تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المظاهرات السلمية رؤية تأصيلية شرعية



busheikha
21-05-2011, 02:53 PM
المظاهرات السلمية رؤية تأصيلية شرعية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الله تعالى أقام الإنسان في الأرض خليفة له لتطبيق أحكامه، وتنفيذ أوامره، وإقامة شرعه، ومن طبيعة المجتمعات البشرية أنَّ أمورها لا تستقيم إلا أن يكون لها رأس يقودها، ويسوس أمرها، ومن هنا وجب أن يكون لكلِّ أمة حاكم يرعى شؤونها، ويقوم على مصالحها، وتكون له على أفراد أمَّته الطاعة لما من شأنه تنظيم شؤون الحياة كي لا تعمَّ الفوضى، وينتشر الخلاف.
وقد انعقد الإجماع على وجوب تولية حاكمٍ للمسلمين لما في ذلك من استتباب الأمن واستقرار البلاد، وتحقيق مصالح العباد، ولا أدلّ على ذلك من فعل الصّحابة رضي الله عنهم الذين لم يواروا رسول الله صلى الله عليه وسلم الثرى حتى اجتمعت كلمتهم على أبي بكر رضي الله عنه إماماً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إدارة شؤون المسلمين.
وللحاكم المسلم شروط كي تصحَّ إمامته، وعليه واجبات كي تستمر إمامته، وله على أمته حقوق يؤدونها إليه من طاعة بالمعروف فيما لا معصية فيه.
أما شروط الإمام كي تصحَّ إمامته فقد وُضِعتِ الإمامة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا فكان لا بد للخليفة أن يكون مسلماً، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}. والكافر ليس من المؤمنين فلا يكون ولياً لهم
ولا ولياً لأمرهم
وكذلك التكليف، والكفاية، وسلامة الحواس، والنسب القرشي، والذكورة، والعدالة،
والتحلي بالأخلاق الفاضلة، واجتناب المعاصي، والرذائل، وما يخلّ بالمروءة. وقد اشترط جمهور العلماء فيمن يُختار للخلافة والإمامة أن يكون عدلاً بعيداً عن الفسوق، وإذا طرأ الفسق وزالت العدالة بعد التولية، وانعقاد الولاية فإنَّه يخرج منها -أي ينعزل عن الولاية-. الأحكام السلطانية للماوردي: (17- 132). القواعد للعز بن عبد السلام:(1/121).

أما ما يجب على الإمام من واجبات نحو رعيته فهو
1- حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة.
2- تنفيذ الأحكام، وقطع الخصام بين المتشاجرين.
3- حماية قوة المسلمين وشوكتهم، وتأمين الأمن.
4- إقامة الحدود لِتُصان محارم الله عن الانتهاك.
5- تعيين الأمناء، وتقليد النصحاء، ممن يفوض إليهم الأعمال.
6- أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال، وغيرها من الواجبات. النظام السياسي والدستوري (ص:141). و الأحكام السلطانية: (ص16).
وبعد معرفة شروط الإمام وواجباته فلا بُدَّ من بيان أهم الحقوق التي له على رعيته والمتمثلة في أمرين اثنين:
1- حقُّ الطاعة: وهو امتثالٌ لأمره تعالى بطاعة وليّ الأمر من المسلمين بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، وهذه الطاعة مشروطة

بشرطين: أن تكون الطاعة في حدود المعروف المشروع. قال صلى الله عليه وسلم:
((السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ على الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ما لم يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فإذا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فلا سَمْعَ ولا طَاعَةَ)). صحيح البخاري:(6/2612).
2- أن تكون الطاعة في حدود الطاقة، لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}، وقال ابن عمر رضي الله عنهما:((كنّا إذا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يقول لنا: فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ)) صحيح البخاري:(6/2633).
فإذا عُلِمت شروط الإمام وواجباته، وحقّه على رعيته، فظهر من الحاكم من الأفعال ما يخالف واجباته نحو رعيته كالظلم، والجور، وتفشّي الفساد، وسرقة العباد، وإضاعة الحقوق، وهتك الحرمات، فهل يجوز الخروج عليه وعزله، وتولية الحاكم الصالح؟!!!
لا بُدَّ من بيان معنى الخروج على الحاكم كما ورد عند الفقهاء والعلماء السابقين، فإنَّ هذا البيان من الأهمية بمكان، إذ الخروج عندما يطلق في مصطلح العلماء الأقدمين فإنه يُقصَدُ به الخروج المسلَّح الذي يقتضي حمل السلاح والقتال لعزل الحاكم وتولية غيره، وهو ما تتوجَّه إليه الأدلَّة حين يُذكر مصطلح الخروج على الحاكم، وقد ذهب العلماء في حكم الخروج المسلح على الحاكم إلى قولين:
القول الأول: تحريم الخروج المسلَّح على الحاكم الفاسق الجائر مالم يظهر منه الكفر البواح الذي لا شك فيه، وقد استدلَّ أصحاب هذا القـول بأدلَّـة كثيرة منها الآيـة التي تأمـر
بطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر، وبقوله صلى الله عليه وسلم:
((إنَّه سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ برئ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ من رضي وَتَابَعَ فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قال: لَا ما صَلُّوا)) سنن الترمذي:4/529.
وبقوله صلى الله عليه وسلم:(( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا، قالوا فما تَأْمُرُنَا
يا رَسُولَ اللَّهِ قال أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ)) صحيح البخاري:(6/2588).
وبقوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله سلمة بن يزيد الجعفي عن الأمراء الذين يمنعون الناس حقوقهم:(( اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عليهم ما حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ)) صحيح مسلم:(3/1474).
وقال الإمام الطحاوي: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم...مالم يأمروا بمعصية...))
وقولهم هذا مشروط بعدم وجود الكفر البواح بأمر فيه مخالفة صريحة للكتاب، أو السنة النبوية في أمر لا يحتمل التأويل، فإن وجد ذلك كاستباحة الخمر، والزّنا، والرّبا، والحضّ عليه وتشجيعه مما يخالف ما علم من الدين بالضرورة فقد وجب الخروج والإنكار وقول الحق.
القول الثاني: جواز الخروج المسلح على الحاكم الظالم الفاسق وإن لم يكفر:
وقد جعل من قال بجواز الخروج المسلح على الحاكم الظالم الفاسق ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استدل من يقول بذلك بقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ }.
وبقوله صلى الله عليه وسلم:(( من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)) صحيح مسلم:1/69.
وبقوله صلى الله عليه وسلم: (( ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مالا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مالا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)) صحيح مسلم:1/69.
وبقوله صلى الله عليه وسلم:(( وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عن الْمُنْكَرِ أو لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا منه ثُمَّ تَدْعُونَهُ فلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ)) سنن الترمذي:(4/468).
وممن قال بجواز الخروج على الحكَّام الظلمة خروجاً مسلّحاً الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، قال الجصَّاص: ((وكان مذهبه مشهوراً في قتال الظلمة وأئمة الجور ، - يقول
أبو حنيفة-: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول فإن لم يأتمر له
فبالسيف)) أحكام القرآن للجصاص:(1/ 86).
و قال الجويني رحمه الله تعالى:(( فأمَّا إذا تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، وزال السداد، وتعطّلت الحقوق والحدود، وارتفعت الصيانة، ووضحت الخيانة، واستجرأ الظلمة، ولم يجد المظلوم منتصفاً ممن ظلمه، وتداعى الخلل و الخطل إلى عظائم الأمور،
وتعطّل الثغور فلا بد من استدراك هذا الأمر المتفاقم على ما سنقرّر القول فيه على الفاهم إن شاء الله عز وجل، وذلك أن الإمامة إنما تعني لنقيض هذه الحالة فإذا أفضى الأمر إلى خلاف ما تقتضيه الزعامة والإيالة، فيجب استدراكه لا محالة وترك الناس سدى ملتطمين مقتحمين لا جامع لهم على الحق والباطل أجدى عليهم من تقريرهم اتباع من هو عون الظالمين، وملاذ الغاشين، وموئل الهاجمين، ومعتصم المارقين الناجمين)). ينظر: غياث الأمم للجويني: (1/80).
وقد استدل من يقول بجواز الخروج المسلح على الحاكم الظالم الجائر بفعل الحسين بن علي رضي الله عنه عندما خرج على يزيد بن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وبخروج سعيد ابن جبير مع عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج بن يوسف الثقفي، والأول صحابي والثاني من كبار التابعين.
وقد أفتى مالك رحمه الله تعالى للناس بمبايعة محمد بن عبد الله بن الحسن عندما خلع الخليفة
أبا جعفر المنصور، فقال له الناس: إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على كل مكره يمين فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته. تاريخ الطبري:4/427.
وكذلك بما فعله العز بن عبد السلام في بيعه للمماليك لاختلال شرط من شروط الإمامة وهي الحرية.

وإذا نظرنا إلى كلا القولين من تحريم الخروج المسلح وجوازه فإنهم يشترطون لذلك أن يكون الحاكم مسلماً غير كافر، أو لم تظهر من أقواله أو أفعاله ما يحكم عليه بالكفر، فإن ظهر ذلك وجب الخروج المسلح عليه لمخالفته صريح القرآن والسنة بوجوب طاعة أولي الأمر من
المسلمين دون غيرهم، وقد قال تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}.
ممّا تقدّم يتبيّن لنا أنَّ ما يقوم به عامَّة الشَّعب اليوم من الخروج للمظاهرات السلميّة دون حمل للسّلاح، ولا تخريب للمتلكات العامَّة والخاصَّة بلا ضررٍ ولا أذى؛ لما يرون من انحراف في سلوك الحاكم، وترك لواجباته، وتغييب للحقّ وإعلاء للباطل، فلا يندرج تحت ما يسمى الخروج على الحاكم، وإنما يندرج تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تظاهرت النصوص الشرعية على وجوبه.
فمن النصوص القرآنية قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (( وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عن الْمُنْكَرِ أو لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا منه ثُمَّ تَدْعُونَهُ فلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ )).سنن الترمذي: (4/468).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (( من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)) صحيح مسلم:1/69.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (( لا ضرر ولا ضرار)). موطأ مالك (2/745)، وسنن الدار قطني (4/227)، وغيرهما.
وكذلك من القواعد الأصولية قولهم: (( الضرر يزال)).
وقولهم: (( يرتكب أخف الضررين لدفع أثقلهما)).
وقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو أدَّى إلى موت فاعله مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)) المستدرك على الصحيحين: 3/215.
روى الجصاص في كتابه أحكام القرآن أن إبراهيم الصائغ سأل أبا حنيفة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: هو فرض، وحدثه بحديث عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ،ورجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله)) فرجع إبراهيم إلى مرو وقام إلى أبي مسلم صاحب الدولة فأمره ونهاه، وأنكر عليه ظلمه، وسفكه الدماء بغير حق فاحتمله مراراً ثم قتله.أحكام القرآن للجصاص:1/87.
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: (( فقد ظهر بهذه الأدلة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب وأن فرضه لا يسقط مع القدرة إلا بقيام قائم به )). إحياء علوم الدين:2/312.
وقد جعل له شروطاً فقال: (( أن يكون- من يأمر بالمعروف- مكلفاً مسلماً قادراً فيخرج منه المجنون والصبي والكافر والعاجز، ويدخل فيه آحاد الرعايا وإن لم يكونوا مأذونين ويدخل فيه الفاسق والرقيق والمرأة)) إحياء علوم الدين:2/312.
ولم يشترط الغزالي أن يكون من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ألا يكون فاسقاً عاصياً ، كما تردد على ألسنة كثير من العلماء فقال: وإنما الحق أن للفاسق أن يحتسب، وبرهانه هو أن نقول هل يشترط في الاحتساب أن يكون متعاطيه معصوماً عن المعاصي كلها؟ فإن شرط ذلك فهو خرق للإجماع، ثم حسم لباب الاحتساب، إذ لا عصمة للصحابة فضلاً عمن دونهم.
قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى:(( إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد بشيء )) إحياء علوم الدين:2/ 312.
وقد اشتكى صحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاره وأنه يؤذيه، فدلَّه على علاج يفيد في تنبيه جاره بعظم إثم ما يفعل، فقال له: أخرِج متاعك فضعه على الطريق. فأخرج متاعه فوضعه على الطريق فجعل كل من مرَّ عليه، قال: ما شأنك؟ قال إني شكوت جاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أخرج متاعي فأضعه على الطريق، فجعلوا يقولون: اللهم العنه. اللهم اخزه. قال: فبلغ ذلك الرجل، فأتاه فقال: ارجع فو الله لا أؤذيك أبداً. المستدرك على الصحيحين- وقال الحاكم-: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وله شاهد آخر صحيح على شرط مسلم (4/183).
الشَّاهد في عمل هذا الصحابي من تعريف الناس بذنب جاره، وفضحه له؛ علاجاً لما يتعرض له الجار من أذى جاره.
وكذلك حال من يخرج من بيته فيعلن للناس عيوب الحاكم، وتقصيره من: فساد، ورشوة، وتكميم للأفواه، وخنق للحريات، واعتقال تعسّفي، وهدر للمال العام، ومنع تكافؤ الفرص في

العمل، وتهجيرٍ للنَّاس، وظلمٍ لهم، وإراقةٍ للدماء، إضافة إلى نشر الفاحشة والرذيلة، وقتل الفضيلة، ومكارم الأخلاق.
وكذلك فإنَّ الاعتصام في الساحات والشوارع، والمظاهرات السلمية التي تنادي بالحق والكرامة والعدالة طريقة مشروعة لا تفضي إلى ضرر أو فتنة، بل الواجب إن علم أن بفعلته هذه قد يريق دماً أو يقتل إنساناً، أن يكون آكد في الوجوب. إذ كيف لحاكم لا يستطيع أن يتقبَّل أن يسمع كلمة الحق والعمل بها أن يقبل أن يتنازل عن حكمه إن كان في ذلك منفعةً للعباد والبلاد؟
ورحم الله الجويني القائل:(( ترك الناس سدى ملتطمين مقتحمين لا جامع لهم على الحق والباطل أجدى عليهم من تقريرهم اتباع من هو عون الظالمين، وملاذ الغاشّين، وموئل الهاجمين، ومعتصم المارقين الناجمين)) غياث الأمم للجويني:1/80.

busheikha
21-05-2011, 02:54 PM
وإننا إذ نرى خلافاً في الخروج المسلح على الحاكم المسلم الظالم ، فإننا لا نرى خلافاً في الخروج المسلَّح على الحاكم الكافر، ولا في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحاكم المسلم الظالم المقصر، وإن اختلفت تلك الصور وتعددت تلك الأشكال، وإن أدَّى هذا الفعل إلى أن يُقتل من يفعله فيكفيه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بكونه سيد الشهداء.
هذا، ولعلَّ قائل يقول: إنَّ من شروط الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر ألا يترتَّب على ذلك فوات معروف أكبر، أو حصول منكر أعظم، وفي الخروج للمظاهرات السلميَّة تعريض المتظاهرين وغيرهم للاعتقال والقتل وهو منكر أعظم.
والجواب: إنَّ الاعتقال والقتل حاصل من مثل هذا النّظام الظَّالم من قَبْلِ الخروج للمظاهرات ولا أدلّ على ذلك من امتلاء السّجون بالمعتقلين المظلومين، وكذلك المجازر الكثيرة التي قام بها هذا النّظام في حماة، وحلب، والقامشلي، وجسر الشّغور، وصيدنايا، وغيرها من المدن والقرى السوريّة، وإذاً فالاعتقال والقتل حاصل من قَبْلِ المظاهرات، ولكن لم يكن معروفاً للعالم كما هو اليوم، ثمَّ إنَّ الاعتقال والقتل يحصل في المظاهرات السلميّة إذا كان عدد المتظاهرين قليلاً، ولو أنَّ النّاس خرجوا جميعاً لما حَصل الاعتقال والقتل فالواجب اليوم أن يخرج النَّاس جميعاً لمنع الاعتقال والقتل وإنَّ المنكر كلّ المنكر في التّقاعس عن الخروج ونصرة المظلومين في درعا، وغيرها.
وإنَّ من نافلة القول أنّه لو لم يخرج النّاس اليوم للمظاهرات السلميَّة، ولم ينصروا إخوانهم المظلومين في القرى والمدن السوريّة فلسوف يقوم النّظام في المستقبل – في حال استمراريته- باعتقال المتظاهرين واحداً واحداً وإيذائهم وتعذيبهم وقتلهم.
خلاصة القول:
إنَّ المظاهرات السلميّة، والاعتصام في الشَّوارع، والسَّاحات العامَّة، هو وسيلة حضاريَّة من وسائل المطالبة بالحقوق، وهو نوعٌ من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو واجبٌ على الكفاية، ولكن تعرّض الذين يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وهم المتظاهرون سلميّاً بطبيعة الحال- للاعتقال والتّعذيب والقتل يستوجب من النَّاحية الشرعيَّة نصرتهم، والوقوف إلى جانبهم، والخروج معهم -على جميع القادرين على ذلك- لتكثير

سوادهم، و امتثالاً لقول الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}، ولقوله
صلى الله عليه وسلّم: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أو مَظْلُوماً. قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ: هذا أَنْصُرُهُ مَظْلُوماً فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ إذا كان ظَالِماً؟ قال: تَحْجُزُهُ تَمْنَعُهُ فان ذلك نَصْرُهُ)). صحيح البخاري (2/863)، ولقوله صلى الله عليه وسلّم: (( ما مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِماً عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فيه حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِهِ إلا خَذَلَهُ الله عز وجل في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصْرَتَهُ، وما مِنِ امرأ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِماً في مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فيه من حُرْمَتِهِ إلا نَصَرَهُ الله في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصْرَتَهُ. أخرجه أبو داود وأحمد،وغيرهما، وهو حديث حسن، ولقوله
صلى الله عليه وسلَّم-:((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ كان الله في حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ)). متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (2/862)، ومسلم في صحيحه (4/1996).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين