المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسعار فلكية للسكر



ضحاياالحب
23-04-2006, 05:34 AM
أسعار فلكية للسكر


عبدالرحيم فقيري


يشتكي المستهلكون اليوم من ارتفاع كبير لأسعار السكر، تصل نسبه إلى حوالي 160% عن المستويات التي كانت سائدة خلال الربع الأول من العام الجاري، غير أن هذه الظاهرة لا تقتصر على أسواق المملكة فقط أو أسواق الخليج والدول غير المنتجة لهذه المادة،

بل إنها ظاهرة عالمية جاءت كنتيجة ربما غير مباشرة لارتفاع أسعار النفط، حيث يتم تداول السكر في أسواق العالم عند معدلات قياسية (468 دولارا للطن) بحسب آخر سعر له في الأسواق العالمية، أي ما يعادل 176 دينارا بحرينيا. وقد يستغرب القارئ هنا من العلاقة التي تربط النفط بالسكر، غير أن الارتفاع التاريخي لأسعار البترول (75 دولارا للبرميل بحسب آخر إقفال في لندن يوم الجمعة)، الذي دفع بالمستهلكين وفي مقدمتهم الدول الأوروبية إلى اللجوء إلى طاقة بديلة، يبدد هذا الاستغراب، وقد تطرقنا في حديث سابق لنا إلى أن كثيرا من الدول المتقدمة صناعيا بدأت تستخدم قصب السكر، المادة الرئيسية التي يصنع منها السكر، في صناعة الإيثانول، التي تستخرج عادة من النفط الخام. ولأن النفط اليوم يلامس أعلى مستوياته السعرية على الإطلاق، فإن من الطبيعي أن تميل تلك الدول إلى اتخاذ إجراءات من شأنها أن تقلل من اعتمادها على النفط المستورد، فتلجأ إلى استخدام بدائل للطاقة في إطار ما يعرف بالطاقة الخضراء، وهو الأمر الذي جعل المعروض في الأسواق العالمية من السكر شحيحا، وبالتالي فإن تناقص المعروض يؤدي بصورة طردية إلى ارتفاع الأسعار، ومن هنا تنشأ العلاقة بين أسعار السكر وأسعار الطاقة. بالطبع، فإن هناك أسبابا أخرى لهذا الارتفاع الكبير لأسعار السكر، بخلاف انتعاش طلب المستهلكين الذي يعزو إليه التجار والمحللون الارتفاع، كالطلب العالمي المتزايد على الإيثانول والإقبال الكبير من جانب صناديق الاستثمار على شراء عقود السكر، في إطار سياسات المضاربة التي يقوم بها العاملون في البورصات سواء كانت هذه البورصات للأوراق المالية، أو للمعادن أو للسلع التموينية كما هو الحال في ما يتعلق بالسكر. ويوم الجمعة، آخر يوم من تعاملات الأسواق العالمية التي تستأنف أعمالها يوم الإثنين من كل أسبوع، فإن أسعار السكر قفزت في التعاملات الآجلة بسوق لندن 4.5% إلى مستوى 374 دولارا للطن وهو السقف الذي اعتبره المراقبون أعلى مستوى سعري في تسع سنوات ونصف السنة، غير أنها ارتفعت إلى السقف الذي أشرنا إليه عند اقفال الأسواق الأمريكية التي تقفل في الخامسة من صباح السبت بتوقيت البحرين. ويتوقع التجار الدوليون، أن ترتفع الأسعار خلال الأسبوع المقبل والأسابيع القادمة إلى مستويات سعرية غير مسبوقة في تاريخ صناعة السكر، ويبنون توقعاتهم هذه على أسعار العقود التي تم الاتفاق عليها لشهر مايو المقبل، حيث وصلت أسعار تلك العقود حتى الجمعة إلى 383 دولارا للطن، ما يعني أن المضاربين سوف يجدون سوقا رائجة لهم خلال الأسابيع المقبلة، وقد تمتد هذه الأسابيع إلى شهور وربما سنوات مقبلة، فهل يستمر المستهلك المحلي يدفع ثمن هذه المضاربات، وما هي البدائل التي تفكر الحكومات الخليجية في إيجادها إذا ما استمرت أسعار السكر في الارتفاع؟ وسوف يتبعها ارتفاع مواد كثيرة أخرى يدخل في صناعاتها السكر أولها الخبز.. هل تقوم بدعم الأسعار أو رفع حصة الدعم إذا كان الدعم موجودا أصلا، أم توزع كوبونات مجانية على المواطنين قيمتها مستقطعة من عوائد النفط الذي تسببت أسعاره في إذكاء حمى الأسعار الفلكية للسكر وكثير من المنتجات ذات العلاقة بالسكر.. أم أنها سوف تحث الشعوب على الامتناع عن تناول السكر في واقع ينتشر فيه مرض السكر كانتشار النار في الهشيم؟ نعتقد أن كل ما تقدم حلولا غير عملية، فالأمر العملي الوحيد الذي يبدو أن من الضرورة بمكان السعي إليه هو اللجوء إلى تعظيم دور الصناعات العربية، فالبلدان التي لا تملك الأراضي الزراعية، ينبغي أن تستثمر في الدول العربية التي تشتهر بمراكزها الزراعية، وتستغل الأراضي الصالحة للزراعة في الدول العربية التي بدأت حكومات بعضها تمليكها لغير مواطنيها. إن دول الخليج لو استغلت جزءًا من عوائدها النفطية في إقامة صناعات غذائية كالسكر مثلا في تلك البلدان العربية كما هو الحاصل في مصنع كنانة السوداني الكويتي الذي يعتبر أكبر مصنع للسكر في الشرق الأوسط وشمال وشرق وغرب أفريقيا، لو استغلت دول الخليج جزءًا من عوائد النفط في مثل هذه المشاريع الاستثمارية، لكفت شعوبها دفع فاتورة الكلف المرتفعة التي تدفعها في السلع الاستهلاكية، والخوض في صراع المضاربات التي يمارسها تجار البورصات، ولكفتها صراع الأطماع التوسعية الأمريكية الذي يعتبر المسئول الأوحد حتى الآن في ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي السكر والمواد التي تستتبع ذلك.



عبد الرحيم فقيري
المال والاقتصاد