التركي
23-09-2010, 01:17 PM
أحمد بن راشد بن سعيد : هذه هي قصة ارتباط قناة العربية بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية 01:47
الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود في الرياض، شخصية أكاديمية وإعلامية بارزة في الجدل الثقافي والإعلامي السعودي خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو صاحب خطاب نقدي جريء، ويحظى باحترام قطاع كبير من النخبة العربية، ولاسيما في الخليج العربي. وابن سعيّد متابع جيد للنفوذ الإعلامي الأميركي في الإعلام العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، وله دراسات عدة منشورة في هذا الجانب، بعضها أثار ضجة كبرى واهتماماً واسعاً، ويتسم ابن سعيّد بتألقه الأكاديمي وحصوله على جوائز إقليمية في دراسات الاتصال السياسي والهيمنة الثقافية والإعلام الجديد إلا أنه يتجاوز ذلك إلى ممارسة عملية ناجحة تتمثل في كونه كاتباً في أكثر من صحيفة دولية وإقليمية وسعودية، وقد حصل على جوائز في المقال الصحافي، إضافة إلى رئاسته تحرير عدد من المجلات ومشاركاته واسعة النطاق في حوارات سياسية وإعلامية وثقافية في فضائيات عربية كثيرة. الدكتور أحمد مؤلف كتب عدة مثل "قوة الوصف: دراسة في لغة الاتصال السياسي ورموزه"، و"قولبة الآخر: قصة التشويه الحضاري والاغتيال الإعلامي للمسلم والعربي". وآخر ما صدر له كتابان مترجمان هما: "اللغة المتوحشة: مفردات الحرب الأميركية على الإرهاب"، و "حرب المعلومات: الدعاية الأميركية: التعبير الحر، والتحكم في الرأي بعد 11/9". كما أنه أديب وشاعر. .
المصريون التقت بالإعلام البارز "أحمد بن راشد بن سعيد" في أعقاب الجدل الواسع الذي صاحب أخبار إقالة رئيس قناة العربية "عبد الرحمن الراشد" من رئاسة القناة وإنهاء الاتفاق معه على الكتابة في صحيفة الشرق الأوسط ، ثم صدور قرارات غاضمة وعاجلة خلال أربعة أيام فقط بإعادته إلى الموقعين ، وهي سابقة لم تحدث من قبل في الإعلامي الخليجي ، بن راشد طوف في حواره مع المصريون حول الكثير من آثار ذلك الخطاب الذي وصفه "بالإعلام المتصهين" ومخاطره على المصالح العربية والإسلامية ، كما تحدث عن خلفيات الأزمة الأخيرة وأبعادها .
*دكتور أحمد، كيف تقرأ إيقاف الكاتب عبد الرحمن الراشد من الكتابة في (الشرق الأوسط) ثم استقالته من (العربية) ثم عودة الأمور إلى ما كانت عليه؟
- الراشد ظن أنه على كل شيء قدير، وأنه باستطاعته أن يصنع الرأي العام وفق رؤيته، ويفصل السياسات العربية على مقاسه، ويضغط حتى على الدولة السعودية ويبتزها للمشاركة في المشروع الأميركي في المنطقة وللرضوخ للسياسات الإسرائيلية. أعتقد أن الرجل ذهب بعيداً في هذه الطريق، ولأنه لم يجد من يعارضه معارضة حقيقية ويحاسبه على هذا التوجه، فقد استمرأ العبث بكل شيء، من أجل عيون صناع السياسة الأميركية والإسرائيلية، وكان لا بد في نهاية المطاف من أن يصطدم بخطوط حمراء لا يستطيع تجاوزها، فكان أن وقع في شر أعماله.
* لكن الرجل عاد إلى الكتابة في (الشرق الأوسط)، وعاد إلى منصبه في قيادة (العربية).
- نعم، ولكن هذا لن يرمم سمعته إطلاقاً. وكما يقولون بالإنكليزية (the damage was done). العرب شرقاً وغرباً يعرفون من هو عبد الرحمن الراشد وأي دور يتصدى له وأي أجندة يحملها، وما حدث أخيراً ينزع الأقنعة الأخيرة عن وجه هذا الرجل، ويجعله عارياً يحمل على ظهره مدينة كلها مخزيات. لقد سقطت آخر ورقة توت.
*ما هي طبيعة الدور الذي يؤديه الراشد؟
- دعني أوضح لك نقطة مهمة هنا. لقد كان الرجل يحظى بالمجاملة في الأوساط الرسمية السعودية بسبب ظهوره بمظهر المدافع عن المجتمع السعودي ضد ظاهرة العنف المتطرف، ولكن سرعان ما انكشف لكل ذي عينين أن الرجل بعيد كل البعد عن هم الوطن الذي يحمل جنسيته، إذ أخذ يهاجم الدين والثقافة والتاريخ وكل شيء ترمز إليه السعودية كياناً وشعباً وقيادة وأرضاً، باسم ما وصف "بالحرب على الإرهاب". لقد هاجم الراشد الجمعيات الخيرية والإنسانية والدعوية، واستغل مناسبات شهر رمضان ليحذر الدولة من صدقات المحسنين، واستغل الإجازات الصيفية ليتهم مراكز النشاط الصيفي بأنها "محاضن للإرهاب"، وصور الشعب السعودي بأسره بوصفه قطعاناً من الإرهابيين أو مشاريع إرهابيين، وهذا بالضبط ما يريده الأجنبي ليحقق أهدافه الإمبريالية في السعودية وفي المنطقة بأسرها.
* كيف؟
- عندما ينظر الراشد بعيون أميركية وإسرائيلية إلى السعودية والعالم العربي، فلا يكتب إلا عن التطرف والبؤس والإرهاب، فإن ذلك يمهد الطريق للتدخلات الثقافية والإيديولوجية، بل يبرر العدوان العسكري على المنطقة. انظر مثلاً إلى ما زعمه في عموده في (الشرق الأوسط) عن وجود "أدلة كثيرة على سوء استخدام العمل الخيري لتمويل جرائم خطيرة"، وعن أن "كثيرين لا يدرون كيف تصرف أموالهم, بل يزين لهم بإعلانات تدمع العين على حال المسلمين، ولا يدرون أن بعضها ينفق على المواقع الإلكترونية التي تكفر الناس، وتصنع الأشرطة التكفيرية، وتمول إعلاناتها في الصحف السعودية، وتبذل بسخاء للمحاضرين وتنظيم المعسكرات ".
بل اقرأ ما كتبه الراشد محرضاً الأميركيين على الدولة السعودية عندما اتهم فرق الإغاثة الإنسانية التابعة للهلال الأحمر السعودي في إندونيسيا التي ذهبت إلى هناك إثر طوفان تسونامي بأنها قامت "بتسييس معوناتها" من خلال توزيع "الأحجبة النسائية على أناس كانوا واقفين يبحثون عن ما يسد رمقهم"، وسخر من هذه الجهود زاعماً أن هناك من تساءل عن أهداف الإغاثة السعودية التي جاءت "لتحجيب النساء" لا لإنقاذهم من الموت على حد تعبيره. ثم دعا في لغة تحريضية واستقوائية بالأجنبي إلى تشديد الرقابة على العمل الخيري، و"ألا يسمح لأحد بتسييس الجمعيات". وأذكر أن عبد الرحمن السويلم رئيس الهلال الأحمر السعودي سابقاً رد على اتهامات الراشد في رسالة بعث بها إلى رئيس التحرير، طارق الحميد، ولأن السويلم مسؤول كبير ولا يسع الجريدة (الديموقراطية جداً) أن تتجاهله، فقد نشرت رده بعد اختصار وتنقيح في (بريد القراء) في الجريدة. وأذكر أن عنوان الرد كان: "كنا هناك فلم نلاحظ أحجبة نسائية". لقد أرعب الراشد وزملاؤه في (الشرق الأوسط) و(العربية) حتى النخبة من الشعب السعودي ليتبرؤوا من مجرد توزيع مناديل تغطي بها الفتاة الإندونيسية رأسها امتثالاً لتعاليم دينها. ليوزع الهلال الأحمر والندوة العالمية وغيرهما من المنظمات الإنسانية أحجبة على النساء، ما الذي يغيظ الراشد في ذلك؟
* لكن أليس تقييد العمل الخيري ضرورياً لتفادي تمويل النشاطات غير القانونية؟
- إن الرقابة لا تعني ابداً تجفيف منابع الصدقات والتبرعات، فالتصدق نزعة فطرية إنسانية لا بد من إشباعها وتوفير القنوات التي تصب من خلالها. ثم إننا نحن المسلمين لا يمكن أن نكف عن الصدقات والزكوات لارتباط ذلك بديننا وثقافتنا. ونحن نعلم أن العمل الخيري في كل بلاد العالم يحظى بالتشجيع الرسمي؛ لأنه ركن من أركان الدولة الحديثة ورادف حيوي لها. في الولايات المتحدة مثلاً يعفى من دفع الضرائب من يتبرع بقيمتها إلى الكنائس والمساجد وجمعيات النفع العام تشجيعاً لثقافة التطوع والصدقة. القطاع الخيري في الولايات المتحدة هو القطاع الثالث (بعد قطاع الدولة والقطاع الخاص)، ويضم في إطاره أكثر من 1.6 مليون منظمة، يعمل فيها قرابة 11مليون فرد، وتناهز إيراداته 300 بليون دولار سنوياً. الراشد كان بيدقاً للسياسة الأميركية التي استغلت أحداث سبتمبر لضرب العمل الخيري في العالم العربي، وفي السعودية خصوصاً، وقد خسرت المملكة بسبب التضيق على التبرعات والصدقات ميادين كثيرة للتأثير ونشر رسالة الإسلام السمحة، ما وفر الفرصة لإيران لتستولي على مساحات شاسعة، وتهيمن على مساجد ومراكز ثقافية إسلامية بنتها المملكة، أو أشرفت عليها سنوات عدة، أو ساهمت في بنائها، أو مولها محسنون من السعودية والخليج. لقد سقطت مساجد سنية في أيدي أنصار النظام الإيراني في أميركا الشمالية وأوروبا وإفريقيا وأستراليا وسنغافورة والفلبين وإندونيسيا وتايلاند، وفي العراق بالطبع. ولو كان الراشد صادقاً في وطنيته أو حتى في عدائه للمشروع الإيراني كما يزعم لكتب محذراً من تمدد الثقافة الإيرانية وإيديولوجيتها المعادية للسنة وللدولة السعودية، ولكن الرجل لا يعادي إيران إلا بالقدر الذي تهدد به المصالح الأميركية أو الإسرائيلية، ولا شأن للسعودية بذلك. الراشد يهاجم سوريا والمقاومة الفلسطينية بضراوة، ويتهم حماس باستمرار بأنها مجرد أداة إيرانية وهو يعلم أنه يكذب، وهو منطق نتينياهو نفسه. لنتذكر أن موجة التشيع العارمة التي عمت العالم العربي وإفريقيا وأسفرت عن تشييع الملايين (بلغ عدد المتشيعين في إفريقيا بحسب بعض التقارير سبعة ملايين) نجمت عن أسباب منها انحسار الدور السعودي الثقافي والإنساني بعد 9/11، ولكن ذلك لم يحرك قلم الراشد للدفاع عن السعودية وأمنها القومي، بل أنشب أظفاره في أديم الجهود الإغاثية والدعوية متهماً إياها بتفريخ الإرهاب ونشر التطرف.
* هل تقول إن الراشد يقف في الصف المعادي لوطنه؟
- الراشد رجل شديد الوضوح، وربما ينطبق عليه قول الرافعي في وصف طه حسين: "رجل جريء يقع في الأشخاص وفي المعاني، ويستوحل في كل وحل..جهله أوفى من علمه، ولسانه أوفى من عقله، وقد لبسه عقله الناقص الأهوج فلا يتثبت ولا يتحرج، ولا تسوؤة السيئة من نفسه، ولا تسره الحسنة من أحد.. رجل كشبكة الصائد: كلها عيون وخروق، وبين كل خرق وخرق عقدة". انظر مثلاً إلى تناول قناته للاعتداء على حياة ستة سعوديين كانوا يؤدون صلاة الفجر في صحراء النيجر. كان الوصف الذي اختارته القناة للجريمة هو "الحادث"...وتزامن ذلك مع قيام الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب بمحاولة تفجير طائرة ركاب أميركية متجهة إلى ديترويت خلال يوم الاحتفال بعيد الميلاد عام 2009، وهي المحاولة التي وصفتها (العربية) "بالاعتداء" رغم أنها لم تحصل.
لاحظ مثلاً كيف تقدم القناة السعوديين في تناولها الإخباري. خلال شهر رمضان 1430 بثت القناة سلسلة تقارير يومية في نشراتها الإخبارية بعنوان "عين على مكة والمدينة" تكرس صورة غير لائقة بأهل هاتين المدينتين المقدستين ومكانتهما الروحية والحضارية. من هذه التقارير الغريبة: "الموسيقار طارق عبد الحكيم، السينما في منطقة مكة، محمد النشار وموسيقى الأطفال، الثلوثية المكاوية (لقاء في مكة يضم مجموعة من الشباب في يوم الثلاثاء، يتناولون فيه الطعام ويلعبون الورق "البيلوت")، الإنشاد المكي والموسيقى المكية، والذي قالت فيه مقدمة التقرير: "قم لا تنم وصلح الأوتار، النوم يمكن تأجيله، أما تصليح الأوتار للعزف والإنشاد فأمر لا ينتظر... فبالعود المعتق، والكمان الجهير، والطبل المشدود على آخره، والقانون مخرج النغمات مثل خيوط الحرير يتجلى المكاوي، فتجره الأنغام حيث يشاء، ويجرها ساعة يريد". تقرير آخر يتحدث عن المطرب الراحل طلال مداح، وينقل إلى المشاهد بعض أزقة مكة معلقاً بالقول: هنا كان يتمشى طلال مداح. تقارير أخرى تتحدث عن خبز اسمه "خبز الملا"، وعن بيع المسابح، وأشياء تريد القناة أن تقول من خلالها: هذه مكة والمدينة، وتلك رسالتهما إلى العالم، وهؤلاء هم السعوديون، وذلك مبلغهم من العلم. يحدث هذا في شهر رمضان، ولكن متى كان الإناء ينضح بغير ما فيه؟ الأنكى من ذلك كله برنامج "صناعة الموت" الذي يتحدث عن ثقافة العنف والكراهية المنسوبة إلينا نحن معشر السعوديين والعرب والمسلمين بعامة، وكأنها مصكوكة باسمنا وحدنا، ولك أن تتخيل تأثير مثل هذا الطرح على تشويه صورتنا في العالم، والإساءة إلى بلد بحجم المملكة العربية السعودية يغص بالعلماء والشعراء والمثقفين، ثم لا ينتج إلا صناعة الموت.
* نشرت دراسة قبل سنوات عن ما وصفته بلغة (الخطاب المتصهين) للراشد في (الشرق الأوسط) و (العربية)..هل تغير شيء من ذلك الحين في مفردات هذا الخطاب؟
*).
الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود في الرياض، شخصية أكاديمية وإعلامية بارزة في الجدل الثقافي والإعلامي السعودي خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو صاحب خطاب نقدي جريء، ويحظى باحترام قطاع كبير من النخبة العربية، ولاسيما في الخليج العربي. وابن سعيّد متابع جيد للنفوذ الإعلامي الأميركي في الإعلام العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، وله دراسات عدة منشورة في هذا الجانب، بعضها أثار ضجة كبرى واهتماماً واسعاً، ويتسم ابن سعيّد بتألقه الأكاديمي وحصوله على جوائز إقليمية في دراسات الاتصال السياسي والهيمنة الثقافية والإعلام الجديد إلا أنه يتجاوز ذلك إلى ممارسة عملية ناجحة تتمثل في كونه كاتباً في أكثر من صحيفة دولية وإقليمية وسعودية، وقد حصل على جوائز في المقال الصحافي، إضافة إلى رئاسته تحرير عدد من المجلات ومشاركاته واسعة النطاق في حوارات سياسية وإعلامية وثقافية في فضائيات عربية كثيرة. الدكتور أحمد مؤلف كتب عدة مثل "قوة الوصف: دراسة في لغة الاتصال السياسي ورموزه"، و"قولبة الآخر: قصة التشويه الحضاري والاغتيال الإعلامي للمسلم والعربي". وآخر ما صدر له كتابان مترجمان هما: "اللغة المتوحشة: مفردات الحرب الأميركية على الإرهاب"، و "حرب المعلومات: الدعاية الأميركية: التعبير الحر، والتحكم في الرأي بعد 11/9". كما أنه أديب وشاعر. .
المصريون التقت بالإعلام البارز "أحمد بن راشد بن سعيد" في أعقاب الجدل الواسع الذي صاحب أخبار إقالة رئيس قناة العربية "عبد الرحمن الراشد" من رئاسة القناة وإنهاء الاتفاق معه على الكتابة في صحيفة الشرق الأوسط ، ثم صدور قرارات غاضمة وعاجلة خلال أربعة أيام فقط بإعادته إلى الموقعين ، وهي سابقة لم تحدث من قبل في الإعلامي الخليجي ، بن راشد طوف في حواره مع المصريون حول الكثير من آثار ذلك الخطاب الذي وصفه "بالإعلام المتصهين" ومخاطره على المصالح العربية والإسلامية ، كما تحدث عن خلفيات الأزمة الأخيرة وأبعادها .
*دكتور أحمد، كيف تقرأ إيقاف الكاتب عبد الرحمن الراشد من الكتابة في (الشرق الأوسط) ثم استقالته من (العربية) ثم عودة الأمور إلى ما كانت عليه؟
- الراشد ظن أنه على كل شيء قدير، وأنه باستطاعته أن يصنع الرأي العام وفق رؤيته، ويفصل السياسات العربية على مقاسه، ويضغط حتى على الدولة السعودية ويبتزها للمشاركة في المشروع الأميركي في المنطقة وللرضوخ للسياسات الإسرائيلية. أعتقد أن الرجل ذهب بعيداً في هذه الطريق، ولأنه لم يجد من يعارضه معارضة حقيقية ويحاسبه على هذا التوجه، فقد استمرأ العبث بكل شيء، من أجل عيون صناع السياسة الأميركية والإسرائيلية، وكان لا بد في نهاية المطاف من أن يصطدم بخطوط حمراء لا يستطيع تجاوزها، فكان أن وقع في شر أعماله.
* لكن الرجل عاد إلى الكتابة في (الشرق الأوسط)، وعاد إلى منصبه في قيادة (العربية).
- نعم، ولكن هذا لن يرمم سمعته إطلاقاً. وكما يقولون بالإنكليزية (the damage was done). العرب شرقاً وغرباً يعرفون من هو عبد الرحمن الراشد وأي دور يتصدى له وأي أجندة يحملها، وما حدث أخيراً ينزع الأقنعة الأخيرة عن وجه هذا الرجل، ويجعله عارياً يحمل على ظهره مدينة كلها مخزيات. لقد سقطت آخر ورقة توت.
*ما هي طبيعة الدور الذي يؤديه الراشد؟
- دعني أوضح لك نقطة مهمة هنا. لقد كان الرجل يحظى بالمجاملة في الأوساط الرسمية السعودية بسبب ظهوره بمظهر المدافع عن المجتمع السعودي ضد ظاهرة العنف المتطرف، ولكن سرعان ما انكشف لكل ذي عينين أن الرجل بعيد كل البعد عن هم الوطن الذي يحمل جنسيته، إذ أخذ يهاجم الدين والثقافة والتاريخ وكل شيء ترمز إليه السعودية كياناً وشعباً وقيادة وأرضاً، باسم ما وصف "بالحرب على الإرهاب". لقد هاجم الراشد الجمعيات الخيرية والإنسانية والدعوية، واستغل مناسبات شهر رمضان ليحذر الدولة من صدقات المحسنين، واستغل الإجازات الصيفية ليتهم مراكز النشاط الصيفي بأنها "محاضن للإرهاب"، وصور الشعب السعودي بأسره بوصفه قطعاناً من الإرهابيين أو مشاريع إرهابيين، وهذا بالضبط ما يريده الأجنبي ليحقق أهدافه الإمبريالية في السعودية وفي المنطقة بأسرها.
* كيف؟
- عندما ينظر الراشد بعيون أميركية وإسرائيلية إلى السعودية والعالم العربي، فلا يكتب إلا عن التطرف والبؤس والإرهاب، فإن ذلك يمهد الطريق للتدخلات الثقافية والإيديولوجية، بل يبرر العدوان العسكري على المنطقة. انظر مثلاً إلى ما زعمه في عموده في (الشرق الأوسط) عن وجود "أدلة كثيرة على سوء استخدام العمل الخيري لتمويل جرائم خطيرة"، وعن أن "كثيرين لا يدرون كيف تصرف أموالهم, بل يزين لهم بإعلانات تدمع العين على حال المسلمين، ولا يدرون أن بعضها ينفق على المواقع الإلكترونية التي تكفر الناس، وتصنع الأشرطة التكفيرية، وتمول إعلاناتها في الصحف السعودية، وتبذل بسخاء للمحاضرين وتنظيم المعسكرات ".
بل اقرأ ما كتبه الراشد محرضاً الأميركيين على الدولة السعودية عندما اتهم فرق الإغاثة الإنسانية التابعة للهلال الأحمر السعودي في إندونيسيا التي ذهبت إلى هناك إثر طوفان تسونامي بأنها قامت "بتسييس معوناتها" من خلال توزيع "الأحجبة النسائية على أناس كانوا واقفين يبحثون عن ما يسد رمقهم"، وسخر من هذه الجهود زاعماً أن هناك من تساءل عن أهداف الإغاثة السعودية التي جاءت "لتحجيب النساء" لا لإنقاذهم من الموت على حد تعبيره. ثم دعا في لغة تحريضية واستقوائية بالأجنبي إلى تشديد الرقابة على العمل الخيري، و"ألا يسمح لأحد بتسييس الجمعيات". وأذكر أن عبد الرحمن السويلم رئيس الهلال الأحمر السعودي سابقاً رد على اتهامات الراشد في رسالة بعث بها إلى رئيس التحرير، طارق الحميد، ولأن السويلم مسؤول كبير ولا يسع الجريدة (الديموقراطية جداً) أن تتجاهله، فقد نشرت رده بعد اختصار وتنقيح في (بريد القراء) في الجريدة. وأذكر أن عنوان الرد كان: "كنا هناك فلم نلاحظ أحجبة نسائية". لقد أرعب الراشد وزملاؤه في (الشرق الأوسط) و(العربية) حتى النخبة من الشعب السعودي ليتبرؤوا من مجرد توزيع مناديل تغطي بها الفتاة الإندونيسية رأسها امتثالاً لتعاليم دينها. ليوزع الهلال الأحمر والندوة العالمية وغيرهما من المنظمات الإنسانية أحجبة على النساء، ما الذي يغيظ الراشد في ذلك؟
* لكن أليس تقييد العمل الخيري ضرورياً لتفادي تمويل النشاطات غير القانونية؟
- إن الرقابة لا تعني ابداً تجفيف منابع الصدقات والتبرعات، فالتصدق نزعة فطرية إنسانية لا بد من إشباعها وتوفير القنوات التي تصب من خلالها. ثم إننا نحن المسلمين لا يمكن أن نكف عن الصدقات والزكوات لارتباط ذلك بديننا وثقافتنا. ونحن نعلم أن العمل الخيري في كل بلاد العالم يحظى بالتشجيع الرسمي؛ لأنه ركن من أركان الدولة الحديثة ورادف حيوي لها. في الولايات المتحدة مثلاً يعفى من دفع الضرائب من يتبرع بقيمتها إلى الكنائس والمساجد وجمعيات النفع العام تشجيعاً لثقافة التطوع والصدقة. القطاع الخيري في الولايات المتحدة هو القطاع الثالث (بعد قطاع الدولة والقطاع الخاص)، ويضم في إطاره أكثر من 1.6 مليون منظمة، يعمل فيها قرابة 11مليون فرد، وتناهز إيراداته 300 بليون دولار سنوياً. الراشد كان بيدقاً للسياسة الأميركية التي استغلت أحداث سبتمبر لضرب العمل الخيري في العالم العربي، وفي السعودية خصوصاً، وقد خسرت المملكة بسبب التضيق على التبرعات والصدقات ميادين كثيرة للتأثير ونشر رسالة الإسلام السمحة، ما وفر الفرصة لإيران لتستولي على مساحات شاسعة، وتهيمن على مساجد ومراكز ثقافية إسلامية بنتها المملكة، أو أشرفت عليها سنوات عدة، أو ساهمت في بنائها، أو مولها محسنون من السعودية والخليج. لقد سقطت مساجد سنية في أيدي أنصار النظام الإيراني في أميركا الشمالية وأوروبا وإفريقيا وأستراليا وسنغافورة والفلبين وإندونيسيا وتايلاند، وفي العراق بالطبع. ولو كان الراشد صادقاً في وطنيته أو حتى في عدائه للمشروع الإيراني كما يزعم لكتب محذراً من تمدد الثقافة الإيرانية وإيديولوجيتها المعادية للسنة وللدولة السعودية، ولكن الرجل لا يعادي إيران إلا بالقدر الذي تهدد به المصالح الأميركية أو الإسرائيلية، ولا شأن للسعودية بذلك. الراشد يهاجم سوريا والمقاومة الفلسطينية بضراوة، ويتهم حماس باستمرار بأنها مجرد أداة إيرانية وهو يعلم أنه يكذب، وهو منطق نتينياهو نفسه. لنتذكر أن موجة التشيع العارمة التي عمت العالم العربي وإفريقيا وأسفرت عن تشييع الملايين (بلغ عدد المتشيعين في إفريقيا بحسب بعض التقارير سبعة ملايين) نجمت عن أسباب منها انحسار الدور السعودي الثقافي والإنساني بعد 9/11، ولكن ذلك لم يحرك قلم الراشد للدفاع عن السعودية وأمنها القومي، بل أنشب أظفاره في أديم الجهود الإغاثية والدعوية متهماً إياها بتفريخ الإرهاب ونشر التطرف.
* هل تقول إن الراشد يقف في الصف المعادي لوطنه؟
- الراشد رجل شديد الوضوح، وربما ينطبق عليه قول الرافعي في وصف طه حسين: "رجل جريء يقع في الأشخاص وفي المعاني، ويستوحل في كل وحل..جهله أوفى من علمه، ولسانه أوفى من عقله، وقد لبسه عقله الناقص الأهوج فلا يتثبت ولا يتحرج، ولا تسوؤة السيئة من نفسه، ولا تسره الحسنة من أحد.. رجل كشبكة الصائد: كلها عيون وخروق، وبين كل خرق وخرق عقدة". انظر مثلاً إلى تناول قناته للاعتداء على حياة ستة سعوديين كانوا يؤدون صلاة الفجر في صحراء النيجر. كان الوصف الذي اختارته القناة للجريمة هو "الحادث"...وتزامن ذلك مع قيام الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب بمحاولة تفجير طائرة ركاب أميركية متجهة إلى ديترويت خلال يوم الاحتفال بعيد الميلاد عام 2009، وهي المحاولة التي وصفتها (العربية) "بالاعتداء" رغم أنها لم تحصل.
لاحظ مثلاً كيف تقدم القناة السعوديين في تناولها الإخباري. خلال شهر رمضان 1430 بثت القناة سلسلة تقارير يومية في نشراتها الإخبارية بعنوان "عين على مكة والمدينة" تكرس صورة غير لائقة بأهل هاتين المدينتين المقدستين ومكانتهما الروحية والحضارية. من هذه التقارير الغريبة: "الموسيقار طارق عبد الحكيم، السينما في منطقة مكة، محمد النشار وموسيقى الأطفال، الثلوثية المكاوية (لقاء في مكة يضم مجموعة من الشباب في يوم الثلاثاء، يتناولون فيه الطعام ويلعبون الورق "البيلوت")، الإنشاد المكي والموسيقى المكية، والذي قالت فيه مقدمة التقرير: "قم لا تنم وصلح الأوتار، النوم يمكن تأجيله، أما تصليح الأوتار للعزف والإنشاد فأمر لا ينتظر... فبالعود المعتق، والكمان الجهير، والطبل المشدود على آخره، والقانون مخرج النغمات مثل خيوط الحرير يتجلى المكاوي، فتجره الأنغام حيث يشاء، ويجرها ساعة يريد". تقرير آخر يتحدث عن المطرب الراحل طلال مداح، وينقل إلى المشاهد بعض أزقة مكة معلقاً بالقول: هنا كان يتمشى طلال مداح. تقارير أخرى تتحدث عن خبز اسمه "خبز الملا"، وعن بيع المسابح، وأشياء تريد القناة أن تقول من خلالها: هذه مكة والمدينة، وتلك رسالتهما إلى العالم، وهؤلاء هم السعوديون، وذلك مبلغهم من العلم. يحدث هذا في شهر رمضان، ولكن متى كان الإناء ينضح بغير ما فيه؟ الأنكى من ذلك كله برنامج "صناعة الموت" الذي يتحدث عن ثقافة العنف والكراهية المنسوبة إلينا نحن معشر السعوديين والعرب والمسلمين بعامة، وكأنها مصكوكة باسمنا وحدنا، ولك أن تتخيل تأثير مثل هذا الطرح على تشويه صورتنا في العالم، والإساءة إلى بلد بحجم المملكة العربية السعودية يغص بالعلماء والشعراء والمثقفين، ثم لا ينتج إلا صناعة الموت.
* نشرت دراسة قبل سنوات عن ما وصفته بلغة (الخطاب المتصهين) للراشد في (الشرق الأوسط) و (العربية)..هل تغير شيء من ذلك الحين في مفردات هذا الخطاب؟
*).