شمعة الحب
02-05-2006, 09:53 PM
الجنس والأسهم
صالح الشهوان - 04/04/1427هـ
كنا مراهقين تصحو داخلنا الأشياء الغامضة التي لم نكن نجد لها تفسيرا ولا توضيحا من قبل أهلنا، مثل: الجنس، فقد كانت هذه المفردة تدير الرؤوس وتثير بسمات خجلى حال سماعها أو رؤيتها مكتوبة.
كنا نتسابق على اقتناء مجلة الأستاذ المرحوم الدكتور صبري القباني "طبيبك" نلتهمها من الغلاف إلى الغلاف, ونتبادلها بيننا بحفاوة بالغة، خصوصا أسئلة القراء والإجابات عنها، كانت المجلة مقروءة على نطاق واسع، من لم يشترها يحرص على استعارتها، لأنها كانت فتحا معرفيا جريئا في ثقافتنا العربية اخترقت التابو والمحاذير، جعلت من الثقافة الجنسية رسالتها وكنا نحن المراهقين جمهورها الأحرص على متابعتها نتبادل البشرى ونرقص طربا لصدورها!!
ليست مجلة "طبيبك" طيبة الذكر إلا عينة من جاذبية كلمة الجنس أو موضوعه، إنما كنا نتداول إلى جانبها كتب إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ووفيق العلايلي ونزار قباني وميشال زيفاكو والبرتو مورافيا وغيرهم ممن كان الجنس مادتهم الرئيسة. هل تذكرون: الوسادة الخالية, شيء في صدري, النظارة السوداء, ومَن يطفئ النار.. إلخ؟
أما في قاعات الدرس أو في المجالس فكم يصبح الجميع كالمسحورين فلا نعاس ولا تثاؤب وإنما إصغاء منقطع النظير عندما يكون الحديث حول الجنس. كذلك تقتحم النكت والدعابات الجنسية النفوس دون مقاومة، بل يتلهف الناس إلى سماعها وتكاد تكون الأسرع والأسهل في الحفظ.
أدرك أهمية ذلك مصممو الدعايات والإعلانات فرسموا ملامح جنسية على علب العطور، أدوات الزينة، مغلفات الملابس وفي لوحات الإعلانات ومنشوراتها. حتى المجلات والصحف والقنوات الفضائية وظفت الجاذبية الجنسية وسيلة للإغراء أو الجذب في أغلفتها ومواضيعها وبرامجها. وحتما نغالط لو قلنا إن ذلك لا يلفت انتباهنا، فالفضول البشري فضيحة ما نخفيها!!
الجنس إذاً مصيدة النظر والسمع، فوضع ما يشير إليه على غلاف أي مطبوعة أو منتج استهلاكي كفيل بأن يجعل الأيدي لا تقاوم الامتداد نحوها. كما لا تقاوم الأذن نكتة أو حكاية أو برنامجا تلعب فيه كلمة الجنس دور البطولة حتى باتت كلمة الجنس متربعة على عرش فضول الجميع دون منازع.
خلال العامين الماضيين حدث ما لم يكن في الحسبان ثأرت كلمة "الأسهم" لكل الكلمات الأخرى، اقتصت لها من كلمة "الجنس". فأصبحت "الأسهم" أميرة القلوب والأفواه والآذان والعيون. نجوى الزوج مع زوجته، الصديقة مع صديقتها، الصديق مع صديقه، الرجال مع الرجال، النساء مع النساء، الأطفال مع الأطفال، في البيوت، مقار الأعمال, في الشوارع، وسائل المواصلات، في الهواتف الثابتة، الجوالة، الكمبيوترات, في المفكرات الشخصية ودفاتر الحضور والغياب .. احتلت كلمة الأسهم مكانها في الصدارة, في الوسط، وفي المنتهى. صارت مأذون الزواج الذي يأتي أو لا يأتي, مشروع البيت الذي سيتم إكمال بنائه أم يؤجل، مشروع شراء قطعة الأرض أو الأثاث الجديد، مشروع السيارة الفخمة أو الرضا بالقديمة, السفر للسياحة أم صرف النظر عنه. قوائم عريضة طويلة من المشاريع الشخصية والعائلية، من الاحتياجات الضرورية أو غير الضرورية، من أحلام تسديد الديون أو أحلام الرفاه .. كل ذلك وغيره أصبح مسبوقا أو مخلوطا أو مختوما بكلمة الأسهم. فالناس لم تعد تملك مقاومة سحر هذه الكلمة وإغرائها. سواء من أتعستهم وهم كثر أو من أبهجتهم وهم قلة.
سيطرت كلمة الأسهم على الصغير والكبير، على فئة النقي وغير النقي، على رؤساء مجالس إدارات البنوك والشركات أو رئيساتها، على باعة الأكشاك والبليلة وعلى الربعيات والطقاقات .. احتلت نشرات الأخبار المرئية والمسموعة والمقروءة.
كسر الكتاب، الشعراء، الروائيون، النقاد والمفكرون أقلامهم, استعاروا كتاب الهجاء الجديد عن الأسهم، وكتاب مطالعة "التداول" أو كتاب المحفوظات "المضاربة" وأخذوا يخطون مقالات مغشوشة منها أو منقولة عنها فما عاد لأي موضوع من قارئ ما لم يكن عن الأسهم.
هل رأيتم كيف استعمرت كلمة "الأسهم" الأذهان مثلما استعمرت كلمة "الجنس" الانتباه؟ ألم تحدث فينا كلمة "الأسهم" غوايتها كما فعلت بنا كلمة "الجنس"؟ ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر!!
صالح الشهوان - 04/04/1427هـ
كنا مراهقين تصحو داخلنا الأشياء الغامضة التي لم نكن نجد لها تفسيرا ولا توضيحا من قبل أهلنا، مثل: الجنس، فقد كانت هذه المفردة تدير الرؤوس وتثير بسمات خجلى حال سماعها أو رؤيتها مكتوبة.
كنا نتسابق على اقتناء مجلة الأستاذ المرحوم الدكتور صبري القباني "طبيبك" نلتهمها من الغلاف إلى الغلاف, ونتبادلها بيننا بحفاوة بالغة، خصوصا أسئلة القراء والإجابات عنها، كانت المجلة مقروءة على نطاق واسع، من لم يشترها يحرص على استعارتها، لأنها كانت فتحا معرفيا جريئا في ثقافتنا العربية اخترقت التابو والمحاذير، جعلت من الثقافة الجنسية رسالتها وكنا نحن المراهقين جمهورها الأحرص على متابعتها نتبادل البشرى ونرقص طربا لصدورها!!
ليست مجلة "طبيبك" طيبة الذكر إلا عينة من جاذبية كلمة الجنس أو موضوعه، إنما كنا نتداول إلى جانبها كتب إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ووفيق العلايلي ونزار قباني وميشال زيفاكو والبرتو مورافيا وغيرهم ممن كان الجنس مادتهم الرئيسة. هل تذكرون: الوسادة الخالية, شيء في صدري, النظارة السوداء, ومَن يطفئ النار.. إلخ؟
أما في قاعات الدرس أو في المجالس فكم يصبح الجميع كالمسحورين فلا نعاس ولا تثاؤب وإنما إصغاء منقطع النظير عندما يكون الحديث حول الجنس. كذلك تقتحم النكت والدعابات الجنسية النفوس دون مقاومة، بل يتلهف الناس إلى سماعها وتكاد تكون الأسرع والأسهل في الحفظ.
أدرك أهمية ذلك مصممو الدعايات والإعلانات فرسموا ملامح جنسية على علب العطور، أدوات الزينة، مغلفات الملابس وفي لوحات الإعلانات ومنشوراتها. حتى المجلات والصحف والقنوات الفضائية وظفت الجاذبية الجنسية وسيلة للإغراء أو الجذب في أغلفتها ومواضيعها وبرامجها. وحتما نغالط لو قلنا إن ذلك لا يلفت انتباهنا، فالفضول البشري فضيحة ما نخفيها!!
الجنس إذاً مصيدة النظر والسمع، فوضع ما يشير إليه على غلاف أي مطبوعة أو منتج استهلاكي كفيل بأن يجعل الأيدي لا تقاوم الامتداد نحوها. كما لا تقاوم الأذن نكتة أو حكاية أو برنامجا تلعب فيه كلمة الجنس دور البطولة حتى باتت كلمة الجنس متربعة على عرش فضول الجميع دون منازع.
خلال العامين الماضيين حدث ما لم يكن في الحسبان ثأرت كلمة "الأسهم" لكل الكلمات الأخرى، اقتصت لها من كلمة "الجنس". فأصبحت "الأسهم" أميرة القلوب والأفواه والآذان والعيون. نجوى الزوج مع زوجته، الصديقة مع صديقتها، الصديق مع صديقه، الرجال مع الرجال، النساء مع النساء، الأطفال مع الأطفال، في البيوت، مقار الأعمال, في الشوارع، وسائل المواصلات، في الهواتف الثابتة، الجوالة، الكمبيوترات, في المفكرات الشخصية ودفاتر الحضور والغياب .. احتلت كلمة الأسهم مكانها في الصدارة, في الوسط، وفي المنتهى. صارت مأذون الزواج الذي يأتي أو لا يأتي, مشروع البيت الذي سيتم إكمال بنائه أم يؤجل، مشروع شراء قطعة الأرض أو الأثاث الجديد، مشروع السيارة الفخمة أو الرضا بالقديمة, السفر للسياحة أم صرف النظر عنه. قوائم عريضة طويلة من المشاريع الشخصية والعائلية، من الاحتياجات الضرورية أو غير الضرورية، من أحلام تسديد الديون أو أحلام الرفاه .. كل ذلك وغيره أصبح مسبوقا أو مخلوطا أو مختوما بكلمة الأسهم. فالناس لم تعد تملك مقاومة سحر هذه الكلمة وإغرائها. سواء من أتعستهم وهم كثر أو من أبهجتهم وهم قلة.
سيطرت كلمة الأسهم على الصغير والكبير، على فئة النقي وغير النقي، على رؤساء مجالس إدارات البنوك والشركات أو رئيساتها، على باعة الأكشاك والبليلة وعلى الربعيات والطقاقات .. احتلت نشرات الأخبار المرئية والمسموعة والمقروءة.
كسر الكتاب، الشعراء، الروائيون، النقاد والمفكرون أقلامهم, استعاروا كتاب الهجاء الجديد عن الأسهم، وكتاب مطالعة "التداول" أو كتاب المحفوظات "المضاربة" وأخذوا يخطون مقالات مغشوشة منها أو منقولة عنها فما عاد لأي موضوع من قارئ ما لم يكن عن الأسهم.
هل رأيتم كيف استعمرت كلمة "الأسهم" الأذهان مثلما استعمرت كلمة "الجنس" الانتباه؟ ألم تحدث فينا كلمة "الأسهم" غوايتها كما فعلت بنا كلمة "الجنس"؟ ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر!!