ذياب
18-01-2011, 03:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
بين قصتين تكمن الفجوة
1976 - 2010
محمد المهنا أبا الخيل
( 1 )
دخلت حجرة أحد مكائن الصرف الآلي الملحقة بفرع من فروع واحد من كبار البنوك السعودية ، و عندما أدخلت بطاقة الصرف الآلي و إذا بالمكينة تلتهمها و ( تطفئ ) ، فتوجهت لداخل البنك ، و يبدو أن مسئولاً أو أكثر في ذلك البنك كان لديه علم بمشكلة الماكينة ، حيث قابلني مساعد مدير الفرع و قال لي ، « أكلت بطاقتك ! » و هو يبتسم ، لم يكن الموقف مثيراً بعد حيث كنت أعتقد أن المسألة لا تتعدى أن يأتي بالمفتاح و يستخرج البطاقة ، فلم أعلق سوى قولي : يبدو أن الماكينة خربانة فبادرني : و إلا بطاقتك خربانة و هو يبتسم ابتسامة تنم عن اتهام و إقلال ، و هنا احتدم الأمر في رأسي و أحسست بوقع الإهانة ، فقلت : على كل حال أرجو أن تستخرجها بسرعة و هنا كان شخص آخر يريد استخدام الماكينة الأخرى التي بجوار المكينة الخربانة فقلت له : انتبه لا تروح بطاقتك فيها فما كان من مساعد المدير إلا أن التفت إلي متجهماً و قال : لا يحق لك أن تقول هذا و خليك في حالك و تركني و ذهب إلى داخل الفرع ، كنت أظن أنه سيحضر المفتاح و يخرج بطاقتي ، و حيث لم يعد بعد مرور عدة دقائق ، دخلت أبحث عنه فلم أجد له أثرا ، و سألت أحد الموظفين فقال : يجب أن تأتي غداً لتأخذ بطاقتك لم أتمالك نفسي من الانفعال « كيف يكون ذلك ؟ يجب أن أحصل على بطاقتي أولاً ثم أني بحاجة لبعض المال « و بكل برود و هو يلقيني ظهره « هذا النظام و طالما أن حسابك ما هو عندنا لا نستطيع أن نفعل لك شيئا « ثارت ثائرتي لعدة أسباب ،
أولها : أن تعامل الموظفين بما فيهم مساعد المدير كان جافا و خالياً من أي تعبير ينم عن تقدير معاناتي نتيجة لفقداني بطاقتي بسبب سوء صيانة ماكينتهم .
ثانياً : قناعتهم بأن علي الانصياع لنظامهم و إلا أنا إنسان غير واقعي .
ثالثاً : سوء السلوك في الخلاص من العميل بمجرد وصول الموظف لقناعة بنهاية المعاملة .
نعم زمجرت و علا صوتي أمام موظف علاقات العملاء اشتكي و أرفض إذلالي بنظامهم ، و الحقيقة أن لجامي انفلت فأثرت أن أنسحب قناعة بأن لا طائل من جدالهم ، و في اليوم التالي حضرت لأخذ بطاقتي و طلب مني مدير العلاقات أن أستريح قليلاً حتى يحضر البطاقة و بعد أن أحضرها و وقعت على ما يثبت الاستلام ، نظر إلي و هو يبتسم ، و كنت أعتقد أنه سيعتذر عما سببه لي نظامهم من عناء ، و لكن ذلك لم يحدث بل الذي حدث أن بادرني « يا أخي أمس الله يهديك كنت غلطان « لم أشأ أن أستمع لباقي موشح الملامة فتركته و خرجت من ذلك البنك العريق ، و أنا عازم ألا أدخله ثانية .
( 2 )
في العام 1976 انتقلت للدراسة في مدينة فكوكا جنوب اليابان و كان حسابي البنكي لدى بنك ( سنوا ) و مرتب بعثتي كان يودع في البنك في مدينة طوكيو ، و لم يكن في مدينة فكوكا سوى فرع واحد لذلك البنك في حين كان بنك ( متسوبيشي ) منتشراً في المدينة و كان واحداً منها قريب لسكني ، في ذلك الحين كانت البنوك اليابانية تستخدم مكائن صرف آلي من نوع قديم و كل بنك لديه شبكة خاصة به و لم يكن بالإمكان الصرف من حساب بنك لدى بنك آخر إلاّ أن بنك ( متسوبيشي ) أعلن أنه سيوفر الصرف من مكائنه لحسابات عملاء عدد محدود من البنوك اليابانية و كان بنك ( سنوا ) واحد منها ، لذا ذهبت لفرع بنك ( متسوبيشي ) القريب من منزلي ، و حاولت أن أسحب مبلغا من حسابي ببطاقة الصراف و لكن دون جدوى ، و عدت في اليوم التالي حيث تبادر لذهني أن راتب البعثة لم يودع بعد ، و تكرر الوضع فلا نقود بالحساب ، و في اليوم الثالث و قد بلغ القلق بي مبلغاً فلم يعد بجيبي أي مبالغ نقدية ، ذهبت للفرع نفسه و تكرّر الحال فما كان مني إلاّ أن دخلت على مدير الفرع ، أشتكي و أنا منفعل و كنت شاباً و مفعماً و قلقاً و في بلد لا أعرف بها أحدا فعلا صوتي ، و التفت الناس في كل البنك لي و أنا أقول « إن الماكينة اللعينة لا تخرج لي نقوداً مع أن عندي في الحساب نقودا « ، عم سكون في البنك عدا صوتي ، و أدركت أني حزت الانتباه الذي أريد ، فصمتّ و أنا أتنفس بعمق ، فما كان من إحدى الموظفات ألا أن أحضرت لي كأساً من الماء ، و طلب مني مدير الفرع أن أستريح في غرفة مجاورة معدة لمقابلة كبار العملاء ، ثم أحضر أحد المشرفين و معه موظف آخر ، و جلسا قبالي و كل منهم معه دفتر و قلم و طلبا معرفة اسمي و أين أسكن و بنكي و في أي فرع حسابي ، ثم ذهب أحدهما و بقي الآخر يقول « اطمئن لن تخرج من هنا إلاّ و معك بعض النقود و لكن يجب أن نعرف أين الخلل حتى لا يحدث لك مرة ثانية » و بعد الاتصال مع بنكي في طوكيو اتضح أن مرتب البعثة لم يودع في الحساب ، و أن اسمي سقط سهواً من البيان الذي سلم للبنك لإيداع رواتب المبتعثين ، و أن الأمر يستدعي الانتظار للغد حتى يكون المبلغ في الحساب ، بعد أن أبلغني المشرف تلك الحقيقة قال لي « أرجوك انتظر لحظة « و بعد قليل عاد و معه مدير الفرع الذي سلمني مبلغ ( 10.000 ) ين و قال « أرجو أن تكفيك بضعة أيام حتى تترتب الأمور و عندما تأتي لتسحب مبلغا من الماكينة بإمكانك أن تردها لنا « و أردف ضاحكاً « و ربما نقنعك بجعل حسابك لدينا « و هذا ما حدث فعلاً فقد نقلت حسابي لديهم .
هل هي أخلاق اليابانيين التي اكتسبوها من حضارتهم و تربيتهم ؟ ما جعلهم يعاملون طالبا أجنبيا لا مطمع فيه معاملة كبار العملاء ، و هل هي أخلاقنا التي تربينا نحفظها ؟ هي ما جعل مساعد مدير البنك السعودي و معاونيه يتكاتفون لإظهار مواطن كهل مثلي أن لا احترام له مهما يكن طالما هو غير معروف لديهم .
من أين نبدأ إذا أردنا أن نتغير و نكون أمة متطورة بأخلاقها و خدماتها و حضارتها ؟،
سؤال لمن؟
منقول من ايميلي ..
بين قصتين تكمن الفجوة
1976 - 2010
محمد المهنا أبا الخيل
( 1 )
دخلت حجرة أحد مكائن الصرف الآلي الملحقة بفرع من فروع واحد من كبار البنوك السعودية ، و عندما أدخلت بطاقة الصرف الآلي و إذا بالمكينة تلتهمها و ( تطفئ ) ، فتوجهت لداخل البنك ، و يبدو أن مسئولاً أو أكثر في ذلك البنك كان لديه علم بمشكلة الماكينة ، حيث قابلني مساعد مدير الفرع و قال لي ، « أكلت بطاقتك ! » و هو يبتسم ، لم يكن الموقف مثيراً بعد حيث كنت أعتقد أن المسألة لا تتعدى أن يأتي بالمفتاح و يستخرج البطاقة ، فلم أعلق سوى قولي : يبدو أن الماكينة خربانة فبادرني : و إلا بطاقتك خربانة و هو يبتسم ابتسامة تنم عن اتهام و إقلال ، و هنا احتدم الأمر في رأسي و أحسست بوقع الإهانة ، فقلت : على كل حال أرجو أن تستخرجها بسرعة و هنا كان شخص آخر يريد استخدام الماكينة الأخرى التي بجوار المكينة الخربانة فقلت له : انتبه لا تروح بطاقتك فيها فما كان من مساعد المدير إلا أن التفت إلي متجهماً و قال : لا يحق لك أن تقول هذا و خليك في حالك و تركني و ذهب إلى داخل الفرع ، كنت أظن أنه سيحضر المفتاح و يخرج بطاقتي ، و حيث لم يعد بعد مرور عدة دقائق ، دخلت أبحث عنه فلم أجد له أثرا ، و سألت أحد الموظفين فقال : يجب أن تأتي غداً لتأخذ بطاقتك لم أتمالك نفسي من الانفعال « كيف يكون ذلك ؟ يجب أن أحصل على بطاقتي أولاً ثم أني بحاجة لبعض المال « و بكل برود و هو يلقيني ظهره « هذا النظام و طالما أن حسابك ما هو عندنا لا نستطيع أن نفعل لك شيئا « ثارت ثائرتي لعدة أسباب ،
أولها : أن تعامل الموظفين بما فيهم مساعد المدير كان جافا و خالياً من أي تعبير ينم عن تقدير معاناتي نتيجة لفقداني بطاقتي بسبب سوء صيانة ماكينتهم .
ثانياً : قناعتهم بأن علي الانصياع لنظامهم و إلا أنا إنسان غير واقعي .
ثالثاً : سوء السلوك في الخلاص من العميل بمجرد وصول الموظف لقناعة بنهاية المعاملة .
نعم زمجرت و علا صوتي أمام موظف علاقات العملاء اشتكي و أرفض إذلالي بنظامهم ، و الحقيقة أن لجامي انفلت فأثرت أن أنسحب قناعة بأن لا طائل من جدالهم ، و في اليوم التالي حضرت لأخذ بطاقتي و طلب مني مدير العلاقات أن أستريح قليلاً حتى يحضر البطاقة و بعد أن أحضرها و وقعت على ما يثبت الاستلام ، نظر إلي و هو يبتسم ، و كنت أعتقد أنه سيعتذر عما سببه لي نظامهم من عناء ، و لكن ذلك لم يحدث بل الذي حدث أن بادرني « يا أخي أمس الله يهديك كنت غلطان « لم أشأ أن أستمع لباقي موشح الملامة فتركته و خرجت من ذلك البنك العريق ، و أنا عازم ألا أدخله ثانية .
( 2 )
في العام 1976 انتقلت للدراسة في مدينة فكوكا جنوب اليابان و كان حسابي البنكي لدى بنك ( سنوا ) و مرتب بعثتي كان يودع في البنك في مدينة طوكيو ، و لم يكن في مدينة فكوكا سوى فرع واحد لذلك البنك في حين كان بنك ( متسوبيشي ) منتشراً في المدينة و كان واحداً منها قريب لسكني ، في ذلك الحين كانت البنوك اليابانية تستخدم مكائن صرف آلي من نوع قديم و كل بنك لديه شبكة خاصة به و لم يكن بالإمكان الصرف من حساب بنك لدى بنك آخر إلاّ أن بنك ( متسوبيشي ) أعلن أنه سيوفر الصرف من مكائنه لحسابات عملاء عدد محدود من البنوك اليابانية و كان بنك ( سنوا ) واحد منها ، لذا ذهبت لفرع بنك ( متسوبيشي ) القريب من منزلي ، و حاولت أن أسحب مبلغا من حسابي ببطاقة الصراف و لكن دون جدوى ، و عدت في اليوم التالي حيث تبادر لذهني أن راتب البعثة لم يودع بعد ، و تكرر الوضع فلا نقود بالحساب ، و في اليوم الثالث و قد بلغ القلق بي مبلغاً فلم يعد بجيبي أي مبالغ نقدية ، ذهبت للفرع نفسه و تكرّر الحال فما كان مني إلاّ أن دخلت على مدير الفرع ، أشتكي و أنا منفعل و كنت شاباً و مفعماً و قلقاً و في بلد لا أعرف بها أحدا فعلا صوتي ، و التفت الناس في كل البنك لي و أنا أقول « إن الماكينة اللعينة لا تخرج لي نقوداً مع أن عندي في الحساب نقودا « ، عم سكون في البنك عدا صوتي ، و أدركت أني حزت الانتباه الذي أريد ، فصمتّ و أنا أتنفس بعمق ، فما كان من إحدى الموظفات ألا أن أحضرت لي كأساً من الماء ، و طلب مني مدير الفرع أن أستريح في غرفة مجاورة معدة لمقابلة كبار العملاء ، ثم أحضر أحد المشرفين و معه موظف آخر ، و جلسا قبالي و كل منهم معه دفتر و قلم و طلبا معرفة اسمي و أين أسكن و بنكي و في أي فرع حسابي ، ثم ذهب أحدهما و بقي الآخر يقول « اطمئن لن تخرج من هنا إلاّ و معك بعض النقود و لكن يجب أن نعرف أين الخلل حتى لا يحدث لك مرة ثانية » و بعد الاتصال مع بنكي في طوكيو اتضح أن مرتب البعثة لم يودع في الحساب ، و أن اسمي سقط سهواً من البيان الذي سلم للبنك لإيداع رواتب المبتعثين ، و أن الأمر يستدعي الانتظار للغد حتى يكون المبلغ في الحساب ، بعد أن أبلغني المشرف تلك الحقيقة قال لي « أرجوك انتظر لحظة « و بعد قليل عاد و معه مدير الفرع الذي سلمني مبلغ ( 10.000 ) ين و قال « أرجو أن تكفيك بضعة أيام حتى تترتب الأمور و عندما تأتي لتسحب مبلغا من الماكينة بإمكانك أن تردها لنا « و أردف ضاحكاً « و ربما نقنعك بجعل حسابك لدينا « و هذا ما حدث فعلاً فقد نقلت حسابي لديهم .
هل هي أخلاق اليابانيين التي اكتسبوها من حضارتهم و تربيتهم ؟ ما جعلهم يعاملون طالبا أجنبيا لا مطمع فيه معاملة كبار العملاء ، و هل هي أخلاقنا التي تربينا نحفظها ؟ هي ما جعل مساعد مدير البنك السعودي و معاونيه يتكاتفون لإظهار مواطن كهل مثلي أن لا احترام له مهما يكن طالما هو غير معروف لديهم .
من أين نبدأ إذا أردنا أن نتغير و نكون أمة متطورة بأخلاقها و خدماتها و حضارتها ؟،
سؤال لمن؟
منقول من ايميلي ..