المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هوارد شولتز.. هاجس الفشل دافعه إلى النجاح



مقيم
02-04-2011, 10:54 AM
http://im2.gulfup.com/2011-04-02/1301730875281.jpg (http://www.gulfup.com/)


هوارد شولتز (57 عاما)، المؤسس والرئيس التنفيذي لستاربكس، الذي يشرف على 17 ألف مقهى من سياتل إلى شنغهاي. ذكر قصته مرات عديدة (كيف التحق في عام 1982 بشركة صغيرة في سياتل تدعى ستاربكس، وكيف ألهمته تجربة زيارة مقهى للاسبرسو في ميلانو، ليمضي بعدها ويشتري الشركة)، لدرجة ربما لم يعد لديه الكثير ليقوله.
الا أنه يعود الآن ويكررها ثانية، مركزا على الفصول الأخيرة من الحكاية، وكيف أن ستاربكس واجهت أزمة نتيجة الافراط في التوسع وفقدان الهوية في عام 2007. فما كان من شولتز، رئيس مجلس الادارة حينئذ، الا أن رد باقصاء الرئيس التنفيذي واستعادة وظيفته القديمة. وها هي الأمور تبدو جيدة مرة أخرى مع احتفاء ستاربكس بالذكرى الأربعين على تأسيسها، ونشر كتاب له حول عودته إلى الشركة وانتعاشها واستعادتها لنجاحاتها ورونقها، ويحمل الكتاب اسما يتسم بالحماس:
Onward: How the Starbucks Fought for its Life without Losing Its Soul

طويل القامة ورفيع، له وجه كبير وودود، وعند سؤاله عما أتى به إلى نيويورك، بالاضافة إلى الترويج لكتابه والاحتفاء بذكرى ستاربكس. أجاب «أولادي هنا. ابني يحاول أن يكون كاتبا في مجال الرياضة وابنتي طالبة جامعية وهي ترغب في أن تصبح كاتبة لأفلام كوميدية، فهي تدرس السينما. وقد شجعت كليهما مبكرا على عدم الانخراط في ستاربكس. لم أعتقد أنه سيكون أمرا منصفا، اضافة إلى أن كليهما ليسا مهتمين بالأمر على أي حال».
تحدث قليلا عن بروكلين، البلدة التي نشأ فيها والتي فقدت سمعتها في السنوات القليلة الماضية، بصفتها بوتقة قاسية لصهر كل الأعراق وباتت الآن رمزا لاحلال الطبقة المتوسطة والمرفهة محل الطبقة الكادحة: «أعيش في بارك سلوب، مركز التحول. وهي ليست بروكلين الحقيقية».

طفولته ونشأته
بروكلين التي نشأ فيها شولتز تتمثل في كانارسي، وهي منطقة وعرة بين جزيرة كوني ومطار جون كنيدي. ويقول عن تلك المرحلة من حياته «لقد كانت طفولة جيدة لكنها قاسية. أبي كان رجلا غير متعلم، وأحد المحاربين القدامى في الجيش في جنوب المحيط الهادي. لقد تولى وظائف قاسية للغاية. وكطفل كنت أرى كيف كان الضغط وافتقاره للانجاز الشخصي يؤثر سلبا في احترامه للذات وتقديره لنفسه».
ويضيف «أمي كذلك كانت امرأة غير متعلمة لكن كان لديها دائما غريزة فطرية تجاه أميركا وبأنها المكان الذي يمكنك أن تفعل فيها ما تريد». وبدت كما لو كان لديها ايمان أقوى من والده، فيومئ برأسه موافقا «كان لديها تلك العلاقة التي لا تصدق مع جون كنيدي. لا أقصد علاقة شخصية، لكن كانت تؤمن به بقوة. لم أتحدث عن ذلك الأمر منذ سنوات طويلة جدا. عندما تم اغتياله، كانت اللحظة عاطفية على نحو لا يصدق، لقد انتهى بها الأمر بعد أيام قليلة إلى دموع لا تنتهي واكتئاب».
كان في العاشرة من عمره في تلك الفترة. وفي السنة ذاتها صحبته خالته إلى مانهاتن للمرة الأولى في حياته. وبعد زيارة قاعة راديو سيتي للموسيقى أخذته إلى مطعم آلي، حيث تعرض وجبات الطعام خلف جدار طويل زجاجي ويضع الزبائن العملات المعدنية في فتحات لأخذ ما يريدونه من وجبات. ذهل شولتز بالجانب المسرحي لما شاهد. ويقول عن تلك التجربة «سألت خالتي شيرلي، كيف يحدث هذا؟ أجابت: هناك ساحر خلف الجدار، فصدقتها». علقت رومانسية المطعم الآلي والصلة العاطفية بزبائنه في ذهن شولتز.

دراسته وخبرته
فاز بمنحة دراسية إلى جامعة نورثن ميتشغان ومن ثم عاد إلى نيويورك للعمل أولا في شركة زيروكس ومن ثم هامربلاست، وهي شركة سويدية لانتاج آلات صنع القهوة. وظيفته أخذته إلى ساحل المحيط الهادئ عام 1981 لزيارة ستاربكس في سياتل.
«في اللحظة التي هبطت فيها من الطائرة، كان يوم من تلك الأيام المذهلة حين تشرق الشمس والثلج.. كانت الأجواء أشبه بالسحر وينتابك شعور لا يصدق بالنشوة والنشاط. وبينما كنت أقود باتجاه المدينة، شعرت وكأنني في فيلم الساحر أوز. وتساءلت بيني وبين نفسي أين أنا؟ وما هذا المكان؟». يضحك ثم يقول: «لم يقل لي أحد أنها تمطر هناك على مدار نصف السنة».
يكمل شولتز قصته مشيرا إلى أنه كان عليه في البداية أن يقنع ملاك ستاربكس بتوظيفه في منصب مدير التسويق. وقد استغرق الأمر منه عاما، ذلك أنهم وجدوا في خلفيته النيويوركية التي تتسم بالحدة والقوة والطموح أمرا مخيفا. «أصبحنا أصدقاء بعد أن بنينا جسرا من الثقة، فنيتي كانت شريفة»، يقول شولتز. وقد بدا الأمر فيه ثمة تحبب يتسم بطابع تقليدي قديم، كما لو كان يتقدم بطلب الزواج من ابنتهم.
في 1985، كان عليه أن يعمل لكسب رضا والد زوجته، الذي وصل إلى المدينة في زيارة قادما من أوهايو عندما ترك شولتز ستاربكس (التي ورغم نجاح تجربته فيها، رفضت فكرته الخاصة بالاسبرسو). وكان يحاول حينها جمع الأموال لافتتاح سلسلة خاصة به من المقاهي تحمل اسم جورنال II في سياتل وفانكوفر، وكان يعمل من دون أجر بينما كانت زوجته شيري على وشك أن تلد طفلهما الأول.
يقول شولتز: «طلب مني أن نذهب في نزهة على الأقدام. وكنت أعرف ما أنا مقبل عليه. جلسنا على مقعد المنتزه. ويشهد الله علي، هذا بالضبط ما حدث. قال لي: لا أريد أن أقلل من احترامك لكنني أريدك أن ترى هذه الصورة التي أنظر فيها. ان ابنتي حامل في الشهر السابع وزوجها ليس لديه وظيفة، كل ما لديه مجرد هواية. أريد أن أطلب منك باخلاص نابع من القلب وباحترام حقيقي أن تجد لك وظيفة».
ثم يتابع «بدأت بالبكاء، لقد كنت محرجا للغاية. عدنا إلى المنزل واعتقدت صدقا أن الأمر سينتهي. وفي تلك الليلة أثناء تواجدي مع زوجتي في غرفتنا الخاصة، أخبرتها بما جرى. لقد كنت محبطا. لم أكن غاضبا، بل محبطا. لكنها كانت هي من قال: «لا. سوف نقوم بما نحن بصدده وننجح به. سوف نجمع المال». ويضيف: «لو كانت قالت انه على حق، لكان انتهى الأمر. أنا متأكد من ذلك».

مشاعره تجاه عمله
شولتز يعتبر أن مشاعره تجاه عمله لا تزال أشبه بـ«قصة حب»، ثم يضيف محولا محور الحديث بمهارة إلى أسباب عودته إلى الشركة في 2008، بعد 8 سنوات على تخليه عن الادارة اليومية ليصبح فقط رئيس مجلس الادارة.
في كتابه يروي الأزمة التي مرت بها ستاربكس بطريقة تبدو معها وكأنها كانت بمنزلة صدمة نفسية، اضافة إلى كونها صدمة مالية. وكتب أيضا عن عدم قدرته على النوم ليلا واصابته بتوتر بالغ لدرجة عدم قدرته على تناول طعام الافطار.
يومئ شولتز موافقا على هذا الرأي، مضيفا «كنت أرى جزءا مني يحتضر أمامي من دون أن تكون لي سيطرة عليه. لقد تخليت عن منصب الرئيس التنفيذي ولم أكن أعير الشركة اهتماما. وفي الأسبوع الذي عدت فيه اليها، وقفت أمام الجميع واعتذرت لهم لأنني خذلتهم. لم تكن هذه وظيفة أبدا ولم تكن شركة، لقد كانت عمل حياتي وكنت أراها وهي تتلاشى أمامي. لقد تحولت إلى شيء لم يعجبني».
ورغم أن شولتز كان سخيا فيما سرده في كتابه بشأن جيم دونالد، الرئيس التنفيذي السابق، فانه كان لاذعا بشأن الطريقة التي كانت «تدير بها ستاربكس عملياتها التشغيلية، وحول الكفاءة بدلا من الرومانسية». ويضيف «اذا ما جاء مدير محترف إلى هنا، لكان قال ان الشركة ليست فعالة جدا، فلنعمل على تنظيف المكان. لقد فقدنا روح الشركة».
هل كان بحاجة لاتخاذ زمام الأمور بنفسه؟ «عرفت أين دفنت العظام، ولدي ترخيص من الناس للقيام بما يلزم، حتى الأمور التقليدية مثل اغلاق جميع المتاجر للاحتفاظ بنصف يوم. كان علينا أن نعترف أننا لم نكن جيدين بالقدر الذي كنا عليه سابقا. ان الأمر لا يتعلق بعدد المشروبات التي نعدها في الساعة بل بصنع أجود المشروبات».
وفي رد على سؤال حول ما اذا كان يعتقد أن شركة تملك 17 ألف مقهى يمكن لها أن تجمع بين الحجم والأصالة التي يتمتع بها مطعم بارني غرينغراس (حيث أجري اللقاء)؟ يحدق شولتز بنظره إلى الأسفل كما لو أنه يدرك أنه لم يتمكن من ايصال ما يتطلع اليه بعد. ويرد بهدوء «نعم يمكن ذلك. ونحن نقوم بذلك بالفعل حاليا». ومن ثم بدأ يتحدث بلغة مديري الشركات حين قال «أقدر حضوركم لأي سبب كان. ان لزبائننا احتياجات مختلفة وتجارب حياتية متباينة. وطموحنا هو أن نتجاوز توقعاتهم مهما كانت احتياجاتهم».

تحويل المسار
يتذكر شولتز المؤتمر الكبير الذي عقدته الشركة في نيوأورليانز في أكتوبر 2008، بعد فترة وجيزة على انهيار ليمان براذرز، حين وقف أمام مديري العشرة آلاف مقهى مناشدا اياهم المساعدة وقال «هوارد شولتز لا يستطيع أن يحول مسار ستاربكس لوحده. لقد خذلنا زبائننا وبامكاننا تحقيق ذلك اذا عرف الجميع ما يعنيه عدم اعتماد الجودة المتوسطة». ويضيف « ان التحدي الذي يواجه تجارة التجزئة هي الأوضاع الانسانية. نحن نكون جيدين وفقا للحظة الراهنة. وتلك اللحظة الهشة التي نسعد بها أو نأمل ألا نخيب بها ظن الزبون».
ويبدو أن اصلاح شولتز قد نجح، ذلك أن عائدات ستاربكس وأسهمها في صعود وعادت لتفتتح متاجر جديدة مرة أخرى. اذ عاد مؤخرا من زيارة قام بها إلى الكويت والصين (ستاربكس لديها 400 مقهى هناك). ويقول في هذا الصدد «عدنا للنمو مرة أخرى لكن ليس بالطريقة نفسها المتهورة إلى حد ما».
وقد لا يكمن انجازه الدائم في الفردية بل في التلاقي. وقد تحدث بسعادة عن زيارته إلى الكويت، التي تبعد كثيرا عن بروكلين. اذ يقول «تجمع البيئة والقهوة الناس بعضهم مع بعض، كما كان يحدث مع الحانات البريطانية قبل 30 عاما. لقد دخلت واحدا من تلك المقاهي وكان مكتظا بالناس. كانوا يلبسون بطريقة مختلفة لكنهم يقومون بما يقوم به الناس هنا. ان الأمر كله يتعلق بالانسانية».
طرحنا عليه سؤالا عن السبب وراء عدم استرخائه والتحرر من التوتر والانطلاق. فحصته في ستاربكس قيمتها 540 مليون دولار، وقد حقق ما كان يصبو اليه وما يمكن أن يتخيله كصبي قادم من بروكلين، ومع ذلك فهو لا يزال عصبي ويتمتع بقوة الدفع ويسعى ليس إلى النمو فحسب بل إلى القبول.
يجيب قائلا: «سأحاول الاجابة عن هذا السؤال. أعتقد أنني طوال حياتي وبسبب المكان الذي جئت منه، عشت في خضم هاجس الخوف من الفشل. أجلس اليوم وأنا في سن السابعة والخمسين بعد أن حققت ما قد يعتقد معظم الناس أنه الحلم الأميركي، الذي لا أزال أملكه. تلك هي القوة التي تدفعني. لا أستطيع الاجابة عن هذا السؤال بطريقة المفكر والمثقف، كل ما في الأمر أنني أشعر به. وهو أمر حقيقي وصادق».

العودة الثانية الناجحة
عودة هوارد شولتز لادارة ستاربكس من خلال منصب الرئيس التنفيذي قبل ثلاث سنوات تضعه إلى جانب رجال أعمال آخرين من أصحاب المبادرة الفردية الذين سلموا المنصب إلى مديرين مدربين مهنيين بعد اطلاق شركاتهم، لكن ما حدث هو أن خيبت آمالهم النتائج التي خرجوا بها.
المثال الأشهر والأكثر نجاحا في تاريخ الشركات الحديث هو ستيف جوبس الذي طرد من أبل في 1985 من قبل جون سكالي، الذي جاء من بيبسي كولا. عاد جوبس في نهاية المطاف إلى دفة القيادة عام 1997 كرئيس تنفيذي مؤقت وبدأ مسيرة انعاش أبل المذهلة التي توجت بأن أصبحت ثاني أكثر الشركات قيمة في الولايات المتحدة.
غير أن مؤسسي شركات أخرى لم يكن أداؤهم على ما يرام. جيري يانغ، أحد مؤسسي ياهو، عاد إلى منصب الرئيس التنفيذي بعد أن اكتفى بمنصب «رئيس ياهو» وسلم السلطة لتيري سيميل. ثم استعاد مرة أخرى دوره القيادي في الشركة المتعثرة عام 2007، لكنه فشل في حل مشاكلها فتخلى مرة أخرى عن المنصب.
مايكل ديل الذي ابتدع نموذج البيع المباشر في صناعة أجهزة الكمبيوتر الشخصي ثم تنحى عن منصب الرئيس التنفيذي عام 2004، متنازلا عن الادارة اليومية لكيفن رولينز. لكن عاد بعد ثلاث سنوات واسترد الوظيفة ولا يزال يكافح منذ ذلك الحين لاستعادة بريق ديل السابق.
ظاهرة عودة المؤسس شائعة بشكل خاص في قطاع التكنولوجيا، ذلك أن الكثير من مؤسسي الشركات الكبيرة لا يزالون أحياء وصغارا من العمر بما يكفي للعودة إلى مركز القيادة. كما أنهم عادة ما يكون لديهم حصص ملكية كبيرة بما يكفي في شركاتهم لفرض ارادتهم.
ومع ذلك، فان الأمر يحدث أحيانا في الصناعات الأخرى. ومن الأمثلة البارزة في قطاع الخدمات المالية تشارلز شواب، الرائد في الوساطة بالخصم في الولايات المتحدة الذي طرد ديفيد بوتراك كرئيس تنفيذي في 2004 بعد أن ضلت الشركة التي تحمل اسمه عن جوهر عملها الأساسي.
بالمعنى الدقيق للكلمة، لم يكن هوارد شولتز مؤسس ستاربكس، اذ تأسست قبل 40 عاما في شهر مارس على يد جيري بالدوين وغوردون بوكر وزيف سيغل، لكن شولتز هو من حولها من مجرد سلسلة متاجر لبيع حبوب القهوة إلى أعمال للمقاهي بعد أن اشتراها من مؤسسيها عام 1987.
شولتز يقول ان الكثير من الشركات تمر بنفس المرحلة أثناء النمو من خلال «جلب ادارة مهنية لادارة ما بنيناه.... ثم يوضع أصحاب المبادرة والمبدعون في مرتبة أقل من حملة شهادات الماجستير». لم يكن ذلك الدافع وراء عودته هو فقط بل عودة الكثيرين غيره.