ROSE
27-04-2006, 05:44 AM
خبير نفطي أمريكي: يمكن للدول الصناعية استيعاب أثر المواجهة مع إيران في سوق الطاقة
واشنطن - أحمد محسن :
عاد النفط - وكأنه غاب أبداً - إلى طاولة الحوار العام في الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط من حيث تأثير ارتفاع الأسعار على ميزانية المستهلك الأمريكي، ولكن أيضاً من حيث احتمالات المستقبل. في ما يناقش الآن بصورة يومية تقريباً على شاشات التليفزيون الأمريكية، وفي مراكز البحث المتخصصة هو المسار المتوقع للمواجهة مع إيران من حيث تأثيره على أسعار النفط، ومن ثم تأثيره على الاقتصاد العالمي، وحول هذه القضايا دار الحوار التالي مع البروفيسور ريتشارد سولومون رئيس مركز جامعة ميريلاند لدراسات الطاقة:
- تتصاعد الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران بلا توقف وتتصاعد معها أسعار النفط. إلى أين تتجه هذه الأسعار وما هو المدى المتوقع لارتفاعها؟
- ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال لأسباب واضحة، فلسنا نعرف بعد إذا كان من الممكن حل الأزمة مع إيران بالوسائل الدبلوماسية، ولكن يجب علينا أن نتذكر أن ارتفاع أسعار النفط بدأ منذ قرابة العامين، وأنه حدث لأسباب لا صلة لها بالأزمة مع إيران، والحقيقة ان هذه الأزمة وقعت في سياق أسعار تواصل الارتفاع من الأصل، والسبب في ذلك كان راجعاً إلى زيادة الطلب بسبب انتقال الاقتصادات الأساسية في العالم من مرحلة التباطؤ إلى مرحلة النمو الذي يحدث في بعض البلدان بمعدلات كبيرة.
ويعني ذلك أن تأثير الزيادة في الطلب أضيف إلى تأثير القلق الناجم عن المواجهة المتمثلة مع إيران ليجعل السوق تتصرف بهذه العصبية التي نراها الآن.
- ألن يؤثر ارتفاع الأسعار على النمو بإجباره على التباطؤ ومن ثم خفض الطلب؟ وإذا حدث ذلك. أي إذا انخفضت معدلات النمو وتم حل المسألة الإيرانية دبلوماسياً، هل يمكن أن تنخفض الأسعار كثيراً!
- النمو الذي نراه الآن حدث بالفعل في ظل أسعار مرتفعة للطاقة، وقد مضى علينا 18 شهراً، ونحن نشهد الأمرين معاً، معدلات نمو ملموسة في الاقتصاد الدولي وارتفاع كبير في أسعار البترول في نفس الوقت.
وفي مطلع الثمانينيات شهدنا تأثيراً معاكساً، إذ أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى إصابة الاقتصادات الصناعية بركود، ونحن لا نرى ذلك الآن. وتفسيري لهذا هو أن حصة الطاقة من التكلفة الإجمالية للإنتاج هي الآن أقل مما كانت عليه في مطلع الثمانينيات، فضلاً عن أن القوى الدافعة للنمو كانت أثقل وزناً من أن يوقفها كابح ارتفاع سعر النفط، فإنتاج سلعة ما أصبح الآن عملية دولية وليست وطنية، وهو أمر أدى إلى خفض التكلفة؛ فيما بقيت الأسواق الوطنية في الدول الصناعية قادرة على الاستيعاب لأسباب تراكمية وآنية في نفس الوقت.
وإذا تمكن المجتمع الدولي من حل المسألة الإيرانية سلمياً فإنني أتوقع انخفاض الأسعار عن مستوياتها الحالية ولكنها لن تصل بأي حال إلى مستويات 1998 مثلاً. فالمعادلات اختلفت الآن، وبينما كنا نرى أن الزيادة في سعر البرميل بمقدار 10 دولارات تخفض نسبة النمو في الدول الصناعية بمقدار نصف في المائة، أو أن الانخفاض في السعر بهذا المقدار يؤدي إلى زيادة النمو بنسبة نصف في المائة، فإن ذلك لم يعد صحيحاً الآن. فالقوانين التي تحكم نمو الاقتصادات الصناعية باتت أكثر تعقيداً في المرحلة الراهنة.
والمهم دون الخوض في تفصيلات تقنية أن النمو قادر على التحقق في ظل أسعار طاقة مرتفعة نسبياً، وهذا الارتفاع يفيد على المدى المتوسط للدول الصناعية إذا ما ظل معقولاً إذ انه ينعش قطاع الطاقة بالتعريف الأشمل، أي أبحاث الطاقة البديلة وعمليات الاستكشاف ومشروعات الانفاق على المفاعلات النووية المخصصة لإنتاج الكهرباء وعمليات التنقيب عن النفط والغاز وتقنيات تحسين استخدام الفحم الحجري.
- ما هو تعريفكم للارتفاع المعقول الذي تشيرون إليه!
- انه الشريحة السعرية بين 50 و60 دولاراً لبرميل غرب تكساس العياري.
- وإذا لم يتمكن المجتمع الدولي من حل المسألة الإيرانية دبلوماسياً؟
- قد يمثل ذلك كارثة على أصعدة مختلفة ولكنني اختلف مع من يقولون إنه سيكون كارثة أيضاً في قطاع النفط. والمتوقع بطبيعة الحال أن ترتفع الأسعار كثيراً، وربما إلى ما بعد حد الـ100 دولار للبرميل، إلا ان هذا الارتفاع سيكون مؤقتاً.
- أليس من المحتمل أن يوقف الإيرانيون صادراتهم؟
محتمل؛ ولكنه يظل احتمالاً مستبعداً، وإذا حدث فإنه لن يحدث لفترة طويلة. فدخل النفط يمثل 90% من دخل الحكومة الإيرانية. والنظام الاقتصادي في إيران يجعل الحكومة مقيدة بدعم مئات من السلع الحيوية التي يشتريها المستهلكون من محدودي الدخل. وإذا ما أوقف الدعم فإن ذلك سيؤدي إلى قلاقل داخلية. وبوسع النظام في إيران أن يحشد الناس ويعبئهم أيديولوجيا إلا أن ذلك لا يصمد طويلاً في مواجهة احتياجات الحياة اليومية. ولا أعتقد أن النظام سيرغب في مواجهة شروخ داخلية بسبب التدهور الحاد والسريع في الأوضاع الاقتصادية.
فضلاً عن ذلك فإن إيران تعتمد على الخارج في استيراد المحروقات إذ أنها لا تنتج مواد مكررة تكفي لاستهلاكها الداخلي. ولا أعتقد باختصار أن طهران ستتمكن من وقف تصدير النفط لفترة طويلة وهي فترة يمكن لمنتجين آخرين وللاحتياطيات الاستراتيجية لدى الدول الصناعية أن يسددوا خلالها حصة إيران في الإنتاج العالمي.
ومن المحتمل أن يكون تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز أكثر أهمية من تهديدها بوقف تصدير النفط. ولا أعتقد أن الإدارة هنا غافلة عن هذا الاحتمال، وإذا تمكن عسكريون من الابقاء على المضيق مفتوحاً، وتمكن المصريون من ضمان أمن الملاحة في قناة السويس فإن أي أثر لبدء مواجهة عسكرية على أسواق النفط سيكون أثراً محدوداً رغم انه قد يكون كبيراً في البداية.
ولا أريد أن أقول بهذا ان أي مواجهة قد تكون «حميدة» في تأثيرها على السوق، فهناك احتمالات بتزايد العمليات الإرهابية ضد المنشآت والبلدان النفطية، ولكنني أريد أن أقول إن التأثيرات ستظل محصورة زمنياً وان السوق سيعود إلى آليات العرض والطلب المعتادة بعد ذلك
واشنطن - أحمد محسن :
عاد النفط - وكأنه غاب أبداً - إلى طاولة الحوار العام في الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط من حيث تأثير ارتفاع الأسعار على ميزانية المستهلك الأمريكي، ولكن أيضاً من حيث احتمالات المستقبل. في ما يناقش الآن بصورة يومية تقريباً على شاشات التليفزيون الأمريكية، وفي مراكز البحث المتخصصة هو المسار المتوقع للمواجهة مع إيران من حيث تأثيره على أسعار النفط، ومن ثم تأثيره على الاقتصاد العالمي، وحول هذه القضايا دار الحوار التالي مع البروفيسور ريتشارد سولومون رئيس مركز جامعة ميريلاند لدراسات الطاقة:
- تتصاعد الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران بلا توقف وتتصاعد معها أسعار النفط. إلى أين تتجه هذه الأسعار وما هو المدى المتوقع لارتفاعها؟
- ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال لأسباب واضحة، فلسنا نعرف بعد إذا كان من الممكن حل الأزمة مع إيران بالوسائل الدبلوماسية، ولكن يجب علينا أن نتذكر أن ارتفاع أسعار النفط بدأ منذ قرابة العامين، وأنه حدث لأسباب لا صلة لها بالأزمة مع إيران، والحقيقة ان هذه الأزمة وقعت في سياق أسعار تواصل الارتفاع من الأصل، والسبب في ذلك كان راجعاً إلى زيادة الطلب بسبب انتقال الاقتصادات الأساسية في العالم من مرحلة التباطؤ إلى مرحلة النمو الذي يحدث في بعض البلدان بمعدلات كبيرة.
ويعني ذلك أن تأثير الزيادة في الطلب أضيف إلى تأثير القلق الناجم عن المواجهة المتمثلة مع إيران ليجعل السوق تتصرف بهذه العصبية التي نراها الآن.
- ألن يؤثر ارتفاع الأسعار على النمو بإجباره على التباطؤ ومن ثم خفض الطلب؟ وإذا حدث ذلك. أي إذا انخفضت معدلات النمو وتم حل المسألة الإيرانية دبلوماسياً، هل يمكن أن تنخفض الأسعار كثيراً!
- النمو الذي نراه الآن حدث بالفعل في ظل أسعار مرتفعة للطاقة، وقد مضى علينا 18 شهراً، ونحن نشهد الأمرين معاً، معدلات نمو ملموسة في الاقتصاد الدولي وارتفاع كبير في أسعار البترول في نفس الوقت.
وفي مطلع الثمانينيات شهدنا تأثيراً معاكساً، إذ أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى إصابة الاقتصادات الصناعية بركود، ونحن لا نرى ذلك الآن. وتفسيري لهذا هو أن حصة الطاقة من التكلفة الإجمالية للإنتاج هي الآن أقل مما كانت عليه في مطلع الثمانينيات، فضلاً عن أن القوى الدافعة للنمو كانت أثقل وزناً من أن يوقفها كابح ارتفاع سعر النفط، فإنتاج سلعة ما أصبح الآن عملية دولية وليست وطنية، وهو أمر أدى إلى خفض التكلفة؛ فيما بقيت الأسواق الوطنية في الدول الصناعية قادرة على الاستيعاب لأسباب تراكمية وآنية في نفس الوقت.
وإذا تمكن المجتمع الدولي من حل المسألة الإيرانية سلمياً فإنني أتوقع انخفاض الأسعار عن مستوياتها الحالية ولكنها لن تصل بأي حال إلى مستويات 1998 مثلاً. فالمعادلات اختلفت الآن، وبينما كنا نرى أن الزيادة في سعر البرميل بمقدار 10 دولارات تخفض نسبة النمو في الدول الصناعية بمقدار نصف في المائة، أو أن الانخفاض في السعر بهذا المقدار يؤدي إلى زيادة النمو بنسبة نصف في المائة، فإن ذلك لم يعد صحيحاً الآن. فالقوانين التي تحكم نمو الاقتصادات الصناعية باتت أكثر تعقيداً في المرحلة الراهنة.
والمهم دون الخوض في تفصيلات تقنية أن النمو قادر على التحقق في ظل أسعار طاقة مرتفعة نسبياً، وهذا الارتفاع يفيد على المدى المتوسط للدول الصناعية إذا ما ظل معقولاً إذ انه ينعش قطاع الطاقة بالتعريف الأشمل، أي أبحاث الطاقة البديلة وعمليات الاستكشاف ومشروعات الانفاق على المفاعلات النووية المخصصة لإنتاج الكهرباء وعمليات التنقيب عن النفط والغاز وتقنيات تحسين استخدام الفحم الحجري.
- ما هو تعريفكم للارتفاع المعقول الذي تشيرون إليه!
- انه الشريحة السعرية بين 50 و60 دولاراً لبرميل غرب تكساس العياري.
- وإذا لم يتمكن المجتمع الدولي من حل المسألة الإيرانية دبلوماسياً؟
- قد يمثل ذلك كارثة على أصعدة مختلفة ولكنني اختلف مع من يقولون إنه سيكون كارثة أيضاً في قطاع النفط. والمتوقع بطبيعة الحال أن ترتفع الأسعار كثيراً، وربما إلى ما بعد حد الـ100 دولار للبرميل، إلا ان هذا الارتفاع سيكون مؤقتاً.
- أليس من المحتمل أن يوقف الإيرانيون صادراتهم؟
محتمل؛ ولكنه يظل احتمالاً مستبعداً، وإذا حدث فإنه لن يحدث لفترة طويلة. فدخل النفط يمثل 90% من دخل الحكومة الإيرانية. والنظام الاقتصادي في إيران يجعل الحكومة مقيدة بدعم مئات من السلع الحيوية التي يشتريها المستهلكون من محدودي الدخل. وإذا ما أوقف الدعم فإن ذلك سيؤدي إلى قلاقل داخلية. وبوسع النظام في إيران أن يحشد الناس ويعبئهم أيديولوجيا إلا أن ذلك لا يصمد طويلاً في مواجهة احتياجات الحياة اليومية. ولا أعتقد أن النظام سيرغب في مواجهة شروخ داخلية بسبب التدهور الحاد والسريع في الأوضاع الاقتصادية.
فضلاً عن ذلك فإن إيران تعتمد على الخارج في استيراد المحروقات إذ أنها لا تنتج مواد مكررة تكفي لاستهلاكها الداخلي. ولا أعتقد باختصار أن طهران ستتمكن من وقف تصدير النفط لفترة طويلة وهي فترة يمكن لمنتجين آخرين وللاحتياطيات الاستراتيجية لدى الدول الصناعية أن يسددوا خلالها حصة إيران في الإنتاج العالمي.
ومن المحتمل أن يكون تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز أكثر أهمية من تهديدها بوقف تصدير النفط. ولا أعتقد أن الإدارة هنا غافلة عن هذا الاحتمال، وإذا تمكن عسكريون من الابقاء على المضيق مفتوحاً، وتمكن المصريون من ضمان أمن الملاحة في قناة السويس فإن أي أثر لبدء مواجهة عسكرية على أسواق النفط سيكون أثراً محدوداً رغم انه قد يكون كبيراً في البداية.
ولا أريد أن أقول بهذا ان أي مواجهة قد تكون «حميدة» في تأثيرها على السوق، فهناك احتمالات بتزايد العمليات الإرهابية ضد المنشآت والبلدان النفطية، ولكنني أريد أن أقول إن التأثيرات ستظل محصورة زمنياً وان السوق سيعود إلى آليات العرض والطلب المعتادة بعد ذلك