شمعة الحب
15-04-2006, 04:36 PM
ذعر آخر في سوق الأسهم!
د. مقبل صالح أحمد الذكير - 17/03/1427هـ
mdukair@yahoo.com
من أحدث التخصصات الفرعية في مجال الاقتصاد, ذلك الذي يجمع بين الاقتصاد والقانون. ففيه تستخدم أدوات التحليل الاقتصادي لدراسة مسألة أو قضية اقتصادية معينة للوصول إلى نتيجة تساعد المشرعين أو المنظمين على تبنى تشريع أو نظام ما، أو تساعد القضاة على اتخاذ حكم تجاه مسألة ما. ومن أظهر الأمثلة على ذلك الاستنتاجات العلمية التي قدمها التحليل الاقتصادي في مجال الاحتكار، التي ساعدت القضاة في المحاكم الأمريكية على الفصل في النزاع بين الشركات حول ما إذا كان تصرف شركة ما هو تصرف احتكاري يخضع لقانون مناهضة الاحتكار وحماية المنافسة، أم لا. كما جرى في قضيتي شركة آي. تي. آند تي. للاتصالات, وشركة مايكروسوفت.
لكن من أقدم مسائل منهجية التفكير التي نفتقدها أحيانا عند مناقشة بعض قضايانا الاقتصادية: التفريق بين المسائل المتعلقة بالواقع كما هو كائن فعلا، وتلك المتعلقة بالمثاليات التي يجب أن تكون.
فمثلا عندما يتصدى البعض لما يحدث في سوق الأسهم محاولا على سبيل المثال تحديد أسباب تراجع السوق، نستنتج من كلامه أن سبب التدهور يعود إلى تصرفات كبار المضاربين في السوق, والكلام إلى هنا لا بأس به و مقبول من الناحية المبدئية, لكنه يستطرد قائلا: إن هؤلاء المضاربين, الذين يملكون القوة الشرائية الضخمة, كان يفترض فيهم (لا حظ مقولة يفترض فيهم أو يجب عليهم) ألا يخرجوا من السوق في وقت الأزمة خدمة للبلد المعطاء الخيّر الكريم الذي أغدق عليهم ومنحهم فرص تحقيق أرباح طائلة غير خاضعة للضرائب (إلى آخر الأوصاف العاطفية والنعوت الوطنية). إن دعوة الناس إلى التضحية من خلال تحريك عواطفهم، أمر لا غبار عليه ومحمود من حيث المبدأ، لكنه يخرج عن حدود التحليل العلمي الواقعي للقضايا الاقتصادية. ولأن السلوك المثالي لا يمكن توقعه أو التحكم فيه، فهو لا يصلح أن تُبنى عليه الإجراءات والسياسات الاقتصادية. ومن ثم ليست هذه هي الطريقة الأصلية التي تعالج وتنظم بها أمور المعاش اليومية.علينا أن نكون واقعيين (براغماتيين)، وألا نحاول الالتفاف حول الحقائق.
إن اقتراح الحلول وبناء السياسات الاقتصادية لا يصح أن يبنى على افتراض وجود أوضاع مثالية غير متحققة على أرض الواقع. علينا أن ننظر إلى المسائل ونحللها منطلقين من حقائق دوافع النفس البشرية ونوازعها الطبيعية التي أودعها المولى, عز وجل, فيها. التحليل العلمي ينبغي أن يخضع للمقاييس العلمية التي من أهمها التعامل مع الواقع كما هو، وعدم افتراض وجود تصرفات بشرية مثالية, كلنا يعرف ندرة وجودها، حتى لا تأتي الحلول من غير جدوى.
ما يجب التركيز عليه هو ترتيب وصياغة عقود منضبطة قدر الإمكان, تدفع بذاتها الأطراف المشتركة فيها العمل نحو الهدف المنشود من العقد, خاصة إذا كانت هذه العقود من عقود الأمانة التي تتوقف نتيجتها على أمانة أحد طرفيها, وتكتنفها مخاطر أخلاقية عالية Moral Hazard. وسبيل ذلك هو صياغة هذه العقود بالاعتماد على الحوافز الاقتصادية التي تحكم تصرفات الناس. ثم وضع الأنظمة التي تحمى المجتمع من احتمال عدم انضباط بعض المتعاملين بقواعد العمل العامة.
في الأسبوع الماضي تكررت مأساة تدهور سوق الأسهم ودب الذعر في السوق وفقد مؤشره 3000 نقطة (نحو 17 في المائة) في بحر ثلاثة أيام. بينما فقد المؤشر في أزمة شباط (فبراير) الماضي نحو 6500 نقطة (32 في المائة) في بحر ثلاثة أسابيع. ليست القضية حجم الانخفاض والمدى الذي يستغرقه, فمن المسلمات أن التقلبات سمة هذه الأسواق، فبعض الأسواق العالمية فقدت أكثر من هذه النسب في يوم واحد. لكن العجيب في الأمر، أنه بينما تدعو الجهات المشرفة على السوق الآخرين إلى الشفافية، يحتار المرء في فهم سياسة الهيئة ذاتها وتصريحاتها التي تتسم بالغموض. فكم نادى المنادون، وطالب المطالبون بأن تفصح هيئة سوق المال عن المخالفين، ولا تكتفي فقط بوصف السلوك. ومع ذلك, لا أجد سببا منطقيا يمنع الهيئة من الإفصاح عن اسم منتهكي النظام بدلا من التشهير بأداة الانتهاك فقط (أسهم الشركات التي تمت المضاربة غير القانونية عليها). إذ ما كادت السوق تسترد عافيتها حتى عادن كالمحزون القديم. مئات آلاف الناس الذين دخلوا السوق خلال الشهرين السابقين لانهيار شباط (فبراير) وتعلقوا بأسعارها العالية, كانوا ينتظرون وصول المؤشر إلى مستوى يسمح لهم باسترداد خسائرهم أو حتى قدر معقول منها للنجاة بأنفسهم من سوق تفتقد قدرا كبيرا من معايير الشفافية والضبط المعروفة دوليا, فإذا بهم يفاجأون بانهيار جديد أعاد المأساة إلى سالف عهدها.
ما ضر الهيئة الموقرة لو أعلنت عن أسماء المخالفين؟ لقد جربت الهيئة أسلوبها الأخير ورأت نتائجه، فلماذا الإصرار عليه والحال لا يسعف والسوق لم تسترد عافيتها بعد؟ إن الإدارة الرشيدة تحتاج في أوقات معينة إلى حصافة تناسب الظروف السائدة، وقد تؤجل مؤقتا إجراءات معينة لدفع ضرر أشد.
لا أرى سببا جوهريا لهذا التقلبات العنيفة, سوى أنها ردود فعل نفسية عنيفة وسريعة نتيجة هلع ينتاب الكثير كلما أعلنت هيئة سوق المال عن إجراءات نظامية غامضة. إن تكرار الظاهرة يستدعي أن تكون محل دراسة وتأمل من جهة محايدة. لقد بت مقتنعا أن سوقنا لا يصلح معها التحليل الفني والأساسي، إنها سوق تخضع لقوى غريبة عشوائية.
على أية حال, أتوقع أن تعود السوق وتنطلق مع اكتمال عملية تجزئة أسهم بقية الشركات، إذا لم يحدث ما يعكر السلام والاستقرار في المنطقة المحيطة بنا. فمؤشرات الاقتصاد العامة كلها قوية, ومؤشرات السوق مشجعة فأرباح الشركات عن الربع الأول من العام الجاري محفزة، ومكررات أرباح الشركات والسوق ككل آخذة في التحسن, وفرص النمو واعدة, والسيولة موجودة, وفرص الاستثمار الأخرى لا تزال محدودة. إن ما يجرى في السوق الآن هي مضاربات يومية عاجلة مخاطرها عالية، لا أرى من الحكمة مسايرتها. فلتكن نظرتنا استثمارية متوسطة الأجل على الأقل وملتزمة بالشركات ذات الأداء المالي الجيد والمعقول. القرار الجيد يخدم نفسه دائما.
2145 قراءة
تعليقات الزوار
17/03/1427هـ ساعة 9:28 صباحاً (السعودية)
موضوع كبير يستحق الدراسة والتفكير ..لنبحر فى علم النفس ونرى مايفول يقول (ان الشخصية العنيدة تتسم بضعف بالامكانيات العقلية اما الشخصية السوية فهى شخصية ديناميكية تتفاعل مع الضروف الانية وهى على قدر كبير من الذكاء)
--------------------------------------------------------------------------------
17/03/1427هـ ساعة 11:14 صباحاً (السعودية)
مقال رائع بارك الله فيك
د. مقبل صالح أحمد الذكير - 17/03/1427هـ
mdukair@yahoo.com
من أحدث التخصصات الفرعية في مجال الاقتصاد, ذلك الذي يجمع بين الاقتصاد والقانون. ففيه تستخدم أدوات التحليل الاقتصادي لدراسة مسألة أو قضية اقتصادية معينة للوصول إلى نتيجة تساعد المشرعين أو المنظمين على تبنى تشريع أو نظام ما، أو تساعد القضاة على اتخاذ حكم تجاه مسألة ما. ومن أظهر الأمثلة على ذلك الاستنتاجات العلمية التي قدمها التحليل الاقتصادي في مجال الاحتكار، التي ساعدت القضاة في المحاكم الأمريكية على الفصل في النزاع بين الشركات حول ما إذا كان تصرف شركة ما هو تصرف احتكاري يخضع لقانون مناهضة الاحتكار وحماية المنافسة، أم لا. كما جرى في قضيتي شركة آي. تي. آند تي. للاتصالات, وشركة مايكروسوفت.
لكن من أقدم مسائل منهجية التفكير التي نفتقدها أحيانا عند مناقشة بعض قضايانا الاقتصادية: التفريق بين المسائل المتعلقة بالواقع كما هو كائن فعلا، وتلك المتعلقة بالمثاليات التي يجب أن تكون.
فمثلا عندما يتصدى البعض لما يحدث في سوق الأسهم محاولا على سبيل المثال تحديد أسباب تراجع السوق، نستنتج من كلامه أن سبب التدهور يعود إلى تصرفات كبار المضاربين في السوق, والكلام إلى هنا لا بأس به و مقبول من الناحية المبدئية, لكنه يستطرد قائلا: إن هؤلاء المضاربين, الذين يملكون القوة الشرائية الضخمة, كان يفترض فيهم (لا حظ مقولة يفترض فيهم أو يجب عليهم) ألا يخرجوا من السوق في وقت الأزمة خدمة للبلد المعطاء الخيّر الكريم الذي أغدق عليهم ومنحهم فرص تحقيق أرباح طائلة غير خاضعة للضرائب (إلى آخر الأوصاف العاطفية والنعوت الوطنية). إن دعوة الناس إلى التضحية من خلال تحريك عواطفهم، أمر لا غبار عليه ومحمود من حيث المبدأ، لكنه يخرج عن حدود التحليل العلمي الواقعي للقضايا الاقتصادية. ولأن السلوك المثالي لا يمكن توقعه أو التحكم فيه، فهو لا يصلح أن تُبنى عليه الإجراءات والسياسات الاقتصادية. ومن ثم ليست هذه هي الطريقة الأصلية التي تعالج وتنظم بها أمور المعاش اليومية.علينا أن نكون واقعيين (براغماتيين)، وألا نحاول الالتفاف حول الحقائق.
إن اقتراح الحلول وبناء السياسات الاقتصادية لا يصح أن يبنى على افتراض وجود أوضاع مثالية غير متحققة على أرض الواقع. علينا أن ننظر إلى المسائل ونحللها منطلقين من حقائق دوافع النفس البشرية ونوازعها الطبيعية التي أودعها المولى, عز وجل, فيها. التحليل العلمي ينبغي أن يخضع للمقاييس العلمية التي من أهمها التعامل مع الواقع كما هو، وعدم افتراض وجود تصرفات بشرية مثالية, كلنا يعرف ندرة وجودها، حتى لا تأتي الحلول من غير جدوى.
ما يجب التركيز عليه هو ترتيب وصياغة عقود منضبطة قدر الإمكان, تدفع بذاتها الأطراف المشتركة فيها العمل نحو الهدف المنشود من العقد, خاصة إذا كانت هذه العقود من عقود الأمانة التي تتوقف نتيجتها على أمانة أحد طرفيها, وتكتنفها مخاطر أخلاقية عالية Moral Hazard. وسبيل ذلك هو صياغة هذه العقود بالاعتماد على الحوافز الاقتصادية التي تحكم تصرفات الناس. ثم وضع الأنظمة التي تحمى المجتمع من احتمال عدم انضباط بعض المتعاملين بقواعد العمل العامة.
في الأسبوع الماضي تكررت مأساة تدهور سوق الأسهم ودب الذعر في السوق وفقد مؤشره 3000 نقطة (نحو 17 في المائة) في بحر ثلاثة أيام. بينما فقد المؤشر في أزمة شباط (فبراير) الماضي نحو 6500 نقطة (32 في المائة) في بحر ثلاثة أسابيع. ليست القضية حجم الانخفاض والمدى الذي يستغرقه, فمن المسلمات أن التقلبات سمة هذه الأسواق، فبعض الأسواق العالمية فقدت أكثر من هذه النسب في يوم واحد. لكن العجيب في الأمر، أنه بينما تدعو الجهات المشرفة على السوق الآخرين إلى الشفافية، يحتار المرء في فهم سياسة الهيئة ذاتها وتصريحاتها التي تتسم بالغموض. فكم نادى المنادون، وطالب المطالبون بأن تفصح هيئة سوق المال عن المخالفين، ولا تكتفي فقط بوصف السلوك. ومع ذلك, لا أجد سببا منطقيا يمنع الهيئة من الإفصاح عن اسم منتهكي النظام بدلا من التشهير بأداة الانتهاك فقط (أسهم الشركات التي تمت المضاربة غير القانونية عليها). إذ ما كادت السوق تسترد عافيتها حتى عادن كالمحزون القديم. مئات آلاف الناس الذين دخلوا السوق خلال الشهرين السابقين لانهيار شباط (فبراير) وتعلقوا بأسعارها العالية, كانوا ينتظرون وصول المؤشر إلى مستوى يسمح لهم باسترداد خسائرهم أو حتى قدر معقول منها للنجاة بأنفسهم من سوق تفتقد قدرا كبيرا من معايير الشفافية والضبط المعروفة دوليا, فإذا بهم يفاجأون بانهيار جديد أعاد المأساة إلى سالف عهدها.
ما ضر الهيئة الموقرة لو أعلنت عن أسماء المخالفين؟ لقد جربت الهيئة أسلوبها الأخير ورأت نتائجه، فلماذا الإصرار عليه والحال لا يسعف والسوق لم تسترد عافيتها بعد؟ إن الإدارة الرشيدة تحتاج في أوقات معينة إلى حصافة تناسب الظروف السائدة، وقد تؤجل مؤقتا إجراءات معينة لدفع ضرر أشد.
لا أرى سببا جوهريا لهذا التقلبات العنيفة, سوى أنها ردود فعل نفسية عنيفة وسريعة نتيجة هلع ينتاب الكثير كلما أعلنت هيئة سوق المال عن إجراءات نظامية غامضة. إن تكرار الظاهرة يستدعي أن تكون محل دراسة وتأمل من جهة محايدة. لقد بت مقتنعا أن سوقنا لا يصلح معها التحليل الفني والأساسي، إنها سوق تخضع لقوى غريبة عشوائية.
على أية حال, أتوقع أن تعود السوق وتنطلق مع اكتمال عملية تجزئة أسهم بقية الشركات، إذا لم يحدث ما يعكر السلام والاستقرار في المنطقة المحيطة بنا. فمؤشرات الاقتصاد العامة كلها قوية, ومؤشرات السوق مشجعة فأرباح الشركات عن الربع الأول من العام الجاري محفزة، ومكررات أرباح الشركات والسوق ككل آخذة في التحسن, وفرص النمو واعدة, والسيولة موجودة, وفرص الاستثمار الأخرى لا تزال محدودة. إن ما يجرى في السوق الآن هي مضاربات يومية عاجلة مخاطرها عالية، لا أرى من الحكمة مسايرتها. فلتكن نظرتنا استثمارية متوسطة الأجل على الأقل وملتزمة بالشركات ذات الأداء المالي الجيد والمعقول. القرار الجيد يخدم نفسه دائما.
2145 قراءة
تعليقات الزوار
17/03/1427هـ ساعة 9:28 صباحاً (السعودية)
موضوع كبير يستحق الدراسة والتفكير ..لنبحر فى علم النفس ونرى مايفول يقول (ان الشخصية العنيدة تتسم بضعف بالامكانيات العقلية اما الشخصية السوية فهى شخصية ديناميكية تتفاعل مع الضروف الانية وهى على قدر كبير من الذكاء)
--------------------------------------------------------------------------------
17/03/1427هـ ساعة 11:14 صباحاً (السعودية)
مقال رائع بارك الله فيك