لعديد
04-03-2011, 10:25 AM
الرجال واحة خضراء منقول عن ( جريدة العرب )
عدد القراء: 19 سارة علي الخاطر
2011-03-04
إنها النقطة الأكثر إثارة في الأدب العربي، والأكثر وضوحاً لدارسي القضايا الشعرية، هذه القضية متعلقة بالحب العفيف، والذي اشتهر كفن أدبي في العصر الأموي، فهناك مجنون ليلى، وهو قيس بن الملوح، وقيس بن ذريح وحبه الكبير للبنى، وجميل بثينة، وكثيّر عزة... إلخ الذي يلفت نظري في هذه القضية لماذا سجل التاريخ أن هناك رجالاً ماتوا أو قتلوا أنفسهم من أجل حب امرأة، ولم يسجل حالة واحدة لامرأة ماتت من أجل الرجل؟ على الرغم من أن المرأة أشد عاطفة من الرجل، بل العاطفة من صفاتها التي تتغنى بها، وهي أضعف وأوضح في هذا الجانب من الرجل. المرأة في حقيقة الحال أشد التصاقّاً بالرجل وتتنفس الكون من خلاله، سواء أكان أباً أو أخاً أو زوجاً أو ابناً، وأحيلكم من هنا إلى الخنساء الشاعرة الشهيرة وكيف ملأت الدنيا صراخاً وعويلاً من أجل أخيها صخر!! وعندما نشر أجمل عشر قصائد قيلت في الحب كانت كلها من الرجال موجهة للنساء، ولم نجد قصيدة واحدة موجهة من النساء للرجال.
هذه العاطفة الكبرى لدى رجال العرب توضحت بعد دخول الإسلام وإبرازه لدور المرأة وحفاظه عليها، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان من أصدق الرجال في عاطفته، وكان يعبر عن هذه العاطفة بأسلوب جميل ورقيق ومحتشم، مع بيان أهمية دورها، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام عن أحب الناس إليه؟ فأجاب «عائشة»، وأحب الناس إليك من الرجال؟ قال «أبوها»، فأبو بكر الصديق بكل وزنه في الإسلام كان من أحب الناس إلى الرسول، ولكن زاد هذا الحب كونه أبا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفي حديثه مع عائشة قال لها «يا عائشة»، ما ضرني لو مت بعد اليوم، ولقد علمت أنك زوجتي في الجنة.. أي قلب عظيم وكبير يجب أن يتعلم منه كل رجال العرب فن التعامل مع المرأة.
ولنعد مرة أخرى لموضوعنا السابق أن الإسلام رسم لهذه العاطفة حدوداً وملامح احترموها وقدروها على الرغم من أنها كانت موجودة في الجاهلية، فعنتر بن شداد يوجه خطابه لابنة عمه عبلة:-
يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
ولكن الإسلام كاسها بثوب العفة واحترام حياء المرأة، ونحن من صدّر هذه العاطفة للعالم، وبدا هذا واضحاً في الأدب العالمي، وكلنا قرأ أو شاهد رائعة شكسبير «روميو وجولييت»، وتأثره الواضح بقصة مجنون ليلى في الأدب العربي.
حتى عندما تأثر العالم كله بالفيلم الشهير «تيتانيك» رأينا كيف أن جاك يموت من أجل روز.
هل من تمام العاطفة أن يرفع الرجل لواءها، وهو الذي يقدّم نفسه للساحة الأدبية والشعرية، على أنه بطلها وشهيد حبه للمرأة؟
أم أنها الأعراف الاجتماعية والتقاليد والتي تمنع المرأة من التصريح بمثل هذا النوع من العاطفة أو حتى التلويح بها؟
أم هو من تمام الشهامة والمروءة أن ذلك الرجل الشجاع الجريء المقدام وأسد الحروب، هو نفسه الرجل الذي يجود بروحه من أجلها؟
آياً كان السبب فهذه الريادة في العاطفة هي من أجمل جماليات الأدب العربي، ونحن العرب من أوجدها في تاريخ الشعوب الأخرى، وكنت مرة أناقش مع أحد أساتذتي في الأدب وأطرح سؤالاً لماذا كان جميل يذكر اسم بثينة في شعره، مع علمه أنه إذا ذكرها لن يزوجوه إياها؟ فقال إن هناك تفسيرا يشير إلى هذا النوع من الأدب كان الشعراء يتنافسون فيه إلى إثبات شاعريتهم، وبعضهم كان متقولاً مثل كثير عزة، والبعض الآخر لم يثبت وجوده كقيس ليلى، وبعضهم يشير إلى بعض الإسقاطات السياسية كنوع من التمرد على الخليفة والأعراف العامة؟ فأجبته أنه لم تروقني الإجابة أنا أجد أن إثبات عاطفة لأمة، خير من إثبات هذا التمرد، ويكفينا شرفا أن العربية رسمت لنا صورة الرجل الفارس الشهم الذي بذل روحه وجاد بها من أجل امرأة ذكرها في شعره محافظاً عليها إلى الرمق الأخير، وهذا ما أشار إليه المستشرق ستاندال «إنما يعرف الحب الأصيل تحت خيام البدو الدكناء»، والأغرب أن هذه العاطفة الرقيقة تتفجر ممن كانوا يوصفون بالغلظة والخشونة، إنها كواحة خضراء وسط صحراء جرداء، وليست ازدواجية في الشخصية بقدر ما هي تناقضات تثير الإعجاب في شخصية الرجل العربي.
تابعوني في المقال القادم «المرأة باقة من الزهور»
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=177298&issueNo=1173&secId=16
عدد القراء: 19 سارة علي الخاطر
2011-03-04
إنها النقطة الأكثر إثارة في الأدب العربي، والأكثر وضوحاً لدارسي القضايا الشعرية، هذه القضية متعلقة بالحب العفيف، والذي اشتهر كفن أدبي في العصر الأموي، فهناك مجنون ليلى، وهو قيس بن الملوح، وقيس بن ذريح وحبه الكبير للبنى، وجميل بثينة، وكثيّر عزة... إلخ الذي يلفت نظري في هذه القضية لماذا سجل التاريخ أن هناك رجالاً ماتوا أو قتلوا أنفسهم من أجل حب امرأة، ولم يسجل حالة واحدة لامرأة ماتت من أجل الرجل؟ على الرغم من أن المرأة أشد عاطفة من الرجل، بل العاطفة من صفاتها التي تتغنى بها، وهي أضعف وأوضح في هذا الجانب من الرجل. المرأة في حقيقة الحال أشد التصاقّاً بالرجل وتتنفس الكون من خلاله، سواء أكان أباً أو أخاً أو زوجاً أو ابناً، وأحيلكم من هنا إلى الخنساء الشاعرة الشهيرة وكيف ملأت الدنيا صراخاً وعويلاً من أجل أخيها صخر!! وعندما نشر أجمل عشر قصائد قيلت في الحب كانت كلها من الرجال موجهة للنساء، ولم نجد قصيدة واحدة موجهة من النساء للرجال.
هذه العاطفة الكبرى لدى رجال العرب توضحت بعد دخول الإسلام وإبرازه لدور المرأة وحفاظه عليها، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان من أصدق الرجال في عاطفته، وكان يعبر عن هذه العاطفة بأسلوب جميل ورقيق ومحتشم، مع بيان أهمية دورها، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام عن أحب الناس إليه؟ فأجاب «عائشة»، وأحب الناس إليك من الرجال؟ قال «أبوها»، فأبو بكر الصديق بكل وزنه في الإسلام كان من أحب الناس إلى الرسول، ولكن زاد هذا الحب كونه أبا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفي حديثه مع عائشة قال لها «يا عائشة»، ما ضرني لو مت بعد اليوم، ولقد علمت أنك زوجتي في الجنة.. أي قلب عظيم وكبير يجب أن يتعلم منه كل رجال العرب فن التعامل مع المرأة.
ولنعد مرة أخرى لموضوعنا السابق أن الإسلام رسم لهذه العاطفة حدوداً وملامح احترموها وقدروها على الرغم من أنها كانت موجودة في الجاهلية، فعنتر بن شداد يوجه خطابه لابنة عمه عبلة:-
يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
ولكن الإسلام كاسها بثوب العفة واحترام حياء المرأة، ونحن من صدّر هذه العاطفة للعالم، وبدا هذا واضحاً في الأدب العالمي، وكلنا قرأ أو شاهد رائعة شكسبير «روميو وجولييت»، وتأثره الواضح بقصة مجنون ليلى في الأدب العربي.
حتى عندما تأثر العالم كله بالفيلم الشهير «تيتانيك» رأينا كيف أن جاك يموت من أجل روز.
هل من تمام العاطفة أن يرفع الرجل لواءها، وهو الذي يقدّم نفسه للساحة الأدبية والشعرية، على أنه بطلها وشهيد حبه للمرأة؟
أم أنها الأعراف الاجتماعية والتقاليد والتي تمنع المرأة من التصريح بمثل هذا النوع من العاطفة أو حتى التلويح بها؟
أم هو من تمام الشهامة والمروءة أن ذلك الرجل الشجاع الجريء المقدام وأسد الحروب، هو نفسه الرجل الذي يجود بروحه من أجلها؟
آياً كان السبب فهذه الريادة في العاطفة هي من أجمل جماليات الأدب العربي، ونحن العرب من أوجدها في تاريخ الشعوب الأخرى، وكنت مرة أناقش مع أحد أساتذتي في الأدب وأطرح سؤالاً لماذا كان جميل يذكر اسم بثينة في شعره، مع علمه أنه إذا ذكرها لن يزوجوه إياها؟ فقال إن هناك تفسيرا يشير إلى هذا النوع من الأدب كان الشعراء يتنافسون فيه إلى إثبات شاعريتهم، وبعضهم كان متقولاً مثل كثير عزة، والبعض الآخر لم يثبت وجوده كقيس ليلى، وبعضهم يشير إلى بعض الإسقاطات السياسية كنوع من التمرد على الخليفة والأعراف العامة؟ فأجبته أنه لم تروقني الإجابة أنا أجد أن إثبات عاطفة لأمة، خير من إثبات هذا التمرد، ويكفينا شرفا أن العربية رسمت لنا صورة الرجل الفارس الشهم الذي بذل روحه وجاد بها من أجل امرأة ذكرها في شعره محافظاً عليها إلى الرمق الأخير، وهذا ما أشار إليه المستشرق ستاندال «إنما يعرف الحب الأصيل تحت خيام البدو الدكناء»، والأغرب أن هذه العاطفة الرقيقة تتفجر ممن كانوا يوصفون بالغلظة والخشونة، إنها كواحة خضراء وسط صحراء جرداء، وليست ازدواجية في الشخصية بقدر ما هي تناقضات تثير الإعجاب في شخصية الرجل العربي.
تابعوني في المقال القادم «المرأة باقة من الزهور»
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=177298&issueNo=1173&secId=16