عبدالله العذبة
30-11-2010, 11:32 PM
ما هكذا يا أحمد تورد الإبل
القانون منتج وكائن اجتماعي، لا يوجد إلا وسط مجتمع يهب له الحياة. والقانون بدون ذلك المجتمع يفقد القابلية للحياة ناهيك عن الاستمرار.
وقواعد القانون تتطور وتتجدد تبعاً للتطور والتجدد الحادث في محيط هذا المجتمع..
والملاحظ أن المجتمع القطري -ولله الحمد والمنة- تدرج في السنوات الأخيرة بشكل إيجابي في الدعوة للاهتمام بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المواطنة وتمكين المرأة بشكل خاص.
وذلك بفضل الله أولاً وآخراً ثم بسبب اهتمام القيادة السياسية بهذا الشأن..
فهل سارت التشريعات القطرية الحديثة مع ركب المواطنين في المسيرة الإيجابية هذه، أم أن المشرع القطري اصطدم مع هذه الدعوات وخالف سير تلك الطموحات؟
هل حافظت النصوص القانونية الحديثة على المراكز القانونية التي أقرت من قبل للمواطنين في نصوص تشريعية سابقة؟
هل احترمت هذه التشريعات الحديثة الحقوق المكتسبة للمواطن التي أقرت من قبل في ظل نصوص تشريعية سالفة؟
في الحقيقة هناك بعض التشريعات الحديثة التي ضيقت من أفق الحقوق المكتسبة سابقا لبعض المواطنين، وتراجعت في هذا المسار عما قرر من قبل من حقوق في القوانين القديمة..
وأقرب مثال على ذلك قانون الجنسية الجديد رقم "38" لسنة 2005 الذي حرم فئة من المواطنين من بعض الحقوق السياسية -وأقصد هنا حق الانتخاب بشكل خاص- وذلك بشكل دائم.
مع أن التشريعات السابقة مثل قانون الجنسية رقم "2" لسنة 1961 كان ينظم هذا الأمر بشكل حقوقي وإنساني أفضل.
حيث إن القيد هناك كان لفترة مؤقتة لا تتجاوز مدة العشر سنوات..
والحق الآخر الذي ذهب مع الريح في معمعة تطور التشريعات عندنا هو حق المواطن القطري المتجنس في الحصول على الأرض والقرض الحكومي.
فبعد أن كان هذا الحق مقررا لكل من هو على درجة كبار الموظفين -وهى الدرجة السابعة في التنظيم الوظيفي الحالي- وبغض النظر عن نوع جنسيته سواء كانت أصلية أم مكتسبة وبدون حتى مرور فترة زمنية على اكتساب الجنسية. وذلك ما صرح به المرسوم رقم "7" لسنة 1977 والمتعلق بتنظيم إسكان كبار الموظفين القطريين..
جاء للأسف التشريع الصادر بشكل قرار من مجلس الوزراء الموقر رقم "17" لسنة 2007 وقصر حق الانتفاع بالأرض والقرض على القطري الأصلي، وأتاح للقطري بالتجنس الاستفادة فقط بقيمة القرض مع حرمانه من الأحقية في الحصول على قطعة الأرض المجانية من قبل الدولة، أو تعويضه عن قيمة الأرض التي يقوم هو بتقديمها لبناء المسكن عليها..
وبذلك تراجع المشرع القطري في نظام الإسكان الجديد عن مبدأ المساواة بين المواطنين في حق السكن، مما خلق نوعاً من التمييز بينهما وهذا يعتبر خللاً في مسار حقوق المواطنة.
فطبيعة الأمور أن حقوق المواطنة تزداد وتتوسع مع مسيرة الأيام وتعاقب السنوات، ومن المستهجن أن تتراجع للخلف..
هذه بعض التشريعات التي أرى أنها تسير عكس اتجاه ريح مسيرة الحقوق في دولة قطر، وتخالف حتى توجهات القيادة السياسية وتصريحات الحكومة في هذا الشأن، ألا وهو رفع سقف الحقوق المقررة للمواطنين والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة..
لذلك كنت أتمنى أن يثير ويشير لهذا الأمر سعادة الدكتور علي بن صميخ المري رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في حواره الممتع والصريح والجريء مع جريدة الشرق في الأسبوع الماضي..
وذلك لأن أمر الخلل في مجال حقوق الإنسان يتعلق بالتشريعات أكثر من تعلقه بالممارسات من قبل هذه الجهة وتلك. واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان جهة رقابية من أهم أولوياتها متابعة التشريعات التي تصدر، ورفع التقارير عن مدى قربها أو بعدها عن مسيرة حقوق الإنسان المقررة في المواثيق الدولية، خصوصاً تلك التي صادقت عليها الدولة وأصبحت جزءاً من التشريع الوطني..
وحيث إن الشيء بالشيء يذكر أستغرب هجوم الأستاذ أبو عبدالله أحمد السليطي رئيس تحرير الوطن على ما جاء في ذلك الحوار من وقائع.
وكان الأمل أن لا يتقمص رئيس تحرير الوطن دور رجال العلاقات العامة في الوزارات الحكومية.
ويكيل الاتهامات المبطنة من مثل أن الحوار عكس صورة سوداوية عن بلادنا، وأن الشكل العام الذي خرج به اللقاء يشير إلى غياب العدالة الاجتماعية عن بعض الجهات، وأن هذا الحوار يتهم جهات أخرى بأنها أداة للدولة البوليسية.
كنت أتمنى من رئيس تحرير الزميلة الوطن تقمص دور محامي الدفاع عن المواطن والمقيم والوقوف بجوار ابن صميخ لرفع صوت حقوق الإنسان عاليا.
وأن لا يتخندق بين جدران الجهات الحكومية ويرمي كل من لا يدعي العصمة في عمل هذه الجهات بسوء الظن.
أعتقد أن الأستاذ أبو عبدالله في تعقيبه على حوار ابن صميخ مع جريدة الشرق خانه التعبير، ولم يسعفه القلم، واختلطت عليه الأمور القانونية، وحارب في المعركة الخطأ.
كان من يقرأ مقاله يعتقد أنه الناطق الرسمي باسم الحكومة..
فهل يعقل أن رئيس تحرير جريدة الوطن العزيز لا يعرف سبب استهجان القانونيين والحقوقيين لأحكام قانون حماية المجتمع الذي يستثني يد الحكومة من التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة أو العرض أو خدش الحياء أو الآداب العامة ويمدد فترة التحفظ على المتهم حتى سنة، وفي جرائم أمن الدولة حتى سنتين دون عرضه على السلطة القضائية، وفوق ذلك حصن هذه القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية -أقصد قرار التحفظ على المتهم- حصنها من الطعن عليها أمام القضاء.
انظر قانون الفصل في المنازعات الإدارية..
وبذلك نرى وجاهة رأي اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الذي نطق به الدكتور ابن صميخ في اللقاء عندما طالب بتدخل تشريعي لمعالجة هذا الخلل الذي يعصف بمبدأ دستوري هو حق التقاضي.
وهذا الاستثناء الشاذ الموجود في قانون حماية المجتمع مصيبته أنه دائم، وهذا يتعارض مع حماية الحرية الشخصية المنصوص عليها في الدستور.
وخلاصة الأمر في هذه النقطة أننا مع غاية القانون، ولكن الاعتراض على وسائل المشرع للوصول لتلك الغاية!
والأمر الآخر منح المواطنة جنسيتها الأصلية لأبنائها من غير المواطن، وهو ما يعرف في القانون بحق الدم الفرعي..
وابن صميخ عندما قرر أن الشريعة الإسلامية لا تقف موقف المعارض لهذا الحق كان يعلم خلفيات المسألة، لأن هناك ممن يعارض هذا الحق يسترشد ببعض الآيات القرآنية من مثل "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله" وهذا الرأي المعارض يخلط بين النسب والجنسية، مع أن الجنسية رابطة قانونية بين المواطن والوطن.
والمطالبة بمساواة المرأة للرجل في حق نقل جنسيتها الأصلية لأبنائها بغض النظر عن جنسية الزوج من العدالة والمساواة التي أقرتها الشريعة الإسلامية، فالنساء شقائق الرجال، وكل حق للرجل تستحق مثله المرأة إلا ما استثناه المشرع سبحانه (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وليس من هذا الاستثناء موضوع الجنسية لأنها رابطة سياسية قانونية..
لهذا نشيد بالمشرع القطري عندما ربط سبب اعتراضه على البند "2" من المادة "9" من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" الذي ينص على أن "تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها" بمخالفته لأحكام قانون الجنسية القطرية، ولم يربط هذا الاعتراض بسبب مخالفة هذا البند لأحكام الشريعة الإسلامية..
انظر المرسوم رقم "28" لسنة 2009 الخاص بالموافقة على انضمام دولة قطر إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة..
وذلك لأن هذا الربط هو الرأي الصحيح في هذه المسألة. هذا أولا.
وثانيا أن سبب الاعتراض هو حكم في قانون وضعي قد يأتي عليه الزمن ويتغير، وبذلك يسقط هذا الاعتراض من أساسه..
والغريب في أمر تعقيب رئيس تحرير جريدة الوطن على ابن صميخ بخصوص هذا المحور أنه خلط بين وثائق السفر "جوازات السفر" وأنواعها من مثل جوازات السفر العادية والخاصة والدبلوماسية، وبين الجنسية كرابطة سياسية قانونية ترسم حدود المواطنة وتحدد معالمها..
مع أن المشرع القطري كان حريصا على عدم الخلط بينهما حيث نص في المادة "5" من المرسوم بقانون رقم "14" لسنة 1993 بشأن جوازات السفر على ما يلي "تصرف جوازات السفر لمن يتمتعون بالجنسية القطرية وفقا لأحكام القانون. وفي جميع الأحوال لا يعد جواز السفر القطري دليلا على اكتساب حامله الجنسية القطرية"..
وأكد المشرع القطري ذلك مرة أخرى في القانون رقم "38" لسنة 2005 بشأن الجنسية القطرية، حيث نص في المادة رقم "22" منه على ما يلي "لا يعد جواز السفر أو البطاقة الشخصية دليلا على التمتع بالجنسية القطرية. ويتعين عند المنازعة إثبات توافر أركان وشروط هذه الجنسية بوسائل الإثبات المقبولة قانونا"..
لكل ذلك ليت الأستاذ أحمد قد صمت ولم يخض فيما لا يفقه، لأنه في منصب يستدعي تنوير القراء وليس التعتيم عليهم وخلط الحابل بالنابل ورمي براعم المجتمع المدني بالمدافع، وتلميع تصرفات الحكومة، وادعاء العصمة لقراراتها، حتى ولو كانت ضد ما استقرت عليه مواثيق حقوق الإنسان..
وأنا أعتقد أن الغيرة الصحافية كانت هي المحرك لهذا الاستعجال في الرد، فلم نتعود من قبل أن أبو عبدالله يسقط في حبال المواضيع القانونية في طرفة عين أو أن يخوض في لججها من قبل أن يستوثق.
وعذره أن لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة..
لكل ذلك أقول: ما هكذا يا أحمد تورد الإبل. والسلام
بقلم الكاتب محمد فهد القحطاني
mohdwaves@hotmail.com
المصدر العرب الثلاثاء الموافق 30-11-2010
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=161567&issueNo=1079&secId=16
القانون منتج وكائن اجتماعي، لا يوجد إلا وسط مجتمع يهب له الحياة. والقانون بدون ذلك المجتمع يفقد القابلية للحياة ناهيك عن الاستمرار.
وقواعد القانون تتطور وتتجدد تبعاً للتطور والتجدد الحادث في محيط هذا المجتمع..
والملاحظ أن المجتمع القطري -ولله الحمد والمنة- تدرج في السنوات الأخيرة بشكل إيجابي في الدعوة للاهتمام بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المواطنة وتمكين المرأة بشكل خاص.
وذلك بفضل الله أولاً وآخراً ثم بسبب اهتمام القيادة السياسية بهذا الشأن..
فهل سارت التشريعات القطرية الحديثة مع ركب المواطنين في المسيرة الإيجابية هذه، أم أن المشرع القطري اصطدم مع هذه الدعوات وخالف سير تلك الطموحات؟
هل حافظت النصوص القانونية الحديثة على المراكز القانونية التي أقرت من قبل للمواطنين في نصوص تشريعية سابقة؟
هل احترمت هذه التشريعات الحديثة الحقوق المكتسبة للمواطن التي أقرت من قبل في ظل نصوص تشريعية سالفة؟
في الحقيقة هناك بعض التشريعات الحديثة التي ضيقت من أفق الحقوق المكتسبة سابقا لبعض المواطنين، وتراجعت في هذا المسار عما قرر من قبل من حقوق في القوانين القديمة..
وأقرب مثال على ذلك قانون الجنسية الجديد رقم "38" لسنة 2005 الذي حرم فئة من المواطنين من بعض الحقوق السياسية -وأقصد هنا حق الانتخاب بشكل خاص- وذلك بشكل دائم.
مع أن التشريعات السابقة مثل قانون الجنسية رقم "2" لسنة 1961 كان ينظم هذا الأمر بشكل حقوقي وإنساني أفضل.
حيث إن القيد هناك كان لفترة مؤقتة لا تتجاوز مدة العشر سنوات..
والحق الآخر الذي ذهب مع الريح في معمعة تطور التشريعات عندنا هو حق المواطن القطري المتجنس في الحصول على الأرض والقرض الحكومي.
فبعد أن كان هذا الحق مقررا لكل من هو على درجة كبار الموظفين -وهى الدرجة السابعة في التنظيم الوظيفي الحالي- وبغض النظر عن نوع جنسيته سواء كانت أصلية أم مكتسبة وبدون حتى مرور فترة زمنية على اكتساب الجنسية. وذلك ما صرح به المرسوم رقم "7" لسنة 1977 والمتعلق بتنظيم إسكان كبار الموظفين القطريين..
جاء للأسف التشريع الصادر بشكل قرار من مجلس الوزراء الموقر رقم "17" لسنة 2007 وقصر حق الانتفاع بالأرض والقرض على القطري الأصلي، وأتاح للقطري بالتجنس الاستفادة فقط بقيمة القرض مع حرمانه من الأحقية في الحصول على قطعة الأرض المجانية من قبل الدولة، أو تعويضه عن قيمة الأرض التي يقوم هو بتقديمها لبناء المسكن عليها..
وبذلك تراجع المشرع القطري في نظام الإسكان الجديد عن مبدأ المساواة بين المواطنين في حق السكن، مما خلق نوعاً من التمييز بينهما وهذا يعتبر خللاً في مسار حقوق المواطنة.
فطبيعة الأمور أن حقوق المواطنة تزداد وتتوسع مع مسيرة الأيام وتعاقب السنوات، ومن المستهجن أن تتراجع للخلف..
هذه بعض التشريعات التي أرى أنها تسير عكس اتجاه ريح مسيرة الحقوق في دولة قطر، وتخالف حتى توجهات القيادة السياسية وتصريحات الحكومة في هذا الشأن، ألا وهو رفع سقف الحقوق المقررة للمواطنين والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة..
لذلك كنت أتمنى أن يثير ويشير لهذا الأمر سعادة الدكتور علي بن صميخ المري رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في حواره الممتع والصريح والجريء مع جريدة الشرق في الأسبوع الماضي..
وذلك لأن أمر الخلل في مجال حقوق الإنسان يتعلق بالتشريعات أكثر من تعلقه بالممارسات من قبل هذه الجهة وتلك. واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان جهة رقابية من أهم أولوياتها متابعة التشريعات التي تصدر، ورفع التقارير عن مدى قربها أو بعدها عن مسيرة حقوق الإنسان المقررة في المواثيق الدولية، خصوصاً تلك التي صادقت عليها الدولة وأصبحت جزءاً من التشريع الوطني..
وحيث إن الشيء بالشيء يذكر أستغرب هجوم الأستاذ أبو عبدالله أحمد السليطي رئيس تحرير الوطن على ما جاء في ذلك الحوار من وقائع.
وكان الأمل أن لا يتقمص رئيس تحرير الوطن دور رجال العلاقات العامة في الوزارات الحكومية.
ويكيل الاتهامات المبطنة من مثل أن الحوار عكس صورة سوداوية عن بلادنا، وأن الشكل العام الذي خرج به اللقاء يشير إلى غياب العدالة الاجتماعية عن بعض الجهات، وأن هذا الحوار يتهم جهات أخرى بأنها أداة للدولة البوليسية.
كنت أتمنى من رئيس تحرير الزميلة الوطن تقمص دور محامي الدفاع عن المواطن والمقيم والوقوف بجوار ابن صميخ لرفع صوت حقوق الإنسان عاليا.
وأن لا يتخندق بين جدران الجهات الحكومية ويرمي كل من لا يدعي العصمة في عمل هذه الجهات بسوء الظن.
أعتقد أن الأستاذ أبو عبدالله في تعقيبه على حوار ابن صميخ مع جريدة الشرق خانه التعبير، ولم يسعفه القلم، واختلطت عليه الأمور القانونية، وحارب في المعركة الخطأ.
كان من يقرأ مقاله يعتقد أنه الناطق الرسمي باسم الحكومة..
فهل يعقل أن رئيس تحرير جريدة الوطن العزيز لا يعرف سبب استهجان القانونيين والحقوقيين لأحكام قانون حماية المجتمع الذي يستثني يد الحكومة من التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة أو العرض أو خدش الحياء أو الآداب العامة ويمدد فترة التحفظ على المتهم حتى سنة، وفي جرائم أمن الدولة حتى سنتين دون عرضه على السلطة القضائية، وفوق ذلك حصن هذه القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية -أقصد قرار التحفظ على المتهم- حصنها من الطعن عليها أمام القضاء.
انظر قانون الفصل في المنازعات الإدارية..
وبذلك نرى وجاهة رأي اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الذي نطق به الدكتور ابن صميخ في اللقاء عندما طالب بتدخل تشريعي لمعالجة هذا الخلل الذي يعصف بمبدأ دستوري هو حق التقاضي.
وهذا الاستثناء الشاذ الموجود في قانون حماية المجتمع مصيبته أنه دائم، وهذا يتعارض مع حماية الحرية الشخصية المنصوص عليها في الدستور.
وخلاصة الأمر في هذه النقطة أننا مع غاية القانون، ولكن الاعتراض على وسائل المشرع للوصول لتلك الغاية!
والأمر الآخر منح المواطنة جنسيتها الأصلية لأبنائها من غير المواطن، وهو ما يعرف في القانون بحق الدم الفرعي..
وابن صميخ عندما قرر أن الشريعة الإسلامية لا تقف موقف المعارض لهذا الحق كان يعلم خلفيات المسألة، لأن هناك ممن يعارض هذا الحق يسترشد ببعض الآيات القرآنية من مثل "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله" وهذا الرأي المعارض يخلط بين النسب والجنسية، مع أن الجنسية رابطة قانونية بين المواطن والوطن.
والمطالبة بمساواة المرأة للرجل في حق نقل جنسيتها الأصلية لأبنائها بغض النظر عن جنسية الزوج من العدالة والمساواة التي أقرتها الشريعة الإسلامية، فالنساء شقائق الرجال، وكل حق للرجل تستحق مثله المرأة إلا ما استثناه المشرع سبحانه (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وليس من هذا الاستثناء موضوع الجنسية لأنها رابطة سياسية قانونية..
لهذا نشيد بالمشرع القطري عندما ربط سبب اعتراضه على البند "2" من المادة "9" من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" الذي ينص على أن "تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها" بمخالفته لأحكام قانون الجنسية القطرية، ولم يربط هذا الاعتراض بسبب مخالفة هذا البند لأحكام الشريعة الإسلامية..
انظر المرسوم رقم "28" لسنة 2009 الخاص بالموافقة على انضمام دولة قطر إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة..
وذلك لأن هذا الربط هو الرأي الصحيح في هذه المسألة. هذا أولا.
وثانيا أن سبب الاعتراض هو حكم في قانون وضعي قد يأتي عليه الزمن ويتغير، وبذلك يسقط هذا الاعتراض من أساسه..
والغريب في أمر تعقيب رئيس تحرير جريدة الوطن على ابن صميخ بخصوص هذا المحور أنه خلط بين وثائق السفر "جوازات السفر" وأنواعها من مثل جوازات السفر العادية والخاصة والدبلوماسية، وبين الجنسية كرابطة سياسية قانونية ترسم حدود المواطنة وتحدد معالمها..
مع أن المشرع القطري كان حريصا على عدم الخلط بينهما حيث نص في المادة "5" من المرسوم بقانون رقم "14" لسنة 1993 بشأن جوازات السفر على ما يلي "تصرف جوازات السفر لمن يتمتعون بالجنسية القطرية وفقا لأحكام القانون. وفي جميع الأحوال لا يعد جواز السفر القطري دليلا على اكتساب حامله الجنسية القطرية"..
وأكد المشرع القطري ذلك مرة أخرى في القانون رقم "38" لسنة 2005 بشأن الجنسية القطرية، حيث نص في المادة رقم "22" منه على ما يلي "لا يعد جواز السفر أو البطاقة الشخصية دليلا على التمتع بالجنسية القطرية. ويتعين عند المنازعة إثبات توافر أركان وشروط هذه الجنسية بوسائل الإثبات المقبولة قانونا"..
لكل ذلك ليت الأستاذ أحمد قد صمت ولم يخض فيما لا يفقه، لأنه في منصب يستدعي تنوير القراء وليس التعتيم عليهم وخلط الحابل بالنابل ورمي براعم المجتمع المدني بالمدافع، وتلميع تصرفات الحكومة، وادعاء العصمة لقراراتها، حتى ولو كانت ضد ما استقرت عليه مواثيق حقوق الإنسان..
وأنا أعتقد أن الغيرة الصحافية كانت هي المحرك لهذا الاستعجال في الرد، فلم نتعود من قبل أن أبو عبدالله يسقط في حبال المواضيع القانونية في طرفة عين أو أن يخوض في لججها من قبل أن يستوثق.
وعذره أن لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة..
لكل ذلك أقول: ما هكذا يا أحمد تورد الإبل. والسلام
بقلم الكاتب محمد فهد القحطاني
mohdwaves@hotmail.com
المصدر العرب الثلاثاء الموافق 30-11-2010
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=161567&issueNo=1079&secId=16