينه ، صفف شعره في أناقة ولمعان ، بينما اعتنى الأسطى حسن (( بقصته )) فقط – عمل له في هدوء وإتقان ، وكأنه يحترم نفسه ويحترم عمله ، ويقدّر نوع معيشته وما يلزم لها ، فطلبَ ضعف ما كان يطلبه زميله فدفعته راضيًا .
له في جوارنا ستة أشهر أو تزيد ، لم أسمع صوته ، ولم أسمع شاكيًا من تأخر موعد أو تصرف سيء ؛ ولم يقلق راحتي كما أقلقها مَن كان قبله ، فهو وإن لم يكن كواءً أو عطارًا كالذي رجوت ، فليس شرًا منهما ، وتبين بعدُ أن الأمر ليس نوع الصناعة ، وإنما هو نوع الصانع .
* * *
ونزلت بيتًا في ضاحية من ضواحي الإسكندرية ، فرأيت ( فيلا ) جميلة على شاطئ البحر ، لا يسكن مثلها – عادة – إلا مَن ورمت جيوبهم ، وانتفخت محافظهم ، راديو ، وبيانو ، وما شئت من أسباب التنعيم ورفاهة العيش ؛ ولكن لفت نظري رجل يلبس قباء ، ويحزم وسطه بحزام ، وعليه جاكته بسيطة نظيفة ، قد أرخى لحيته ، ودفع طربوشه إلى الوراء ، يحمل أقمشة على كتفه يكاد ينوء بحملها ، وهو من الصنف اليهودي الذي تراه يجول في الشارع كل يوم يبيع ( الدمور ) و ( الزفير ) و ( الباتستا ) .
حيرني أمر هذه الفيلا بجمالها ونظافتها ، وأمر هذا الرجل يخرج صباحا يحمل سلعته على كتفه وقد سمنت ، ويعود مساء وسلعته على كتفه وقد هزلت ؛ أمستأجر هذا الرجل حجرة صغيرة في البيت ، أم قريبٌ فقير لأصحابه عطفوا عليه وأووه ، واحتملوا منه أن يعيش بينهم وينزل في مسكنهم ؟ - وفي الحق كان هذا لغزًا شغلني شرحه ، وأعياني حله ؛ ثم هدتني المصادفة البحتة إلى استكشاف الأمر وافتضاح السر : هو ربُّ البيت ! وعميد الأسرة ، وليس فيها إلا زوجة وأولاده ؛ولكن كلهم يعمل ، وكلهم يكسب : هذه خياطة ، وإحدى بناتها معلمة بيانو ، وهذا ابنه كهربائي ، وهذا الآخر يعمل في مصلحة التلغراف ، وكل كاسب يعطى ما كسبه لأبيه ، ويجمعون من ذلك ما يجمعه موظف وسط أو فوق الوسط ، ثم هم جميعًا يعلمون كيف يعيشون ، وكيف ينعمون بالعيش بأقل نفقة ، ويعلمون ما ينفقون وما يدخرون .
قارنت بين هذا الرجل ورجل مصري آخر ،كان يجول أمام بيتنا أيضًا ، ويحمل سلعة كسلعة اليهودي ، وينادى على ( حرير المحلة ) ، وتصورته وبؤسه ، وتصورت أسرته وبُؤسها ، وكيف يتحد العملان ، وتتباين المعيشتان .
* * *
ثم نسمع الشكوى الحارة من العمال العاطلين ، والمتعلمين العاطلين ، ونسمع من يُرَجِّع العِلّة إلى تَفَشّي الأمية حينًا ، وإلى نوع الدراسة حينًا ، وإلى غير ذلك من أسباب ؛ وليس في نظري سبب أهم من نقص الأخلاق ، ولست أعنى أخلاق الكتب ، ولكن أعنى أخلاق العمل ، من معرفة طرق الكسب ، وإجادة العمل ، وحُسْن العرض ، وعدم الأنفة من مزاولة الحرفة مهما حقرت ، وضبط الدخل والخرج ، وفوق ذلك كله : العلم بفن الحياة .
أحمد أمين

عابر سبيل
24-08-2010, 11:25 AM
مقال للأديب الكبير أحمد أمين رحمه الله

--------------------------------------------------------------------------------


* * *
ثم نسمع الشكوى الحارة من العمال العاطلين ، والمتعلمين العاطلين ، ونسمع من يُرَجِّع العِلّة إلى تَفَشّي الأمية حينًا ، وإلى نوع الدراسة حينًا ، وإلى غير ذلك من أسباب ؛

وليس في نظري سبب أهم من نقص الأخلاق ، ولست أعنى أخلاق الكتب ، ولكن أعنى أخلاق العمل ، من معرفة طرق الكسب ، وإجادة العمل ، وحُسْن العرض ، وعدم الأنفة من مزاولة الحرفة مهما حقرت ، وضبط الدخل والخرج ، وفوق ذلك كله : العلم بفن الحياة .
أحمد أمين


تسلم يا خوي التركي على هذا الاختيار الراقي..

الاخلاق...
الاخلاق الاخلاق...

ألم يقل..صلى الله عليه و سلم..
(أنما بعثت..لأتمم..مكارم الاخلاق)!


*
*
،،
حقيقة..انا ابحث (الكترونيا)
عن نفس الكتاب
(فيض الخاطر)..

فليتك او اي حد اخر..
يكرمنا..لو ماتوافر له..
برابط له..او شيء من ذلك القبيل!

مطيع الله
24-08-2010, 05:34 PM
عشرة قروش – أحد عشر – اثنا عشر .
أَلاَ أونا – أَلا دو – أَلاَ تريه .
ولكن كلهم يعمل ، وكلهم يكسب : هذه خياطة ، وإحدى بناتها معلمة بيانو ، وهذا ابنه كهربائي ، وهذا الآخر يعمل في مصلحة التلغراف ، وكل كاسب يعطى ما كسبه لأبيه ، ويجمعون من ذلك ما يجمعه موظف وسط أو فوق الوسط ، ثم هم جميعًا يعلمون كيف يعيشون ، وكيف ينعمون بالعيش بأقل نفقة ، ويعلمون ما ينفقون وما يدخرون .
قارنت بين هذا الرجل ورجل مصري آخر ،كان يجول أمام بيتنا أيضًا ، ويحمل سلعة كسلعة اليهودي ، وينادى على ( حرير المحلة ) ، وتصورته وبؤسه ، وتصورت أسرته وبُؤسها ، وكيف يتحد العملان ، وتتباين المعيشتان .
* * *
ثم نسمع الشكوى الحارة من العمال العاطلين ، والمتعلمين العاطلين ، ونسمع من يُرَجِّع العِلّة إلى تَفَشّي الأمية حينًا ، وإلى نوع الدراسة حينًا ، وإلى غير ذلك من أسباب ؛ وليس في نظري سبب أهم من نقص الأخلاق ، ولست أعنى أخلاق الكتب ، ولكن أعنى أخلاق العمل ، من معرفة طرق الكسب ، وإجادة العمل ، وحُسْن العرض ، وعدم الأنفة من مزاولة الحرفة مهما حقرت ، وضبط الدخل والخرج ، وفوق ذلك كله : العلم بفن الحياة .
أحمد أمين

الا اونا - الا دو - الا تريه!!!!
ومتى خرج البيانو إلى الوجود، إذا علمنا أن الكاتب يتكلم عن فترة 1920-1940 تقريباً؟

لقد لخص المقالة في أخلاق العمل، وإجادة العمل، وحسن العرض، وعدم الأنفة من نوع المهنة، وحقارتها.

عابر سبيل: قد يكون هنا مطلبك،
http://www.4shared.com/dir/rSsJqIJJ/_-__-_10.html

التركي، عفارم عليك، وشكراً لجهدك

تغلبية
25-08-2010, 02:02 AM
ثم نسمع الشكوى الحارة من العمال العاطلين ، والمتعلمين العاطلين ، ونسمع من يُرَجِّع العِلّة إلى تَفَشّي الأمية حينًا ، وإلى نوع الدراسة حينًا ، وإلى غير ذلك من أسباب ؛ وليس في نظري سبب أهم من نقص الأخلاق ، ولست أعنى أخلاق الكتب ، ولكن أعنى أخلاق العمل ، من معرفة طرق الكسب ، وإجادة العمل ، وحُسْن العرض ، وعدم الأنفة من مزاولة الحرفة مهما حقرت ، وضبط الدخل والخرج ، وفوق ذلك كله : العلم بفن الحياة .
أحمد أمين

مقالة جميلة .. وملاحظة ثاقبة من أحمد أمين-رحمه الله

لذلك نرى أن اليهود إلى اليوم يهيمنون على الاقتصاد وعلى أسواق العالم !

شكـــراً التركي ،،

المتألم
25-08-2010, 03:12 AM
الا اونا - الا دو - الا تريه!!!!
ومتى خرج البيانو إلى الوجود، إذا علمنا أن الكاتب يتكلم عن فترة 1920-1940 تقريباً؟

لقد لخص المقالة في أخلاق العمل، وإجادة العمل، وحسن العرض، وعدم الأنفة من نوع المهنة، وحقارتها.

عابر سبيل: قد يكون هنا مطلبك،
http://www.4shared.com/dir/rssjqijj/_-__-_10.html

التركي، عفارم عليك، وشكراً لجهدك




البيانو آلة قديمة ترجع للقرن الثامن عشر
تجدينها في الويكبيديا ..

بالنسبة لموقع فور شيرد فهو موقع ممتاز نزلت منه عشرات الكتب ..
وتستطيع أن تبحث فيه عن الكتاب أو المؤلف


شكرا للجميع في هذا الموضوع الجميل ..

عابر سبيل
25-08-2010, 10:43 AM
عابر سبيل: قد يكون هنا مطلبك،
http://www.4shared.com/dir/rssjqijj/_-__-_10.html

التركي، عفارم عليك، وشكراً لجهدك




دايما تكرمنا..بمثل هالجمايل
يا الاصيل..

اسلم و سلم...
جزاك الله كل خير