المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من يغير بوصلة الأزمة العالمية باتجاه العملات؟



ROSE
17-10-2010, 09:02 AM
من يغير بوصلة الأزمة العالمية باتجاه العملات؟






*عدنان أحمد يوسف:
يبرز موضوع تخفيض العملة الصينية كجزء من صورة أكبر وأشمل تجمع الكثير من الاختلالات البنيوية في النظام الاقتصادي العالمي، إذ يبدو أن دول العالم عليها أن تواجه اليوم بوادر خلافية جديدة قد تحمل في طياتها آليات تساهم في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي إلا أن ذلك يبدو أيضاً حاملا نذر سحب تتجمع في سماء مصالح دول أخرى تسعى جاهدة لإبعاد الكأس المرة عن اقتصادياتها.
ورغم الدعوات الصاخبة من الولايات المتحدة، والمناشدات الأكثر تحفظا من جانب أوروبا واليابان وبلدان أخرى، فإن الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي لم ينجح في الضغط على الصين لرفع سعر عملتها وإن تم ذلك بوسائل مختلفة وعبر سبل وصيغ لم تستطع إلزام المارد الآسيوي بأي منها وكان ترحيل الموضوع إلى اجتماع زعماء مجموعة العشرين الاقتصادية الحل الأمثل لتفادي تفجر الأزمة.
وفي وقت أعلن فيه رئيس الوزراء الصيني إن تعويم العملة الصينية «اليوان» قد يتسبب بكارثة عالمية، إلا أنه قد أشار أيضاً إلى أن الشركات الصينية المصدرة، لا تحقق هامشا كبيرا من الربح وبالتالي يمكن أن يلحق بها ضرر فادح قد يتسبب بموجة من الاضطرابات الاجتماعية.
وفي متابعتنا لهذه المعطيات وبالعودة بالذاكرة إلى محنة انهيار اقتصاديات النمور الآسيوية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي فإننا نجد أن تخفيض العملة كان أحد الأسباب الرئيسية لتلك المحنة والتي طالت دول العالم ولقد أدت عمليات انهيار العملات الوطنية خلال الثلاثين عاماً الماضية إلى إلحاق الضرر باقتصاديات هذه الدول وإن اختلفت درجات الضرر من دولة إلى أخرى تبعاً لعوامل ذاتية تتعلق بالبنية الاقتصادية للدولة وتنوع قطاعاتها الإنتاجية، لكن النتائج الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن عمليات انهيار العملات كانت بكل المقاييس كبيرة نذكر منها على سبيل المثال الإضرار بالمدخرات الوطنية الموجودة لدى الدولة والمواطنين تبعا للنسبة التي انخفضت فيها قيمة العملة أو ربما أكثر مباشرة عقب الإعلان عن عملية التخفيض، كذلك هروب رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج بحثاً عن الأمان والاستقرار والاستثمار المريح والمربح، علاوة على ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات وانخفاض قيمة الدخول والأجور، كما يؤثر سلباً على أصحاب المعاشات والمقترضين بالعملة الصعبة لتمويل شراء منازل أو مشروعات تجارية، وهذا الارتفاع يكون من نتائجه المباشرة انتشار الفقر والبطالة ومن ثم المجاعة.
ورغم أن انخفاض قيمة العملة قد يشجع الصادرات الوطنية، إلا أنه في الوقت نفسه يزيد كلفة الواردات ويرفع معدلات التضخم، ومع ارتفاع معدلات التضخم سيضطر البنك المركزي إلى رفع معدلات الفائدة، الأمر الذي سينعكس على النمو الاقتصادي في البلاد. في الوقت نفسه سوف تستنزف تلك الخطوة احتياطي الدولة من العملات الأجنبية في عملية الدفاع عن العملة من خلال ضخ المزيد من الأموال في السوق لتهدئة المخاوف الاقتصادية، وهو ما يسبب عجزاً كبيراً في ميزان المدفوعات كما أنه وبحسب تقرير للأونكتاد فانخفض سعر العملة لتعزيز القدرة التنافسية سلاح ذو حدين فيما يتعلق بالاستثمار إذ يمكن أن تجتذب التدفقات الاستثمارية على الدول بجعل الأصول رخيصة وتعزيز قدرة الصادرات على المنافسة. لكنها قد تخفض أيضاً من قيمة أرباح الشركات من وحداتها الأجنبية ما سيقلل من جاذبية الاستثمار في تلك الدول بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات.
هذه بعض الجوانب فقط من آثار تخفيض العملة من الناحية الاقتصادية. لذلك نحن نرى أن معالجة تباطؤ انتعاش الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص، والاقتصاديات الأوروبية بشكل عام هو موضوع أكبر من موضوع تخفيض العملة الصينية، وقد تكشف ذلك بصورة أوسع بعد أزمة الديون السيادية اليونانية.
من هنا على صندوق النقد الدولي أن يلعب دورا أكبر في رصد تأثير بعض السياسات التي تتبناها بعض الدول الأعضاء على الأعضاء الآخرين، ويجب الابتعاد عن ما يسمى بحرب العملات حيث قد تقوم دول أخرى بتخفيض قيمة عملاتها لكي تكون قادرة على منافسة الصين في السوق العالمية بصورة أفضل.
إن معالجة مشاكل الاقتصاد العالمي بحاجة لعمل جماعي، وهذا يعني من جملة ما يعنيه أن تكون هناك تنازلات متبادلة من كافة الأطراف، ويقع على عاتق الدول الكبرى مسؤولية المساهمة في إيجاد الحلول المناسبة التي تحقق هذا المبدأ دون أن تكون هذه الحلول مبنية على حساب ومصلحة الدول الأخرى.