لعديد
24-05-2011, 08:54 AM
الذكاء والدهاء ..... كثيراً ما تمرهذه الكلمتين على مسامعنا ........ وما أكثر ما يوصف أناس بأنهم أذكياء وأخرين بأنهم أصحاب دهاء ..... فهل تساءلنا مرة مالذي تعنيه هذه الكلمتين ؟ وما الفرق بينهم ؟
وهل هي قدرة عقلية تولد عند كل إنسان ولا يمكن تغييرها أو تنميتها ؟
نترككم مع مقال الكاتبة سارة الخاطر
صناعة الذكاء وقوة الدهاء
نعود مرة أخرى إلى بلاغيات القرآن الكريم وقدرة اللغة العربية بكل علومها على تفسير معظم القضايا القرآنية.
في حقيقة الأمر إن القدرات العلمية والمهارية تجعل من الآخرين يطلقون على من يقف أمامهم أنه ذكي. والذكاء جزء منه فطري وراثي، تكون وراثته من جانب الأم أقوى، لذلك كان العرب يصرون على اختيار الزوجة (الأم) والتي يجتمع فيها كثير من الصفات، والجزء الآخر منه مكتسب، حيث تؤثر فيه العوامل الاجتماعية والاقتصادية والعلمية.
والذكاء أيضا سلاح ذو حدين الحد الأول يعتمد على استخدامه في الخير، والحد الآخر يعتمد على استخدامه في الشر، ويسمى بالمكر والدهاء، وهو أي الذكاء صناعة قوية تعتمد على شفافية الروح وتدريب العقل وقوة المعتقد، وبالتالي قوة الحجة والمنطق، ولذلك نجد أن الكثير من الكتب الغربية التي تحدثت عن صناعة الذكاء وحتى العربية أوجدت تدريبات عقلية وذهنية للوصول بالإنسان لمرحلة ما.
وإذا تأملنا في القرآن الكريم سنجد أنه أشد الكتب إشارة لهذا الفن، بل وساعد على تعميقه بقوله جل من قال "أفلا يتدبرون".. "أفلا يتفكرون" لأنها كلها وسائل تعطي العقل مساحات كبرى للتفكير، واستجماع آراء ملهمة عن الكون وتمده بالقدرة على مجابهة الحياة، ولو دققنا سنجد نبي الله إبراهيم عليه السلام رائد هذه المدرسة في صناعة الذكاء، فقد امتدحه الله كثيرا وفي أكثر من موضع وصفه بأنه (رجل بأمة) حيث تتعلم منه أشهر النظريات دون أن تكون منظرة، فقد كانت طريقته منهجية في التفكير في دعوته، حيث سلك سبلا تدفعك للتأمل، ثم يأتي بعد ذلك ليقنعك بحجة بالغة في عدم إمكانية أن الشمس أو القمر إله يعبد، وبعدها ينتقل معك إلى عمق بعيد قال تعالى "قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون"، وإذا وفقنا في فهم الآية سنجد أنفسنا أمام أهم قاعدة يتعلم منها الذكاء، وهي القدرة على لفت النظر إلى الحدث يعقبها إثارة التساؤلات، يعقب ذلك ظهور الإجابة من الخصم لا منك.
هذا النوع من الذكاء يعتمد على قوة الإيمان والمعتقد، فتقوى بالتالي الحجة، لذلك نجد أن معظم العلماء المسلمين يأتون بإجابات نعتبرها في قمة العبقرية ولكن..
هل تساءلنا لماذا؟
هو أمر يرتبط بأصحاب العقول الكبيرة، لأنهم استطاعوا استيعاب كل خطوط القرآن، ويستلهمون تلك الطريقة في التفكير، والتي جعلت رجالاً من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد عباقرة لا ينساهم التاريخ.
إذا فقراءة متأنية لكتابنا الخالد نخرج منها وقد توقد عقلنا، وأصبحنا على أهبة الاستعداد للإجابة على أي سؤال، وسأذكر هذه الحادثة والتي تحمل في طياتها روح الدعابة في حين أنها اعتمدت على قوة العقل في تحليل الأمور. سأل مستشرق أحد المسلمين أتجدون اسمي عندكم في القرآن وأنتم تقولون إن فيه كل شيء؟
فسأله المسلم: ما اسمك؟ فرد: كوك، فقال المسلم نعم نجده في سورة الحج "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما"، فتركوك لو حذفنا حرفي التاء والراء لأصبحت كوك. إذا اعتقدنا أنها إجابة غير صحيحة فالرجل على يقين بأن جل غاية المستشرق هي الاستهزاء به وبدينه، فأراد تلقينه درسا بعدم التطاول على قرآنه الخالد الذي فيه كل شيء.
وإذا استعرضنا قول الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز "ما تاقت نفسي إلى شيء إلا وحصلت عليه، تاقت نفسي إلى فاطمة فتزوجتها، وإلى الخلافة فحصلت عليها، والآن تتوق نفسي إلى الجنة". ألا تذكركم هذه العبارة بكتاب السر للكاتبة روندا بايرن والذي بيعت منه ملايين النسخ في الغرب، والذي فسر أن الإنسان إذا تملكته رغبة ما اتجاه شيء فإنها تتحقق له لأنها وبكل بساطة تصبح جزءا منه ومن أهدافه، فلا مصباح سحري ليتزوج فاطمة بنت الخلفاء، ولا مارد مصباح ليحملها إليه يقول جون أساراف في كتاب السر (يمكننا أن نحظى بما نختار مهما كان ولا يهمني مدى ضخامته).
وهذا ما يميز الغرب عنا، هم قرؤوا خطوطنا العلمية أفضل منا وصدروها مرة أخرى لنا.
ثم ننتقل إلى قوة المكر والدهاء وهي ناحية متطورة من الذكاء ولكن في الشر، لذلك قال تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، ويقول المغيرة بن شعبة لولا أنني سمعت رسول الله يقول المكر والدهاء في النار، لملأت الجزيرة مكرا ودهاء. والبشر اليوم يتباهون أنهم على قوة من المكر والدهاء ونسج الحيل والمؤامرات، ويبتسمون لأنهم حققوا انتصارا، ونسوا أنها نفس الابتسامة ارتسمت على شفاه إبليس عندما أخرج آدم من الجنة، وهو انتصار مؤقت مثل انتصار أستاذهم الذي أمدهم بهذه الحيل، ولنتذكر أن المكر والدهاء نحتاج إليه في الحروب فقط، ويبدو أن كثيراً من الناس اعتبروا الحياة بكل ما فيها جبهة قتالية لا بد من استعراض مهاراتهم فيها، ولكن يظل الانتصار لذلك الذي واجه الكون بقوة معتقده لا بقوة خديعته.
تحياتي للجميع سأتناول في مقالي القادم قضية الكفر ورائدها إبليس.
وقفة:
نبارك لعميد الكتاب القطريين العملاق ناصر العثمان لحصوله على جائزة الصحافة العربية، ونقول له نحن جيل يعتز بأنه تربى على كتاباتكم والتي ملأها الكثير من الصدق والحنكة والحيادية.
منقول عن جريدة العرب
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=189227&issueNo=1255&secId=16
وهل هي قدرة عقلية تولد عند كل إنسان ولا يمكن تغييرها أو تنميتها ؟
نترككم مع مقال الكاتبة سارة الخاطر
صناعة الذكاء وقوة الدهاء
نعود مرة أخرى إلى بلاغيات القرآن الكريم وقدرة اللغة العربية بكل علومها على تفسير معظم القضايا القرآنية.
في حقيقة الأمر إن القدرات العلمية والمهارية تجعل من الآخرين يطلقون على من يقف أمامهم أنه ذكي. والذكاء جزء منه فطري وراثي، تكون وراثته من جانب الأم أقوى، لذلك كان العرب يصرون على اختيار الزوجة (الأم) والتي يجتمع فيها كثير من الصفات، والجزء الآخر منه مكتسب، حيث تؤثر فيه العوامل الاجتماعية والاقتصادية والعلمية.
والذكاء أيضا سلاح ذو حدين الحد الأول يعتمد على استخدامه في الخير، والحد الآخر يعتمد على استخدامه في الشر، ويسمى بالمكر والدهاء، وهو أي الذكاء صناعة قوية تعتمد على شفافية الروح وتدريب العقل وقوة المعتقد، وبالتالي قوة الحجة والمنطق، ولذلك نجد أن الكثير من الكتب الغربية التي تحدثت عن صناعة الذكاء وحتى العربية أوجدت تدريبات عقلية وذهنية للوصول بالإنسان لمرحلة ما.
وإذا تأملنا في القرآن الكريم سنجد أنه أشد الكتب إشارة لهذا الفن، بل وساعد على تعميقه بقوله جل من قال "أفلا يتدبرون".. "أفلا يتفكرون" لأنها كلها وسائل تعطي العقل مساحات كبرى للتفكير، واستجماع آراء ملهمة عن الكون وتمده بالقدرة على مجابهة الحياة، ولو دققنا سنجد نبي الله إبراهيم عليه السلام رائد هذه المدرسة في صناعة الذكاء، فقد امتدحه الله كثيرا وفي أكثر من موضع وصفه بأنه (رجل بأمة) حيث تتعلم منه أشهر النظريات دون أن تكون منظرة، فقد كانت طريقته منهجية في التفكير في دعوته، حيث سلك سبلا تدفعك للتأمل، ثم يأتي بعد ذلك ليقنعك بحجة بالغة في عدم إمكانية أن الشمس أو القمر إله يعبد، وبعدها ينتقل معك إلى عمق بعيد قال تعالى "قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون"، وإذا وفقنا في فهم الآية سنجد أنفسنا أمام أهم قاعدة يتعلم منها الذكاء، وهي القدرة على لفت النظر إلى الحدث يعقبها إثارة التساؤلات، يعقب ذلك ظهور الإجابة من الخصم لا منك.
هذا النوع من الذكاء يعتمد على قوة الإيمان والمعتقد، فتقوى بالتالي الحجة، لذلك نجد أن معظم العلماء المسلمين يأتون بإجابات نعتبرها في قمة العبقرية ولكن..
هل تساءلنا لماذا؟
هو أمر يرتبط بأصحاب العقول الكبيرة، لأنهم استطاعوا استيعاب كل خطوط القرآن، ويستلهمون تلك الطريقة في التفكير، والتي جعلت رجالاً من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد عباقرة لا ينساهم التاريخ.
إذا فقراءة متأنية لكتابنا الخالد نخرج منها وقد توقد عقلنا، وأصبحنا على أهبة الاستعداد للإجابة على أي سؤال، وسأذكر هذه الحادثة والتي تحمل في طياتها روح الدعابة في حين أنها اعتمدت على قوة العقل في تحليل الأمور. سأل مستشرق أحد المسلمين أتجدون اسمي عندكم في القرآن وأنتم تقولون إن فيه كل شيء؟
فسأله المسلم: ما اسمك؟ فرد: كوك، فقال المسلم نعم نجده في سورة الحج "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما"، فتركوك لو حذفنا حرفي التاء والراء لأصبحت كوك. إذا اعتقدنا أنها إجابة غير صحيحة فالرجل على يقين بأن جل غاية المستشرق هي الاستهزاء به وبدينه، فأراد تلقينه درسا بعدم التطاول على قرآنه الخالد الذي فيه كل شيء.
وإذا استعرضنا قول الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز "ما تاقت نفسي إلى شيء إلا وحصلت عليه، تاقت نفسي إلى فاطمة فتزوجتها، وإلى الخلافة فحصلت عليها، والآن تتوق نفسي إلى الجنة". ألا تذكركم هذه العبارة بكتاب السر للكاتبة روندا بايرن والذي بيعت منه ملايين النسخ في الغرب، والذي فسر أن الإنسان إذا تملكته رغبة ما اتجاه شيء فإنها تتحقق له لأنها وبكل بساطة تصبح جزءا منه ومن أهدافه، فلا مصباح سحري ليتزوج فاطمة بنت الخلفاء، ولا مارد مصباح ليحملها إليه يقول جون أساراف في كتاب السر (يمكننا أن نحظى بما نختار مهما كان ولا يهمني مدى ضخامته).
وهذا ما يميز الغرب عنا، هم قرؤوا خطوطنا العلمية أفضل منا وصدروها مرة أخرى لنا.
ثم ننتقل إلى قوة المكر والدهاء وهي ناحية متطورة من الذكاء ولكن في الشر، لذلك قال تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، ويقول المغيرة بن شعبة لولا أنني سمعت رسول الله يقول المكر والدهاء في النار، لملأت الجزيرة مكرا ودهاء. والبشر اليوم يتباهون أنهم على قوة من المكر والدهاء ونسج الحيل والمؤامرات، ويبتسمون لأنهم حققوا انتصارا، ونسوا أنها نفس الابتسامة ارتسمت على شفاه إبليس عندما أخرج آدم من الجنة، وهو انتصار مؤقت مثل انتصار أستاذهم الذي أمدهم بهذه الحيل، ولنتذكر أن المكر والدهاء نحتاج إليه في الحروب فقط، ويبدو أن كثيراً من الناس اعتبروا الحياة بكل ما فيها جبهة قتالية لا بد من استعراض مهاراتهم فيها، ولكن يظل الانتصار لذلك الذي واجه الكون بقوة معتقده لا بقوة خديعته.
تحياتي للجميع سأتناول في مقالي القادم قضية الكفر ورائدها إبليس.
وقفة:
نبارك لعميد الكتاب القطريين العملاق ناصر العثمان لحصوله على جائزة الصحافة العربية، ونقول له نحن جيل يعتز بأنه تربى على كتاباتكم والتي ملأها الكثير من الصدق والحنكة والحيادية.
منقول عن جريدة العرب
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=189227&issueNo=1255&secId=16