المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلمة حول [ أحداث مصـــــر ] لفضيلة الشيخ عليّ الحلبيِّ الأثريِّ -حفظه الله-



أعمار
31-01-2011, 11:15 AM
أيها الإخوة الكرام سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد التحية الطيبة يا إخواني هذي كلمة من الشيخ الفاضل العالم علي الحلبي حفظه الله تعالى حول الأحداث الجارية في مصر ( ملاحظة الكلمة طويلة شيئا ما فأرجوا أيها الإخوة أن تستكملوا قراءتها حرصا على الفائدة لمعرفة حكم مثل هذه الأحداث العظيمة الجسيمة التي جرت في تونس ومصر وستلحقها دول عربية أخرى نسأل الله أن يلطف)

يقول الشيخ رحمه الله بعد الحمدله :(أما بعد


فَقَد وَرَدَ عن الصَّحّابي الجَليْل عَليّ بنِ أبي طَالبٍ ضِمْنَ وَصِيَّةٍ جَمِيْلةٍ جَليْلةٍ أدَّاهَا لأَحَدِ أصْحَابِهِ وهو كُمَيْلُ بن زِيَاد ، أنَّه قَال لَهُ مِن ضِمْنِ ما قَال ، ( النَّاسُ ثَلاثةٌ : فَعَالمٌ رَبَّانِيٌ ، وَمُتَّبِعٌ عَلى سَبِيْلِ نَجَاةٍ ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أتْبَاعِ كُلِّ نَاعِقٍ )

لا يخرُجُ النَّاسُ كيفَمَا كانُوا وأيْنَمَا كانُوا عَنْ هَذهِ الأصْنَافِ الثَّلاثَةِ ، عالمٌ ربانِيٌ ، أيْ منْسُوبٌ إلى الرَّبِّ العَظيم جَلَّ جَلاله ، ويُربي النَّاسَ عَلى ذَلك ، أو مُتَّبِعٌ عَلى سَبِيْلِ نَجَاةٍ ، لَيْسَ مُقَلِّدَا ، ولا مُتَعَصِّبَاً ، ولا متحزباً ،

وإنما يريد الله والدار الآخرة ، يريد الله والدار الآخرة لأنهما عنوان النجاة ، وما سوى ذاك فإلى الخسران المبين ، بقدر تخلفه عن هذا يناله من ذاك ، فمقلٌ أو مستكثرٌ ، والثالث الصنف الثالث : همجٌ رعَاعْ ، أتباعُ كلِّ ناعِقٍ ، ليس عندهم القواعد العلمية ولا الأصول الشرعية ، ولا السبل والأسس المرعية ، في إطار الشريعة الإسلامية ،


وإنما يصيحون مع كل منادٍ ، ويتيهون في كل وادٍ ، همجٌ رَعَاعٌ ، ليس من علمٍ يحركهم ، ولا من شريعةٍ تدفعهم ، أتباع كل ناعقٍ ، بقدر ما كان نُعاق هذا الناعق أشداً ، وبقدر ما كان صياحه أعلى بقدر ما وجد من الأتباع أكثر ومن الأعداد أوفر ، وكل ذي عقل وكل ذي نهىً يرفض أن يكون كهذا الصنف الثالث ،

وإن كان عند غلبة العواطف ، وعند ثورة الحماسات ، قد يكون منهم أو بينهم أو المقدم فيهم فليراجع نفسه وليتأمل مواضع قدميه وحركات فؤاده وتحركات لسانه ،

حتى لا يكون عنده من الإثم ومن المخالفة بقدر ما عنده من التبعية والعصبية والجهل والحميَّة ، وكذلك في حال رفضه أن يكون من هذا الصنف الثالث فإنه بما آتاه الله من عقلٍ ، يعرف أنه ليس من أهل الصنف الأول ، فالصنف الأول هم العلماء الرَّبانيون ، الذين يجب على الأمة أن تتبعهم لا تعصباً وإنما تسنناً ، ولا تحزباً وإنما ثباتاً وإستقامةً على شرع الله ، وعلى كتاب الله وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذ هو لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فإنه يسعى جهده ويبذل وسعه في أن يكون من الوسط بين البينين ، ليس هو أهلاً لأن يكون عالماً ربانياً ويستنكف ويأنف أن يكون من الهمج الرَّعَاع ، وما أكثرهم في البلاد والأصقاع - وللأسف الشديد - ، لكن إذ قد رضي أن يكون من الصنف الوسط ، اتباعاً على سبيل نجاة فهل هذا الصنف الوسط ينال بالأماني ؟ ينال بالأحلام ؟ ينال بالرؤى والمنام ؟ لا بد له حتى أن يكون منه من بذل جهدٍ ومجاهدةِ نفسٍ ومصابرةٍ في طلب العلم وثباتٍ على أمر الله ولو كانت داخلةُ نفسه تأبى عليه في بعض الأمر إلا أن يسلك بعض السبل وأن يتبع بعض الطرق ، ولو كانت على غير هدىً من الله ، وعلى غير استقامةٍ لأمر الله ،


فمثل هذا ينبغي أن يدفعه وأن يدافع نفسه عنه ، وليتذكر دائماً قول الشاعر مذكراً به نفسه وغيره :

فهذا الحق ليس به خفاء *** فدعني من بنيات الطريق

هذه كلها من بنيات الطريق ، من السبل المنعرجة والمتعرجة ، والقصيرة غير المستقيمة التي تقوم على جانبي الصراط القويم ، والنهج المستقيم ، الذي أمر الله به ليتبعه رسولَه الكريم - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين - ، وهو نفسه الذي أمر الله به وهو الذي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به أمته وأتباعه وأصحابه وإخوانه من بعده - صلى الله عليه وآله وسلم - ، أن تكون متبعاً على سبيل نجاة ،


فإن هذا يحتاج جهاداً للنفس والله تعالى يقول { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } [العنكبوت/69] ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ( المجاهد من جاهد هواه في ذات لله )


وليست مجاهدة الهوى أيها الإخوة دائماً تكون مجاهدةً للشهوات ، فقد تكون في بعض الأمر مجاهدةً للشبهات ، وهي أجل من ذلك وأعظم ببركات ودرجات ، سهل أن تجاهد شهوتك إذا وفقك الله ،


ولكن ليس من السهل أن تجاهد الشبهة ، التي قد ترد عليك أو إليك ، فتفتنُك وعن جادة الحق والصواب تبعدك ، هذه نقطة أساسية ، لا أقول فيما أنا بصدده والتذكير به في هذه الأمسية المباركة - إن شاء الله - ، المباركة بما يعطر أجوائها من كلام الله ، والمباركة بما فيها من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنفاس أهل العلم الربانيين ، وفتاواهم الصادقة الواثقة ،


أقول :
هذا كله بين يدي التنبيه على أمر واقع ، نسمعه ويسمعنا ونعيشه ويقلقنا لا يقلقنا فقط في شأن الدنيا ، بل يقلقنا ويزعجنا ويأزُّنا في شأن الدين ، سواء بسواء ،

وحتى نحكم على المستجَدات والحوادث حكما صحيحا معتبرا يجب أن يكون هذا الحكم مبنيا على التأصيل الجليل ، وعلى التدليل الجميل ،



بقال الله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال الإمام الذهبي - رحمه الله - :

العلم قـال الله قـال رسولـه *** قال الصحابة ليس بالمتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه

فلننظر إلى ما يجري في مصر

كما نظرنا إلى ما جرى قريبا في تونس ،


ولنتأمل ما يجري هذه الساعةَ في لبنان ،

بل ما وقع اليوم في عمَّان

وما جرى ليس بعيدا عن صنعاء ،


في أمور مستجدة تكاد أمتنا لم تمر بها ولم تعرفها ،

ولكن لا نزال إلى هذه الساعة نفتقد الصوت الشرعي الحر ، الذي يحكم على الأمور بدلائلها ، لا بقائلها ، بحجتها لا بنسبتها ليكون الحكم الناتج عن هذا وذاك حكما شرعيا أدنى إلى الصواب ، وأقرب إلى الحق بغير ارتياب .



وكم سمعنا من يقول مصطلح فقه الواقع ،

وهو مصطلح تتصارعه فئتان : الفئة الأولى

فئة الدعاة الثوريين السياسيين العاطفيين الحماسيين الذين جعلوا فقه الواقع تتبعا للأخبار السياسية ، ودراية بالأساليب الصحفية ، بين هذا وذاك تثويرا للحماسات وإطلاقا للعواطف الجامحات ،


وأما الفئة الثانية فهي فئة أهل العلم الربانيين ، نعم الربانيين أنفسهم الذين فهموا فقه الواقع على تأصيل ذكره الأمام ابن القيم الجوزية في غيرما كتاب من كتبه ، فأولا فقه الواقع : ليس أمرا محصورا في السياسة وذيولها ، إنما فقه الواقع هو طريقة التصور لسائر الأمور ، حتى تكون النتيجة صحيحة وعادلة .


سواء أكانت هذه الأمور سياسية أو شرعية أو حتى مادية دنيوية ، هكذا نفهم معنى فقه الواقع الشرعي ، وهو الذي ذكره اهل العلم في كتب الإصطلاح ضمن قولهم وتأصيلهم وإصطلاحهم بقولهم : ( الحكم على الشيء فرع عن تصوره ) فنقرب بين العبارتين ، ونستلهم المعنى الصواب بين الجملتين والإصطلاحين فنقول :

فقه واقع أي أمر يعيدك على تحديد الموقف الصواب منه ، بينما لو لم تفقه هذا الواقع على وجه الحق فسيكون بعدك عن الصواب بمقدار نقص علمك به وفقهك له ، هذا هو الصواب ، وليس ذاك المعنى الممتلئ بالإثارة والتثوير ، والمضيق في حدود السياسة واهلها ، فليس الأمر كذلك البتة ، أقول هذا مقدمة أخرى بين يدي آية وحديث وأثر وقاعدة فقهية وفتوى لأهل العلم أدير عليها مجلسنا المبارك في هذه الليلة - إن شاء الله - من باب قول الله { لتبيننه للناس ولا تكتمونه } [آل عمران/187]

رضي من رضي ، وسخط من سخط ، واتهم من اتهم ، وطعن من طعن ، ونبز من نبز ، فإنما علاقة العبد بربه علاقة علوية ، إنما يكون فيها الصدق هو شعارا وانتصار بغض النظر عمن خالف أو وافق ، فهو قبلته
وجه الله ، ونهج فؤاده سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه .

أما الآية فقول الله تبارك وتعالى { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } [النساء/83


] كلمة المفسيرين جميعا في هذه الآية متعلقة بأمرين ، الأمر الأول : أن الأمورالعامة تكون من المشكلات التي لا يجوز التوسع بها ، ولا إذاعتها إلا بهذا الأمر الثاني وهو : أن يكون ذلك من شأن أهل الإختصاص ، من اهل العلم وهم أهل الإستنباط ، كما قال الإمام الطحاوي ، وكما قال الإمام ابن تيمية وكما قال الإمام الطبري وغيرهم من أهل العلم ( الأمور العامة في الأمة لا يفتي فيها ولا يعطي الحكم بشأنها إلا أهل العلم الربانيون ، الذين جعلوا قبلتهم كتاب الله ، ومهجة قلوبهم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فهم يريدون للأمة ولا يريدو منها ، يريدون لها الصلاح والإستقامة والسعادة والفلاح ، ولا يريدون منها أي شيء من دنياها أو دنياهم ، في قليل أو في كثير ، هذا هو الأصل الأول والنص الأول فيما نحن بصدد بيانه .

أما الثاني

فهو الحديث المروي في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله - تعالى - عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( العبادة في الهرج كهجرة إليّ ) الهرج : هو القتل والإختلاط والضطراب والفتن ، والناس في الإطار وفي هذا المضمار تطيش قلوبهم ، وتذهل عقولهم ، ولا تطمئن نفوسهم ، فيكون الواحد منهم - والحالة هذه - مع الهمج الرعاع ، ينتشر في الأصقاع ، ليس بواع ولا بمتفهم ، لأن الفتنة صعقته وضربته مما جعله يقع في الذي هو أدنى ، ولا يلتفت إلى ما هو أعلى وأهم ، هذه من إرشادات محمد - صلى الله عليه وسلم - ، رسول الإسلام ، وسيد ولد آدم ، تعليما وتنبيها وإرشادا أن في مواطن الفتنة يجب الإنشغال بالأولى والأعلى الأغلى ،

وهو عبادة الرب تبارك وتعالى ، المعبود بحق سبحانه في علاه ، بدلا من الإنشغال بهذه الأمور التي تزيد الواحد بعدا عن الله فتشغله في المفضول مع وجود الفاضل ، تشغله في المفضول وهو الأصعب ، ويترك الفاضل وهو الأيسر ، تشغله في المفضول وهو البعيد عن الشرع ، وتبعده عن الفاضل وهو الذي أمر به الشرع ، العبادة في الهرج كهجرة إليّ ، فلينشغل الناس كلهم وليفعلوا ما يريدون ، وليتجمعوا كما يشاؤون ، وليثوروا كما يثورون ، لا يلفتنك ذلك عن دينك ، وعن منهج كتاب ربك ، وعن سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - ،

وهذا وذاك من النص القراني أو الحديث النبوي لا يجعلنا نسوي بين الظلم والعدل ، أو بين الحق والباطل ، وإنما يجعلنا نضبط طريقة تفكيرنا ، وطريقة معالجتنا للأمور ، بدلا من الغوغائية التي لا تنتج إلا البلاء واللئواء ، والمصيبة تلو المصيبة ، فالشرع الحكيم ضبط العقل والقلب واللسان والجوارح ، ضبط ذلك كله بما يتناسب تماما ويتناسق تماما مع الطبيعة البشرية الإنسانية التي خلق الله الناس عليها ، وهوالقائل - جل في علاه وعظم في عالي سماه - { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } [الملك/14] اللطيف بهم الخبير بما يصلحهم ، فبمقدار بعد أي إنسان عن المنهج الرباني الحق ، بمقدار ما يكون واقعا في الخذلان ، وبمقدار ما يكون متلبسا بالظلم والبهتان - أعاذنا الله وإياكم - الشرع الحكيم ضبط بين أمرين قد يظنهما البعض متناقضين وهما في الحقيقة مؤتلفان متناسقان متفقان ،


أما الأصل الأول فهو : النهي الشرعي الشديد عن الخروج على الحاكم المسلم ، نتكلم عن الحاكم المسلم ، ولا نتكلم عن الحاكم الذي يحارب الحجاب ، ويحارب الأذان ، ويحارب اللحية ويحارب الإسلام ، نتكلم عم الحاكم المسلم ، ولو أنه خالف شيئا من أمر الله ، ولو أنه تلبس بشيء من الفسوق أو العصيان ، فهذا لا يخرجه من دائرة الملة بإجماع أهل السنة ، هذا هو الإطار الأول ،

الإطار الثاني : الذي ظن أنه يعارض هذا الأول أن هذا الحاكم الذي أنت لا تزال تحت حكمه وفي ظل إمرته لا يجب عليك أن تحبه بسبب ما خالف فيه شرع الله ، ولا يكون عدم حبك له بابا للخروج عليه ، أو بابا للتثوير عليه ،


وإنما هذا داخل في سياق قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، زذلك أضعف الإيمان )


هذا الأصل الثاني الذي أشرت إليه ،

والذي هو متناسق تمام التناسق مع الأصل الأول هو الذي أشار إليه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ، بقوله واسمعوا هذا الحديث النبوي الشريف ما أعجبه وما أعظمه وما أجمله وأجله ، يقول صلى الله عليه وسلم ( خير أمرائكم الذين تحبونهم ، ويحبونكم ، وتدعون لهم ، ويدعون لكم ، وشر أمرائكم ... )

مع انهم شر ماذا قال : أمرائكم مضاف ومضاف إليه ، شر أمرائكم مع انهم شر ومع أنكم لا تحبونهم لكن هذا وذاك ما داموا في إطار الإسلام ولو على تقصير وشيء من الفساد ، لكنهم لم يخرجوا من الملة ، ولم يمنعوا الأمة عن الصلاة ، ولم يحاربوا أحكام الإسلام ، وهم متمكنون متغلبون منفذون للأحكام فإنه قال أمرائكم ، فأثبت لهم إمرتهم عليكم ( ... وشر أمرائكم الذين لا تحبونهم ولا يحبونكم ، وتدعون عليهم ويدعون عليكم ) هذه ضوابط الفعل ، كما هي ضوابط القول ، بحيث يكون لكل إطار من هذين الإطارين مساحته ، وبحيث يكون لكل باب من هذين البابين واجهته ، لا أن نخلط ونخلط ، وان يلبس علينا ، ويدلس علينا ، وأن ننساق فوق النعاج بغير أدلة ولا احتجاج ، ولا حجج ولا منهاج ، هذا دأب الهمج الرعاع ، أما نسق أهل السنة والإتباع لطلابي النجاة ، فهم الذين ينضبطون بالأحكام الشرعية ، وبالأصول المرعية وبالقواعد الفقهية ، سواء بسواء .



أما الثالث فهو أثر في الصحيحين عن شقيق عن أسامة بن زيد قال : قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه ... ) في فترة فيها شيء من الفتن وشيء من المحن وشيء من البلاء ، فتوجه بعض الناس إلى أسامة يسألونه ويطلبون منه أن يتكلم مع الأمير ، وعثمان يومئذ هو الأمير ، حتى ينظر إلى الأمور من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قيل له ( ... ألا تدخل على عشمان فتكلمه ؟ ماذا كان جوابه : قال أترون أين أكلمه إلا أسمعكم ؟ ...

) يعني لا بد تريدون مني أن لا أكلمه إلا إذا أسمعتكم أو اخبرتكم أو أنبأتكم أو أخرجت لكم تصريحا أو بيانا ، أو إشارة أو تسجيلا ، ثم انظروا ما أجمل التعليل بهذا الوجه الجليل ( ... قال : والله لقد كلمته فيما بيني وبينه من دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه )


هذه أخلاق الصحابة هذه أخلاق السلف ، هذه أخلاق خيار الأمة ، هذه أخلاق المؤمنين الأولين ، العالمين العارفين الصابرين .



فأول الأمر آية ،

وثانيها حديث ،


وثالثها أثر من آثار السلف الصالحين ،

ورابعها قاعدة من قواعد الفقه ،

وقواعد الفقه تختلف عن قواعد الأصول لأن قواعد الفقه أرفق بشؤون المسلمين العملية الحياتية ، الواقعية العامة ، بينما القواعد الأصولية أقرب ما تكون إلى عقول العلماء وأنظارهم ، في التفهم والإستنباط من النص ، بينما القاعدة الفهية إنما هي مستنبطة أساسا من عموم القواعد الشرعية أو من عموم الأدلة الشرعية ، سواء في كتاب أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .


فمما اتفق عليه أهل العلم الثقات من القواعد الأساسيات في فهم الشريعة وأصولها المنيعة قولهم : ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) هذه من قواعد الفقه المحررة والمحبرة ، وقد يلتحق بها من مثلها قاعدة اخرى وفي السياق ذاته ، وهي قولهم : ( إن ارتكاب أخف الضررين هو الأصل دفعا لأكبرهما ) أمامنا ضرران لا بد أن نتنفس بأحدهما ، ليس لنا خيار ، فما هو الفعل الحق ، الفعل الحق إرتكاب اخفهما دفعا لأكبرهما وأشدهما .



القاعدة الثالثة في الباب نفسه وانطلاقا من الأصل ذاته قولهم : ( عند تزاحم المصالح تحصل المصلحة الراجحة وتترك المصلحة المرجوحة )


فلننظر الوقع الأليم الذي يكاد يودي بأمن البلاد والعباد ، والذي قد تكون بدايته أمرا هينا ، وكلاما لينا - كما يقولون - نحن نفعل مسيرة سلمية ، أو مظاهرة سلمية ، فإذا بها في أولها كذلك ، وفي آخرعلى النقيض من ذلك ، فكيف إذا كانت من أولها على غير ذلك ، وقد تكون في أولها وثانيها وثالها على معنى ذلك ، وفي ما هنالك ، لكن في كل مرة تزداد الحرارة حتى تنطلق الشرارة التي تحرق الأخضر واليابس ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، يحسبون أنهم قائمون بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، لكن دون التفات لآية ، ودون انتباه لحديث ، ومن غير دراية بآثار السلف ، ودون أن يتأمل في أي من هذه القواعد الفقهية المحررة المعتبرة عند أهل العلم ، لا في قليل ولا في كثير .



قد تكون الصلحة المتوهمة آنية النظرة ، لكن المصلحة الراجحة الصحيحة إنما تكون في معرفة المآلات ، وفقه إدراك المآلات فقه من أعظم الفقه وأجله ، وأدقه وأرفعه ، ولا يكاد يدركه إلا الأفراد في كل زمان ومكان ، من العلماء الربانيين ، والأئمة المتفقهين ، الذن ربوا بمنهج الحق ، ولم يقبلوا عنه بدلا .



يتبع

أعمار
31-01-2011, 11:19 AM
أما الخامس فهو بعض الفتاوى ،

ولا نستطيع بطبيعة الحال أن نأتي عليها جميعا ، فأكاد أقول لا أعرف عالما من أهل السنة وأصحاب العقيدة الصحيحة في هذا الزمان إلا على الإنكار والتشديد الشديد على هذه المظاهرات والإعتصامات والإضرابات لما عرفوا من كونها أولا أصلا غير شرعي ، وثانيا لما يترتب عليها من فساد للبلاد والعباد ، وإذا يقررون هذا ويأصلونه ، فهم في الوقت نفسه - ونحن معهم وبهم - نأبى الظلم ، ونرفض الضيم ، ولا نقبل الفساد ، لكن { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } [الأنعام/153] هكذا المؤمن الحق ، ينظر إلى الخط القويم والصراط المستقيم ، ولو كان أطول مسارا ، وأبعد منلا ، لكن فيه النجاة وفيه النجاح ، وفيه الفلاح ، دنيا واخرى .

سئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - قال له السائل : باتت ظاهرة عند كثير من الناس وهي التجمع التجمهر ، خروج المسيرات والمظاهرات كنوع من انكار المنكر ، فما رأيكم في ذلك ؟


فقال الشيخ ابن باز : الخروج في المظاهرات والمسيرات ليس طيبا ، وإذا لم يكن طيبا فهم خبيث ، فليس ثمة إلا طيب وخبيث ، قال : وليس من عادة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه بإحسان .


ألم يكون في ذلك الوقت منكرات ؟ ألم يكن في ذلك الزمان مخالفات ؟ ألم يكن في تلكم الحقبة ما يخالف فيه شرع الله ؟ وما يناقض فيه كتاب الله ؟ بلى ولم ينزعوا إلى ذلك ، ولم يفعلوا ولو أدتى ذلك .


قال : إنما النصيحة والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى ، وهذا ما ورد في أثر اسامة بن زيد في نصحه لعثمان رضي الله عنه ، بينه وبينه ، دون فتح باب فساد وإفساد ، ودين تأليب القلوب والعقول ، على أولياء الأمور مما يفسد ولا يصلح ، مما يسيء ولا يصيب .


قال : هذه هي الطريقة المتبعة ، قال الله عز وجل { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } [التوبة/71] بعضهم أولياء بعض ، ليس بعضهم أضداد بعض ، ليس بعضهم يناقض بعض { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } [التوبة/71] وقال عز وجل { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } [آل عمران/104] .




قوله ( ولتكن ) اللام هنا قال بعض أهل العلم إما لام التبعيض ، عفوا الميم ( ولتكن منكم ) من هنا إما أن تكون من التبعيضية ، أو ان تكون لبيان الجنس ، فإذا كانت من تبعيضية فالمقصود بهذا التبعيض أهل العلم ، وإذا كانت من لبيان الجنس فهي بمعنى كونوا أمة أي بمقدار ما تعرفون من الحق ، وتهتدون إلى الصدق بمقدار ما تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، وهذا من أدلة تجزؤ العلم والمعرفة وتجزؤ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .


قال : وقال سبحانه { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } [آل عمران/110] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .



قال سماحته - رحمه الله - فالإنكار بالفعل يكون من الإمام أو الأمير أو من الهيئة التي لها تعليمات ، الهئية : أي الفئة التي يوليها الأمير لتنفيذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن الذي يترتب عليها أمور وأمور ، الآن لو أن اثنين تقاتلى باليد بالسوق لحصل من الفساد مالا يعلم به إلا الله ، فكيف إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موكولا إلى عامة الناس ، من الهمج الرعاع اؤلائك ، أومن الهوج الغوغاء هؤلاء ، فهذا أشد وأنكى عياذا بالله .



قال : أما افراد الناس إذا أنكروا باليد فتكون الفتنة والنزاع والفرقة وتضييع الفائدة فيجب على كل شخص أن ينصح بالقول والتوجيه والترغيب والترهيب ، أما صاحب البيت على اولاده والهيئة في نظامها حسب طاقاتها يعني شركة أو مؤسسة أو جمعية أو ما أشبه ، وكذلك الأمير فله الإنكار بالفعل ، بمعنى قد يسجن أم يضرب أم يفعل أم يأمر أم ينهى لأنه الأمير ، لكن لا نتكلم عن أمراء الأحزاب والجماعات والحركات والتنظيمات ، سواء ما كان منها علانيا - زعموا - أو سريا نتكلم عن الأمير الشرعي ، بضابطه الشرعي .



قال : أما أفراد الناس فعليهم الإنكار بالقول لأنه لا يستطيع الإنكار بالفعل حتى لا تعظم المصيبة ، ويعظم الشر .


هنا ورد سؤال آخر على الشيخ - رحمه الله - يقول : إن الحاكم يرضى بهذه الإعتصامات والمظاهرات ويستدلون بذلك على جوازها ، بعض البلاد بنفس النظام الحكومي أو الرسمي تقول : لا مانع من المظاهرات ، يقول الشيخ ابن باز : المظاهرات شرها كبير حتى لو أذن بها الحاكم ، الحاكم مهما أذن لا يستطيع أن يوقف على رأس كل إنسان مسؤولا يراقبه ، أو على رأس كل أحد من يعرف خلفيته ودخلية نفسه وخبيئة فؤاده ، هذه لا يعلم بها إلا الذي بكل شيء محيط - جل في علاه وعظم في عالي سماه - .


هذه أصول خمسة كلها قائمة على الناحية الشرعية ، والأصول الدينية ، ولما كان الدين إنما هو من ضمن ثمراته ومن ضمن مبادئه ومن ضمن نتائجه إصلاح الدنيا في نواحيها الإجتماعية ، فإنه قد يترتب على أمثال هذه المظاهرات من الفساد الدنيوي الإجتماعي ما الله به عليم .



من ذلك : لو فرضنا أن هذه المظاهرة أو تلك كما يقال في لغة العصر ( مظاهرة نظيفة بنية شريفة )


هل يستطيع أحد أن يأمل أو أن يأمن عفوا أن يأمن إندساس المندسين ، ودخول المخربين الذين لا يريدون للأمة بقاء صفوها ، ولا يريدون لها نقاء صفها ، فيفسدون ليصيبوا طرفين ، جهة الحاكم من طرف ، وجهة هذا المحكوم القائم بهذا الأمر من طرف آخر ، الأمر الثاني ما يترتب عليه من شغب وفوضى ، بما يجعل الامة تكاد تفقد أمانها ،


والله عز وجل جعل الأمن من ثمرات الإيمان { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } [الأنعام/82]

فبقدر ما تضيع من الأمن يكون ثمة ضياع ونقص لك من الإيمان ، وانظروا واعتبروا وتأملوا ما جرى ويجري وما هو جارٍ وواقع من هذا الشغب ومن هذه الفوضى التي عمت وطمت كثيرا من بلاد المسلمين ، ونسال الله ان يجعل العاقبة سليمة ، طيبة خيرة ، وأن يدرأ عنا وعن جميع بلاد المسلمين الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن .


الأمر الثالث : ما تنتجه تلكم الفوضى وما ينتجه ذاك الشغب من تحطيم لممتلكات ، سواء الخاصة والعامة ، إنسان واضع سيارته أمام بيته ، بأي حق تقذفونها أو تحرقوناها ، الإشارات المرورية الخضراء والبرتقالية والحمراء التي تسير بها السيارات ، ما الفائدة من كسرها ومن تحطيمها ، ومن ضربها ، وعلى هذا فقس ، فكيف إذا عرفنا أنه قد يكون هنالك تخريب وحرق لبعض الدور و..و..و.. غيرها من الأماكن .



أيضا من ذلك الإختلاط المحرم بين الرجال والنساء ، فنرى في المظاهرة الرجل والمرأة جنبا إلى جنب ، ورأينا وعجبنا مما رأينا أن النساء في بعض الأحيان هن اللواتي يحركن الرجال ، وهن اللواتي ينطلقن بالهتافات ، بل رأينا أن المرأة تصعد على ظهر الرجل وتلوح وتصيح ، فأي طريقة فاسدة هذه ، و ( إن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .


هذا فضلا عن استغلال أصحاب الشهوات وما أكثرهم في هذه الأوقات ، من إيقاع ما لا يتخيل في هذه المرأة التي قد تكون أمامه أو بجانبه ، أو حتى فوقه .


وكذلك أيضا من النتائج الفاسدة المفسدة لهذه الأفعال البعيدة عن الشرع ، ضعف عقيدة الولاء والبراء في النفوس ، فنرى المسلم يمشي بجانب الكافر ، الداعية الذي يقول عن نفسه إنه داعية إسلامية يضع يده بيد الشيوعي واليساري والعلماني ، والفاسق والطائع سواء ، هذا ينادي بشعاره ، وهذا ينادي بشعاره ، ولم تجمعهما إلا تلكم الغاية الفاسدة التي ليس من ورائها فائدة إلا إيقاع الأمة بمزيد من البلاء ومزيد من الفتنة ومزيد من الفساد .



الأمر السادس : ما يحصل نتيجة المواجهة بين الطرفين من قتل وإيذاء وجرح وكسر حتى يكاد ذلك يصيب بعض الأبرياء من المارين ، بعض الأبرياء من الذين ليس لهم صله لا من قريب ولا من بعيد ، فإذا بهم يدخلون في عرس واحد ، وإذا بهم يبتلون بابتلاء واحد ، وإذا بهم يصابون جميعا بمصيبة واحدة ، فضلا عن القتل أو ما أشبه ، وسمعتم بالأمس القريب كيف حرق ذلك الرجل نفسه ، ثم زاد الطيب بلةّ أن اقتدى به مقتدون ، واهتدى بسوء فعله مهتدون ، وهم - والله - ليسوا على هدى في هذا الصنيع الشنيع ، فسمعنا عمن حرق نفسه في مصر ، في السعودية ، في اليمن ، في الجزائر ، في موريتانيا ، وبلغني أن بعض الناس حرق نفسه في عمان - هنا - ولا حول ولا قوة إلا بالله .


والإمام الطبري يقول ( لم يأذن الله تبارك وتعالى لأي أحد أن يقتل نفسه أبدا ) وهذا منصوص القرآن العظيم ، الله تعالى يقول { ولا تقتلوا أنفسكم } [النساء/29] ولا يقال الغاية تبرر الوسيلة ، لأن الغاية في الشرع نبيلة ، وكذلك الوسيلة يجب أن تكون نبيلة ، سواء بسواء .




والعجب أن بعض الناس صار يسمي هذا الحريق أو المحرق نفسه ( البطل ) أو ( الشهيد ) أو ( قائد الثورة ) ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذكر بعض المحرمات ونبه على بعض الأفعال السيئات فقال : ( يسمونها بغير اسمها ) وهذا من هذا سواء بسواء .

ومن الامور أيضا والنتائج السيئة : تعميق العداوة بين الحاكم والمحكوم ، أنت جزء لا يتجزئ من منظومة هذا البلد أو ذاك ، أيهما أعظم لك وللحاكم وللبلد ومن الناحية الدينية والإجتماعية والشخصية أن تكون الصلة صلة فيها هدوء واستقرار ، ولو هذا الهدوء والإستقرار نسبي كما يقولون ، أم أن تكون الصلة فسادً وإفسادً وغضبا متأججاً وحقدا دفينا وتربصا وتصيدا وعثرة وانتقاما ، لا شك ولا ريب عند كل عاقل ولا أريد أن أقول عند كل عالم أن مثل هذه الصنائع ومثل هذه الفعائل تزيد الحقد حقدا ، وتزيد الإنتقام انتقاما ، وتزيد الفجوة فجوة ، بما لا يكون فيه فائدة ولا نفع لا للفرد ولا للمجتمع ، لا للحاكم ولا للمحكوم .



نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يذهب عنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يولينا خيرنا ، وأن يجعلنا أهلا للسنة ومن أهل السنة ، وأن يجعلنا قائمين بالحق ، هادين إلى الحق ملتزمين بالحق ، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى لله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/sh...ad.php?t=24329

الاوركيدا
07-02-2011, 07:50 PM
يزاك الله كل خير

busheikha
07-02-2011, 11:50 PM
أخي

سقط فرعون آخر

لا يوجد داعي لتجميل هذة الانظمة الفاسدة التي عاثت فسادا.