المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزيادة الجديدة في رؤوس أموال البنوك .. الحيثيات والتأثيرات المحتملة



الوعب
16-01-2011, 08:05 AM
بواسطة بشير يوسف الكحلوت بتاريخ 15 يناير 2011

كان قرار دعوة جهاز الاستثمار لشراء نسبة العشرة بالمائة الثانية من رؤوس أموال البنوك الوطنية- باستثناء البنك الوطني- قرارا مفاجئاً بامتياز، سواء في ذلك لجهة توقيت صدوره أو للظروف التي سبقت الإعلان عنه. وقد ورد في تبرير صدور القرار أنه يأتي لدعم مقدرات البنوك في مواجهة حدثين مهمين أولهما تمويل مشروعات البنية التحتية الضخمة المرتبطة بتنظيم قطر لمونديال 2022، وثانيهما تعزيز ملاءة البنوك بما يساعدها على تلبية متطلبات بازل 3. فلماذا كان القرار مفاجئاً؟، وما هي التأثيرات المحتملة للقرار على الأوضاع الاقتصادية بوجه عام وعلى أسعار الأسهم في بورصة قطر بوجه خاص؟

لقد كان مبعث المفاجأة في صدور القرار أن كل التقارير الرسمية والتصريحات الصادرة عن مصرف قطر المركزي قد أكدت في الشهور الأخيرة أن البنوك القطرية نجحت في تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية، كما أن النتائج المتوقعة للبنوك للعام 2010 تضع صافي الربح فوق 11.5 مليار ريال، وهو مستوى قياسي جديد ويزيد بنسبة 15% عن الأرباح القياسية السابقة التي تحققت في عام 2008، ومن ثم فقد لا يكون هناك ثمة مبرر لمثل هذه الزيادة الطارئة في رؤوس أموال البنوك. ويعزز هذا الرأي أن البنوك لم تكن تنقصها السيولة المالية اللازمة للإقراض والتمويل، إذ أن لديها رصيد حر لدى مصرف قطر المركزي بلغ في نهاية نوفمبر الماضي مبلغ 63.5 مليار ريال مقارنة بـما يتراوح ما بين 2-3 مليار ريال فقط في الظروف المعتادة حتى منتصف عام 2007. والأهم من ذلك أن البنوك رغم ما لديها من سيولة فائضة كانت مقلة في إقراض القطاع الخاص بحيث لم ترتفع قروضها وتمويلاتها بأكثر من 5.3 % في فترة الشهور الأحد عشر الأولى من عام 2010.

ومن أسباب الشعور بالمفاجأة أيضاً أن تنفيذ الشق الثاني من الزيادة سيتم دفعة واحدة بنسبة 10% خلال شهر ونصف من الآن، في حين أن تنفيذ الشق الأول منها قد تم على دفعتين في عام 2009 رغم أن ظروف الأزمة المالية العالمية آنذاك بدت أكثر إلحاحاً في طلب تنفيذ الزيادة على دفعة واحدة.

وفيما يتعلق بقرارات بازل 3 التي طالبت بزيادة رؤوس أموال البنوك حتى تستطيع مواجهة الأزمات التي باتت سمة من سمات العصر، فإن العمل بتلك القرارات ليس بالأمر العاجل وإنما هو مؤجل حتى عام 2018، وبالتالي لدى البنوك وقت كافي لتعديل أوضاعها بما يتلائم مع المتطلبات الجديدة. والأكثر من ذلك فإن هذه الزيادة تزيد من مشاركة الحكومة في أنشطة القطاعات الاقتصادية بالدولة وهو ما يبدو متعارضاً مع الفكر الذي يطالب بمشاركة أكبر للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وبخصخصة القطاعات الإنتاجية-غير النفطية- للحكومة.

على أن هناك في المقابل من يرى أن سياسة الدعم التي تنفذها الحكومة للبنوك الوطنية هي سياسة حصيفة وذات نظرة مستقبلية لتحقيق أهداف وطنية قد تخفى مراميها عن الكثيرين، وأن الدعم الواضح من الحكومة للبنوك في عام 2009 قد حظي بإشادة من صندوق النقد الدولي. ويشير هذا الفريق من المحللين إلى أن معظم الشق الأول من الدعم –سواء في ذلك زيادة رؤوس الأموال، أو شراء محافظ الأسهم والعقارات- لم يتم صرفه نقداً وإنما في صورة سندات حكومية رفعت رصيد البنوك من السندات الحكومية إلى 39 مليار ريال، بعائد وصل إلى 6% تقريباً. وبهذه الطريقة الذكية فإن الحكومة قد عززت روؤس أموال البنوك، وقلصت القروض الصعبة الضاغطة عليها، وقدمت لها توظيفاً جيداً لجزء من أموالها في وقت استعصى فيه التوسع في إقراض وتمويل القطاع الخاص تجنباً لمخاطر الإنزلاق من جديد في مشاكل الديون المتعثرة. ويرى هذا الفريق أن عائدات البنوك من هذه السندات ومن القروض المقدمة للحكومة والقطاع العام -والتي بلغ رصيدها حتى نوفمبر الماضي نحو 109 مليار- ربما تجاوزت 8 مليار ريال، وهو ما ساعد البنوك على تحقيق نتائج قياسية في عام 2010. ويعزز هذا الفريق رأيه بالقول إنه في الولايات المتحدة زعيمة النظام الرأسمالي العالمي، حدث تدخل حكومي واسع النطاق لإنقاذ النظام المصرفي من تبعات الأزمة العالمية التي عصفت حتى الآن بعشرات إن لم يكن مئات البنوك الأمريكية.

ووفق هذا الفريق من الناس فإن الحكومة ترغب في إتاحة الفرصة للبنوك في المشاركة بفعالية في تمويل مشروعات البنية التحتية الضخمة التي سيتم اعتمادها في الموازنة العامة الجديدة وموازنات السنوات القادمة تباعاً، وهذا الأمر قد يكون من الصعب على البنوك المشاركة فيه والاستفادة المثلى منه بدون دعم رؤوس أموالها، ومثل هذه الزيادة في رؤوس الأموال قد لا يمكن توفرها بالسماح باكتتابات جديدة على نطاق واسع –كما كان يحدث في الفترة 2005-2007، حتى لا تنهار أسعار الأسهم في البورصة. ومن ثم فإن الحل هو في تنفيذ الزيادات المقترحة بمساهمة حكومية يقوم بها جهاز الاستثمار في رؤوس أموال البنوك، ومن خلال توزيعات منح الأسهم التي سيتم إقرارها في الفترة الحالية، إضافة إلى اكتتابات جديدة بنسب محدودة كما فعل البنك الوطني، وغالباً ما ستلحقه بنوك أخرى هذا الأسبوع.

ونعرض في الجزء الثاني من المقال-غداً إن شاء الله- لتأثير هذا القرار على أسعار أسهم البنوك المعنية من ناحية، وعلى أسهم الشركات في البورصة القطرية بوجه عام. ويظل ما أكتب رأياً شخصياً يستند إلى خبرة طويلة في العمل الاقتصادي في قطر يمتد لقرابة أربعة عقود

الوعب
17-01-2011, 03:56 PM
الزيادة الجديدة في رؤوس أموال البنوك.. الحيثيات والتأثيرات المحتملة على البورصة (2-2)

بحثت في الجزء الأول من هذا المقال يوم أمس في الأسباب التي جعلت قرار زيادة رؤوس أموال البنوك الوطنية بنسبة 10% في الربع الأول من هذا العام قراراً مفاجئاً بامتياز، واشرت إلى أن سبب المفاجأة الرئيسي هو الأوضاع المالية الجيدة للبنوك التي تعبر عنها الزيادة المستمرة في أرباحها فصلاً بعد آخر بحيث بات من المقدر أن تصل في الربع الرابع من العام 2010 إلى 3.4 مليار ريال أي ضعف ما كانت عليه عند إقرار الزيادة في أكتوبر 2008. وشرحت في مقال الأمس أن هناك وجهة نظر مغايرة ترى أن تنفيذ الشق الأول من الزيادة ساهم في منع إنزلاق البنوك إلى حافة الإفلاس كما حدث في بلدان أخرى كثيرة لعل في مقدمتها الولايات المتحدة، وأن الزيادة الجديدة وإن بدت مفاجأ إلا أنها مفاجأة حميدة ولها ما يبررها. ونكمل في مقال اليوم بحث التأثيرات المحتملة للقرار على أوضاع البنوك، وعلى أسعار الأسهم في البورصة قبل وبعد تنفيذ الزيادة المقررة.

يمكن إن نشير بداية إلى أن تأثير القرار يختلف من حالة تتم فيها الزيادة من خلال الدفع نقداً، وبين حالة أخرى تتم فيها الزيادة بإصدار سندات حكومية جديدة لهذه البنوك. وفي الحالة الأولى تزداد السيولة النقدية لدى البنوك فيدفعها ذلك إلى توظيف أضعاف الزيادة في صورة استثمارات وتمويلات وقروض مختلفة، فيساهم ذلك في إنعاش القطاع الخاص وفي زيادة الأرباح العائدة للبنوك في عام 2011 مقارنة بما كانت عليه في عام 2010. أما إذا كانت الزيادة في صورة سندات (وصكوك إسلامية)، فإن قدرة البنوك على التوسع في التمويل والإقراض تكون أقل من الحالة الأولى، ولكن تحصل البنوك على عوائد مضمونة من السندات والصكوك تزيد من دخلها وإن بمقادير أقل. وتساهم الزيادة في الحالتين في تعزيز النسب المصرفية كنسبة كفاية رأس المال. على أن الحالة الثانية ستشهد زيادة غير مسبوقه في حجم السندات الحكومية في إجمالي موجودات البنوك التجارية، الجدير بالذكر أن رصيد هذه السندات في الوقت الراهن يقترب من 40 مليار ريالاً، وكان الرصيد إلى ما قبل عامين لا يزيد عن 5 مليار ريال فقط.

وأما عن تأثير القرار على أسعار الأسهم في البورصة، فإنني أود أن اشير إلى أن الأثر المبدئي بعد صدور القرار مباشرة أي في يوم 11 يناير تمثل في ارتفاع مؤشر البورصة بنسبة 1.6% وصل بها إلى أعلى مستوى في 28 شهراً وهو 9137 نقطة، بعد أن كان يجد مقاومة شديدة في البقاء فوق حاجز 9000 نقطة. وقد ارتفعت أسعار أسهم كافة البنوك في ذلك اليوم حيث بلغ سعر سهم الوطني مستوى 205 ريال قبل أن يقفل على سعر 201 ريال، وارتفع سعر سهم الريان بنسبة 4% إلى 20.3 ريال، كما ارتفع سعر سهم المصرف بنسبة 3% إلى 88.8 ريال وأغلق التجاري مرتفعا بمقدار 2 % عند 93.5 ريال، والخليجي بمقدار 3 % عند 17.8 ريال.

وفي الأيام التالية فهم المتعاملون أن الزيادة ستتم بأسعار 12 أكتوبر عام 2008، التي تقل عن الأسعار الحالية لبنوك الدوحة والأهلى والتجاري، وتزيد عن أسعار المصرف والدولي والخليجي والريان. وكان لهذا الاختلاف تأثيره السلبي على الفئة الأولى من الأسهم في حين كان له تأثير إيجابي على الفئة الثانية. واستفاد سهم الريان من حقيقة أن جهاز الاستثمار سيشتري أسهمه من السوق مباشرة مما ساعد على رفع سعر السهم.

الجدير بالذكر أن هذا القرار تزامن مع فترة الإفصاحات عن نتائج البنوك وتوزيعاتها عن العام 2010.