المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متلازمة الاستهلاك وآثارها الجانبية



saeed2005
22-06-2011, 11:41 PM
بقلم - عبدالله السويجي
الاستهلاك ليس نمط حياة فقط، وإنما أسلوب تفكير، وليس مجرد تبذير، وإنما هدر للإمكانيات المالية والمادية والموارد الطبيعية، وهو يعكس رغبة في الاستحواذ على كل شيء والتعامل معه بلامبالاة تقود إلى خلخلة في القيم والأفكار والثقافة والشخصية الوطنية،حتى يتحول إلى مرض اجتماعي ويمكن تسميته بمتلازمة الاستهلاك .
يحدث هذا في المجتمعات الغنية والفقيرة، فالاستهلاك أنواع وأنماط وأشكال، هناك الاستهلاك المادي، والفكري، والقيمي، وينم عن عدم الثبات على موقف أو الالتزام بسياسة أو التمسك بإدراك معين . وهذه المتلازمة، إن صح التعبير، استشرت في العقدين الأخيرين حتى باتت تشكل مظهراً من مظاهر الحياة في الوطن العربي، وكل ذلك يمكن إرجاعه إلى الاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر، والاهتمام بالشكل على حساب المحتوى، وكأن الإنسان يقوم بهذه العملية ليس ليرضي نفسه ولكن ليرضي الآخرين ويحصل بالتالي على كلمة إطراء من هنا أو هناك، أو ليرسم شخصية معينة يشار إليها بالبنان ويضرب بها المثل، بعد أن كان يضرب المثل بقيم أخرى، مثل الشجاعة والكرم والصدق والأمانة والإخلاص والإقدام والنخوة وحفظ البيوت والإيمان وغيرها .
وغالباً ما يكون هذا النمط في البلدان غير المنتجة، التي تستورد مأكلها وملبسها ووسائل اتصالها ومواصلاتها وأنظمة تعليمها وإدارتها وأسلحة جيوشها وفكرها من غيرها، وتقوم باستهلاكها بطرائق شتى . فالدول المنتجة تدرك تماماً قيمة ما تنتجه، لأنها تعلم علم اليقين قيمته الحقيقية، وتعلم الدورة التي استغرقتها حتى يصل هذا المنتج إلى يد المستهلك، ويدرك كل فرد أنه شارك مشاركة فعالة في حجم الإنتاج ووسائله ومواده الخام، وبالتالي، فهو لا يستهلك الماء والبنزين والغذاء إلا حسب احتياجاته وقدرته على توفيره وتوفير ثمنه، ولا يستهلك وسائل الاتصال إلا في إطار الهدف الذي اخترعت من أجله . فمن الصعب أن تجد في الدول المنتجة للهاتف الجوال أناساً يمتلكون جهازين أو ثلاثة أجهزة، ومن الصعب أن تجده في أيدي الأطفال أو حتى المراهقين، ومن الصعب أن تجد من يقتني سيارتين أو ثلاث سيارات، على الرغم من سهولة الحصول على هذه الأجهزة وتلك المركبات، وعلى الرغم من كل الإغراءات والعروض المقدمة . فمثلاً، يقدمون إغراءات بعدد وحدات الهاتف، وفي دول أخرى يعطونك الهاتف ذاته، أو السيارة أحياناً، وعلى الرغم من ذلك، فإنهم ينظرون إلى الآثار الجانبية للاستخدام المفرط لأي منتج كان . فعلى سبيل المثال، يعلمون أن استخدام السيارات بشكل مكثف سيقود إلى التلوث، ويدركون أن الغازات المنبعثة من عوادم السيارات تؤثر في ثقب الأوزون الذي يؤثر بدوره في ظاهرة الاحتباس الحراري، وما ينتج منها من تغير في المناخ، ولهذا يسهم الفرد في سلوكه اليومي غير الاستهلاكي في حل القضايا البيئية العالمية، كما يعلم الناس في الدول المتحضرة الواعية، أن استخدام أكياس البلاستيك يؤدي إلى التلوث الطبيعي أيضاً، فيلجأون إلى استخدام الأكياس الورقية، بل البعض يحمل سلالاً يضعون فيها مشترياتهم، بينما نحن نستخدم أكياس البلاستيك بطريقة عجيبة، ولا نقوم بتدويرها أو التخلص منها بطرائق علمية، على الرغم من كل الحملات الإرشادية وبرامج التوعية بأن هذه الأكياس لا تذوب وتبقى في الطبيعة لتبعث الغازات السامة التي تشكل مخاطر جمة على صحة الفرد . وقس على ذلك منتجات أخرى عديدة، كتفضيل الناس استخدام الحافلات العامة (المواصلات العامة)، بدلاً من السيارات، ليس لأنها رخيصة، ولكن لأنها تجنب المدينة الازدحام والاختناق المروري وتسهم في منع الاحتباس الحراري .
وعلينا أن ندرك أن الاستهلاك الذي يزيد على حده في مكان ما، يحرم أناساً منه في مكان آخر، قد يكونون في حاجة ماسة إليه، وهناك إحصائيات عديدة عن المواد الغذائية التي ترمى في صناديق القمامة في اليوم الواحد، يمكنها أن تسد رمق آلاف الناس في أماكن أخرى فقيرة في العالم .
المسألة إذاً وصلت إلى حد الأزمة، أزمة في الوعي، وأزمة في الإدراك، وأزمة في القيم، وأزمة في الدين، فالاستهلاك غير المدروس يقرّب الإنسان من التبذير، والمبذرون إخوان الشياطين، ولا ندري إن كان المستهلكون يتذكرون هذه الآية وهم يقومون بممارسة هذه العادة السيئة، وينقادون انقياداً أعمى لهذا المرض، غير مبالين بنتائجة الاقتصادية أو الأخلاقية أو الدنيوية وما بعد الدنيوية .
لقد وصل الأمر في الاستهلاك إلى التعليم في كثير من الأماكن، استهلاك المناهج التعليمية، ولمزيد من التوضيح، نقول إن تغيير المنهج مرتين خلال العام ينم عن سوء تخطيط وإدارة، ويعبر عن رؤية ضيقة لحاجات الجيل، وبالتالي فهو استهلاك خطر ضحيته الأجيال الصاعدة، فالانتقال من منهج باللغة العربية إلى منهج باللغة الإنجليزية، ثم العودة إلى العربية، هو استهلاك يقترب من العبث، وليس له علاقة بالجهود التطويرية، وإنما له علاقة بالاهتمام بالشكل والمظهر على حساب المضمون والجوهر والمحتوى، وهذا يقودنا إلى الفكرة التي بدأنا بها مقالنا، أي الاستهلاك للظهور والتباهي والانتشار الإعلامي أو تلبية لرغبة شخصية فردية أو رغبة الآخر لنستهلك منتجاته .
هل نحن في حاجة إلى إعادة وضع برامج إرشادية وحملات توعية تعيد ترتيب أولوياتنا وتعيد الاعتبار إلى قيمنا من جديد؟ يبدو الأمر كذلك، وهذه العملية تحتاج إلى خطة استراتيجية عميقة ومكثفة، تحض على الاستخدام الأمثل للإمكانيات والموارد الطبيعية، كما تشجع على اتباع سلوكيات حضارية وإنسانية ووطنية، وبالتالي، سلوكيات تتعلق بالمستقبل وأجياله، فالترشيد ليس عملية توفير من أجل الحاضر، وإنما عملية الحفاظ على الموارد من أجل الديمومة، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة .
إن هذه العملية تتطلب إعداد كوادر بشرية متميزة ترافقها قوانين ملزمة . وحين نقر قوانين مثل عدم تجديد الإقامة أو جواز السفر إلا بالحصول على الهوية الوطنية، علينا أن نفكر في قوانين أخرى جوهرية ذات صلة بهذه الهوية الوطنية، التي لا يمكن أن تكون في كل معانيها مجرد بطاقة يتم الحصول عليها بتوفير مجموعة من الأوراق، وهذا أمر غير يسير بالطبع، ويحتاج إلى خبراء قادرين على استنباط القانون ذي الصلة، وتطبيقه، حتى لا يتحول الإنسان إلى آلة وشكل ومظهر، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وليس العمل هو تمضية سبع ساعات أو أكثر في الدوام، بل بالإنتاج، إذ يُسأل الإنسان عن عمره فيمَ أفناه؟ والعمر هو البضاعة ورأس المال، فمن ضاعت بضاعته، وانتهى رأس ماله من دون أن يحقق الربح، فهو من الخاسرين، ترى كيف أفنينا أعمارنا في مجتمعات تستهلك ما تستورد وليس ما تنتج؟

* نقلاً عن صحيفة الخليج .

بايع بايع
24-06-2011, 07:31 AM
الله المستعان