شمعة الحب
10-05-2006, 09:26 PM
البورصات الخليجية من قنوات استثمارية إلى حلم مزعج!
نبيل بن عبد الله المبارك - 12/04/1427هـ
عاشت البوصات العربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة عصرها الذهبي التي أصبحت فيه البقرة الحلوب لنسبة كبيرة من سكان الخليج العربي بحيث أضحت عمل وحياة الجميع وتعطلت كل النواحي الاقتصادية بشكل واضح وصريح، الأمر الذي استدعى العديد من الرموز القيادية إلى التنبيه إلى تفاقم المشكلة، وأن نسبة التغيب عن العمل أو التركيز على المضاربة في الأسهم من خلال الإنترنت أصبحا ظاهرة في القطاع العام بشكل خاص وقطاع التعليم على وجه أخص. ورغم أن الشركات التي تمثلها تلك البورصات لا تشكل نسبة كبيرة من اقتصاديات تلك البلدان. وإذا أخذنا السوق السعودي على وجه التحديد نجد أن المشكلة أعمق، حيث لا يوجد في البورصة السعودية سوى 77 شركة فيما أن عدد الشركات المسجلة لدى وزارة التجارة يتجاوز 12 ألف شركة خاصة, مما يعني فقدان العمق الاستراتيجي لهذه البورصات من ناحية علاقتها بالاقتصاديات الخليجية. كما أن عدد الأسهم المتداولة لهذا العدد المحدود من الشركات لا يتجاوز 40 في المائة من عدد الأسهم المصدرة لتلك الشركات المساهمة، حيث لا تزال الدولة تسيطر على العدد الأكبر من تلك الأسهم، إضافة إلى المستثمرين الاستراتيجيين.
من خلال هذه الصورة السريعة ومن خلال معرفتنا بحقيقة أخرى وهي أن نسبة 90 في المائة من المحافظ تتم إدارتها بشكل مباشر من خلال الأفراد المالكين لتلك المحافظ, مع علمنا بالمستويات المهنية لشريحة كبيرة من هؤلاء المستثمرين الذين أضحوا مضاربين بين عشية وضحاها، تصبح الصورة أشد ضبابية وتعقيدا. وقد تحدثنا منذ سنتين عن أن لدينا مشكلة كبيرة يجب عدم التقليل من أهميتها، حيث كلما تفاقمت المشكلة كانت الحلول أصعب وأكثر مرارة لشريحة كبيرة من المجتمع، خصوصا صغار المضاربين الذين يلعبون بالنار ولا يدركون حجم المخاطر التي تحيط بهم, خصوصا أولئك الذين يضاربون برؤوس أموال هي كل ما يملكون لهم ولمن يعولون.
وقد حذرنا من تلك الصورة الضبابية وقلنا إن ما يحدث لا بد أن يحدث كارثة لها تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية وقد تكون مقلقلة حتى على الجانب السياسي إذا, لا سمح الله, تحولت المشكلة إلى جانب أمني على مستقبل تلك الأعداد التي سوف لن تقف تتفرج على أموالها تذهب أدراج الرياح مهما علت أصوات حرية الأسواق، حيث إن غالبية مواطني الخليج اعتادوا على دول الرعاية وتحمل الهموم عن المواطنين حتى في قراراتهم الاقتصادية، حتى إن البعض اتهمنا بالنظرة السوداوية وقالوا إن المؤشرات الاقتصادية كلها تشير إلى أن الأمور بخير ولا يوجد داع لكل هذا القلق. وقد وصل الأمر إلى أن البعض طالب بعدم السماح لنا بالظهور والكتابة بهذا الشكل لأنها تسبب القلق والإرباك للمستثمرين، ولكن الأسواق لم تمهلنا كثيرا، حيث دون سابق إنذار على الأقل لمن لم يصدقوا ما ذهبنا إليه تراجعت في الخليج خلال أسبوع واحد بنسب وصلت في بعضها إلى 20 في المائة، والسوق السعودي بنسبة زادت قليلا على 10 في المائة، ولولا أن هيئة سوق المال قللت من نسبة التذبذب المسموح بها إلى 5 في المائة فقط، لكان من الممكن مشاهدة التراجع يفوق 20 في المائة أو أكثر حيث شاهدنا في أحد الأيام أن المعروض 100 في المائة فيما المطلوب 0 في المائة. وهي حالة شبه استثنائية لم تكن بالنسبة لي شخصيا مستغربة، حيث إن السهم وكما كررناه أكثر من مرة هو في النهاية سلعة لها قيمة وعندما يتعدى قيمته فإنه من الطبيعي ألا يشتريه أحد، خصوصا إذا ما تجاوزت هذه القيمة الحدود القصوى إلى أرقام فلكية لأسهم شركات لو تم تقييمها بشكل علمي لما استحقت ربع أو عشُر رأسمالها المدفوع، وحسب نظام الشركات كان يجب إعلان إفلاسها منذ زمن طويل، فيما أسعار أسهمها تجاوزت الألفين والخمسة آلاف ريال للسهم.
والسؤال هو: ما سبب هذه المشكلة وما الحلول؟
أعتقد أن المشكلة بدأت عندما فتح سوق الأسهم للمواطنين وذلك من خلال الاكتتابات الأولية للشركات التي تم تخصيصها أو تأسيسها مع إقفال جميع القنوات الأخرى إما بشكل رسمي أو من خلال المعوقات الموروثة أو المتوارثة، ولكن نسينا أو تناسينا أن نقول لهم كيف يستثمرون وبأي أسلوب حتى يحافظوا على مدخراتهم التي يفترض أن الهدف كان تنميتها وتوظيفها في خطط التنمية المستدامة! لا حرقها من يد الأغلبية وتركيزها في يد الأقلية الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف وكيف تورد الإبل كما يقال. وبهذا فتحنا الأبواب والنوافذ للدخول قبل انتهاء بناء البيت الذي يجب أن يكون متكاملا حتى يمكن لنا القول إن لدينا أسواقا مالية وبورصات هي على أرض الواقع فقط قناة لبيع وشراء الأسهم دون هدف استراتيجي وبلا منطق أو عقل. كذلك اعتقدنا أن مجموعة من الأنظمة الآلية كفيلة أن تكون بورصات مالية فاعلة ومتفاعلة، وتم فعلا الاستثمار في التقنية بمئات الملايين وأصبحنا ننفذ عمليات بيع وشراء بكل يسر وسهولة بشكل آلي حتى أصبح من لا يعرف في الأنظمة يتعجب إذا ما تأخر تنفيذ طلبه بشكل سريع. والأدهى والأمر أن هيئات أسواق المال التي هي الأساس في البناء لم تكمل عامين من تاريخ تأسيسها، أعتقد ألا أحد في هذه البورصات تمنى أن تكون ولادتها في هذا التوقيت بالذات، حيث ولدت في أصعب الأوقات، ولكن ولله الحمد ولدت والجنين لا يزال يحاول تلمس خطواته الأولى رغم أن المطلوب منها (أي هيئات سوق المال) سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أن تمشي، بل تجري بسرعة الريح حتى يمكن أن تدرك ما يمكن تداركه.
وعليه يمكن تلخيص المشكلة وحلها في تحديد والتأسيس بشكل علمي مدروس للركائز الأربع الرئيسة التي تحتاج إليها البورصات المالية وهي أعمدة رئيسية لا تقل أهمية أي ركيزة عن الأخرى ويجب عدم التركيز على إحداها دون الأخرى. وتلك الركائز هي على النحو التالي:
1 ـ العمود الأول: هيئة سوق مال مهنية ومتمرسة: كما قلنا كانت ولادة هيئة سوق المال متأخرة، ولكنها ولله الحمد ولدت وهي تحتاج إلى أن تكون قادرة على إدارة السوق وتحقيق العدالة, وأيضا يجب أن يكون لأعمالها بعد اقتصادي يتماشي مع الاستراتيجية الاقتصادية للبلد وخطط التنمية بحيث تكون قادرة على التوسيع أو الحد حسب الحالة الاقتصادية، خصوصا في الأسواق الناشئة التي تحتاج إلى دور أكبر من الجهات الحكومية بحكم طبيعة مثل تلك الاقتصاديات وبحكم عدم إمكانية تركها للمعادلات الاقتصادية من عرض وطلب لأسباب عديدة ليس المجال لذكرها الآن. وأعتقد أن أهم تحد يواجه هيئات أسواق المال هو إيجاد الكفاءات الوطنية التي تستطيع إدارة دفة الأسواق المالية, التي يجب أن تتعدى مفهوم إصدار الأسهم وعمليات البيع والشراء إلى إيجاد سوق مالي متقدم بالمفهوم الدولي لهذه الأسواق.
2 ـ العمود الثاني: شركات ذات عمق اقتصادي قوي ومستويات شفافية عالية, كما قلنا, وعلى سبيل المثال يوجد في السوق السعودي الذي يمثل أكبر مصدر للنفط في العالم ومنذ أكثر من ثلاثة عقود فقط 77 شركة مساهمة عامة، فيما السوق الهندي الذي يعتبر بمقاييس الدخل أقل بكثير منا يوجد فيه أكثر من خمسة آلاف شركة يتم تداول أسهمها, ورغم ذلك العدد المحدود جدا فإن مستويات الشفافية شبه معدومة ومضللة كذلك إما بحسن نية وإما عن سابق إصرار وترصد وهو بسبب تداخل المصالح الشخصية لبعض مسؤولي الشركات مع المستثمرين في سوق الأسهم. ويعتبر هذا التحدي آخر لهيئات سوق المال التي من أهم مسؤولياتها توفير مستويات شفافية عادلة لجميع المستثمرين.
3 ـ العمود الثالث: مؤسسات إعلامية وصحافية متخصصة في الشأن الاقتصادي: طبعا لا تلام الجهات الإعلامية من صحافة أو تلفزيون أو إذاعة على ما حدث، ولكنها مطالبة بأن تكون في مستوى الحدث، لأن الشأن الاقتصادي ولأول مرة في الخليج أصبح شأنا شعبيا ولم يعد شأن الخاصة، وفي الأسواق العالمية تعتبر الوسائل الإعلامية حلقة الوصل بين جميع الأطراف سواء الشركات أو المستثمرين أو الجهات الرسمية، حيث تعمل بشكل مستقل على كشف الحقائق حول الاستثمار وحول الشركات وما يدور داخلها وحولها لتوضيح الصورة للمستثمرين من خلال توظيف الكفاءات الاقتصادية المهنية التي تساعد على إعطاء الصورة السليمة. وبكل أسف فقد استغلت تلك الوسائل الإعلامية خلال السنتين الماضيتين وبكل حسن نية منها في توجيه المستثمرين البسطاء إلى أسهم معينة أو قرارات محددة من قبل من يدعون التحليل والاستشارية وهم يعملون لصالح جهات معينة أو يديرون محافظ محددة ذات أهداف شخصية, حتى إنه وخلال التراجع الحاد خلال الأسبوع الماضي خرج على بعض القنوات وفي الصحف من يدعي أن هناك تغيرات إدارية مهمة سوف تصدر فيما يخص إدارة هيئة سوق المال نتيجة غضب المضاربين الكبار (هوامير السوق كما يطلق عليهم) من قرارات الهيئة والتي ساعدت بلا شك على التقليل من حدة التراجع بعد تخفيض نسب التذبذب وبعد إيقاف عدد من المتلاعبين في السوق, والذين لا يلامون لأنه أصبح ما يفعلونه جزءا من أعمالها اليومية، وطريقتهم المشروعة في الكسب المهول.
4 ـ العمود الرابع: مستثمر واع ومثقف وشركات وساطة متطورة: قلنا في مقدمة هذا المقال إن أحد الأخطاء التي وقعنا فيها إننا قلنا للمواطنين أن يستثمروا في سوق الأسهم ولم نعلمهم كيف يستثمرون، حيث وجد هؤلاء أن هذا السوق بقرة حلوب ولا تحتاج إلى معرفة في طريقة حلبها، ولكنهم نسوا أن ما يأتي بسهولة يذهب بسهولةEasy come, Easy Go. أعتقد أن من المسؤولية التي تقع على عاتق الوسائل الإعلامية أن تساعد البلد على زيادة مستوى الثقافة الاستثمارية وتوعية العامة بمخاطر الاستثمار المباشر والمضاربة والعمل على توجيهم إلى الجهات التي يجب الإسراع في تفعيل دورها وهي شركات الوساطة التي يجب أن تقوم بالاستثمار عن المستثمرين أنفسهم وعدم ترك أسواق مالية تدار من قبل فئات شعبية هي لا تدرك ما معنى الأسهم والأسواق المالية بقدر ما ترغب في استثمار مدخراتها صغرت أم كبرت لتوفير عوائد مجزئة لها ولمستقبل أبنائها على أسس علمية ومهنية سليمة.
في الختام أعتقد أنه ودون تلك الركائز الأربع التي أشرنا إليها فإن المخاطر سوف تزداد واحتمالية تكرار التراجعات مؤكدة وقد حدث ذلك عام 1998، ولكن وبسبب أن شريحة المتعاملين في السوق كانت محدودة جدا، حيث لم تتجاوز أعداد المحافظ في ذلك الوقت 50 ألف محفظة (الآن تجاوزت ثلاثة ملايين محفظة) كانت الأضرار محدودة. أما الآن فإن تبعات أي كارثة سوف تعم كامل المجتمع، حيث الجميع مضارب أو مستثمر شباب وفتيات وشيب وأمهات. وبطبيعة الحال نعلم أن المطلوب كبير وبشكل سريع، ولكن هذا هو قدرنا، حيث تأخرنا كثيرا في إنجازه منذ زمن طويل، وعليه يجب أن نعمل بجهد متواصل على تحقيق تلك الأهداف حتى يمكن لنا تجاوز تلك الأزمة ويجب تضافر الجهود بشكل مكثف سواء كأفراد أو هيئات أو وسائل إعلام وشركات مساهمة.
نبيل بن عبد الله المبارك - 12/04/1427هـ
عاشت البوصات العربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة عصرها الذهبي التي أصبحت فيه البقرة الحلوب لنسبة كبيرة من سكان الخليج العربي بحيث أضحت عمل وحياة الجميع وتعطلت كل النواحي الاقتصادية بشكل واضح وصريح، الأمر الذي استدعى العديد من الرموز القيادية إلى التنبيه إلى تفاقم المشكلة، وأن نسبة التغيب عن العمل أو التركيز على المضاربة في الأسهم من خلال الإنترنت أصبحا ظاهرة في القطاع العام بشكل خاص وقطاع التعليم على وجه أخص. ورغم أن الشركات التي تمثلها تلك البورصات لا تشكل نسبة كبيرة من اقتصاديات تلك البلدان. وإذا أخذنا السوق السعودي على وجه التحديد نجد أن المشكلة أعمق، حيث لا يوجد في البورصة السعودية سوى 77 شركة فيما أن عدد الشركات المسجلة لدى وزارة التجارة يتجاوز 12 ألف شركة خاصة, مما يعني فقدان العمق الاستراتيجي لهذه البورصات من ناحية علاقتها بالاقتصاديات الخليجية. كما أن عدد الأسهم المتداولة لهذا العدد المحدود من الشركات لا يتجاوز 40 في المائة من عدد الأسهم المصدرة لتلك الشركات المساهمة، حيث لا تزال الدولة تسيطر على العدد الأكبر من تلك الأسهم، إضافة إلى المستثمرين الاستراتيجيين.
من خلال هذه الصورة السريعة ومن خلال معرفتنا بحقيقة أخرى وهي أن نسبة 90 في المائة من المحافظ تتم إدارتها بشكل مباشر من خلال الأفراد المالكين لتلك المحافظ, مع علمنا بالمستويات المهنية لشريحة كبيرة من هؤلاء المستثمرين الذين أضحوا مضاربين بين عشية وضحاها، تصبح الصورة أشد ضبابية وتعقيدا. وقد تحدثنا منذ سنتين عن أن لدينا مشكلة كبيرة يجب عدم التقليل من أهميتها، حيث كلما تفاقمت المشكلة كانت الحلول أصعب وأكثر مرارة لشريحة كبيرة من المجتمع، خصوصا صغار المضاربين الذين يلعبون بالنار ولا يدركون حجم المخاطر التي تحيط بهم, خصوصا أولئك الذين يضاربون برؤوس أموال هي كل ما يملكون لهم ولمن يعولون.
وقد حذرنا من تلك الصورة الضبابية وقلنا إن ما يحدث لا بد أن يحدث كارثة لها تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية وقد تكون مقلقلة حتى على الجانب السياسي إذا, لا سمح الله, تحولت المشكلة إلى جانب أمني على مستقبل تلك الأعداد التي سوف لن تقف تتفرج على أموالها تذهب أدراج الرياح مهما علت أصوات حرية الأسواق، حيث إن غالبية مواطني الخليج اعتادوا على دول الرعاية وتحمل الهموم عن المواطنين حتى في قراراتهم الاقتصادية، حتى إن البعض اتهمنا بالنظرة السوداوية وقالوا إن المؤشرات الاقتصادية كلها تشير إلى أن الأمور بخير ولا يوجد داع لكل هذا القلق. وقد وصل الأمر إلى أن البعض طالب بعدم السماح لنا بالظهور والكتابة بهذا الشكل لأنها تسبب القلق والإرباك للمستثمرين، ولكن الأسواق لم تمهلنا كثيرا، حيث دون سابق إنذار على الأقل لمن لم يصدقوا ما ذهبنا إليه تراجعت في الخليج خلال أسبوع واحد بنسب وصلت في بعضها إلى 20 في المائة، والسوق السعودي بنسبة زادت قليلا على 10 في المائة، ولولا أن هيئة سوق المال قللت من نسبة التذبذب المسموح بها إلى 5 في المائة فقط، لكان من الممكن مشاهدة التراجع يفوق 20 في المائة أو أكثر حيث شاهدنا في أحد الأيام أن المعروض 100 في المائة فيما المطلوب 0 في المائة. وهي حالة شبه استثنائية لم تكن بالنسبة لي شخصيا مستغربة، حيث إن السهم وكما كررناه أكثر من مرة هو في النهاية سلعة لها قيمة وعندما يتعدى قيمته فإنه من الطبيعي ألا يشتريه أحد، خصوصا إذا ما تجاوزت هذه القيمة الحدود القصوى إلى أرقام فلكية لأسهم شركات لو تم تقييمها بشكل علمي لما استحقت ربع أو عشُر رأسمالها المدفوع، وحسب نظام الشركات كان يجب إعلان إفلاسها منذ زمن طويل، فيما أسعار أسهمها تجاوزت الألفين والخمسة آلاف ريال للسهم.
والسؤال هو: ما سبب هذه المشكلة وما الحلول؟
أعتقد أن المشكلة بدأت عندما فتح سوق الأسهم للمواطنين وذلك من خلال الاكتتابات الأولية للشركات التي تم تخصيصها أو تأسيسها مع إقفال جميع القنوات الأخرى إما بشكل رسمي أو من خلال المعوقات الموروثة أو المتوارثة، ولكن نسينا أو تناسينا أن نقول لهم كيف يستثمرون وبأي أسلوب حتى يحافظوا على مدخراتهم التي يفترض أن الهدف كان تنميتها وتوظيفها في خطط التنمية المستدامة! لا حرقها من يد الأغلبية وتركيزها في يد الأقلية الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف وكيف تورد الإبل كما يقال. وبهذا فتحنا الأبواب والنوافذ للدخول قبل انتهاء بناء البيت الذي يجب أن يكون متكاملا حتى يمكن لنا القول إن لدينا أسواقا مالية وبورصات هي على أرض الواقع فقط قناة لبيع وشراء الأسهم دون هدف استراتيجي وبلا منطق أو عقل. كذلك اعتقدنا أن مجموعة من الأنظمة الآلية كفيلة أن تكون بورصات مالية فاعلة ومتفاعلة، وتم فعلا الاستثمار في التقنية بمئات الملايين وأصبحنا ننفذ عمليات بيع وشراء بكل يسر وسهولة بشكل آلي حتى أصبح من لا يعرف في الأنظمة يتعجب إذا ما تأخر تنفيذ طلبه بشكل سريع. والأدهى والأمر أن هيئات أسواق المال التي هي الأساس في البناء لم تكمل عامين من تاريخ تأسيسها، أعتقد ألا أحد في هذه البورصات تمنى أن تكون ولادتها في هذا التوقيت بالذات، حيث ولدت في أصعب الأوقات، ولكن ولله الحمد ولدت والجنين لا يزال يحاول تلمس خطواته الأولى رغم أن المطلوب منها (أي هيئات سوق المال) سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أن تمشي، بل تجري بسرعة الريح حتى يمكن أن تدرك ما يمكن تداركه.
وعليه يمكن تلخيص المشكلة وحلها في تحديد والتأسيس بشكل علمي مدروس للركائز الأربع الرئيسة التي تحتاج إليها البورصات المالية وهي أعمدة رئيسية لا تقل أهمية أي ركيزة عن الأخرى ويجب عدم التركيز على إحداها دون الأخرى. وتلك الركائز هي على النحو التالي:
1 ـ العمود الأول: هيئة سوق مال مهنية ومتمرسة: كما قلنا كانت ولادة هيئة سوق المال متأخرة، ولكنها ولله الحمد ولدت وهي تحتاج إلى أن تكون قادرة على إدارة السوق وتحقيق العدالة, وأيضا يجب أن يكون لأعمالها بعد اقتصادي يتماشي مع الاستراتيجية الاقتصادية للبلد وخطط التنمية بحيث تكون قادرة على التوسيع أو الحد حسب الحالة الاقتصادية، خصوصا في الأسواق الناشئة التي تحتاج إلى دور أكبر من الجهات الحكومية بحكم طبيعة مثل تلك الاقتصاديات وبحكم عدم إمكانية تركها للمعادلات الاقتصادية من عرض وطلب لأسباب عديدة ليس المجال لذكرها الآن. وأعتقد أن أهم تحد يواجه هيئات أسواق المال هو إيجاد الكفاءات الوطنية التي تستطيع إدارة دفة الأسواق المالية, التي يجب أن تتعدى مفهوم إصدار الأسهم وعمليات البيع والشراء إلى إيجاد سوق مالي متقدم بالمفهوم الدولي لهذه الأسواق.
2 ـ العمود الثاني: شركات ذات عمق اقتصادي قوي ومستويات شفافية عالية, كما قلنا, وعلى سبيل المثال يوجد في السوق السعودي الذي يمثل أكبر مصدر للنفط في العالم ومنذ أكثر من ثلاثة عقود فقط 77 شركة مساهمة عامة، فيما السوق الهندي الذي يعتبر بمقاييس الدخل أقل بكثير منا يوجد فيه أكثر من خمسة آلاف شركة يتم تداول أسهمها, ورغم ذلك العدد المحدود جدا فإن مستويات الشفافية شبه معدومة ومضللة كذلك إما بحسن نية وإما عن سابق إصرار وترصد وهو بسبب تداخل المصالح الشخصية لبعض مسؤولي الشركات مع المستثمرين في سوق الأسهم. ويعتبر هذا التحدي آخر لهيئات سوق المال التي من أهم مسؤولياتها توفير مستويات شفافية عادلة لجميع المستثمرين.
3 ـ العمود الثالث: مؤسسات إعلامية وصحافية متخصصة في الشأن الاقتصادي: طبعا لا تلام الجهات الإعلامية من صحافة أو تلفزيون أو إذاعة على ما حدث، ولكنها مطالبة بأن تكون في مستوى الحدث، لأن الشأن الاقتصادي ولأول مرة في الخليج أصبح شأنا شعبيا ولم يعد شأن الخاصة، وفي الأسواق العالمية تعتبر الوسائل الإعلامية حلقة الوصل بين جميع الأطراف سواء الشركات أو المستثمرين أو الجهات الرسمية، حيث تعمل بشكل مستقل على كشف الحقائق حول الاستثمار وحول الشركات وما يدور داخلها وحولها لتوضيح الصورة للمستثمرين من خلال توظيف الكفاءات الاقتصادية المهنية التي تساعد على إعطاء الصورة السليمة. وبكل أسف فقد استغلت تلك الوسائل الإعلامية خلال السنتين الماضيتين وبكل حسن نية منها في توجيه المستثمرين البسطاء إلى أسهم معينة أو قرارات محددة من قبل من يدعون التحليل والاستشارية وهم يعملون لصالح جهات معينة أو يديرون محافظ محددة ذات أهداف شخصية, حتى إنه وخلال التراجع الحاد خلال الأسبوع الماضي خرج على بعض القنوات وفي الصحف من يدعي أن هناك تغيرات إدارية مهمة سوف تصدر فيما يخص إدارة هيئة سوق المال نتيجة غضب المضاربين الكبار (هوامير السوق كما يطلق عليهم) من قرارات الهيئة والتي ساعدت بلا شك على التقليل من حدة التراجع بعد تخفيض نسب التذبذب وبعد إيقاف عدد من المتلاعبين في السوق, والذين لا يلامون لأنه أصبح ما يفعلونه جزءا من أعمالها اليومية، وطريقتهم المشروعة في الكسب المهول.
4 ـ العمود الرابع: مستثمر واع ومثقف وشركات وساطة متطورة: قلنا في مقدمة هذا المقال إن أحد الأخطاء التي وقعنا فيها إننا قلنا للمواطنين أن يستثمروا في سوق الأسهم ولم نعلمهم كيف يستثمرون، حيث وجد هؤلاء أن هذا السوق بقرة حلوب ولا تحتاج إلى معرفة في طريقة حلبها، ولكنهم نسوا أن ما يأتي بسهولة يذهب بسهولةEasy come, Easy Go. أعتقد أن من المسؤولية التي تقع على عاتق الوسائل الإعلامية أن تساعد البلد على زيادة مستوى الثقافة الاستثمارية وتوعية العامة بمخاطر الاستثمار المباشر والمضاربة والعمل على توجيهم إلى الجهات التي يجب الإسراع في تفعيل دورها وهي شركات الوساطة التي يجب أن تقوم بالاستثمار عن المستثمرين أنفسهم وعدم ترك أسواق مالية تدار من قبل فئات شعبية هي لا تدرك ما معنى الأسهم والأسواق المالية بقدر ما ترغب في استثمار مدخراتها صغرت أم كبرت لتوفير عوائد مجزئة لها ولمستقبل أبنائها على أسس علمية ومهنية سليمة.
في الختام أعتقد أنه ودون تلك الركائز الأربع التي أشرنا إليها فإن المخاطر سوف تزداد واحتمالية تكرار التراجعات مؤكدة وقد حدث ذلك عام 1998، ولكن وبسبب أن شريحة المتعاملين في السوق كانت محدودة جدا، حيث لم تتجاوز أعداد المحافظ في ذلك الوقت 50 ألف محفظة (الآن تجاوزت ثلاثة ملايين محفظة) كانت الأضرار محدودة. أما الآن فإن تبعات أي كارثة سوف تعم كامل المجتمع، حيث الجميع مضارب أو مستثمر شباب وفتيات وشيب وأمهات. وبطبيعة الحال نعلم أن المطلوب كبير وبشكل سريع، ولكن هذا هو قدرنا، حيث تأخرنا كثيرا في إنجازه منذ زمن طويل، وعليه يجب أن نعمل بجهد متواصل على تحقيق تلك الأهداف حتى يمكن لنا تجاوز تلك الأزمة ويجب تضافر الجهود بشكل مكثف سواء كأفراد أو هيئات أو وسائل إعلام وشركات مساهمة.