المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البلاك بيري والفضائيات حلت مكان المسحر ..مواطنون يستذكرون «رمضان أول» ويحنون لـ «الغب



amroo
27-08-2010, 07:22 PM
البلاك بيري والفضائيات حلت مكان المسحر
مواطنون يستذكرون «رمضان أول» ويحنون لـ «الغبقة» والألعاب الشعبية

الدوحة – عمر عبد اللطيف
يتجاهل مبارك بن محمد السليطي ذو الـ 75 عاما، سؤالا عن عادات وتقاليد القطريين خلال شهر رمضان المبارك، ليتحسر بنبرة يشوبها الحزن والحنين على عادات القطريين «أيام زمان»، مفضلا الحديث عن تلك العادات «الجميلة» كما يصفها، ثم يصمت لبرهة، قبل أن يعود بالذاكرة إلى عشرات السنين، عندما «كانت الناس تجتمع وتساعد بعضها البعض، وتعزم بعضها البعض، أما الآن فقد «خرب المال نفوس الناس»، حسب تعبيره.

إذن كل شيء تغير، كما يشرح السليطي في حديثه لـ«العرب»، «كنا نجتمع ونطبخ الهريس والثريد»، حتى الصيام كان أصعب بكثير، فالناس كانت تعمل حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا من شدة الحر، لدرجة أن أحدهم كان لا يستطيع النوم، دون أن يضع قطعة قماش مبللة بالماء، «ويقع من النوم فجأة عندما تجف من شدة الحر.. الحين كله كونديشن ومكيفات».

حنين لعادات وأجواء رمضان أيام زمان

محمد بن مبارك لا يختلف كثيرا مع السليطي، فسرعان ما يجيب عن الحاضر باستدعاء لا شعوري لأجواء رمضان أيام زمان، مؤكدا بلهجة حاسمة أن عادات زمان «كلها اختفت..الحين ما في عادات حلوة»، أصلا كان كل يوم يعزمنا شخص، كانت الناس تضع الطعام على الأبواب، «مشان اللي يمر يفطر معاهم»، كما أن الحياة بسيطة، إلا أن الصيام سابقا «أصعب.. الحين ما نصوم، الصيام 15 ساعة، أنا أقلك نحنا نصوم 4 ساعات بس، نمضيها نايمين، ومكيفات، وسيارات، قبل غير».
غياب «العزائم» واجتماع الأقارب أو الأصدقاء في رمضان حول مائدة واحدة، يفسره بن مبارك، بالبخل عند الناس: «الحين مو مثل أول، الحين مين هو اللي يفتح مجلسه ويستقبل الضيوف والناس، ما في حدا، قبل كل واحد برمضان وغير رمضان، يطبخ كل شي ويحسب حساب خمس عوائل ونوزع الطعام بكل أنواعه على الجيران والأقارب»، مشيرا إلى أن الناس لم تكن تسهر في السابق كما الآن، ننام من الساعة 11 ونستيقظ على السحور حوالي ساعتين، ثم ننام ساعة، بعدها نعود للشغل وهكذا، «ما كان في تسالي مثل الحين» حسب قوله.

بيت العائلة الكبير اختفى

وأهم ما يميز رمضان سابقا عن الآن، كما يوضح عبد الرحمن الغانم، هو بساطة الناس، كان كل شيء «غير غير»، فحاليا لا يوجد عادات ولا جلسات، «وين اللي يسحر.. كنا ننتظر المسحر اللي كان يأتي مع طبلته، وكنا نمشي معه ونغني لمدة ثلاث ساعات»، وكل منطقة كان لها مسحر لا يتعداها إلى غيرها، الآن الكل أمام الفضائيات.
كما أن الصيام كان أصعب، برأي الغانم، لدرجة أنه من شدة الحر، كانوا ينامون على السطح، «كان الوالد يأخذ الشرشف ويبله مي ويخليه عليه.. حتى كهرباء ما في كانت تنقطع 4 ساعات»، الأولاد أيضا لا يخرجون، لأنه لا يوجد شيء للتسلية، «قبل عايشين على البركة».
التواصل وعزائم رمضان، موجودة الآن، كما يؤكد الغانم، لكنها ليست كالسابق، «أول الفطور يوميا مع أخوك وأختك والعائلة كلها، خاصة البيت اللي في أب وأم عجوز.. هم البركة ونور البيت، الكبير في السن سواء الوالد أو الوالدة بعد رحيلهم تتفكك العائلة، حتى لو هي في البيت وعلى الفراش تجمع العائلة»، كما كنا ننام كل سبعة أشخاص في غرفة واحدة، علينا الآن أن نخلق «جو خاص برمضان».

الجار لا يعرف جاره

سعيد صالح الذي كان جالسا بقرب صديقه عبد الرحمن الغانم، يهز رأسه مؤيدا، قبل أن يشير إلى أن الناس تجتمع في المجالس، وكل بيت كان يعزم الناس على الفطور، «ونوصل الأكل من بيت لبيت»، الناس تسكن قرب بعضها البعض، الآن أخوك يعيش في منطقة وأنت بمنطقة، حتى الجار لا يعرف جاره حاليا، بينما كان الكل يعيش في بيت واحد. تطور الزمن والعمران، كان له دور في تغير هذه العادات، برأي صالح، «تروح تأكل عند هذا وتطلع لبيت فلان بالفريج ذلك، الغبقة كنا نسويها، وما زالت، لكن بشكل أقل»، قبل يومين كنا معزومين عند شخص، إلا أننا لا نتأخر لأن الناس لديها أشغال، «نقعد شي ساعتين وخلاص»، سابقا نسهر حتى طلوع الشمس، وبعد السهر نذهب إلى البحر.

البلاك بيري والفضائيات حلت محل المسحر

على البحر، لا يبتعد كثيرا عما قاله الآخرون، لأن رمضان «مقدس» لدى الناس، لدرجة أن الصغار سابقا بعمر 7 إلى 10 سنوات، يتحدون بعضهم البعض في الصيام، «كنا ما نفرط بالصيام»، أما شباب اليوم، فهم «بعمر 15 سنة ويفطرون للأسف».
ولا يخفي البحر حنينه إلى الألعاب الشعبية في رمضان زمان، «عقب التراويح نستغل الوقت كله، مثل مقص الخيط والخشيشة ونتزاور من فريج لفريج، نلعب معهم ويزوروننا، كان في حب وود، والكل يعرف بعضه البعض ومتلاصقين مع بعض، تدخل لأي بيت تتقهوى وتشرب شاي، كان رمضان حلو، لا في فضائيات ولا في شي».
لكن الجار لا يعرف جاره الآن، كما يقول البحر، فالزمن تغير، والناس لا تتواصل، والبلاك بيري والكمبيوتر أخذا وقت الناس للأسف، وأثرا على التواصل بينهم، بينما كانت الناس تجلس في المجالس، وتقرأ القرآن وتتعلمه وتتدارسه في شهر القرآن.
ورغم أن العمل يأخذ وقت البحر، فإنه يحرص على زيارة أصدقائه وأقاربه بعد التراويح، «أتواصل مع الناس، وأتسحر عند واحد من ربعي، رغم ذلك الناس ما زالت تعزم بعضها البعض، والغبقات موجودة، ما زالوا محافظين عليها، مثل السمك والمحمر والهامور، ونجلس بالمجالس».

تغيير العادات والتقاليد

محمد سعد السليطي يفتقد إلى رمضان أيام زمان أيضا، حيث كانت الناس تسهر حتى السحور، ويتسحرون «الغبقة»، التي تصنع من السمك أو «الهريس مع مرق اللحم والدبس»، كنا نسهر كل يوم عند واحد، ونعزم بعضنا البعض إلى المجالس، مشيرا إلى أن الشخص يعزم أصدقاءه وأقاربه على الفطور، لكن حاليا «محدا يعزم حدا».
أما سبب تغير هذه العادات، فيفسره السليطي بأن بعض النفوس تغيرت بسبب المادة، «قبل كان أحسن.. نتمنى كل شي يرجع حلو مثل أول... إنها عادات زينة وجميلة.... نتمنى من الناس ترجع المحبة والمودة».

القديم له طابع خاص

حنين البعض إلى العلاقات الاجتماعية والعادات والتقاليد القديمة، يفسره الدكتور عبد الناصر صالح محمد اختصاصي علم الاجتماع، بقوله إن العلاقات الاجتماعية دائما في مخيلة الشعوب كلها، القديم دائما له طابع خاص من حيث ترابط العلاقات وقوتها، وهذه تمثل معظم المجتمع طبعا، موضحا أن تعقد الحياة وكثرة المتطلبات وكثرة الأشغال تجعل العلاقات الاجتماعية «محدودة»، وبالتي ينعكس ذلك على حياة الناس وعلاقتها مع بعضها.
الموضوع إذن متشعب جدا ولا يتعلق بمتغير واحد بل بعشرات المتغيرات، كما يشرح صالح، ضاربا المثل بالسكن سابقا، عندما كانت العائلة كلها تعيش في منزل واحد، الأب والأبناء والأحفاد، حيث «الحوش ملتقى الجميع.. الحين الأب في بيت والأبناء في بيت مجاور أو يعيشون في مناطق مختلفة.. أنت لو يخيروك تقول أريد العيش في بيت وحدي»، هذا كله ينعكس على العلاقات الاجتماعية حسب رأيه.
وتدليلا على موضوعية تغير العادات والتقاليد، يضرب صالح مثالا آخر بكبير السن، الذي كان يورث المهنة لأبنائه، فالجد ليس مجرد أب بل معلم ومثقف ومصدر علم ومعرفة للأبناء، أما الآن إذا أردت أي معلومة «تكبس على زر الكمبيوتر في ثوان تحصل على المعلومات التي تريدها، مهما كانت معقدة مع احترامنا للآباء»، هذا الأمر ليس بيدنا، يوجد أشياء لا نستطيع أن تقررها، مثل العلاقات بين الجيل الكبير والأصغر، فهي مبنية على المودة والرحمة، بسبب قوة الأخلاقيات وقوة الدين.
المتغير الآخر، برأي اختصاصي علم الاجتماع، هو أن المادة أصبحت حاضرة بقوة في حياة الناس، فالإنسان أصبح يريده شقة مستقلة، وقراره مستقل، كل ذلك يضعف من العلاقات الاجتماعية، في حين أن القرار كان جماعيا ومشورة بينهم، يشارك فيه أكثر من طرف، بينما الآن الشاب يختار الزوجة التي يريد والبيت والحياة التي يريد.

رأي الشباب وكيف يعيشون أجواء رمضان
رمضان يبدو مختلفا مع الشباب، فليس كلهم يشكون اختفاء العادات القديمة، كما الجيل الأكبر سنا، فهم يخلقون «جوهم» الخاص برمضان، كما يفعل أبو محمد أحد الشباب، الذي فضل عدم ذكر اسمه في حديثه لـ «العرب»، عندما جلس يدخن الشيشة مع رفاقه بأحد المقاهي، كجزء من عاداته في رمضان، الذي وصفه بشهر السهر، «كل الناس تسهر.. في الأيام العادية ما في سهر»، فالشباب يواصلون الليل بالنهار، ويذهبون إلى عملهم صباحا، حتى إذا عادوا في الساعة الواحدة ظهرا، ناموا إلى وقت الفطور، ثم يتوجهون بعد التراويح إلى «المجالس والقعدات في سوق واقف.. أو يذهبون في رحلة إلى العديد أو غيرها إن ساعد الجو».
كما أن أهم ما يتميز به رمضان غير السهر، هو أنه يوصل الناس بعضهم ببعض، كما يوضح أبو محمد، لأنه ليس دائما نجلس في المجالس، لكن في رمضان نجتمع وأرى بعض الأصدقاء، الذين لم أكن أراهم منذ فترة طويلة، و»ندخن الشيشة.. ونمضيها سوالف... وناكل فطاير وحلو.. وأحيانا يلعب الشباب الورق والجيل الأصغر يلعب السوني، السوني ما خلت لا كبير ولا صغير»، كما نتابع المباريات والمسلسلات ونتعرض بالنقد لكل شيء يذكر في المجلس. تواصل الشباب فيما بينهم، يترجم كما يقول أبو محمد «بالعزيمة على الفطور والغبقة أو السحور... نعزم بعضنا كل أسبوع عند شخص، يوم عندي بكرا عند فلان، والفطور لا يتحمله شخص واحد، أجيب معي صحن وصديقي يجيب صحن، والغبقة نفس الموضوع».
أبو محمد يرى أن المودة ما زالت موجودة لكنها كانت أفضل سابقا، وعند مقارنته الحياة القديمة بالمعاصرة، يرى فعلا أن كل شيء تغير، وليس فقط نظام العائلة، الذي كانوا يطلقون عليه البيت الكبير أو بيت العائلة، حيث يعيش الجد والأبناء والأحفاد، «هذا يطيح فلان يشيله ما في أحد محتاج، الآن ما دري جاري شسمه تفاصيل حياته.. منوهو...الكل تشتت، الحين وين تحصل هذا البيت». ويرى الشاب أبو محمد أن متطلبات الحياة فرضت على الناس أن تتوزع في المسكن، «الأب ما يعرف عن ولده»، أما سابقا «أش عندهم دكان أو صيد... الحين دوامي الصبح، وأخوي عنده شفتات أو تاجر ما نشوفه أبدا، واللي مسافر، هذه هي الحياة الآن»، كما أن المادة «غيرت الناس ونص».

تقاليد رمضان لم تفقد بريقها

رغم رأي أبي محمد هذا، فإنه يعتقد أن التقاليد الرمضانية ما زالت موجودة، على الأقل كما يفعل هو مع أصدقائه، حيث يجتمع مع الأقارب، ويعزم الأصدقاء، ويصل الرحم، لأن صلة الرحم، لا بد أن تكون موجودة مهما تطور الزمن، كما أن المودة موجودة بين الشباب، حتى لو لم ير أصدقاءه، إلا أنهم موجودون، «لو ما شفته من شهرين أتصل بيه أستطيع أن أحصلا، والعائلة نفس الموضوع، قبل شيء صعب ما كان في تلفونات، التلفون يوصل لآخر الدنيا.. كل بعيد قريب».
كما أن محمد سعد السليطي ما زال يحافظ على بعض التقاليد الرمضانية، كاجتماعه مع الأصدقاء بعد صلاة التراويح في مجلس الداما أو في مجالس أخرى، حيث يلعب البعض الداما أو الورق، ومنهم من يجلس ويتسامر مع الآخرين. ورغم كل هذه التغييرات التي طرأت على العادات والتقاليد، يظن الدكتور عبد الناصر صالح أن العلاقات الاجتماعية «لم تفقد بريقها تماما»، قد يكون الإنسان وصل إلى أقصى درجة من الاستقلال، لدرجة أن الأب أصبح لا يدري عن راتب ولده، لكن العلاقات الاجتماعية لم تتغير تماما، ما زالت قوية بسبب التركيبة القبلية في المقام الأول، ثم بسبب القرابة والعلاقات التي تتداخل فيها المصالح الاجتماعية والمستقبل المشترك، لهذا فإنها لا تتغير بسهولة.
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=145981&issueNo=984&secId=23

إنسان عادي
28-08-2010, 01:38 AM
يعطيك العافية