المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال جميل وهادف للدكتور أحمد عبدالملك( الفساد)



simsim1963
05-10-2010, 07:58 AM
الفساد.. أشكال وألوان!؟2010-10-05
جريدة الشرق

مازال العالم يعاني من انتشار موجات الفساد المتنوعة، ليس في العالم النامي فحسب، بل في بعض الدول المتطورة، وإن كان يشكل ظاهرة واضحة في دول العالم النامي لأسباب تاريخية وسياسية وإدارية وسياسية وعسكرية.
ولقد عددَ (منقذ داغر) في كتابه (علاقة الفساد الإداري بالخصائص الفردية والتنظيمية لموظفي الحكومة ومنظماتها) ؛ بعض الآراء السابقة التي تناولت موضوع الفساد وأسبابه وظروفه. ومن ذلك دراسة هيئة الشفافية الدولية، التي وجدت "علاقة عكسية بين البيئة السياسية التي تتسم بالديمقراطية، وانتشار الفساد، إذ لوحظ أن الفساد الإداري أكثر تفشياً في الدول الأقل ديمقراطية، والعكس صحيح ".
كما وجد أحد الباحثين أن جرائم الفساد تزداد في المنظمات كبيرة الحجم، ووجد آخر أن "المسؤولية المعنوية عن الأفعال التنظيمية تقع على عاتق الوكلاء الذين يقومون بتلك الأفعال وليس على الكيان التنظيمي الذي ينسب إليه هذا الفعل ". ووجدت دراسة عربية أن هنالك عوامل بيئية خارجية مثل "(عدم العدالة في توزيع الثروة)، ومجموعة عوامل بيئية داخلية مثل (الرواتب والحوافز والقيادة)، فضلاً عن العوامل القيمية في ارتكاب جرائم الفساد الإداري". كما وجدت دراسة (داغر): أن الموظفين الشباب (أقل من 40 عاماً) أكثر ارتكاباً لجرائم الفساد الإداري، وأن سرقة الأموال العينية هي أكبر شريحة في الجرائم، وأن المهن التي كانت أكثر قابلية لارتكاب الرشوة كانت (محاسب) و(أمين مخزن)، وأن الفساد عادة يكمن في الوظائف الوسطى والوظائف التنفيذية. (المصدر)
في واقع الأمر، إننا لو حاولنا تحليل تلك المعلومات والدلائل، التي تدعم أو تؤثر في استشراء الفساد الإداري، لوجدنا العديد من الأسباب غير الواردة في ذاك البحث، ولكننا سوف نحاول إلقاء الضوء على بعض الأسباب الإضافية لاستفحال ظاهرة الفساد الإداري في الدول النامية.
1- صعوبة الوصول إلى المعلومات، وحصانة بعض المؤسسات والهيئات من المحاسبة. حيث توجد في بعض البلاد العربية النامية مؤسسات لا تخضع لرقابة (إدارة المحاسبة أو ديوان المحاسبة) وفي ظرف كهذا تكثر أشكال الفساد في تلك المنظمات. وتتحمل الحكومات المسؤولية الكبرى في هذه القضية. ويستغل المسؤولون " الكبار" هذا الوضع " الاستثنائي" لغياب المراقبة، ويخالفون نظم الإدارة، أو يخلقون لأنفسهم نظماً تساعدهم في صرف الأموال، خصوصاً في ظل عدم الخوف من المحاسبة أو الروادع، ودناءة الذات. وتتحمل دول الخليج التي تضعف فيها الرقابة على الصرف العام أضراراً كبيرة جراء هذا الهدر الخفي لأموال المؤسسات شبه الرسمية.
2- سيادة القرار الأوحد، وهو نقيض الاتجاه الديمقراطي – الذي أشارت إليه الدراسة- ذلك أن صاحب القرار هو الذي حكم أمر المؤسسة أو الهيئة التي لا تخضع للرقابة الحكومية المعروفة، خصوصاً في ظل عدم وجود مجلس أو برلمان أو حتى هيئة رقابة، وبالتالي تزداد آثار وأساليب هذا الفساد إلى ما لا نهاية.
3- إن المؤسسات الضخمة – كما أشارت الدراسة – أكثر عرضة لجرائم الفساد. حيث تتداخل المصالح والمحسوبيات والأسماء، وتنشأ طبقة وسطى بين صاحب القرار وبين الجهات التنفيذية، تتولى هذه الطبقة أمور الفساد وأشكاله باستغلال الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي (أصحاب النفوذ) وبالتالي يفرض هؤلاء أوامرهم على الجهات التنفيذية بالمؤسسة أو الهيئة لتمرير صفقات أو مناقصات لقاء نسبة معينة!؟ ولقد كشفت لنا التجارب هذا الشكل من الفساد في العديد من المؤسسات الكبيرة، والتي تكونت فيها هذه الطبقة، وأغلبها من غير المواطنين، وإن كان المسؤول (المواطن) سيوقع المعاملة في النهاية ؛ وقد يكون جزءا مهما من اللعبة.
4- معلوم أن المجتمع الذي يعيش عوزاً نتيجة سوء توزيع الثروة وضعف الرواتب والإمكانات – كما جاء في الدراسة – لاشك يلجأ أصحاب النفوس الضعيفة فيه إلى ارتكاب جرائم الفساد. وللأسف، كشفت لنا التجارب أن أكثر الناس ثقة وقرباً هم من يرتكبون عمليات، بل جرائم الفساد. بل تم الكشف في دول المنطقة عن جرائم فساد قام بها مسؤولون بدرجة وزير!
5- إن التدخلات الرأسية في العمل التنفيذي من أهم أسباب تفشي جرائم الفساد! إذ يحدث أن يخرق القانون من يضع القانون. ومتى شعر صغار الموظفين أن القانون يُخرق من قبل كبار الموظفين، فإن ذلك يغريهم بممارسة ذات الفعل،وإن كان تحت غطاء إداري ملفق يفلت من المحاسبة.
6- قد نختلف مع نتائج الدراسة المذكورة من حيث (المهن) التي ترتكب فيها جرائم الفساد، وذلك نتيجة أن تلك النتائج خاصة ببلدان معينة، حيث رفضت بلدان أخرى التجاوب مع استبانة الدراسة! والواقع أن حالات جرائم الفساد التي عاصرناها في العالم العربي كانت عبر المديرين ومن فوقهم. وليس على المحاسبين أو أمناء المخازن الذين قد تتم رشوتهم ببعض الآلاف، لكن أصحاب المناصب العليا " يهبشون" بالملايين، والشواهد كثيرة،حيث وجدت حالات لوزراء ووكلاء ثبتت عليهم تهم الفساد، ولكن في ذات الوقت، بقي مختلسون وفاسدون في مناصبهم ولربما ترقوا ونالوا الثقة أكثر!؟ وتلك من نتائج غياب الشفافية والديمقراطية، ومنع الإعلام من تناول قضايا المحاكم. هذا المنع أيضاً يشجع ويغري أصحاب النفوس الضعيفة على الإقبال على ممارسة الفساد.
وإنه لأمر جميل أن نسمع بأن هنالك دولة خليجية بصدد تطبيق قانون جديد يشبه قانون (من أين لك هذا) ويتمثل القانون الجديد في حصر أموال وممتلكات الوزير أو الوكيل وأقربائهما الخلص، قبل التعيين، ومقارنة تلك الأموال والممتلكات بعد الإقالة أو تغير الوزارة!؟ وهذا بلا شك، يزيد من رقابة الدولة على تصرفات المسؤولين ويضع المحاسبة دوماً أمامهم.
إن الوظيفة أمانة، وما لم يُحسن المرءُ حمل الأمانة، فإنه يتحول إلى ظالم لنفسه ولغيره. ولن نتحدث عن العواقب الدينية لخائن الأمانة، ولكن العواقب الاجتماعية والنفسية لربما تكون قاسية. ذلك أن المفسد عرضة للنقد من قبل المجتمع بل والنبذ، كما أن أبناءه يعيشون واقعاً مريراً مع والدهم الذي ينتشر خبر فساده في المدارس أو الجامعات.
نأمل أن تنشط دور الرقابة في دول مجلس التعاون وتساعد الحكومات على حماية المال العام. كما نأمل أن تكون هنالك قوانين واضحة تكشف الفاسدين والعابثين بالمال العام، مهما كانوا، لأن العبث بواقع المجتمع الخليجي يعتبر عبثاً بمستقبل هذا المجتمع، وسرقة لثروته وآماله وطموحاته.