المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعد الغاز، قطر ترهن مستقبلها بالتعليم



عزوز المضارب
24-12-2010, 12:25 AM
بعد الغاز، قطر ترهن مستقبلها بالتعليم



المصدر: داو جونز

بقلم أليكس دلمار-مورغان من وكالة "زاويا داو جونز"


الدوحة (زاويا داو جونز) – تسعى قطر، التي تعدّ ين أكثر الدول ثراءً في العالم، إلى التخفيف من تبعيتها للموارد الطبيعية، وذلك من خلال ضخ مليارات الدولارات في قطاع التعليم وإقناع عدد من أرقى الجامعات في العالم بافتتاح فروع لها على أراضيها، سعياً منها إلى ضمان ازدهار شبابها في عصر ما بعد الكربون.

وتعتبر قطر، وهي شبه جزيرة صحراوية تمتّد على مساحة صغيرة وتطلّ على الخليج العربي من حدودها المشتركة مع المملكة العربية السعودية، واحدة من أثرى الدول في العالم من حيث نصيب الفرد من الدخل، وذلك بفضل ثراوت الهيدروكربون الكبيرة التابعة لها. لكن بالرغم من امتلاك الإمارة ثالث أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا وإيران، واحتلالها المرتبة الأولى بين الدول المصدّرة للوقود العالي التبريد، إلا أنّ مستقبلها يكمن في تطوير مواردها البشرية، وفقَ ما أكّده الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، نائب رئيس المدينة التعليمية في قطر.

ووصف الشيخ عبد الله، في مؤتمر عقده حديثاً في العاصمة الدوحة، ثروات النفط والغاز في البلاد بمثابة النعمة، قائلاً إنها لن تدوم إلى ما لا نهاية. ولا بدّ إذا من التفكير بحكمة واستثمار تلك النقود في شعبنا، بما يمكّنه من المساهمة في بناء اقتصاد قطر بشكل مستدام.

هذا ويتوقع أن ينمو الاقتصاد القطري بنسبة 21% المذهلة في السنة المقبلة، وقد استخدمت الثروة الطائلة التي راكمتها في العقد الماضي لتعزيز نفوذها العالمي والإسراع في الاستحواذ على أصول أجنبية عالية الجودة، شملت سلسلة متاجر "هارودز" الأيقونية في لندن. كما فاجأت قطر العالم في مطلع شهر كانون الأوّل/ديسمبر عندما فازت بحقوق استضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم في العام 2022.

لكن بعيداً عن الاستثمارات الأخاذة التي ترأست عناوين الصحف الدولية، عملت قطر بصمت على تطوير مدينتها التعليمية الضخمة – وهو حرم جامعي شاسع يمتدّ على مساحة 15 مليون متر مربّع ويملك قدرة على استيعاب 100 ألف طالب، كما وتكمن أبرز معالمه في جمعه لعدد من أهم الجامعات في العالم.

ويبدو جلياً أنّ قطر تطمح إلى الأفضل بغض النظر عن التكاليف.


وقد وقعت القرعة لغاية الآن على جامعة "فرجينيا كومنولث" وكلية طب "وايل كورنيل" وجامعة تكساس "ايه أند إم" وجامعة "كارنيجي ميلون" وكلية "جورجتاون" للشؤون الخارجية وجامعة "نورثويسترن" – الأميركية في رمّتها – لافتتاح فروع لها في المدينة التعليمية، منذ أن أطلقت البلاد حملتها لاستقطاب نخبة مؤسسات التعليم العالي في الغرب في أواخر التسعينيات.

هذا وصرّح معهد الدراسات التجارية العليا في باريس في الصيف الماضي أنّه يعتزم تقديم سلسلة من الصفوف في قطر، بما فيها برامج لنيل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال.
وكانت جامعة لندن آخر المنضمين إلى القافلة، وهي تعدّ من أقدم الجامعات في بريطانيا وأعرقها.

ويُشار إلى أنّ المنافسة شديدة على المقاعد. والتحق نحو 63 طالباً جامعيّاً – من ضمنهم 38 طالباً قطريّاً – بجامعة "فرجينيا كومنولث" هذا العام ونحو 300 قدّموا طلبات التحاق. ومن أصل 1300 مقدّم طلب لجامعة "كارنغي ميلون"، 86 طالباً تسجّل للعام الدراسي 2010-2011، ونحو ثلث هذا العدد كان من القطريين.

وبالرغم من التوجّه الكبير نحو التعليم العالي، من الصعب معرفة مدى نجاح الاستراتيجيّة بالنسبة لقطر، وهو البلد المسلم المحافظ حيث يترسّخ النسيج الإسلامي الاجتماعي بشكل عميق في المجتمع العربي التقليدي.

ولا تزال تساؤلات حول معايير هذه الجامعات، التي وصلت بصورة عشوائيّة إلى بلد غير ديمقراطيّ يفتقر إلى الكثير من الحريّات التي يتمتّع بها الغرب، من دون إجابات. وتذمّر بعض أعضاء الكليّات من الطلاب الذين يعانون نقصاً في فهم اللغة الإنكليزيّة وتضارباً في المناهج، ويحتاجون إلى المراقبة الذاتيّة.

وفي هذا الإطار، قالت أستاذة مساعدة سابقة لتاريخ الفنّ في جامعة "فرجينيا كومنولث"، ليزا كلايتون، "إنّني أظّن أن بعض الجامعات عملت جاهدةً لتحافظ على المعايير نفسها التي تتمتّع بها في فروعها الرئيسيّة".

المعايير
بحسب مراد الزين، رئيس قطاع التعليم في الشرق الأوسط وشمال إفلريقيا في "البنك الدولي"، يكمن السؤال في ما إذا سيتّم اعتماد الجامعات الانتقائيّة على صعيد قبول الطلاب في قطر كما في الولايات المتّحدة. وأضاف أنّه في حال لا يتمّ اختيار الطلاب بالمستوى نفسه لا يمكن المحافظة على المعايير نفسها.

إلا أنّ رئيس جامعة "نورث وسترن"، مورتون شابيرو، أشار في بيان لوكالة "زاويا داو جونز" إلى "أنّنا نتوقّع أن يستوفي طلابنا في قطر المعايير العالية نفسها المطلوبة من طلابنا في الولايات المتّحدة، ومستوى طلابنا في قطر يتوافق مع هذه التوقّعات".

إلا أنّ آخرين لا يوافقون.

فيرى نائب مدير "مركز بروكنجز الدوحة"، الذي يشكّل جزءاً من "مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط" إنّه ما من شكّ حول ذلك، فهناك اختلاف في النوعيّة (مع الطلاب في الولايات المتّحدة)، فإن كان الطلاب يتعلّمون وفقاً لنظام تعليم رسميّ ليس فعّالاً بشكل خاصّ لن يكونوا مستعدّين فعلاً للاستفادة بأفضل طريقة ممّا من المفترض أنّ يكون تجربة تعليميّة غربيّة.

المال لا يشكّل عائقاً بالنسبة لقطر.
ويُشار في هذا الصدد إلى أن الحكومة قد أنفقت 4.76 مليارات دولار، أو 15% من موازنتها الهائلة البالغة 32.4 مليار دولار لهذه السنة على قطاع التعليم. وإلى جانب الطموحات الرفيعة لزوجة الأمير، الشيخة موزة بنت ناصر المسند، والتي قادت الجزء الأكبر من الحركة التربوية في البلاد، تملك قطر القدرة المالية والقوة السياسية للاختبار في هذا المجال في حين أن دول الخليج الأخرى، المحافظة أكثر بطبيعتها، لا تملك هذه الإمكانية.

إلا أنه لا بدّ من الإشارة إلى أن التعليم باتباع المنهاج الأجنبي في قطر مرتفع الكلفة.
ويُذكر على سبيل المثال أن رسوم التعليم للسنة الدراسية 2010 – 2011 في كلية "ويل كورنيل ميديكال كوليدج" في قطر تبلغ 45545 دولار للمنهاج الطبي الكامل، في حين أن كلفة الرسوم للسنة الدراسية لدى "كارنغي ميلون" تبلغ 41500 دولار ولا تشمل الكتب واللوازم الدراسية والرسوم الإضافية الأخرى.

وحتى بالنسبة لدولةٍ غنية على غرار قطر، فإن أسعاراً مماثلة تجعل من التعليم العالي أمراً بعيد المنال بالنسبة لبعض السكان المحليين.

وإذا وضعنا الكلفة جانباً، يرى بعض الخبراء أنه هناك مخاطرة حيال تشديدٍ مبالغٍ به على التعليم العالي.

ويفيد الزين من "البنك الدولي" أنه في وضع قطر، تكمن "خطورة" بتجاهلها للتعليم في المستويات الابتدائي، والمتوسط، والثانوي، وذلك، عبر تحويل الكثير من الموارد إلى التعليم العالي.


ووصفت كلايتن كيف أن بعض الطلاب "بالكاد تمكنوا من كتابة جملة صحيحة بالإنكليزية" وكيف منح أعضاء الكلية في أغلب الأحيان "علامات عالية أو مبالغ فيها لضمان السعادة المستمرة في أوساط الطلاب" – في عملية تعرف باسم تضخيم العلامات.

وتلقت شكاوى عديدة عن اللجوء إلى العري الإغريقي في صفوف تاريخ الفنون الذي تعطيه.

أما جون مارغوليس، عميد جامعة نورثوسترن التي تعطي حصة في الاتصالات والصحافة، فيصر على أنه لا تدخل حكومي في المنهج الدراسي. ويرى أنه في دولة تغيب فيها الصحافة الحرة، يعتبر دور الجامعة "عامل تغيير في مجالي الأخبار والإعلام المبدع في المنطقة".


ويفيد غاري واسرمان، وهو أستاذ حكومي في جامعة "جورجتاون" بأن إحدى المشاكل التي ينطوي عليها إحضار الحضارة الغربية إلى قطر تقوم على التفاوت بين اعتبار الجامعات سلعة أساسية يمكن شراؤها، في نقيض اعتبارها عملية فكرية يمكن تشجيعها".

"نعمل حالياً على إغراء الزعماء القطريين ليعتبروا الجامعات سلعة أساسية".

بقلم أليكس دلمار-مورغان