المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حديث هادىء في فقه "سد الذرائع"



ليلة
30-08-2010, 10:50 PM
استدل العلماء على هذه قاعدة *سد الذرائع* بالنقل والعقل . والمتأمل في هذه الأدلة يجدها تفيد القطع بصحة القاعدة في الجملة .


أما النقل فيستدل به من عدة أوجه : (1)

أولاً : الله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم أسبابه ووسائله ، ولا يعقل كما يقول ابن القيم - رحمه الله - أن يحرم الله شيئاً ويبيح أسبابه ووسائله المفـضـيـة إلـيه وهذا واضح في أمور كثيرة . بل إن الشريعة تؤكد على تحريم الوسائل والأسباب إذا كان مـــا تـــؤدي إلـيه من الكـبـائـر ، وأمثلة هذا النوع وشواهده كثيرة جداً ، فقد حرم الله عز وجل الكفر ، وحرم أسبابه ووسائله حتى يصون المؤمنين ، ويبعدهم أشد البعد عن هذا الظلم العظيم. ومن أهم أسباب الكفر اتباع خطوات الشيطان ووسائله ، فحذر الله - عز وجل - من هذه الوسائل، بعدة طرق ، وفي مواطن كثيرة جداً

قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ))(2)

ونهى الله - عز وجل - عن اتخاذ المشركين أولياء . لأن هذا من أسباب محبتهم ومحبة دينهم وهو من ذرائع الكفر

قال تعالى (( لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ))(3) وقال ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ))(4)

وبيّن سبحانه وتعالى علة النهي فقال : (( ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ ))(5)

كما نهى سبحانه وتعالى عن الإقامة بين أظهرهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا بريء مـن كــــل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، قالوا : يا رسول الله ولمَ؟ قال : لا تراءى نارهما(6) عـــن مخالطتهم ، لأن مخالطتهم تؤثر على الإيمان ، وتضعف بغضهم وبغض دينهم"
كما قال صلى الله عليه وسلم : "لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم ، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم" .(7)

بل إنه سبحانه وتعالى نهى عن مشابهتهم للأسباب نفسها أيضاً واستفاضت النصوص في التحذير من ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من تشبه بقوم فهو منهم"(8)

بل قد حرمت الشريعة أموراً لكونها تشبها بالكفار . ومن ذلك تحريم التشبه بهم في الملبس والمأكل ، ومنها الصلاة في أوقات معينة ، وغير ذلك كثير .

ثم فقد حذرت الشريعة أشد التحذير من المعاصي ومقارفتها لأنها بريد الكفر .
ومثل ما تقدم في تحريم الكفر وذرائعه ، والزنا وذرائعه ، كان تحريم الربا وشرب الخمر وذرائعهما ، إلى غير ذلك من المحرمات .

وكل هذه الشواهد تفيد القطع بأن الشريعة إذا حرمت شيئاً حرمت ذرائعه .




ثانياً : وهذا الوجه من أقــــوى وجوه الإستدلال على هذه القاعدة وأوضحها . إذ جاء الشرع بتحريم وسائل لا شك في إباحتها لو تجردت عما أفضت إليه (وقد تتجرد فترجع إلى أصل الإباحة) .
وانما حرمها الشارع لعلة إفضائها إلى محرم وأدلة هذا الوجه كثيرة أيضاً . لكن دلالاتها تختلف قوة وضعفاً ، بل قد نازع فيها بعض العلماء ؛ لأن تلك العلل غير منصوص عليها ، فلم يتفقوا مع غيرهم على أن علة التحريم هي إفضاؤها إلى محرم ، فكأنهم جعلوا النهي تعبدياً ، أو بنوه على علة أخرى .

من أجل هذا سأقتصر هنا على تلك الأدلة التي نصت على أن علة تحريم هذه الوسائل إفضاؤها إلى محرم .





الأدلة من الكتاب :


1 - قال تعالى (( ولا تَسُبُّوا الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ))(9) .

ووجه الاستدلال أن الله - عز وجل - حرّم سب الآلهة مع أنه عبادة . وعلل هذا المنع بكونه ذريعة إلى سبهم له -جــل وعلا-
فمصلحة تركهم سب الله -سبحانه- راجحة على مصلحة سبنا لآلهتهم .(10)

فالوسيلة هنا هي سب آلهة الـمـشـركين ، وأقل أحوالها الإستحباب ، ويغلب على الظن إفضاؤها إلى سب المشركين لله -عز وجل -.


2- قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَـنـُــوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ))(11)

وجه الإستدلال : أن هذا النص ظاهر في المنع من السؤال المباح ، إذا خيف إفضاؤه إلى محظور . خاصة إذا عُلِم سبب نزول الآية : وهو أن رجلاً قال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : فلان، فـقـالـــت له أمه : ما سمعت بابن أعق منك أظننت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية ، فتفضحها على أعين الناس فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت .



وأما السنة فالشواهد كثيرة جداً منها :

1- تركه -صلى الله عليه وسلم- قتل المنافقين ، مع أن في قتلهم مصلحة كبيرة ، ثم علل ذلك بقوله ك "حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه".(12)

2- كــــذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : "لولا قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين، باب يدخل منه الناس،وباب يخرجون"(13)
وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله *باب من ترك بعض الإختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه ، فيقعوا في أشد منه*(14) .



ثالثاً : جاءت الشريعة بالحث على ترك الشبهات . لأن ارتكابها ذريعة إما إلى الوقوع في الحرام بغير قصد ، وإما إلى اتخاذها مطية لأغراض فاسدة ، فمن احتاط لنفسه ، لم يقرب الشبهات ، فلا يقع في واحد من هذين المحظورين .

وقد حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ترك الشبهات في أكثر من حديث ، منها الحديث الـمـشـهور عن الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنه ، وموطن الشاهد منه : "فمن ترك الشبهات فـقــــد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام" .(15)
وحديث : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"(16) .






ومظاهر العمل بترك الشبهات ، الذي هو عمل بسد الذرائع كثيرة جداً يطول استقصاؤها ومن صورها :

1- أن الشرع حث المسلم على اجتناب مواطن التهم حتى لا يتعرض لإساءة الظن بدينه ، ومن ذلك قصته -صلى الله عليه وسلم- وصفية رضي الله عنه حين أراد أن يودعها إلى أهلها فرآه اثنان من الصحابة ، فأسرعا، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عـلـــى رسلكما ، إنها صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسـلـــم إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً" (17)

2- حديث امتناعه -صلى الله عليه وسلم- أن يأكل التمرة التي رآها ملقاة خشية أن تكون من الصدقة . (18) .





رابعاً : أن الله -عز وجل- توعد بالعقاب من يحتال إلى الممنوع بفعل جائز فدل ذلك على تحريم الفعل الجائز إذا كان يتوسل به إلى ممنوع ، وهذا هو عين سد الذرائع .

ومن أشهر أمثلة ذلك : أن الله -جل وعلا- ذم أصحاب السبت . لأنهم احتالوا على ما حرمه عليهم مــن صـيـــد الحيتان يوم السبت ، وابتلاهم الله -عز وجل - بأن جعل الحيتان تأتيهم يوم السـبـــت شرعاً (ظاهرة) ، ولا تكون على هذه الحالة باقي الأيام ، فاحتالوا على ذلك بأن حفروا لها حفراً في البحر تحجزها ليسهل عليهم صيدها في باقي الأيام .(19)



وأما العقل : فيمكن إجمال اعتبار العقل لقاعدة سد الذرائع بكلام ابن القيم رحمه الله حيث يقول : "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها ، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها ، معتبرة بها ، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غايتها ، وارتباطها بها ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن بها بحسب إفضائها إلى غاياتها . فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلاهما مقصود ، لكنه مقصودٌ قصدَ الغايات ، وهي مقصودةٌ قصدَ الوسائل . فإذا حرم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ، ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه ، وتثبتاً له ، ومنعاً أن يقرب حماه . ولو أباح الوسائل المفضية إليه لكان ذلك نقصاً في التحريم وإغراء للنفوس به . وحكمته تعالى تأبى ذلك ، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك ، فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه فقد أفسد منعه ، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده .
وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه ، وإلا أفسد عليهم ما يرومون إصلاحه . فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومن تأمـــل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سدا الذرائع المفضية إلى المحرمات بأن حرماها ونهيا عنها" (20)





أمثلة وتطبيقات على سد الذرائع :

قبل ذكر هذه الأمثلة لابد مــــن التنبيه على أمر مهم جداً ، وهو أن تطبيق هذه القاعدة والعمل بها -وهو ما يُعرف بتحقـيــق المناط الذي من معناه تحقيق وجود العلة في الواقعة حتى يُـبـنـى علـيهــا الحكم- لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا بمعرفة واقع المسألة معرفة جيدة .
وهو ما أطـلـــق علـيـه ابن القيم رحمـه الله الفقه في الواقع .

فحتى نخرج بتطبيق صحيح لهذه القاعدة ، لابد أن نميز درجة إفضاء الأمر الجائز إلى الممنوع، وتحديد درجة الإفضاء هذه تختلف فيه التقديرات اختلافاً كبيراً، كل بحسب ما وصل له . أضف إلى ذلك أن تقدير متعلق الوسيلة بأمر حاجي أو ضروري ، وكذا المتوسل إليه ، أمر قابل لإختلاف وجهات النظر .


فمن أمثلة تطبيق هذه القاعدة في حياة السلف مما يشابه واقعنا :

1 - الحرص على الوحدة والائتلاف ، ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف .
وهذا من أعظم الأصول التي دعت إليها الشريعة وطبقها السلف الصالح -رضوان الله تعالى عنهم-
فظهرت آثار المحافظة على هذا الأصل في مواقــف كثيرة ، منها مثلاً تركهم بعض المباحات ، بل بعض السنن من أجل عدم التفرق والاخـتـلاف ، وهذا من فقههم -رحمهم الله تعالى- ، فواجب على من سار على سبيلهم أن يقـتــدي بهم في ذلك .

ومن أمثلة ما نُقل عنهم في هذا الباب ، قصة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في صلاته خلف أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بمنى إتماماً مع أن السنة القصر ، فلما قيل له في ذلك قال : "الخلاف شر" .

ومن أجل ذلك نرى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقرر أنه "يستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك مثل هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا" .

ومن هذا ما يقع الآن بين الدعاة وطلبة العلم من رد هذا على ذاك .

إن الرد على المخالف مشروع في الجملة ، وهو سنة الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على هذا من أكــابـــر العلماء ، إلى يومنا هذا .
لكن هل هذا الأمر على إطلاقه ؟ فهل يكون الرد على المخالف مشروعاً حتى وأن أفضى إلى فساد أو منكر أكبر ؟

إن الرد على المخالف وسيلة . القصد منها إظهار الحق لإزهاق الـبـاطـــل وإعلاء كلمة الدين .
لكن هذه الوسيلة قد تأتي بضد ما شرعت لأجله ، فيحصل بسبب هذا الرد تفريق الأمة ، واقتتالها فيما بينها ومن ثم ضعفها ، واستطالة الأعداء عليها . ومن ثم ذهاب بيضة هذا الدين .
فهل يبقى الرد عندئذ على المخالف مطلباً مشروعاً ؟

هذه مسألة تحتاج إلى بحث ونظر ، حسب القواعد والضوابط الشرعية ، وحسب الواقع ، ولا يتسع المجال لعرضها في هذا المقال ، وأدعو الأخوة الباحثين والدعاة وطلبة العلم ، أن يبحثوا هذه المسألة بحثاً علمياً مؤصلاً .

ولا مــانـــع هنا من أن نعرض بعض ما يجب مراعاته في دراسة هذه المسألة مما له صلة ببحثنا .
الرد على المخالف في المسائل الإجتهادية كطرائق الدعوة مثلاً . أكثر ما يقال فيه أنه وسيلة مـشـــروعـــة ، لا تصل إلى الوجوب .
ذا غلب على الظن أداؤها لحدوث تدابر وتباغض بين المسلمين وإنما تُسدّ . لأنها ذريعة إلى أمر ممنوع .

لكن ما حكم الرد على المخالف في غير المسائل الاجتهادية . إذا أدى إلى حدوث ذلك الفساد ؟ ينبغي أن ينظر إلى حجم المخالفة ، ثم مدى تأثر الناس بها ، وحجم المصلحة الناتجة من هذا الرد . ثم حجم الفساد الذي أفضت إليه هذه الذريعة ، وكذلك درجة إفضاء هذا الرد لهذا الفساد .

الأمر بمجانبة أهل الأهواء والفساد : لقد سبق القول إن الشرع حث المسلم على عدم مخالطة المشركين ، لأن ذلك ذريعة لمحبتهم أو محبة دينهم . وكذلك فإن مخالطة أهل الأهواء ذريعة إلى التأثر بهم أو دخول بعض شبههم إلى قلبه . وأقل ذلك الخوض معهم في باطلهم ، ومثل مخالطتهم ، قراءة كتبهم والنظر فيها .
لذلك فقد جاءت نصوص كثيرة عن الصحابة والتابعين وأيمة السلف في التحذير من ذلك .
وأقوالهم في ذلك كثيرة حتى كانت مجالاً رحباً للتصنيف ، وما ذلك إلا عملاً بسد الذرائع ، من أشهر ذلك قصة عمر بن الخـطــــــاب -رضي الله تعالى عنه- مع صبيغ بن عسل ، حينما كان يسأل عن متشابه القرآن في أجناد المسلمين ، فأمر الناس باعتزاله ، حتى رجع عن ما هو فيه ، ثم أذن عمر للناس بمخالطته .

وقال الحسن البصري -رحمه الله تعالى- : "لا تجالس صاحب هوى فيقذف في قلبك ، ما تتبعه عليه فتهلك ، أو تخالفه فيمرض قلبك".

وعن أبي قلابة -رحمه الله تعالى- : "لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالاتهم ، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون" . قال أيوب : وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب .(21)

"حدثوا الناس بما يعرفون" كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- . قال ابن حجر معلقاً : "وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة..." ثم قال : "وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج قصة العرنيين لأنه اتخذها ذريعة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي . وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد . فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم".(22)

ليس كل ما يُعلَم يُقال وإن كان حقاً ، كما قال كثير بن مرة الحضرمي : "إن عليك في علمك حقاً كما أن في مالك حقاً ، لا تحدث بالعلم غير أهله فتجهل ، ولا تمنع العلم أهله فتألم ، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيقتلوك"(23).
وهذا واضح في حديث معاذ . أفلا أبشر الناس؟ قال : "لا فيتكلوا" .
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال محدثاً عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : "لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل فقال : إن فلاناً يقول لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلاناً ، فقال عمر : لأقومن العشية ، فأحذر هؤلاء الرهط ، الذين يريدون يغضبوني ، قلت : لا تفعل ، فإن الموسم ، يجمع رعاع الناس ، ويغلبون على مجلسك ، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها فيطيروا بها كل مطير ، وأمهل حتى تقدم المدينة ، دار الهجرة ، ودار السنة ، فتخلص بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار ، ويحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها ، فقال : والله لأقومن في أول مقام أقومه بالمدينة" .


وتطبيقات سد الذرائع أكثر من أن تُحصى . ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : "وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف ، فإنه أمر ونهي . والأمر نوعان ، أحدهما مقصود لنفسه ، والثاني وسيلة إلى الـمقصود ، والنهي نوعان أحدهما ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسدة ، فصار سد الذرائع أحد أرباع الدين".


هذا ما تيسر والله تعالى أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



(1) انظر :الفتاوى الكبرى لإبن تيمية وأعلام الموقعين لإبن القيم 3/ 103 ، وسد الذرائع للبرهاني 329 .

(2) البقرة : آية 168

(3) آل عمران : آية 28

(4) الممتحنة : آية 1

(5)النساء : آية 89

(6) رواه أبو داوود ، كتاب الجهاد 3/105 رقم 2645 ، والترمذي في السير 5/329 رقم 1604 ، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع رقم 1474.

(7) رواه أبو داوود ، كتاب الجهاد 3/224 رقم 2787 ، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع رقم 6062 .

(8) رواه أبو داوود ، كتاب اللباس 4/314 برقم 4031 ، والإمام أحمد في المسند 7/142 رقم 5114 (تحقيق أحمد شاكر) وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح ، وقال شيخ الإسلام : إسناده جيّد كما في اقتضاء الصراط المستقيم 1/236 .

(9) الأنعام : آية 108

(10) الفتاوى الكبرى 6/ 174

(11) الماندة : آية 101

(12) انظر : تفسير القرطبي 6/330 وما بعدها

(13) انظر مناسبة الحديث في الاستيعاب لابن عبد البر 3/ 941

(14) رواه مسلم وغيره

(15) رواه مسلم

(16) رواه أحمد والنسائي والطبراني في المعجم الكبير

(17) أعلام الموقعين 3/ 147 .

(18) انظر : مجموع الفتاوى 22/405 - 407

(19) الاعتصام 130 . وانظر اللالكاني في السنة رقم 244 . وعبد الله بن أحمد في شرح السنة 18 .

(20) فتح الباري 1/ 272

(21) الاعتصام 2/ 14

(22) الموافقات 4/190

(23) أعلام الموقعين 3/171
.

كش ملك!!
31-08-2010, 12:01 AM
جزاك الله خير

موضوع دسم جدا ,,,,,


يحتاج الى اعادة القراءة مرات ومرات

ali440
31-08-2010, 06:52 AM
جزاك الله خير وبارك فيك
وكثر من امثالك

ومن باب سد الذرائع
كما قال الشاعر احمد شوقي

نظرة

فابتسامة

فسلام

فكلام

فموعـد

فلقاء

انتهى الامر ووصلنا للمحرم

عابر سبيل
31-08-2010, 01:21 PM
أمثلة وتطبيقات على سد الذرائع :

قبل ذكر هذه الأمثلة لابد مــــن التنبيه على أمر مهم جداً ، وهو أن تطبيق هذه القاعدة والعمل بها -وهو ما يُعرف بتحقـيــق المناط الذي من معناه تحقيق وجود العلة في الواقعة حتى يُـبـنـى علـيهــا الحكم- لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا بمعرفة واقع المسألة معرفة جيدة .
وهو ما أطـلـــق علـيـه ابن القيم رحمـه الله الفقه في الواقع .

فحتى نخرج بتطبيق صحيح لهذه القاعدة ، لابد أن نميز درجة إفضاء الأمر الجائز إلى الممنوع، وتحديد درجة الإفضاء هذه تختلف فيه التقديرات اختلافاً كبيراً، كل بحسب ما وصل له . أضف إلى ذلك أن تقدير متعلق الوسيلة بأمر حاجي أو ضروري ، وكذا المتوسل إليه ، أمر قابل لإختلاف وجهات النظر .


فمن أمثلة تطبيق هذه القاعدة في حياة السلف مما يشابه واقعنا :

1 - الحرص على الوحدة والائتلاف ، ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف .
وهذا من أعظم الأصول التي دعت إليها الشريعة وطبقها السلف الصالح -رضوان الله تعالى عنهم-


ومن أجل ذلك نرى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقرر أنه "يستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك مثل هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا" .

ومن هذا ما يقع الآن بين الدعاة وطلبة العلم من رد هذا على ذاك .

إن الرد على المخالف مشروع في الجملة ، وهو سنة الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على هذا من أكــابـــر العلماء ، إلى يومنا هذا .
لكن هل هذا الأمر على إطلاقه ؟

فهل يكون الرد على المخالف مشروعاً حتى وأن أفضى إلى فساد أو منكر أكبر ؟

إن الرد على المخالف وسيلة . القصد منها إظهار الحق لإزهاق الـبـاطـــل وإعلاء كلمة الدين .
لكن هذه الوسيلة قد تأتي بضد ما شرعت لأجله
، فيحصل بسبب هذا الرد تفريق الأمة ، واقتتالها فيما بينها ومن ثم ضعفها ، واستطالة الأعداء عليها . ومن ثم ذهاب بيضة هذا الدين .
فهل يبقى الرد عندئذ على المخالف مطلباً مشروعاً ؟



3/171
.[/size]


شكرا يا (ليلة) على الطرح الموفق...
و كل ما به..مهم و مفيد و مثري..

و لعدم..تكرار كل شيء...
اكتفي..بالاقتباس لابرز جزئية..
لفتت اتنباهي شخصيا..
و هي مسالة او منهج..
نحتاجه جميعا في واقعنا و كثيرا ما
تغيب عن اذهاننا ...


موضوع يحتاج للمزيد
من اعادة القراءة فيه!
لتعظيم الفائدة

جزاكم الله خير

meshwar
31-08-2010, 04:27 PM
سد الذريعة لايختلف فيه اثنان والأدلة لاتقبل التشكيك

وان الشك في المفهوم او ماقد يكون سبب مؤدي للذريعة
وهل يثبت ذلك بانه سبب فعلا والاختلاف فيه
لايهدم الاصل بتاتاً
واستغلال مثل هذه الامور لهدم الاصول هو عين الفتنة

على سبيل المثال

هل المضمضة بالماء في نهار رمضان تفطر الصائم ؟؟

ستجد من يفصل في هذه المسألة ، وسنختار اجابتين فقط
1- لا يفطر لأن المضمضة من سنن الوضوء ،
2- قد ينظر المفتي او المجيب في حال السائل ويعرف انه يأخذ المضمضة كذريعة له لشرب شي من الماء
بحجة المضمضة وهو يبالغ في هذا الفعل ،، فيجيبه بالاكتفاء بالاركان والواجبات فقط وينهاه عن المضمضة

انتهى ،،،،

سواء كان الصواب عند المجيب الاول او الثاني ،، فان الامر يرجع لاختلاف المفهوم وحال السائل

وان كان المفهوم في الاجابة رقم 2 مخالف ولا حجية فيه فان الامر يكن مردود على صاحبة لانه اخطأ في الفهم والاجابه ،، وتظل القاعدة " سد الذرائع " كما هي دون مساس


وجزاك الله خير يا ليلة

الأصيلة
31-08-2010, 04:34 PM
جزاك الله كل خير..
كثير من الناس يجهلون هذا الجانب المهم بالذات
في هذا العصر الذي تتقاذف علينا فيه الفتن كقطع الليل المظلم...

ليلة
01-09-2010, 02:36 AM
جزاك الله خير

موضوع دسم جدا ,,,,,


يحتاج الى اعادة القراءة مرات ومرات



وجزاك ربي الفردوس الأعلى أخي الفاضل

شرفني مرورك الكريم وأسعدني دعاءك الوفير
.

ليلة
01-09-2010, 02:40 AM
جزاك الله خير وبارك فيك
وكثر من امثالك

ومن باب سد الذرائع
كما قال الشاعر احمد شوقي

نظرة

فابتسامة

فسلام

فكلام

فموعـد

فلقاء

انتهى الامر ووصلنا للمحرم





وجزاك الله الفردوس الأعلى


اي والله انك صادق ايها الفاضل

(و ان كنا لا نعتمد الشعراء مراجع لنا في الدين :ok:)

شرفني مرورك الكريم واسعدني دعاءك الجزيل
.

ليلة
01-09-2010, 02:43 AM
شكرا يا (ليلة) على الطرح الموفق...
و كل ما به..مهم و مفيد و مثري..

و لعدم..تكرار كل شيء...
اكتفي..بالاقتباس لابرز جزئية..
لفتت اتنباهي شخصيا..
و هي مسالة او منهج..
نحتاجه جميعا في واقعنا و كثيرا ما
تغيب عن اذهاننا ...


موضوع يحتاج للمزيد
من اعادة القراءة فيه!
لتعظيم الفائدة

جزاكم الله خير



وجزاك الله مثله وزادك من رحمته ايها العابر اللماح الفاضل

شرفني مرورك الكريم
.

ليلة
01-09-2010, 02:45 AM
جزاك الله كل خير..
كثير من الناس يجهلون هذا الجانب المهم بالذات
في هذا العصر الذي تتقاذف علينا فيه الفتن كقطع الليل المظلم...


وجزاك الله الفردوس الأعلى ياصاحبة الإسم المنطبق على المسمى


شرف الموضوع اضافتك الصادقة النيّرة
.

ليلة
01-09-2010, 02:52 AM
سد الذريعة لايختلف فيه اثنان والأدلة لاتقبل التشكيك

وان الشك في المفهوم او ماقد يكون سبب مؤدي للذريعة
وهل يثبت ذلك بانه سبب فعلا والاختلاف فيه
لايهدم الاصل بتاتاً
واستغلال مثل هذه الامور لهدم الاصول هو عين الفتنة

على سبيل المثال

هل المضمضة بالماء في نهار رمضان تفطر الصائم ؟؟

ستجد من يفصل في هذه المسألة ، وسنختار اجابتين فقط
1- لا يفطر لأن المضمضة من سنن الوضوء ،
2- قد ينظر المفتي او المجيب في حال السائل ويعرف انه يأخذ المضمضة كذريعة له لشرب شي من الماء
بحجة المضمضة وهو يبالغ في هذا الفعل ،، فيجيبه بالاكتفاء بالاركان والواجبات فقط وينهاه عن المضمضة

انتهى ،،،،

سواء كان الصواب عند المجيب الاول او الثاني ،، فان الامر يرجع لاختلاف المفهوم وحال السائل

وان كان المفهوم في الاجابة رقم 2 مخالف ولا حجية فيه فان الامر يكن مردود على صاحبة لانه اخطأ في الفهم والاجابه ،، وتظل القاعدة " سد الذرائع " كما هي دون مساس


وجزاك الله خير يا ليلة


وجزاك الله الفردوس الأعلى أخي الفاضل

و مشكور جدا ع الإضافه الممتازه


و أكاد اجزم أنك طالب علم


وفقك الله لما تحب وترضى
.