المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأسهم والناس والخسائر..



إنتعاش
02-05-2006, 07:15 AM
لم تشهد أي سوق مالية عربية من الاسواق التي تعرضت لهزات عنيفة مؤخرا ردود الفعل الشعبية والاعلامية وربما الاجتماعية والنفسية التي تشهدها المملكة، ولم يصب مواطنو هذه الدول غضبتهم على مسؤولي بورصاتهم او اسواقهم المالية وصولا الى التجريح الشخصي، والمهاترات العائلية، والتشكيك في القدرات الادارية واطلاق الاتهامات العشوائية.
وبانخفاض مؤشرات الاسواق المالية في معظم دول الخليج واكثر من نصف الدول العربية ثبت للمراقبين المحايدين ان جميع هذه الاسواق كانت تتضخم بطريقة عشوائية، وان اسعار جميع الشركات بلا استثناء كانت غالية مع اختلاف اسباب هذا الغلاء باختلاف اوضاع كل بلد وتباين اقتصادات هذه الدول، والاهم تباين السلوك الجماعي للمستثمرين والمضاربين، واخيرا وليس آخرا المحللون والكتاب والاقتصاديون الذين قدمتهم بعض وسائل الاعلام على انهم قادة الرأي الاستثماري رغم ان بعضهم ثبت انتفاعه وثبت تحريضه للناس على المضاربة والتفاؤل، ثم عند انتكاس السوق بات يوزع الاتهامات على الآخرين.

ويبدو ان تركيز وسائل الاعلام على السوق السعودية وهبوطها بشكل اكبر من بقية الاسواق العربية والخليجية زاد من حدة التوتر لدى المتعاملين وانساهم ان الهبوط كان شاملا لمعظم الاسواق، وجعل بعضهم يعتقد ان هذا الهبوط كان سمة السوق السعودي وحده رغم ان السوق السعودي حقق بعض الاستقرار فيما لا زالت اسواق عربية وخليجية تواصل نزيف النقاط وان بوتيرة بطيئة لكنها مستمرة.

ولعب بعض مسؤولي وملاك الشركات المساهمة خصوصا الحديثة منها دورا مزدوجا خلال الفترة الماضية حيث اوحى الكثير منهم في تصاريح ومناسبات موثقة لعموم الناس بان السوق ستواصل الارتفاع الى معدلات كبيرة وفور انهيار الاسعار التي دعموا ارتفاعها بتصاريحهم، سارعوا الى مهاجمة الانظمة والجهات المختلفة في استعداد مبكر للمساءلة التي قد يتعرضون لها من المساهمين خصوصا وان بعضهم غامر بأموال المساهمين في السوق بدلا من توجيهها الى المشاريع والانجازات التي تحقق الارباح التشغيلية لشركاتهم.

ومن جهتهم يعتقد الاقتصاديون في المملكة ان من اسباب ما اسموه «تنفيس غضب الخسائر» ضد الجهات الحكومية والمؤسسات المالية يعود بالدرجة الاولى الى ضعف ثقافة الاستثمار مقارنة بالدول الاخرى «ففي اسواق عربية اخرى يتعامل معظم الناس مع الاسهم على انها استثمار لتحقيق العوائد فيما لا يقوم بالمضاربة المباشرة الا نسب قليلة من الناس غالبا ما يكونون محترفين او ممارسين قديمين لهذه المهنة، فضلا عن ان المستثمرين والمضاربين على حد سواء يشتغلون بأموال مخصصة للاستثمار وليس بأموال مخصصة لاحتياجاتهم الاساسية.

ويرى هؤلاء ان كثيرا من الناس ضغطوا على انفسهم وعلى عائلاتهم عبر المخاطرة غير المدروسة في السوق بأموال يحتاجون اليها بشكل ملح، الامر الذي جعلهم يتعاملون مع الارباح والخسائر بعواطف مشحونة واعصاب مشدودة تجعلهم يبالغون في الفرح والتفاؤل عند الربح، وبالمثل يحملون بعض الجهات الحكومية الخسائر حال حدوثها «رغم حرية السوق ورغم انهم من اتخذ قرار المضاربة».

ولا يخفي المراقبون قلقهم من سيادة فكرة تحقيق الثراء السهل على المجتمع، واعتبار كل عقبة يتعرضون لها خطأ مقصودا من الجهات الاشرافية او غيرها من الجهات ذات العلاقة اذ ان من شأن هذه الثقافة ان تقضي على مبادئ الانتاج والعمل والابتكار، وتحيل المجتمع الى مجموعة من المضاربين المغامرين الذين يمتدحون انفسهم عند تحقيق المكاسب ويلقون باللوم على الغير عند اول خسارة.

ويعيش السعوديون مخاضا اجتماعيا يلبس ثوبا اقتصاديا فيما يتعلق بسوق الاسهم، ويتجاهل معظمهم فكرة ان لكل ممارسة اقتصادية دورة تصعد فيها وتهبط، ويربح البعض ويخسر الآخرون، وتبقى ثقافة الاستثمار الواعية وبعيدة المدى هي حلم الحكومة والاقتصاديين الذي يعيق تحقيقه مجموعة من المنتفعين المتسترين خلف مواقع الانترنت، وربما خلف كثير من الصور البراقة الزائفة.