المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ...قـــــــــــــــــــــرأت لكــــــــــــــــــــم ....



رجل تعليم
20-02-2011, 12:50 AM
منتهى الرمحي".. لم اجد في حياتي اجمل من كوني أمّاً... وإدارة الحوار في الاتجاه الصحيح أفضل من مقاطعة الضيف

دبي-فاطمه عطفه:

لم تكن المسافة بين عاصمة الإمارات أبو ظبي ودبي بعيدة حسب دورة الوقت لأنها تقارب الساعة ونصف الساعة، لكن الانتقال في أجواء هذا الصيف اللاهب حيث الحرارة تقدر بحوالي خمسين درجة، وما يرافقها من رطوبة، يجعل السفر إلى دمشق بالطيران أسهل.
ومع ذلك كان لا بد أن أتوجه إلى دبي ليكون اللقاء صادقا والحوار حميميا مباشرا مع الإعلامية المتميزة "منتهى الرمحي" التي استقبلتنا بكل ترحاب ومحبة في بيتها بالدور الثامن والثلاثين المطل على برج الشيخ خليفة، أعلى برج في العالم.

"منتهى" قريبة من القلب، جميلة في إطلالتها ولقائها، عفوية آسرة في تواضعها وحديثها.
وإذا كانت على الشاشة تحظى بإعجاب الملايين، فهي في بيتها السيدة العربية التي تنبع كلمات استقبالها من القلب لتصب في القلب



* في الشعر، والأدب بصورة عامة، تشكل مرحلة الطفولة والشباب أساسا جوهريا في عملية تشكيل الشخصية والإبداع، كيف تنظر منتهى إلى هذه المرحلة؟


إذا كنت تسألين عن تأثير مرحلة الطفولة والشباب المبكر في تكوين الشخصية الإنسانية بصفة عامة، فمن المؤكد أن هذه المرحلة تعد الأكثر تأثيراً في تشكيل البناء المعرفي للمرء، لا في الأدب فقط، وإنما ينسحب ذلك على مختلف المعارف والعلوم. عندما ننظر للكثير من الأسماء المهمة في العالم، نرى أن هذه المرحلة المبكرة كان لها تأثير عليهم، منها إيجابية، وكثير من الأشياء كانت سلبية. الإيجابية أدت إلى نجاح وتطور وتقدم، وأصبحت الناس نماذج، ومنها أسماء كثيرة منهم ممثلو هوليوود، وكثير من الكتاب الذين عانوا في طفولتهم أصبحوا مؤثرين لاحقا.

أما بالنسبة لي، فأنا من أولئك الذين ينطبق عليهم المثل القائل "خالف تعرف"، أخت لستّ بنات وثلاثة إخوة، والوحيدة من بين العشرة التي توجهت لدراسة الأدب، فيما ذهب إخوتي وأخواتي التسعة نحو الدراسات العلمية. لم يكن لأسرتي أي تأثير في توجهي لدراسة الأدب الإنكليزي، وعائلتي تخلو من الشعراء والأدباء والفنانين. والدتي كانت أمية، والتأثير الوحيد الذي تركته في تنشئتها لي، غرسها لمفاهيم الرحمة والتواضع والعدالة. والدي لم يتخرج في جامعة، لكن الحياة ثقفته، ولأنه افتقد فرصة إكمال تعليمه فقد كافح من أجل تعليم أبنائه العشرة رغم تواضع مداخيله. والحقيقة أن جيل والدي ووالدتي من أبناء شعبنا كانوا يؤمنون بالتعليم، ويعدونه أفضل الأسلحة لتحرير الأرض وحفظ العرض. وأكثر ما تعلمناه من والدينا - ولا أعرف فيما إذا كان في غير صالحنا - أن ننام مظلومين .. لا ظالمين. ولذلك كبرنا وقيمة مساعدة الآخرين تحتل في أنفسنا مكانة أكبر من أي قيمة أخرى، وأذكر في هذا السياق قصة الكاتب الداغستاني المعروف رسول حمزاتوف، عندما ذكر لأمه أن ابنها منح جائزة لينين. تنهدت وقالت: بشرى سارة، لكن سروري يكون أعظم لو سمعت أن ابني ساعد فقيراً أو يتيماً.

في مرحلة الشباب والجامعة كنت دائما ممثلة في المسرح المدرسي ومسرح الجامعة، حصلت على جوائز على مستوى المملكة في الأردن. وفي ليلة نشر إعلان بالجريدة يطلبون فيه مذيعات وإعلاميين بالتلفزيون، فلمعت في رأسي الفكرة وقدمت، وكان عمري وقتها لا يتجاوز 19 سنة، طبعا رُفضت بالبداية لأني كنت صغيرة في السنة الأولى بالجامعة، لكن منذ تلك اللحظة التي تقدمت فيها بالطلب عششت الفكرة في رأسي، فانتظرت سنة ثالثة في الجامعة وتقدمت مرة أخرى وخضعت للامتحانات المختلفة التي كانت تؤهل للتعيين، وبدأ مسار حياتي يختلف بهذا الاتجاه. العائلة ما كان عندها قدرة لتقبل الموضوع، لكن بدأت الأمور تسير شيئا فشيئا كما خططت لنفسي عما أريده في الحياة، لا أعرف إن كان هذا من حظي أو العكس.




هل تعتقدين الصدفة أحيانا تحدد مستقبل الإنسان؟ فقد درست الأدب ولم تشتغلي به، وتوجهت للإعلام بشكل محترف بعيدًا عن دراساتك الأدبية؟





- الصدفة تلعب دوراً، نعم.. ولكن في نهاية الأمر لا أحد يعرف أين ستقوده الخطوة الأولى، وقد ذكر "الطيب صالح" في روايته الشهيرة "موسم الهجرة إلى الشمال" ما معناه أنه لو عرف كل إنسان أين ستقوده الخطوة الأولى لتغيرت أشياء كثيرة في هذا العالم.
أنا لا أعرف أين كنت سأتجه في حياتي العملية، لو لم تلمع في رأسي فكرة الاستجابة لذلك الإعلان عن توفر فرص لمذيعين ومذيعات جدد، لو أني على سبيل المثال لم أقرأ ذلك الإعلان أو لو أني لم أستجب له، أو لو أني لم أنجح في الاختبار بالتأكيد لاتجهت اتجاها آخر، سأتوجه مثلا لسلك التعليم، وإن كنت غير مناسبة لذلك، فأنا كائنة تجيد التعلم لا التعليم. كنت أحب المسرح، والمسرح هو أحد فنون الأدب. كان يمكن أن أكون ممثلة، أو ربما كاتبة مسرحية، أو أي شيء آخر، لا يثير فضولي التفكير في معرفته الآن. لا زلت قارئة أحب الأدب، ربما هروبا من حالة الواقع السياسي الذي نعيشه في العالم العربي، ربما هروبا لعالم آخر مختلف، مع أن السياسة تجرني أحيانا فأقرأ تحليلات سياسية وحتى سيرا ذاتية لزعماء سياسيين. لكنني لو خيرت ماذا أقرأ لاخترت الأدب.


* من خلال خبرتك في العمل الإعلامي وخلفيتك الأدبية، لو كان لدى السياسيين العرب اهتمام بالثقافة والفنون والآداب، ألا يمكن أن تتغير المعادلة في المنطقة نحو الأفضل؟
- الحقيقة أنني لا أستطيع أن أعمم، أو أنني لا أريد التعميم، فهناك سياسيون لهم علاقة ما بالآداب والفنون، وهناك أدباء اشتغلوا بالسياسة، لكني لا أرى أن هناك توافقاً بين السياسي والأديب، وأفترض أن هناك تصادماً بين احتراف السياسة والاشتغال بالادب. الأديب يطلق العنان للخيال حتى يمنح العمل الأدبي الغنى والذائقة، والسياسي يطلق العنان للكذب حتى يفسد حياتنا. السياسي يمكن أن يشتري الأديب، ولكن الأديب لا يمكنه أن يبيع سياسة. أعتقد أنه لا أدب في السياسة، ولا سياسة في الأدب. الأدباء قادة رأي وتنوير يدفعوننا باتجاه إعمال العقل، والساسة يمثلون الحكم والسلطة. وأعتقد أن على الإنسان أن يختار واحدا من اثنين، إما أن يكون أديبا أو أن يكون سياسيا.






* من يستمع إلى منتهى الرمحي يشعر بالمخزون الثقافي الذي تتمتع به، كيف تكون هذا المخزون؟ ولمن يعود الفضل الأكبر في تكوينه؟






- هذه تهمة أتمنى لو كانت تطالني، فأنا في الحقيقة قارئة ولا أمتلك مخزوناً ثقافياً واسعاً. ما زلت أحاول أن أكون إنسانة مثقفة بالمعنى الحقيقي للكلمة. في عائلتي الكل درس أشياء علمية، فقط أنا درست الأدب، هذه شخصيتي وهذا جزء مني، من الداخل، الحس الذي يريد دائما أن يبحث عن شيء مختلف عن واقع الحياة التي نعيشها، أن يرى الضوء جميلا في نهاية النفق. أنا لم أجد في حياتي أجمل من أن كوني أما وأرى هذا الضوء في أولادي، هذا رقم واحد بعد ما فقدت الوالد والوالدة، أو تريه في حالة حب، أو تريه في كتاب، ثلاث حالات فقط، لأن الحياة قاسية وليست سهلة إذا أردت أن تعيشيها بطريقتك ورؤيتك. بالتأكيد، هناك مصاعب وحواجز تواجهك، فأحيانا نقدر أن نسميها هروبا لحالة من الرومنسية أو اللاواقعية، تكون هذه الثلاثة أشياء: حالة الحب أو الأطفال أو بين ضفتي كتاب. ولكني أعتقد أن حالنا أوفر حظاً من أبنائنا، حيث ألاحظ أن جيل اليوم -حتى وإن كان أكثر تعلماً منا- لكنه يفتقد إلى الكثير من المعارف العامة، والثقافة التي تعني الإلمام بمختلف العلوم والآداب، وأعتقد أن الجامعات يجب عليها إيجاد برامج متعددة التخصصات، لخلق جيل لا يكون عالماً في حقل من الحقول، وجاهلاً في العشرة الباقية





ماذا تشعرين كإعلامية، وأنت ترين أن أحداث العالم كلها بين يديك؟





العكس هو ما أشعر به، أنني بين أيدي الأحداث، وأن أحداث العالم، كموج البحر أو كالريح الهادر، تدفع بي يمنة ويسرة. نحن لا نصنع الحدث، لكن إذا كان قصدك ماذا أشعر تجاه مختلف الأحداث التي أتابعها يومياً بحكم عملي، فما من شك أن التعرض اليومي إلى مختلف أخبار العالم، وهي في كثير منها مؤلمة، سواء كانت بفعل الإنسان أو بفعل الطبيعة، تترك أثراً سلبياً في محاربة مساحة الأمل والبهجة التي يمكن أن تكون أكبر لدى آخرين لا يتعرضون بشكل دائم إلى الأخبار. يا ليت لو كنت أستطيع أن أضع أحداث العالم بين يدي، لكنت غيرت أشياء كثيرة، ولأوقفت النزيف والظلم الذي يتعرض له غير شعب في كثير من مناطق العالم.

أما على المستوى الرمزي، وأنا أحضر لبرنامجي أو أجري حوارا مع الضيوف، فعلا كأنك تسافرين في عوالم مختلفة، أشعر أن هذا العالم فيه بوادر كثيرة تمنحك الأمل، ولكن فيه أشياء كثيرة أيضا تشدك إلى الوراء. كل ما أتمناه أن يزداد التركيز على نقاط الأمل والنقاط البيضاء في عالمنا حتى لا نبقى يائسين ونشعر أننا لا نملك القدرة على تغيير هذا العالم.




هل تشاهدين العمل الذي تقدمينه وتعيدين النظر فيه من وجهة نقدية؟





- أبدا، لا أشاهد ما أقدمه مرة أخرى، وأتلقى ملاحظات من زملائي. ما من شك أنني أستفيد من قراءاتي ومن ضيوفي ومن أخطاءٍ يمكن أن أتلافاها في مرة أخرى، لكني دائما أفكر فيما هو قادم، أكثر من أن تستغرقني حلقة من برنامجي تم بثها. منذ أن بدأت لا أعيد تقييم الحلقة، حتى لا أفقد التلقائية ولا يؤثر ذلك على العمل القادم.
والدتي -رحمها الله - علمتنا هكذا، ونحن ندرس للامتحانات كانت تقول لي: "إنسي اللي فات وتطلعي للأمام".. هكذا أتعامل مع أولادي في الامتحانات، وكذلك مع برنامجي




* هل كنت تشعرين في عائلتك أن هناك غصة في أن عدد البنات ضعف عدد الأولاد؟ أعني هل كنت تشعرين بثقافة تفضيل الولد، كما هو موجود في مجتمعنا؟





- هذه الثقافة ما زالت قائمة في مجتمعنا، ولكن التعميم ليس صحيحاً، فهناك من يستبشر خيراً بأن يُبكّر في أنثى. عندما تولد بنت يقال لها: ستكونين أختاً لسبعة إخوة، وهذا يحمل معنيين، الأول أن ثقافة إنجاب سبعة إخوة مقابل إنجاب بنت هي ثقافة ما زالت قائمة، والمعنى الثاني، وهو ما أميل إليه، أن هذه البنت ينجب لها سبعة إخوة لإكرامها وبرها وحمايتها، وإذا كان هذا صحيحاً، فأنا مع إنجاب سبعة إخوة لكلِّ فتاة.
في الماضي كان المجتمع ينظر للذكر على أنه سند لأنه هو من يعمل، أما اليوم كثير من البيوت فاتحتها سيدة، يوجد أخوان يعتمدون على أختهم وليس العكس، كثير من الآراء الصائبة تطلع من البنت وليس من الشاب، يمكن أن أكون متحيزة لأنه ما عندي ولد، لكن في نهاية المطاف الجميع يجب الاعتماد على التعليم ثم التعليم، إذا تعلمت البنت كما الولد لا تجد أي مشكلة، بالنسبة لي لا أعاني من هذا الأمر أبدا، عندي ثلاث بنات ربي يخليهن، أنا أعلمهن وأهتم بهن هذا ما يشغلني.



* إذا وقع حدث طارئ، يتطلب المزيد من الإضاءة والتعليق، كيف تتصرفين لتكوين خلفية حول موضوع الحدث؟



- أفضل إعلامي يمكن أن يتعامل مع الأحداث الطارئة هو الأكثر ثقافة وإلماماً بالشؤون السياسية والتاريخ والجغرافيا، ولذلك فإنه لا يوجد ما هو مطلق. وهناك أحداث غير متوقعة يصعب التعامل معها من أول ساعة. بمعنى أن الإعلامي لا يعرف كيف يتعامل معها ومن أي جانب، وعلى سبيل المثال، فقد وقعت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وأنا على الهواء. بمعنى أنه تم انهيار البرجين وأنا أقدم نشرة إخبارية، والتصرف الصحيح في هذه الحالة هو الاعتماد على المراسلين في مكان الحدث. لا مجال للتحليل في تلك اللحظة، لا من طرف المحطة الإخبارية، ولا حتى من أطراف أخرى متخصصة في الشؤون السياسية.




* هناك مأخذ في البرامج الحوارية على مقاطعة الضيوف. هل المسألة متعلقة بطريقة إدارة الحوار من قبل المذيع، أم معد البرنامج، أم سياسة المحطة تجاه بعض الأطياف السياسية؟




- عندما يخرج الضيف عن الموضوع الرئيسي الذي يتناوله البرنامج، فعلى مقدم البرنامج أن يعيده إلى الموضوع الرئيسي، وعندما يسهب الضيف في الحديث بتفاصيل دقيقة غير أساسية فعلى مقدم البرنامج أن يتدخل، وعندما يتجاوز الضيف الوقت المحدد له فعلى مقدم البرنامج أن يوقفه، وبخاصة إذا كان هناك أكثر من ضيف. هناك حالة من التوازن بين الوقت والمضمون على مقدم البرنامج أن يحققها، وأحياناً تتم مقاطعة الضيف إذا تجاوز حدود الموضوعية واللياقة، ولكن المقاطعة بشكل متواصل وبلا سبب تؤدي إلى عدم منح الضيف الفرصة لإتمام فكرته أو إرباكه، هو أمر غير مهني. وأنا لا أقاطع بقدر ما أحاول أن أوجه الحوار في الاتجاه الصحيح.



* كيف تنظرين إلى القضية الفلسطينية، وهل تجدين ما يبشر بزوال الاحتلال، أم أننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة؟



- عند الحديث عن فلسطين يجب ألا ننسى الثوابت وأن تتشكل الرؤية استناداً إليها. الثابت الأول أن الاحتلال زائل لا محالة حتى لو استمر قروناً. والثاني أن الدول والأمم تنمو كالكائن البشري، وهي تمر بمرحلة الطفولة والشباب والشيخوخة. هناك منحنى، بمعنى أن قوة إسرائيل ليست أبدية، وأن ضعف العرب ليس دائماً. هذا الزمن ليس زماننا والحال سيتغير آجلا، وبالتأكيد ليس في وقت قريب، لأن المنحنى الفلسطيني والعربي يهبط أكثر مما يصعد. كيف يمكن أن يكون في الأفق ما يبشر بتحرير الأرض، والقيادة الفلسطينية منقسمة وقد عززت الفرقة تقسيم الأرض فوق مصيبة الاحتلال؟ وكيف يمكن تحرير الأرض وقد خرجت القضية الفلسطينية من الحضن العربي الإسلامي، وتحت مبررات الحفاظ على الهوية الفلسطينية تراجعت القضية عشرات السنين إلى الوراء؟ فالاحتلال قوي بقوته مرة، وقوي بضعفنا وفرقتنا مرة أخرى. إسرائيل قتلت من شعبنا الآلاف. فقد فقدنا الكثير من خيرة أبنائنا، لكن لحسن الحظ بقي ستة ملايين ينجبون ويصرخون ويتعانقون، ويزرعون العنب والتين والزيتون. من الصعب علينا ونحن على هذه الحال تحرير الأرض، ولكن الأصعب على إسرائيل أن تفوز بالأرض القلقة، وأن تقضي على ستة ملايين فلسطيني سيتضاعف عددهم في العقود المقبلة. الفلسطينيون رقم صعب من المستحيل تجاوزه. الأهم هو أننا ما زلنا نفتقد إلى استراتيجية نضالية تؤدي في نهاية الطريق إلى التحرير، وما زلنا نفتقد منذ بداية الصراع وحتى الآن إلى قيادة فلسطينية مخلصة قوية قادرة على بناء وحدة وطنية حقيقية ثابتة مستقرة ومستمرة. وأسوأ ما هو قائم ليس انقسام القيادة الفلسطينية فحسب، وإنما انقسام الشعب الفلسطيني إلى نصفين، فتح وحماس، ولا أحد من هؤلاء يمكن أن يدعي أنه يمتلك الحكمة والأحقية بالممارسة، وإذا تحدثنا عن الهزيمة الأكبر، فإنني أشير إلى هذه، أكثر من هزيمة احتلال أراضينا.(القدس العربي)


التاريخ: 27/6/201



وإلى لقاء آخر في حوار مع ضيف جديد

الأصيلة
20-02-2011, 01:09 AM
يسلم اختيارك يا رجل تعليم
موضوع مميز مختلف عن باقي مواضيع القسم
منتهى الرمحي مذيعة قديرة الجميع يكن لها كل احترام وتقدير
وبالذات في قطر...

الملا
20-02-2011, 01:10 AM
حوار شيق مع اعلامية متميزة وبالفعل تملك مخزون فكري كبير يظهر من خلال ما طرحته في الحوار من معلومات

intesar
20-02-2011, 01:28 AM
ما تعجبني

بوخالد911
20-02-2011, 01:35 AM
يسلموو للنقل

رجل تعليم
21-02-2011, 10:42 PM
يسلم اختيارك يا رجل تعليم
موضوع مميز مختلف عن باقي مواضيع القسم
منتهى الرمحي مذيعة قديرة الجميع يكن لها كل احترام وتقدير
وبالذات في قطر...


مرحبا أختي القديرة الأصيلة وألف شكر لتواجدك الكبير

بدوري أحترم في هذه الإعلامية جديتها ولغتها العربية وقدرتها على الحفاظ على التركيز طوال فترة برنامجها ، والأهم من كل هذا هو أجوبتها المقنعة في الحوار أعلاه .
هناك المزيد من اللقاءات الجميلة بحول الله ..كوني متى استطعت هنا وساهمي بما راق لك من حوارات فالصفحة لك وللجميع .
شكرا على المتابعة وليلتك سعيدة

رجل تعليم
21-02-2011, 10:48 PM
حوار شيق مع اعلامية متميزة وبالفعل تملك مخزون فكري كبير يظهر من خلال ما طرحته في الحوار من معلومات


شكرا جزيلا على القراءة والمشاركة ، آمل أن تجد هنا مستقبلا ما يستحق القراءة من خلال حوارات ( أعتقد أنها شيقة ) سأقوم بإدراجها هنا متى استطعت .
كما يمكنكم المساهمة معنا مشكورين بما تصادفونه من حوارات .

شكرا مرة أخرى وطابت أوقاتكم بكل خير

رجل تعليم
21-02-2011, 10:52 PM
ما تعجبني


وجهة نظر أحترمها كثيرا
وأرجو أن أوفق يوما في إدراج حوار ممتع لنا جميعا .
ما يهمني تحديدا في هذا الموضوع هو ما يقدمه الضيف المستجوب من أجوبة تختزل أفكارا جميلة وبلغة شيقة أيضا .
شكرا على الحضور وأوقاتكم طيبة بإذن الله .

رجل تعليم
21-02-2011, 10:55 PM
يسلموو للنقل


العفو أخي القدير وشكرا على القراءة والتعليق

تستطيع أن تضع بين أيدينا مشكورا ومتى تشاء حوارا لنقرأه جميعا معك .( حوار مع أديب أو شاعر أو مثقف أو سياسي أو فنان ....)
شكرا جزيلا وأوقاتكم طيبة دوما بإذن الله .

رجل تعليم
21-02-2011, 11:08 PM
حوار مع الممثل و المؤلف و الشاعر عبد الحق الزروالي حول جوانب متعددة تخص الحقل الثقافي الوطني

التقاه و حاوره: خلدون المسناوي




في هذا الحوار الذي أجريناه مع المؤلف و الممثل المسرحي و الشاعر المغربي «عبد الحق الزروالي» الذي مارس المسرح و اهتم بقضايا الثقافة لأكثر من 4 عقود ، حديث عن العوامل الكامنة وراء شبه غياب اهتمام المتلقي المغربي بالثقافة و الإبداع ، و أهمية أولوية فكرة بناء الإنسان في تحقيق التنمية الشاملة ، و محنة المثقف المغربي جراء المعارك المتعددة التي خاضها ضد الإضطهاد ; و لا سيما ضد اضطهاد الطبقة المالكة لرأس المال



عبد الحق الزروالي : - الطبقة المالكة لرأس المال بالمجتمع المغربي طبقة لاحس لها اتجاه المنتوج الثقافي الوطني لأنها تربت تربية غير وطنية



ما هي في اعتقادكم الأسباب الكامنة وراء شبه عدم اهتمام المستهلك المغربي بالمنتوج الثقافي ؟

ـ أولا النتيجة الأساسية التي يمكن استخلاصها و ملاحظتها في المستوى المرتبط بمدى حضور البعد الثقافي داخل المجتمع المغربي ، هو أنه لم نخلق و نكون منذ 50 سنة من الإستقلال ذلك الإنسان الشغوف الذي يعتبر العمل الثقافي جزء ا أساسيا من ممارسات حياته اليومية ، و ذلك راجع لمجموعة من الأسباب تجعل من الثقافة بمختلف أشكالها لا تشكل في ذهنية المغاربة تلك الحاجة و الغذاء الإنساني الذي يسمو بتفكير الجماعات و الشعوب و يزيد من مستوى حضورهم و عطاء اتهم بين باقي المجتمعات ، فطالما ليس هناك طلب أصلا على المنتوج الثقافي -رغم جميع المجهودات المبذولة في هذا المجال و التي لا تعدو أن تشكل سوى قطرات ،- فليس هناك عرض ، لأن المبادرات التي يعرفها مجتمعنا على المستوى الثقافي لا يمكن أن تعطي أكثر مما هو مسموح لها به في ظل غياب اهتمام المتلقي بالمنتوج الثقافي و الفني و في ظل تواجد توجه سياسي ببلدنا يبتغي أن يبقى الإنسان المغربي في حجمه اللازم ، لأنه عندما نخلق إنسانا مسكون بالأفكار و مهووس بالأدب و الشعر و النظرة الفلسفية ، فضمنيا نكون قد خلقنا إنسانا يتذوق كل شيء في الحياة ، يعرف ما له و ما عليه ، إنسان لا يرضى بالتراجعات و لا يقبل بالتفريط في الكثير من حقوقه ، لأن الثقافة ليست هدفا في حد ذاتها ، فهو بالأحرى ذلك المجال المهييء للكائن البشري القادر على إدراك الجمال و النفور من القبح و البشاعة و بالتالي هذا الإنسان غير مرغوب فيه ، و لذلك فتقليص مساحة اهتمام المستهلك بالثقافة تندرج في سياق نظرة شاملة للكائن البشري فوق الأرض التي نحن فيها من أجل أن يبقى في الحجم الذي أريد له. فإذا استطعنا مثلا أن نخلق إنسانا يحلل الألوان و الخطوط و اللوحات الفنية فإن ذلك ستكون نتيجته هي خلق إنسان ناجح في منزله ، ذو ذوق جمالي قوي على مستوى تناغم الألوان و الخطوط و الأحجام ، يصبح وقتذاك الإنسان مؤهلا كفرد للتفاعل الإيجابي مع محيطه الإجتماعي باعتبار أن الثقافة هي تلك الأرضية للإنطلاق نحو التقدم في كافة الأصعدة.

و من جهة أخرى لو كان المؤلف يطبع 100.000 نسخة فأكثر ، و كانت المسرحيات و المعارض تعرض في جميع مناطق المغرب و كانت دور السينما و الأعمال الفنية تغزو مجتمعنا ...أي أنه لو كان هناك طلب في نهاية المطاف و قبل كل شيء ، لكان من الممكن أن يكون النقاش حول الثقافة ببلدنا مختلفا و لطرحنا أسئلة أخرى ، لكننا ما زلنا ندور حول نفس السؤال الذي طرح منذ سنة 1956 إلى يومنا هذا ; و ما زالت نفس الأجوبة تأتي ; و ما زالت الثقافة لا تشكل جزء ا من تربية و تنشئة الإنسان المغربي...




[



ـ من يتحمل إذن مسؤولية غياب تقاليد للإهتمام بالثقافة و الفنون تحمي و تعزز تطور الطلب على المنتوج الثقافي ببلدنا ؟


right]0[/right]

ـ الجميع يتحمل المسؤولية في ما يتعلق بالوضع الذي تعيشه الثقافة و الفن ببلادنا ، المجتمع بجميع أطرافه يتحمل مسؤولية هذا الواقع ; لكن يجب التفهم بأن معظم الناس بحكم قدرتهم الشرائية و تربيتهم و تكوينهم في الأخلاق لا يمكن أن نطلب منهم الكثير ، فإذا كانت الأسرة في شق واسع من مجتمعنا لا تعتبر أن الثقافة و الفن هو تهذيب و تقويم و تربية ، فمن أين سيحصل الطفل على هذا الشغف المؤسس بشكل مسبق على الهوس بالثقافة و بالفنون خاصة مع حالة الضعف التي تعيشها المدرسة العمومية ; و كيف سنسائل أجيالنا الماضية و جيل شبابنا الحالي عن نفورهم من الثقافة إذا كانوا لم ينالوا في تربيتهم أن الإبداع و السينما و المسرح و الكتاب و الفكر يمثلون الأفق الحقيقي لكل إنسان أراد أن يتعمق في ممارسة إنسانيته ; و بالتالي فالواقع هو أنه لم تتشكل تقاليد للإهتمام بالثقافة عبر الأجيال ; لأن ما يبدو ; هو أن افتقاد الإنسان المغربي لأحد أبعاده الإنسانية الأساسية و هو البعد الثقافي ، أمر توارثناه جيلا بعد جيل و ليس أمرا طارء ا، و ما نخشاه حقا ، هو أن نورثه لأجيالنا المقبلة، و بالتالي فتحمل المسؤولية يبقى غير تابثا في حالة الأفراد أو حتى الأسر. لكن عندما يكون الأمر يتعلق بتقييم الحالة الثقافية لمجتمع ما بنظرة شمولية و كلية للمجتمع يصبح هذا الأخير إما مسؤولا عن إنجازات فكرية و اقتصادية و علمية و إما مسؤولا عن كل ما يمكن إدراجه في خانة التخلف




وفي مستوى آخر فإن النقاش عن النظرة السلبية اتجاه الثقافة وكذا شبه غيابها كدينامية داخل المجتمع نابعان أيضا من ضعف الإمكانيات المادية الموجهة للقطاع الثقافي ، التي لا يمكن أن تتطور سوى بتطور نظرة المجتمع للعمل الثقافي.
و في هذا السياق يلاحظ أن هناك حالة غير طبيعية تعم مجتمعنا في نظرته للثقافة ، مجتمع لا يستوعب و لا يعي أنه مهزوم ثقافيا ، نحن لا نستسيغ طرح السؤال عن الهزيمة الثقافية ، لكن مثلا عندما يخسر الفريق الوطني لكرة القدم أو تطرح أزمة كرة القدم تقوم الدنيا و تقعد وتخصص لها الميزانيات و الندوات و المناظرات و يناقش المغاربة بجد أزمة كرة القدم في المقاهي و البيوت و مقرات العمل ، لكن هزيمة الشعر و هزيمة المسرح و هزيمة الفنون و الثقافة لا أحد ينتبه لها ، كأن هذه الهزيمة شيء عادي بالنسبة لنا ، كأننا استأنسنا هذه الحالة المرضية المزمنة ، لأننا منذ زمن و نحن لا نبحث لها عن علاج ; و ما دامت أن السياسات الإعلامية بالمغرب تهتم بنسبة كبيرة بالمنتوج الثقافي الخارجي فيما يتعلق بالأفلام ، والمسلسلات ،و الأغاني ، ماذا نسمع الآن أنا و أنت ـ كانت موسيقى غربية مذاعة في راديو مغربي داخل مقهى ـ و يستكمل ، فلن ننتظر سوى المزيد من تقزيم المنتوج الثقافي الوطني الذي لم يتحرك منذ سنين إلا في مجال ضيق ; ذلك أنه يجب الإهتمام بالمنتوج الثقافي الوطني إعلاميا لأن ذلك سيجعله قابلا للتصدير و محققا لإشعاع ثقافي خارجي




ـ باعتبار أن بلوغ التنمية الثقافية معيار أساسي من معايير تحقيق التنمية الشاملة ، ما هو إذن رأيكم في وضع التنمية بالمغرب ؟



ـ ألمانيا ، قبل أن تنتج و أن تصبح قوة عظمى صناعيا و عسكريا و اقتصاديا ، منحت البشرية -برشت- و -بيتهوفن- ، فمن خلال عطاء اتها الكبيرة في مجالات الثقافة والفكر و الإبداع أصبحت بلدا راقيا .و هذا الإرتقاء الثقافي للألمان هو الذي أنتج المؤهلات الفكرية و السياسية و الإقتصادية لألمانيا التي نتحدث عنها اليوم بشيء من التقدير عن مستواها الإقتصادي و عن قوة إبداعاتها في كافة المجالات ، لأن تطور العمل الثقافي داخل المجتمع يدعم تشكيل المؤهلات المحققة للإرتقاء و التطور في جميع الأنشطة التي يخوضها الإنسان لتحقيق التنمية الشاملة التي تعتبر الثقافة ضمنها معيارا أساسيا لها

و نحن في المغرب نراهن على التنمية الشيئية ، مثلا نحن نجلس الآن في مقهى تفوق قيمة من حيث شكلها مقاهي مدن الغرب ، و لكن عندما نتعمق في مفهوم الجلوس على المقهى و في فلسفة المقهى نجدها فارغة من محتواها و دلالاتها ، المقهى عندنا هي ملجأ لمن لا شغل له ، لا وزن له ، للثرثرة ، للنميمة ... ، إذا ما أردنا أيضا التحدث عن التنمية الشيئية في المغرب سنتحدث عن ازدياد عدد السيارات و الشوارع و العمارات و الأضواء ،هذا ما يؤدي إلى تشكل إيحاء وهمي بأن هناك تطور ، هناك تنمية ، و لكن بناء الإنسان و تنمية الإنسان من الداخل هذا أمر نحن نسير بالإتجاه المعاكس له من أجل إفراغ مفهوم الكائن الإنساني من محتواه و عمقه و روحه بدون إحساس وبدون موقف، و بالتالي يصبح التطور ديموغرافيا أكثر مما هو حضاريا ونوعيا ، فنحن لم نطرح السؤال عن تنمية الكائن البشري على المستوى النوعي و ليس على المستوى العددي، لأن التطور النوعي هو الذي يعول عليه... ذلك أن المظاهر السطحية للتنمية المنتشرة بمجتمعنا ; لا يمكن لها أن تجعل من مجتمع متخلف مجتمعا متقدما ،لايمكن أن نظن أن التنمية الشيئية التي تحدثنا عنها بإمكانها أن تجعلنا نعيش في المغرب زمن أوروبا ، نحن بحاجة إلى التنبيه إلى وهم الإنتماء إلى زمن الأوروبيين بفعل المظاهر الخادعة ببلدنا التي تغري و لا تقنع...





ـ كيف تنظرون إلى علاقة أصحاب رؤوس الأموال في المغرب مع المنتوج الثقافي الوطني ؟

-أصحاب رؤوس الأموال في المغرب لهم موقف سلبي اتجاه المنتوج الثقافي الوطني ، ففهم علاقتهم مع الثقافة و الإبداع في بعديهما الوطني يقتضي القول أنهم يمثلون فئة اجتماعية سائدة لها عوالمها الثقافية و أماكنها الخاصة ، فمنهم من يقطع آلاف الكيلومترات من الرباط إلى باريس لمشاهدة عمل مسرحي و لم يسبق له أن توجه و لو لمرة واحدة إلى مسرح محمد الخامس من أجل مشاهدة مسرحية مغربية .. و هذه الطبقة ليست فقط لا تشجع الثقافة و الفن المغربيين و إنما تعاديهما و تكرههما ، فالبنسبة لاستهلاكها لما تقدمه القنوات و الإذاعات و الجرائد و الأفلام ; فهي فئة لا تستهلك سوى المنتوجات الثقافية الأجنبية و خاصة
الفرنسية منها

هذه الطبقة الإقتصادية و الإجتماعية السائدة بمجتمعنا أقل ما يمكن القول عنها هو أنها لا تعطي الإعتبار و لاحس لها اتجاه المنتوج الثقافي الوطني ،و أنها تربت تربية غير وطنية ; يعيشون معنا في المجتمع شكلا لكن قلوبهم و عقولهم و أرصدتهم و جيوبهم ليست معنا للإستثمار في مجالات الإبداع و الفن ، لذلك فنسبة كبيرة من ثروات بلادنا لا تدور في دم شرايين الوطن ، و إنما تدور في خدمة شركات أجنبية ; فيتعمق المشكل خصوصا إذا كان الجزء الواسع من ثروات الوطن من يمتلكونه غير وطنيون



ـ
ما هو موقع المثقف المغربي من واقع الثقافة و الإنسان بالمغرب ؟

ـ المثقف المغربي و المثقف بشكل عام في الوطن العربي ، يعيش حالة من الإحباط و
اليأس منذ قرن و عقد من الزمن ، خاض خمسة حروب ، واجه الإستعمار ، قاوم الأنظمة السياسية الفاسدة بمختلف غلافاتها الإيديولوجية التي اضطهدته بقوة ، واجه أيضا تعسف البرجوازية المتخلفة و الغير الوطنية التي تحدثنا عنها قبل قليل و التي تتواجد في كل الأقطار العربية حضورا سلبيا في علاقتها مع الإنتاجات الثقافية العربية ، و خامس معركة دخل في نزالها المثقف ، هي صراعه من أجل تكافؤ الفرص للمثقف المغربي و العربي عامة مقارنة مع إمكانيات و هيمنة سياسات الإعلام الغربية و الأمريكية على مستوى الثقافة و الإبداع في العالم
لأن كل ما يتعلق بالنقاش حول صمت المثقف و غيابه في الساحتين الثقافية و السياسية هي نتائج للهزائم التي راكمها جراء المعارك التي خاضها على مر ما يزيد عن القرن من الزمن
اليوم على المثقف أن يدافع عن نفسه من أجل أن يستمر و أن يصمد ، لا من أجل قضية كما كان يزعم، و لكن من أجل الإبقاء على نفس العيش فقط



ـ كلمة أخيرة ، عبد الحق الزروالي ...


ـ نحن جميعا من أجل ضريبة السباحة ضد التيار ، ـ التيار الفاسد ـ .. و المثقف المبدع في هذا الوطن الكبير يؤدي ضريبة اختياره للسباحة في الإتجاه المعاكس عكس مجرى الريح و مجرى الموج و الإرادات...

رجل تعليم
23-02-2011, 12:59 AM
دفاتر محمود درويش في حوار شامل أجراه الشاعر اللبناني عبده وازن عن صحيفة الحياة
حول الشعر والحداثة وقصيدة النثر ... (1)


محمود درويش: لا أنظر الى ماضيّ برضا ولو أتيح لي لحذفت نصف أعمالي،

القصيدة السياسية لا تعني لي اليوم أكثر من خطبة وأرفض حصري بشعر القضية)



تحار من أين تبدأ الحوار مع محمود درويش. أتبدأ من شعره الذي يشغل المعترك الشعري العربي الراهن، بأسئلته وقضاياه، أم من السياسة التي مارسها وكأنها فعل إبداعي؟ أم من تقاطع الذاكرة الخاصة مع الذاكرة العامة أو الوجدان الذاتي مع الوجدان الشعبي؟

لا يحتاج الحوار مع محمود درويش الى ذريعة. تاريخ هذا الشاعر هو أكثر من تاريخ وحاضره أكثر من حاضر. هو الآن أكثر الشعراء العرب رواجاً وانتشاراً، لكنه في الوقت نفسه من أشد الشعراء انطواء على أنفسهم وإصغاء الى صمتهم الداخلي. هذا الشاعر "الجماهيري" هو شاعر حديث جداً وطليعي وذو نزعة اختبارية. أمسياته التي تجذب دوماً جمهوراً غير متوقع، في عاصمة عربية وأخرى، تدل على قدرة قصائده على اختراق الذاكرة والمخيلة معاً. لكن الشاعر، عوض أن يستسلم لجمهوره الكبير يرتقي به الى مصاف التلقي الحقيقي. فالتصفيق المدوي تظل تردده الصالة الكبيرة، لكن الشعر وحده هو الذي يفعل فعله. وربما لم يُؤتَ لشاعر أن يكون جماهيرياً ونخبوياً في آنٍ واحد، وأن يكون قريباً من قرائه وبعيداً منهم، مثلما أوتي لمحمود درويش. هذا الشاعر التراجيدي المنبت استطاع أن يكون شاغل الناس وشاغل الشعراء والنقاد والقراء على اختلاف أمزجتهم. لا يحب محمود درويش كلمة "جمهور" أو "جماهير"، يفضل كلمة قارئ أو قراء. هذا ما بات واضحاً الآن تمام الوضوح. يحس الشاعر انه يكتب لنفسه مثلما يكتب لقارئه. إنها المعادلة الصعبة التي حققها محمود درويش، صانعاً من الشعر ذاكرته وذاكرة قرائه، ذاكرته وذاكرة الأرض المجروحة. ولئن كان ولا يزال شاعر القضية فهو نجح في تحمل عبء هذه الصفة أو الكناية من غير أن يتخلى عنها لحظة. بل هو عمّق هذه الصفة حتى أضحت مغروسة في تراب الماضي- الحاضر. انه الشاعر أولاً وأخيراً وربما الشاعر فقط، سارق النار ومضرمها، الشاعر السري المتجذر في أرض الحلم والمنفتح على شمس الرؤيا. الشاعر الذي جعل من مأساته التي هي مأساة أرضه، ملحمة تراجيدية، تمتزج فيها النبرة الغنائية العالية والصوت الإنساني الخافت.

حياة صاخبة، شعراً وسياسة وأمسيات وأضواء، تقابلها حياة هادئة جداً مفعمة بالصمت والتأمل.

عندما دخلت بيت محمود درويش في عمان، فوجئت بالهدوء الذي يرين عليه، وبالصمت الذي يحياه هذا الشاعر- الرمز. وحين سألته عن المصعد المعطل في البناء، استغرب، واستغربت أكثر عندما قال لي انه لم يخرج من البيت منذ ثلاثة أيام. يعيش محمود درويش وحيداً بين بيته في عمان وبيته في رام الله. هذه الوحدة لا تكسرها سوى الخادمة الفيليبينية التي تقصده ظهر كل يوم لتنهي الواجبات المنزلية وتغادر. إلا ان بيت الشاعر ليس بارداً ولا خاوياً مثل بيوت العازبين عادة. ثمة ضوء في هذا المنزل ولو كانت الشبابيك مغلقة، وثمة دفء روحي وطمأنينة. مع ان الشاعر الكامن في أعماق محمود درويش لا يعرف الاطمئنان ولا السكينة. شاعر قلق، لا يضع المفتاح في قفل الباب عندما يستسلم للنوم ليلاً. وكي يبدأ نهاره يحتاج الى المزيد من الوقت. الصباح المتأخر قليلاً هو إما للكتابة أو للقراءة. أما النهار فيبدأ بعد الظهيرة.

لا ذريعة لمحاورة محمود درويش وإن صدرت قبل أيام أعماله الكاملة في أربعة مجلدات، وفي طبعة هي الثامنة عشرة. وقبلها صدر ديوانه البديع "كزهر اللوز أو أبعد" وفيه تتجلى تجربته الفريدة التي وضعته في مقدم الشعراء المحدثين والجدد والباحثين عن معادلة شعرية جديدة، وعن لغة مجهولة وجماليات ملؤها الدهشة. وقبل هذا الديوان كانت صدرت أيضاً أعماله "الجديدة" في مجلد خاص (دار رياض الريس).

يظل محمود درويش متجدداً باستمرار، والحوار معه أشبه بالرحلة الى عالم ملتبس بين الواقع والتاريخ والحلم والجمال... وها هو يفتح "دفاتره" لـ "الحياة".


* الآن مع صدور مجموعتك الكاملة للمرة الثامنة عشرة كيف ترى إليها؟ ما الذي تحبه فيها وما الذي تكرهه؟ كيف تنظر الى البدايات التي أصبحت جزءاً من الذاكرة الفلسطينية؟



صفحات طويلة تجدونها في المرفقات وهي تتمة للحوار الرائع الذي جمع بين الشاعرين
ارجو لكم قراءة ممتعة وأدعوكم للمحاولة رغم صعوبة هذا الأمر ، كما يستحسن طباعة الصفحات في أوراق وقراءتها في لحظة صفاء ذهني ...
تجدون الأسئلة باللون الأحمر والأجوبة بالأسود

وإلى لقاء آخر بحول الله

رجل تعليم
27-03-2011, 05:48 PM
أبقى مع محمود درويش في لقاء رائع جدا مع صحيفة هاآرتس ...في المرفقات ملف وورد منسق بشكل أفضل " التقديم بالأزرق ،الأسئلة بالأحمر والأجوبة بالأسود )

قراءة ممتعة ومفيدة للجميع




حوار: داليا كربيل

ترجمة: نائل الطوخي

قبل أمسيته الشعرية في حيفا بيومين بالضبط، نشرت صحيفة هاآرتس هذا الحوار مع محمود درويش. أجرت الحوار المخرجة والصحفية الإسرائيلية داليا كاربل، في مركز خليل السكاكيني الثقافي برام الله، حيث تصدر دورية الكرمل التي يحررها درويش. يشرح درويش ظروف مغادرته لحيفا منذ 37 عاما، وعودته الآن. تلوح رنة محاسبة لذاته في الحوار، تليق بمن سيعود إلى فلسطين التي اضطر لمغادرتها عندما أصبح اسمها إسرائيل، ويعود الآن، ولم يتغير شيء على وطنه سوى المزيد من الاجتثاث لفلسطينيته.



الى أي مدى هو متأثر بزيارته لحيفا؟ كيف أثرت عليه معلومة أن 1200 بطاقة من اصل 1450 لحضور امسيته الشعرية قد تخوطفت في نفس اليوم؟ هل يؤثر هذا الحب في محمود درويش، المقيم في السنوات الأخيرة بعمّان، وأحيانا في رام الله؟

يقول درويش: "عندما تجاوزت الخمسين تعلمت التحكم في مشاعري. أسافر إلى حيفا بلا توقعات. ثم حاجز في قلبي. ربما أذرف بعض الدموع في نفسي لحظة اللقاء. أتوقع احتضانا دافئا، ولكنني أخشى أيضا من خيبة أمل الجمهور، فأنا لا أنوي قراءة الكثير من القصائد القديمة. لا أرغب في الظهور كوطني أو كبطل أو كرمز. سوف أظهر كشاعر متواضع.


كيف يتم الانتقال من رمز وطني فلسطيني لشاعر متواضع؟
الرمز غير قائم في وعيي ولا في خيالي. أقوم بجهود لتحطيم مطالب الرمز وللخروج من هذه الأيقونية، ولتعويد الناس على التعامل معي كشخص يريد تطوير قصيدته وذوق قراءه. سوف أكون حقيقيا في حيفا. سوف أكون ما أنا عليه، وأختار قصائد ذات مستوى عال.

لماذا تستخف بقصائدك القديمة؟

عندما يعلن أديب أن كتابه الأول جيد جدا، فهذا أمر سيء. أنا أتقدم باستمرار من كتاب لآخر. حتى الآن لم أقرر ما الذي سوف أقرأه على الجمهور. لست أحمق. لن أخيب أمله. أعرف أن كثيرين يريدون أن يسمعوا شيئا ما قديما.

يوم الاثنين صباحا كان قد وصل من عمان الى رام الله. حتى الآن لا يعرف كيف سينتقل إلى حيفا، المدينة التي بدأ فيها طريقه الأدبي في الستينيات، هناك الكثيرون ممن يتطوعون بمساعدته. في الأمسية التي تنظمها سهام داود، الشاعرة ومحررة دورية مشارف، بالاشتراك مع حزب الجبهة الشعبية للسلام والمساواة، سوف يلقي درويش كلمة ويقرأ حوالي عشرين قصيدة، يصاحبه سمير جبران بالعزف على العود وتدير اللقاء المغنية أمل مرقص. يأمل درويش أن تسمح وزارة الأمن له بالبقاء في إسرائيل لأسبوع، بينما لا تسمح له التأشيرة التي أخذها له بأكثر من يومين.

في 1970 سافر درويش إلى الخارج مع وفد شيوعي، ولم يعد. انتقل إلى مصر – وكانت عندئذ بلد عدو – ثم انضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وأدار مركز البحوث التابع للمنظمة في بيروت. لم يتمكن من العودة بلا خوف القبض عليه إلا التوقيع على اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير. درويش أكثر نحافة من المعتاد، مهندم الملابس، بشوش الوجه. تبدو حالته ممتازه وأصغر سنا من عمره الذي يبلغ 66 عاما، بالنظر إلى كونه مات منذ ثماني أعوام إكلينيكيا بسبب متاعب في القلب وتمت إعادته للحياة.

هل ثمة أمل لهذا الشعب؟ هكذا سألت ولم يجهد درويش، المتشائم الأكبر، نفسه في أن يسألني أي شعب أقصد. "حتى لو لم يكن هناك أمل، فمن واجبنا أن نخلق الأمل.. بدون الأمل سنضيع. الأمل ينبغي أن ينبع من الأشياء البسيطة. من روعة الطبيعة، ومن جمال الحياة. من هشاشتهما. يمكننا من حين لآخر نسيان الأمور الحيوية ولو بهدف الاحتفاظ بصحة روحنا. يصعب الحديث في هذه الأيام عن الأمل. هذا يبدو كما لو كنا نتجاهل التاريخ والحاضر. كما لو كنا ننظر إلى المستقبل منفصلا عما يحدث الآن، مع هذا ينبغي أن نخلق الأمل بقوة حتى نعيش.
كيف تفعل هذا؟
أعمل لدى المجازات، لا أعمل لدى الرموز. أنا أؤمن بقوة الشعر الذي يمنحني أسبابا للنظر إلى الأمام ولملاحظة بصيص من النور. بمقدور الشعر أن يكون ابن حرام. هو مشوه ويقوم بالتشويه معا. بمقدوره أن يجعل من غير الواقعي واقعيا ومن الواقعي خيالا. بمقدوره بناء عالم نقيض للعالم الذي نعيشه. أعتبر الشعر دواء روحانيا. يمكنني أن أرسم بالكلمات ما لا أجده في الواقع. إنه وهم كبير ولكنه وهم إيجابي. ليست لدي أية وسيلة أخرى لإيجاد معنى لحياتي أو لحياة شعبي. بمقدوري منحهم الجمال بواسطة الكلمات ووصف عالم جميل والتعبير عن واقعهم كذلك. قلت مرة أنني بنيت بالكلمات وطنا لشعبي ولنفسي.
كتبت مرة قائلا "هذه الأرض تضيق بالجميع". والآن يبدو أن الإحساس بالانهيار والعجز أقوى من أي وقت مضى.
"الوضع اليوم هو أسوأ وضع يمكن تخيله. الفلسطينيون هم الشعب الوحيد في العالم الذين يثقون في أن اليوم أفضل مما هو متوقع في الغد. دوما ما يبشر الغد بوضع أكثر سوءا. منذ 93، عشية توقيع أوسلو، كنت أعرف أن الاتفاق لا يضمر أي وعد بأننا سنصل إلى سلام حقيقي قائم على الاستقلال للفلسطينيين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. برغم هذا أحسست أن الناس شعروا بالأمل. اعتقدوا أن السلام ربما كان مفضلا على حرب ناجحة. هذه الأحلام تبددت. الوضع الآن أكثر سوءا. قبل أوسلو لم تكن هناك حواجز، لم تنتشر المستوطنات هكذا وكان الفلسطينيون يعملون في إسرائيل.
هل الاستعداد للسلام كان متبادلا؟
يشكو الإسرائيليون أن الفلسطينيين لا يحبونهم. هذا مضحك. السلام يقوم بين الدول ولا يقوم على الحب. اتفاق أوسلو ليس حفل زفاف. أنا أفهم الكراهية الموجهة للإسرائيليين. أي شخص طبيعي يكره أن يعيش تحت الاحتلال. لنصنع سلاما في البداية ولنميز بعد ذلك بين أحاسيس مثل يحبوننا، لا يحبوننا. أحيانا بعد أن يقوم السلام لا يتم الحب. الحب هو أمر شخصي ولا يمكن فرضه على الآخر.
أنا أتهم الطرف الإسرائيلي بأنه لم يعبر عن استعداده لإنهاء الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية. الشعب الفلسطيني لا يطالب بتحرير فلسطين. الفلسطينيون يطالبون بحقهم في الحياة الطبيعية على 22% مما يعتقدونه وطنهم. الفلسطينيون اقترحوا التمييز بين الوطن وبين الدولة وتفهموا التطورات التاريخية التي أدت للوضع الحالي، وبمقتضاه يعيش شعبان على نفس الأرض وفي نفس البلد. برغم هذا الاستعداد لم يتبق شيء يمكن الحديث عنه.
أشرت إلى قطاع غزة. ما رأيك في الواقع الجديد هناك؟
إنه وضع مأساوي. مناخ من الحرب الأهلية. ما يحدث بين رجال فتح ورجال حماس في غزة هو تعبير عن أفق مسدود. ليست ثمة دولة فلسطينية ولا سلطة فلسطينية ويحارب الأخ أخاه هناك على الأوهام. كل منهم يرغب في أن يأخذ السلطة لنفسه. كل شيء كأنما. كأنما هناك دولة، كأنما هناك حكومة، كأنما هناك وزير أو آخر، كأنما هناك علم وكأنما هناك نشيد وطني. الكثير من الكأنمات( يقصد الشاعر هنا كأن وكأن وكأن ...)، ولكن بلا أي مضمون. إذا وضعت أشخاصا في سجن، وقطاع غزة هو سجن كبير، والمساجين فقراء بلا أي شيء، عاطلون وتعوزهم الرعاية الصحية الأساسية، فلسوف يكون لديك أناس بلا أمل. هذا يخلق إحساسا يبدو طبيعيا من العنف الداخلي. هم لا يعرفون من عليهم أن يحاربوا، عنئذ يحاربون أنفسهم. هذا يسمى حربا أهلية. ينفجرون تحت وطأة الضغوط النفسية والاقتصادية والسياسية."
ألا يخيفك صعود أصولية حماس؟
لا تخيفني من الناحية السياسية. وإنما من الناحية الثقافية. ميلهم لفرض مبادئهم على الجميع. هم يؤمنون بديمقراطية تحدث مرة واحدة، بهدف الوصول فقط لصناديق الاقتراع والسلطة. لذا فهم كارثة على الديمقراطية. إنها ديمقراطية معادية للديمقراطية. ولكن لا يمكن تجاهل حماس كقوة سياسية لها مؤيدون في المجتمع الفلسطيني. الآن، بينما الدم حار والجراح نازفة يصعب الحديث عن حوار، ولكن في نهاية الأمر فإذا اعتذر رجال حماس عما فعلوه في غزة وأصلحوا نتائج المعركة هناك فلسوف يكون ممكنا الحديث عن حوار.
مرة ثانية أنتم تلعبون بجانب إسرائيل التي تستفيد من هذا الوضع بشكل غير بسيط؟
إسرائيل كانت تزعم على مدار السنوات أنه لا يوجد من يمكن الحديث معه، حتى عندما كان يوجد من يمكن الحديث معه. لا يريد الإسرائيليون الانسحاب إلى حدود 67، لا يريدون الحديث عن حق العودة ولا عن إخلاء المستوطنات وبالتأكيد لا يريدون الحديث عن القدس، عندئذ فعن أي شيء يمكن الحديث؟ نحن في طريق مسدود. أنا لا أرى نهاية لهذا النفق الأسود، طالما أن إسرائيل غير مستعدة للتمييز بين التاريخ والأسطورة. الدول العربية مستعدة اليوم للاعتراف بإسرائيل وتتوسل لإسرائيل حتى تقبل مبادرة السلام العربية، والتي تتحدث عن العودة لحدود 67 وإقامة دولة فلسطينية ليس في مقابل الاعتراف التام بدولة إسرائيل فحسب بل وإقامة علاقات من التطبيع الكامل معها. عندئذ فلتخبريني أنت، من يضيع هذه الفرصة؟ قيل دوما أن الفلسطينيين لم يضيعوا أي فرصة لإضاعة الفرص. لماذا قامت إسرائيل بتخفيض كل أسقف عناد العرب؟
هل تعتقد أنك سترى في حياتك اتفاق سلام بين الشعبين؟

أنا لست يائسا. تحملت وأنتظر حدوث ثورة عميقة في وعي الإسرائيليين. العرب مستعدون لتقبل إسرائيل القوية والمسلحة بالسلاح النووي ولكن عليها فقط أن تفتح أبواب حصنها وتصنع السلام. لتوقفوا الحديث عن خطوات الأنبياء وحرب بلعام وقبر راحيل. إنه القرن الحادي والعشرون. مطلوب ثورة ثقافية بين السياسيين في إسرائيل، حتى يفهموا أنه لا يمكن مطالبة الشباب هناك بانتظار حرب قادمة. العولمة تؤثر على الصبية، والشباب يريدون السفر والحياة وبناء حياة خارج الجيش. إن كان ثمة يأس أيضا بين الإسرائيليين، فهو علامة طيبة. ربما يؤدي اليأس لضغط شعبي على القيادة لكي تخلق وضعا جديدا. هل تعرفين الفارق بين الجنرال والشاعر؟ الجنرال، في ساحة المعركة، يحصي عدد الموتى في جانب العدو، أما الشاعر فيعد الأحياء الذين صاروا موتى في هذه المعركة. ثم عدو واحد وهو الموت. المجاز واضح. الموتى على الجانبين لم يعودوا أعداء.
هل ستفكر في التفرغ للعمل السياسي. كما فعل فاتسلاف هاول على سبيل المثال؟
ربما كان هاول رئيس دولة جيدا، غير أنه لا يتم النظر إليه كشاعر فريد. أنا أكتب قصائد أفضل كثيرا من عملي السياسي.
ما الذي تنوي قوله في أمسية حيفا؟
أريد أن أشرح كيف نزلت من الكرمل وكيف أصعد إليه الآن. وأسأل نفسي لماذا نزلت.
هل أنت نادم على كونك غادرت في 1970؟
أحيانا ما يثمر الزمن حكمة. التاريخ علمني نوعا من السخرية. دوما ما أتساءل: هل أنا نادم أنني غادرت في 1970. وصلت لاستنتاج أن الإجابة غير مهمة. ربما يكون السؤال عن سبب نزولي من الكرمل أكثر أهمية.
وما السبب وراء نزولك؟
حتى أعود بعد 37 عاما. هذا يعني أنني لم أنزل من الكرمل في 70 ولم أعد في 2007. كل شيء هو مجاز. إذا كنت الآن في رام الله وفي الأسبوع القادم سأكون في الكرمل وأتذكر أنني لم أكن هناك لأربعين عاما، فهذا يعني أن الدائرة أغلقت وكل السفر الذي طال سنوات كان مجازا. لن أخيف القراء. أنا لا أنوي تحقيق حق العودة.
وإن كان ثمة فرصة للعودة للجليل، لحيفا والعائلة؟
بصفتك صحفية رافقتيني إلى هناك، فلقد كنت شاهدة على قوة تأثري عندما أتيت في زيارة أولى عام 96 بعد غياب 26 عاما وكان من المفترض أن ألتقي بإميل حبيبي بغرض تصوير فيلم عن حياته. تأثرت وبكيت ورغبت في البقاء في إسرائيل. ولكن اليوم أنا غير مستعد لاستبدال هويتي الفلسطينية بإسرائيلية. هذا سيربكني فحسب. المعيار المهم اليوم هو ما الذي فعلته في هذه السنوات. كتبت أفضل، تقدمت، تطورت وأفدت شعبي من الناحية الأدبية.
ما رأيك في النقد الموجه لتوقيت قراءة قصائدك في حيفا، على ضوء الأزمة في الأراضي المحتلة وقضية عزمي بشارة.
نحن نعيش، وأنا لا أعرف ما هو الصواب. طول الوقت يكون توقيتنا غير مناسب. ليست هذه المرة الأولى التي آتي فيها. أتيت عام 96 والقيت كلمة تأبين في جنازة إميل حبيبي وأتيت عام 2000 وقرأت قصائدي في الناصرة وحضرت حفلا في المدرسة التي درست بها في كفر ياسيف. لا يمكنني أن أكون جزءا من صراع هذا الحزب مع ذاك. أنا ضيف الجمهور العربي كله في إسرائيل ولا أميز بين الحركة الإسلامية وبين الجبهة الشعبية للسلام والمساواة أو التجمع الوطني الديمقراطي. أنا شاعر الجميع. لا ينبغي أيضا أن أنسى أن هناك الكثيرين ممن يكرهونني بين الشعراء وبين من يظنون أنفسهم شعراء. الغيرة هي شعور إنساني، ولكنها عندما تتحول لكراهية فهذا أمر آخر. هناك من يعتبرونني خطرا أدبيا، ولكنني أعتبرهم أطفالا عليهم الثورة ضد أبيهم الروحي. لهم الحق في قتلي، ولكن ليقتلونني على مستوى أدبي، أي ليقتلونني في النص.
هل مازلت على اتصال بمفكرين يهود إسرائيليين؟
أنا على صلة بالشاعر إسحق لاؤور والمؤرخ أمنون راز كركوتسكين. في العشرين عاما الأخيرة أقرأ بالعبرية أقل، ولكن يثير اهتمامي بعض الأدباء الإسرائليين.
قبل سبع سنوات حاول يوسي ساريد، كوزير للتعليم، أن يدخل قصائدك إلى منهج الأدب الدراسي ونتيجة لهذا هدد بعض أعضاء الكنيست من اليمين بتدمير التحالف. هل أغضبك هذا؟

لا يهمني سواء أدرجوا قصائدي أم لم يدرجوها في المنهج الدراسي الأدبي. عندما تم تقديم اقتراح بسحب الثقة في الحكومة تساءلت في سخرية أين الكرامة الإسرائيلية. كيف توافقون على إسقاط حكومة بسبب شاعر فلسطيني بينما لديكم أسباب أخرى لفعل هذا. كذلك لا يهمني إن قاموا بتدريس قصائدي في المدارس العربية. لا أحب لهذه الدرجة أن أكون في مناهج التعليم. التلاميذ يكرهون الأدب بشكل عام إذا تم فرضه عليهم.
كتبت في قصيدة من قبل "من أنا بدون المنفى". باعتبار المنفى هو أساس شعرك، وباعتبارك قلت أكثر من مرة أنك تحمل المنفى بداخلك كحقيبة سفر. هل تعلمت على مدار السنوات والتجوال من بلد لآخر احتضان المنفى.

ليست مسألة احتضان. المنفى احتلني، ولكنني توقفت عن الشكوى من هذا الحمل. المنفى موجود في كل مكان. الآن أنا في رام الله، وحتى هنا أحمل منفاي. لست جزءا من المشهد ولا جزءا من المكان. عرفت رام الله منذ عشر سنوات فحسب. لا أملك ماض ولا ذكريات هنا. أنا موجود هنا كمزيج من المواطن واللاجئ والمنفي. اليوم علاقتي بالمكان خفيفة وهشة. كل الأماكن تتشابه الآن.
وأين البيت؟

لا أملك بيتا. غيرت بيوتا كثيرة جدا، لا أملك بيتا بالمعنى العميق للكلمة. البيت هو المكان الذي أنام وأقرأ وأكتب فيه. وهذا من الممكن أن يكون في كل مكان. عشت في أكثر من عشرين بيتا ودوما ما كنت أترك أدوية وكتبا وثيابا وخطابات. وأهرب.

في أرشيف سهام داود توجد خطابات، مخطوطات وقصائد تركتها وراءك عندما غادرت في 1970؟

لم أكن أعرف أنني لن أعود. اعتقدت أنني سأحاول ألا أعود. لم أختر المنفى بشكل حر. على مدار عشر سنوات كنت ممنوعا من مغادرة حيفا، من بينها سنوات ثلاث تم تحديد إقامتي فيها.
واليوم؟

ليس لدي حنين خاص لبيت بعينه. البيت ليس فقط الأغراض التي تركتها. البيت هو مكان وبيئة. لا أملك بيتا. كل شيء متشابه. رام الله مثل عمان مثل باريس. ربما لأنني تربيت على الحنين فلم يعد مناسبا لي أن أشعر بالحنين أكثر، وربما بهتت مشاعري، ربما انتصر الإيقاع على المشاعر وتعاظمت السخرية. أنا لم أعد نفس الشخص.

لماذا لم تقم عائلة؟

يذكر أصدقائي من حين لآخر أنني تزوجت مرتين. ولكنني لا أذكر هذا بالمعنى العميق للكلمة. أنا غير نادم لكوني لا أملك طفلا. ربما لم يكن لينجح، أو ربما كان فظا.
علام أنت نادم إذن؟
على أنني نشرت قصائد في سن صغير وقصائد غير جيدة. أنا نادم لأنني تسببت في ألم لصديق بكلمات قلتها له، أو لأنني كنت فظا وحادا. ربما لم أكن مخلصا لذكريات معينة ولكنني لم أجرم.
تحب عزلتك؟
جدا. عندما أضطر للخروج للعشاء أشعر أنه تم توقيع عقوبة علي. في السنوات الأخيرة صرت أحب أن أكون وحدي. أحتاج للبشر عندما أكون مضطرا لهم. ربما تعتقدين أنها أنانية، ولكن لدي خمسة أو ستة أصدقاء. هذا كثير. لدي ألاف المعارف وهذا لا يساعدني.
متى تفكر في طفولتك. إن كنت تفكر فيها أصلا؟

قمت بهذا الحساب للنفس في كتابي الأخير "في حضرة الغياب"، وهو كتاب يبدو سيريا رأى النور العام الماضي – على هيئة خطاب وداع أقوله وأنا أقف على حافة قبري وأقوم بتأبين نفسي. أنا هو الآخر الموجود في القبر. في الكتاب أكتب عن تاريخ حياتي، ولكن ليس بشكل مترا تب. نثر شعري. هناك ألامس طفولتي في البروة وانتقالي للبنان والبقاء فيها عاما. ظننت أننا كنا سائحين. عدنا كمتسللين بشكل غير قانوني ومر وقت طويل حتى استلمنا بطاقة هوية. كتبت عن لبنان والمنفى والحنين والحب الذي مررت به، ولكن بلا أسماء.
قلت مرة في لقاء مع دورية "حداريم" أن الشعر الجيد هو طفولة صارت حكيمة؟

لا يسير أي شخص إلى الطفولة ولا يبحث عنها. إنها رشفة تحدث من حين لآخر. لست من بين هؤلاء الذين يستندون إليها. لست رومانسيا لهذه الدرجة ولا مريضا من الناحية الشعورية. عندما أتذكر طفولتي لا أجدني سعيدا. لم تكن طفولة سعيدة. عندما أتحدث عنها بدون قصد أتحدث عن شيء عام، لأن كل شخص، وليس أنا فقط، يذهب بهذه الطريقة إلى لبنان، أو لمخيم لاجئين.

كتبت بعض القصائد عن طفولتك. من الصعب عليك أن تعود لها اليوم؟ وهل ينطبق هذا على القصيدة التي تحدثت عن "قهوة أمي".



تتمة الحوار في المرفقات

الى لقاء جديد