شمعة الحب
02-05-2006, 10:08 PM
مصرف الإنماء .. أسباب للتفاؤل وأخرى للحذر
محمد بن عبد الكريم بكر - 04/04/1427هـ
mohbakr@alum.mit.edu
منذ أن صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في 27/2/2006 بتأسيس مصرف الإنماء شركة مساهمة لمزاولة الأعمال المصرفية والاستثمارية برأسمال قدره 15 مليار ريال، والحديث لم ينقطع عنه كنموذج عادل لمعادلة توزيع الاكتتاب بين المؤسسين والجمهور، إذ خُصصت للطرف الأخير نسبة 70 في المائة من مجموع أسهم المصرف على غير ما ألفه السوق في غالبية الاكتتابات الأخرى التي اختزلت فيها حقوق ملايين المواطنين لصالح عدد محدود من المؤسسين. ولم تقتصر الإشادة بمعادلة توزيع رأس مال المصرف فحسب بل شملت حسن اختيار المؤسسين وهم صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الأجيال القادمة)، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد لما تملكها من ملاءة مالية وما تمثله من قاعدة عريضة من المساهمين سواء كانوا من المتقاعدين أم تلك الأجيال التي ستعمر بها أرض مملكة الإنسانية في عمرها المديد, بإذن الله .
لكن في خضم هذا الترحيب الحافل بمولد المصرف الجديد، ينبغي ألا نغفل عن التحديات التي ستواجهه في فترة تأسيسه ثم الأعوام الأولى التي تليها. من بين تلك التحديات ما هو واضح أمامنا اليوم، ومنها ما يصعب التنبؤ به في ظل المتغيرات السريعة في أسواق الطاقة العالمية والمشهد المحلي لأسواق المال. كما أن الانفتاح الذي شرع في أخذ طريقه إلى قطاع المصارف بدخول مؤسسات مالية أجنبية إلى السوق بشكل واسع سيسهم حتماً في الضغط على ذلك القطاع مما قد يؤثر سلباً في معدلات ربحيته, وبالتالي سقف التوقعات المتفائل الذي رسمه البعض لقيمة سهم مصرف الإنماء عند طرحه للاكتتاب العام بنهاية العام الجاري 2006. ثم يجب ألا ننسى أن السوق في هذه الأيام تعج بأسهم لشركات قيادية ذات عوائد جيدة تُعرض بأسعار لا تزيد على ستة أضعاف قيمتها الدفترية بما في ذلك أسهم لبنوك أكملت أكثر من 50 عاماً على تأسيسها. ومن ثم لا بد لنا من التأمل بحذر فيما يُطرح من أرقام متفائلة للمكاسب الرأسمالية التي تنتظر المكتتبين في أسهم المصرف الجديد لئلا يُصابوا بخيبة أمل إن جاءت أقل من الـ 20 ضعفاً التي وعدهم بها رجل أعمال لامع في مقال له في "الاقتصادية" قبل نحو أسبوعين.
هناك أسباب أخرى أيضاً تدعو للحذر والتروي عند الحديث عن سقف التوقعات بالنسبة إلى أداء المصرف الجديد في مطلع نشأته . من تلك الأسباب قضية الإدارة، إذ من المرجح أن يجد مصرف الإنماء نفسه في مأزق أكثر صعوبة مما تعانيه المصارف القائمة. فبالرغم من وجود نحو 27 ألف فرد يعملون اليوم في قطاع البنوك، إلا أن الخبرات الوطنية الجيدة التي يمكن أن يُركن إليها شحيحة ما يجعل كل مصرف جديد قادم إلى السوق يخطب ودها على حساب استقرار العمل في تلك التي سبقته. ولعل شح تلك الكفاءات يفسر لنا جزئياً الشكاوى المتزايدة من عجز وتدني مستوى الخدمات التي تقدمها المصارف للمستهلكين, ولا سيما أصحاب الدخول المحدودة. ولكم أن تتصوروا حالة الإرباك التي قد تعصف بهذا القطاع لو نزل لاعب جديد في الساحة بحجم مصرف الإنماء يطلب تلك الكفاءات برواتب ومزايا يعجز عنها الآخرون.
بالطبع يشكل التدريب والابتعاث أبوابا واسعة لتوفير قدر كبير من الأفراد لسد احتياجات المصرف الجديد, وهو ما أشرت إليه في مقال سابق ("الاقتصادية" في 4/4/2006)، إلا أن الحديث هنا عن الكوادر القيادية التي يتطلب إعدادها وصقلها سنوات طويلة من العمل في الخدمات المصرفية، وهي ليست متاحة في السوق المحلية بأعداد تتلاءم وحجم "مصرف الإنماء". لذا فإن من الخيارات التي يجدر بوزارة المالية تقويمها إسناد إدارة المصرف إلى شريك استراتيجي أجنبي سواء بعقد إدارة طويل المدى أو بإدخاله ضمن المؤسسين.
وهذه الفكرة في حد ذاتها ليست جديدة إذ سبق أن استعانت الوزارة سنوات طويلة بخبرات بنك تشيس مانهاتن Chase Manhattan Bank الأمريكي في تأسيس وإدارة صندوق التنمية الصناعي الذي لعب دوراً لا يُقدّر بثمن في دعم الصناعة في المملكة. كما أن البنوك التجارية السعودية لا يزال معظمها يعتمد في إدارته على شريك استراتيجي أجنبي. وهنا أود أن أذكّر بأن الهدف الأساس من إنشاء مصرف الإنماء ليس المضاربة على أسهمه بل تقديم خدمات مصرفية راقية وتحقيق عوائد جيدة لمساهميه كوعاء استثمار لشرائح عريضة في المجتمع، وهذا لن يتأتى بإدارة تقليدية مبتدئة أو متواضعة الخبرات.
عندما يكون الحديث عن إدارة المال لا بد من إقصاء عامل العاطفة والمجاملة جانباً، فالكل ينبغي أن يبحث عن "حفيظ عليم" وإن لم يكن من ذوي القربى! هكذا ديدن الناس العقلاء على مر التاريخ منذ زمن ملك مصر في عهد النبي يوسف الصديق عليه السلام حتى يومنا هذا، من اليابان شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً. فاليابان التي اُُشتهرت بتجارب ناجحة ومبتكرة في الإدارة لم تجد غضاضة في إسناد إدارة بعض مؤسساتها الصناعية الكبرى لخبرات غربية. أما الولايات المتحدة. قلعة الرأسمالية فالحديث عن دور الخبرات الأجنبية في إدارة شركاتها ومصارفها طويل قد يحتاج إلى مؤلفات. ويكفي هنا الاستشهاد بحالة واحدة أحسب أن معظم القراء قد سبق أن سمع بها وهي استعانة جامعة هارفارد العام الماضي بخبير مالي مسلم من أصل عربي (محمد العريان) لإدارة محفظة استثماراتها التي تزيد على (25) مليار دولار . وقد وقع الاختيار على ذلك الخبير ليس لأن تلك الجامعة تفتقر إلى خبراء في الإدارة أو المال، فهي تحتضن إحدى أرقى كليات إدارة الأعمال في العالم، بل كان معيار البحث والاختيار عمن لديه الخبرة في السوق من واقع سجله المهني لتحقيق أكبر عائد للجامعة على استثماراتها. كان فقط ذلك معيار الاختيار، وما أجدر بنا أن نطبق المعيار نفسه في إدارة أموال مساهمي المصرف الجديد كي يستحق أن يحمل اسمه. وهذه الدعوة تنسجم تماماً مع توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في جلسة مجلس الوزراء يوم الإثنين قبل الماضي للاستعانة بجميع الكفاءات المتميزة من داخل المملكة وخارجها ضمن الخطوات المطلوبة لانتظام سوق الأسهم وحسن أدائها.
محمد بن عبد الكريم بكر - 04/04/1427هـ
mohbakr@alum.mit.edu
منذ أن صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في 27/2/2006 بتأسيس مصرف الإنماء شركة مساهمة لمزاولة الأعمال المصرفية والاستثمارية برأسمال قدره 15 مليار ريال، والحديث لم ينقطع عنه كنموذج عادل لمعادلة توزيع الاكتتاب بين المؤسسين والجمهور، إذ خُصصت للطرف الأخير نسبة 70 في المائة من مجموع أسهم المصرف على غير ما ألفه السوق في غالبية الاكتتابات الأخرى التي اختزلت فيها حقوق ملايين المواطنين لصالح عدد محدود من المؤسسين. ولم تقتصر الإشادة بمعادلة توزيع رأس مال المصرف فحسب بل شملت حسن اختيار المؤسسين وهم صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الأجيال القادمة)، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد لما تملكها من ملاءة مالية وما تمثله من قاعدة عريضة من المساهمين سواء كانوا من المتقاعدين أم تلك الأجيال التي ستعمر بها أرض مملكة الإنسانية في عمرها المديد, بإذن الله .
لكن في خضم هذا الترحيب الحافل بمولد المصرف الجديد، ينبغي ألا نغفل عن التحديات التي ستواجهه في فترة تأسيسه ثم الأعوام الأولى التي تليها. من بين تلك التحديات ما هو واضح أمامنا اليوم، ومنها ما يصعب التنبؤ به في ظل المتغيرات السريعة في أسواق الطاقة العالمية والمشهد المحلي لأسواق المال. كما أن الانفتاح الذي شرع في أخذ طريقه إلى قطاع المصارف بدخول مؤسسات مالية أجنبية إلى السوق بشكل واسع سيسهم حتماً في الضغط على ذلك القطاع مما قد يؤثر سلباً في معدلات ربحيته, وبالتالي سقف التوقعات المتفائل الذي رسمه البعض لقيمة سهم مصرف الإنماء عند طرحه للاكتتاب العام بنهاية العام الجاري 2006. ثم يجب ألا ننسى أن السوق في هذه الأيام تعج بأسهم لشركات قيادية ذات عوائد جيدة تُعرض بأسعار لا تزيد على ستة أضعاف قيمتها الدفترية بما في ذلك أسهم لبنوك أكملت أكثر من 50 عاماً على تأسيسها. ومن ثم لا بد لنا من التأمل بحذر فيما يُطرح من أرقام متفائلة للمكاسب الرأسمالية التي تنتظر المكتتبين في أسهم المصرف الجديد لئلا يُصابوا بخيبة أمل إن جاءت أقل من الـ 20 ضعفاً التي وعدهم بها رجل أعمال لامع في مقال له في "الاقتصادية" قبل نحو أسبوعين.
هناك أسباب أخرى أيضاً تدعو للحذر والتروي عند الحديث عن سقف التوقعات بالنسبة إلى أداء المصرف الجديد في مطلع نشأته . من تلك الأسباب قضية الإدارة، إذ من المرجح أن يجد مصرف الإنماء نفسه في مأزق أكثر صعوبة مما تعانيه المصارف القائمة. فبالرغم من وجود نحو 27 ألف فرد يعملون اليوم في قطاع البنوك، إلا أن الخبرات الوطنية الجيدة التي يمكن أن يُركن إليها شحيحة ما يجعل كل مصرف جديد قادم إلى السوق يخطب ودها على حساب استقرار العمل في تلك التي سبقته. ولعل شح تلك الكفاءات يفسر لنا جزئياً الشكاوى المتزايدة من عجز وتدني مستوى الخدمات التي تقدمها المصارف للمستهلكين, ولا سيما أصحاب الدخول المحدودة. ولكم أن تتصوروا حالة الإرباك التي قد تعصف بهذا القطاع لو نزل لاعب جديد في الساحة بحجم مصرف الإنماء يطلب تلك الكفاءات برواتب ومزايا يعجز عنها الآخرون.
بالطبع يشكل التدريب والابتعاث أبوابا واسعة لتوفير قدر كبير من الأفراد لسد احتياجات المصرف الجديد, وهو ما أشرت إليه في مقال سابق ("الاقتصادية" في 4/4/2006)، إلا أن الحديث هنا عن الكوادر القيادية التي يتطلب إعدادها وصقلها سنوات طويلة من العمل في الخدمات المصرفية، وهي ليست متاحة في السوق المحلية بأعداد تتلاءم وحجم "مصرف الإنماء". لذا فإن من الخيارات التي يجدر بوزارة المالية تقويمها إسناد إدارة المصرف إلى شريك استراتيجي أجنبي سواء بعقد إدارة طويل المدى أو بإدخاله ضمن المؤسسين.
وهذه الفكرة في حد ذاتها ليست جديدة إذ سبق أن استعانت الوزارة سنوات طويلة بخبرات بنك تشيس مانهاتن Chase Manhattan Bank الأمريكي في تأسيس وإدارة صندوق التنمية الصناعي الذي لعب دوراً لا يُقدّر بثمن في دعم الصناعة في المملكة. كما أن البنوك التجارية السعودية لا يزال معظمها يعتمد في إدارته على شريك استراتيجي أجنبي. وهنا أود أن أذكّر بأن الهدف الأساس من إنشاء مصرف الإنماء ليس المضاربة على أسهمه بل تقديم خدمات مصرفية راقية وتحقيق عوائد جيدة لمساهميه كوعاء استثمار لشرائح عريضة في المجتمع، وهذا لن يتأتى بإدارة تقليدية مبتدئة أو متواضعة الخبرات.
عندما يكون الحديث عن إدارة المال لا بد من إقصاء عامل العاطفة والمجاملة جانباً، فالكل ينبغي أن يبحث عن "حفيظ عليم" وإن لم يكن من ذوي القربى! هكذا ديدن الناس العقلاء على مر التاريخ منذ زمن ملك مصر في عهد النبي يوسف الصديق عليه السلام حتى يومنا هذا، من اليابان شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً. فاليابان التي اُُشتهرت بتجارب ناجحة ومبتكرة في الإدارة لم تجد غضاضة في إسناد إدارة بعض مؤسساتها الصناعية الكبرى لخبرات غربية. أما الولايات المتحدة. قلعة الرأسمالية فالحديث عن دور الخبرات الأجنبية في إدارة شركاتها ومصارفها طويل قد يحتاج إلى مؤلفات. ويكفي هنا الاستشهاد بحالة واحدة أحسب أن معظم القراء قد سبق أن سمع بها وهي استعانة جامعة هارفارد العام الماضي بخبير مالي مسلم من أصل عربي (محمد العريان) لإدارة محفظة استثماراتها التي تزيد على (25) مليار دولار . وقد وقع الاختيار على ذلك الخبير ليس لأن تلك الجامعة تفتقر إلى خبراء في الإدارة أو المال، فهي تحتضن إحدى أرقى كليات إدارة الأعمال في العالم، بل كان معيار البحث والاختيار عمن لديه الخبرة في السوق من واقع سجله المهني لتحقيق أكبر عائد للجامعة على استثماراتها. كان فقط ذلك معيار الاختيار، وما أجدر بنا أن نطبق المعيار نفسه في إدارة أموال مساهمي المصرف الجديد كي يستحق أن يحمل اسمه. وهذه الدعوة تنسجم تماماً مع توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في جلسة مجلس الوزراء يوم الإثنين قبل الماضي للاستعانة بجميع الكفاءات المتميزة من داخل المملكة وخارجها ضمن الخطوات المطلوبة لانتظام سوق الأسهم وحسن أدائها.