المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والآمال المتلاشية (( مقال ))



ROSE
04-05-2011, 07:05 AM
دعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والآمال المتلاشية






عندما عصفت الأزمة المالية العالمية باقتصادات الدول المتقدمة والدول النامية منذ أواسط سنة 2008، لمع بريق أمل حقيقي في القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي عقدت في الكويت يوم 19 يناير 2009 عندما أعلن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت في جلسة الافتتاح مبادرته المشهودة بإنشاء حساب خاص لدعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة برأسمال قدره 2 مليار دولار تساهم فيه دولة الكويت بمبلغ 500 مليون دولار. ولم تمر إلا فترة وجيزة حتى دفعت مساهمة دولة الكويت وحذت حذوها المملكة العربية السعودية بمبلغ مماثل بلغ 500 مليون دولار وعدد من الدول العربية الأخرى لتصل حصيلة الحساب الخاص المدفوعة أكثر من 1.4 مليار دولار في فترة قياسية. وقد تكون هذه المرة الأولى التي تقترح فيها آلية تنموية عربية مدعومة بموازنة سخية تدفع بهذه السرعة رغم الأزمة المالية العالمية المحيطة، ويرجع الفضل في ذلك إلى حكمة وواقعية سمو الشيخ أمير دولة الكويت ومن ورائه جهازه الفني المتبصر الذي ربط مبادرته العربية بدفع صك تمويل ربع المشروع مبتعدا بذلك عن عدد من الشكليات التي أعاقت العمل العربي المشترك طوال العقود الأخيرة والمرتبطة بعدم عدالة حصص الدول في تمويل جامعة الدول العربية ومنظماتها ومشاريعها وعدم التزام البعض بدفع هذه الحصص إلى آخر ذلك.
لكن اللافت للنظر هنا أنه رغم هذه المبادرة الرائدة المدعومة بقرار القمة العربية والممولة فعليا بسخاء وبعد أكثر من سنتين من إطلاقها لم نر بوادر ثمارها إلى حد الآن لا، بل لم نر تنفيذ ولو مشروع واحد استفاد من هذه المبادرة الفريدة التي استشرفت بوقت مبكر جدا ما آلت إليه الأوضاع في عدد من الدول العربية التي ضغطت فيها البطالة والتطلعات الاجتماعية إلى حد الانفجار. فيا ترى ما هو السبب في تباطؤ تفعيل هذه المبادرة الرائدة؟
لا يمكن تفسير هذا التباطؤ إلا بقصور الإجراءات الإدارية التي تحوم حول تنفيذ المبادرة والتي مازالت تراوج بين أدراج البيروقراطية التي يعرفها جيدا صغار المستثمرين في بلداننا العربية والتي تحول دون خروج هذه المبادرة إلى عالم التنمية التي يناشدها شبابنا وخريجو جامعاتنا ومعاهدنا أكثر من أي وقت مضى.
ويبدو من خلال ما تسرب عن هذه الإجراءات الإدارية هو ما يريده البعض في أن تكون المبادرة فقط مبادرة تمويلية تدار بأساليب مستوحاة من أساليب إدارة المشاريع الكبرى ومشاريع البنية التحتية، في حين أنها أطلقت لتكون مبادرة تنموية أي بمعنى آخر أرادها صاحب السمو أمير الكويت أن تعالج كل الاختلالات المزمنة التي حالت دون تطوير قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العربية، خاصة منها الصناعية، بوتيرة تطورها في مناطق أخرى من العالم.
ولمن يصر على أن تكون المبادرة مبادرة تمويلية فقط ودون الذهاب بعيدا، فما عليه إلا أن يرجع إلى تجربة عدد من الدول العربية التي قطعت شوطا في تنمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خاصة منها الصناعية التي أثبتت أن التمويل ليس هو العائق الوحيد أمام تنمية هذا النوع من المؤسسات وإنما تنميتها تتطلب حزمة من الإجراءات بتفاصيل دقيقة قد تختلف من فرع إلى آخر وتنفذ بتناغم محكم يأخذ بعين الاعتبار تنمية بيئة الأعمال وتنمية المؤسسة الإنتاجية. وفي هذا الإطار قد يكون الاسترشاد بالكتاب الأبيض لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي وضعته حكومة المملكة المغربية منذ عشرة سنوات أحد المصادر الجديرة بالدراسة.
وحتى من الناحية التمويلية فإن خطوط التمويل الخاصة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لابد أن تكون خطوطا سهلة الولوج، قريبة من المستثمر ولا تتطلب ضمانات تقليدية وإنما ضمانات ميسرة مبتكرة تتماشى وإمكانات المستثمر الصغير. وهنا أيضا لابد من الاستفادة من تجربة عدد من الدول العربية التي أنشأت مؤسسات تمويلية خاصة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تمنح جملة من القروض المتخصصة التي يحتاجها المستثمر الصغير والمتوسط في مختلف مراحل حياة مشروعه. وقد تكون تجربة الصندوق الاجتماعي للتنمية في مصر والبنك الشعبي في المغرب وبنك تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تونس من التجارب الجديرة بالدراسة أيضا. فإذا أردنا تفعيل مبادرة صاحب السمو أمير دولة الكويت بالمستوى الذي يليق بها وبمستوى الآمال التي وضعت فيها فلابد للقائمين على إداراتها الانفتاح على تجارب الدول العربية في تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأساليب تمويلها والاستفادة من هذه التجارب رغم أنها لم تحقق كل الطموح لكنها حققت الكثير في مجال تنمية الصناعات التحويلية وتشغيل الشباب وتحقيق مقاربة النوع وجلب الاستثمار للمناطق النائية فربما يساعدنا ذلك في إنارة الطريق واختزال الزمن لكي نرى ثمار مبادرة سمو الشيخ أمير دولة الكويت وتحقيق ولو جزء من الآمال المتلاشية.

د. محمد الهواري
m_m_haouari@hotmail.com