عتيج الصوف
05-07-2011, 06:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرف المؤمنين بالجهاد,وكرم الصادقين بتاج الاستشهاد ,والصلاة والسلام على خير العباد واشرف من قاتل في ميادين الجهاد وبعد :
الى الذين تعطرت الارض بطيب دمائهم,الى الذين تناثرت اجسادهم في ساحات الجهاد والى الذين باعوا الحياة رخيصة في سبيل الله ,الى الذين قدموا جماجمهم ليبنوا صرح الاسلام والى القابعين خلف قضبان الاسر في سجون اللئام والى المخلصين من المجاهدين في ارض الرباط ,وفي غزة الاباء,الى المجاهدين في ارض العراق والشيشان وافغانستان وكل ثغر يكمن فيه مجاهد اليهم جميعا اهدي هذا العمل
الفصل الاول :فضائل الجهاد
المبحث الاول: درجات المجاهدين في سبيل الله
قال تعالى : "لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)"[1]
"الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ"[2].
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"[3]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ" أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ"[4]
والمجاهدون في سبيل الله اشراف الامة وخيرها واكرمها ,وهم ذروة سنام الامر وشبه الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن الجهد هو ذروة سنام الامر ,فسنام الجمل لا يتمكن منه الا القوي في جسمه او ماله ,وكذلك الجهاد لا احد يسير فيه الا من قوي ايمانه,ورسخ يقينه,وسنام الجمل من تمكن منه فانه قد تمكن من جميع اجزاء البعير,والجهاد من خطى فيه خطوة ,فلا بد انه قد مر بمعارك مع نفسه حتى نقاها من اوزاراها ,واثقال الدنيا,وحبال ابليس.
المبحث الثاني : الجهاد افضل الاعمال
"أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"[5]
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :"لسفرة في سبيل الله افضل من خمسين حجة"[6]
وقال انس بن مالك رضي الله عنه:"غزوة في سبيل الله افضل من عشر حج لمن قد حج"[7]
وما يدل على هذا في حياة الرسول انه حج مرة واحدة ,ولكنه جاهد في سبيل اله مرات وحتى لحق بربه ... فالجهاد كما ثبت هو افضل الاعمال على الاطلاق بعد الايمان بالله واليوم الاخر,وهو افضل من الحج وعمارة المسجد الحرام بدليل قوله عز وجل الآية ... فسبحان الله ما ابدعه من قياس,اذ كيف يستوي من قدم عنقه لتدق في سبيل مولاه ,مع من كان جالسا فارها ينفق دريهمات حتى وان كانت في بيت الله,كيف يستوي من ارخص دماه لحماية دعوته وفكرته مع غيره اينما كان ومهما فعل.
والجهاد افضل من الصلاة والصيام مما يدل عليه ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" ما يَعْدِلُ الْجِهَادَ في سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل قال لَا تستطيعوه قال فَأَعَادُوا عليه مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا كُلُّ ذلك يقول لَا تَسْتَطِيعُونَهُ وقال في الثَّالِثَةِ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ من صِيَامٍ ولا صَلَاةٍ حتى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى "[8]
وذكر الغزو امام احمد بن حنبل ,فبكى وقال : ما من أعمال البر أفضل منه وقال عنه غيره ليس يعدل لقاء العدو شيء ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال ,والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم فأي عمل أفضل منه الناس آمنون وهم خائفون قد بذلوا مهج أنفسهم."[9]
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال" أَيُّ الناس أَفْضَلُ فقال رَجُلٌ يُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ قال ثُمَّ من قال مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ من الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّهُ وَيَدَعُ الناس من شَرِّهِ"[10]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"[11]
فهل بعد هذا الكلام يتسائل متثاقل انا لا اريد ان اجاهد حتى اكثرمن طاعتي في هذه الدنيا ,قبل ان اموت , فأي عمل افضل من الجهاد لزيادة الانسان من طاعاته,وهذه ليست الا من مداخل اللعين ابليس يركب بها اوهام المتثاقلين ,من يستطيع ان يصوم فلا يفطر ويقوم حتى لا يرقد؟فالله تكفل لنا بما هو اعظم اجرا وأعلى قدرا انه الجهاد من اجل الله تعالى و الصحابة الكرام الذي نهلوا من النبع الطاهر مباشرة ,صلاتهم وقيامهم لا تعدل فضل الجهاد في سبيل الله,فكيف نحن اهل المعاصي والاثام ,ووالله ما لنا مخرج ولا منجى من هذه المعاصي الا الجهاد في سبيل الله ان المعاصي رجس لا يطهرها الا الصوارم في اعناق الكفار والصحابة فهموا هذا وادركوه جيدا,لذلك كانو يتسابقون على الجهاد,فلو كان أي عمل افضل من الجهاد لكانوا هم خير البشرية تمسكوا به على حساب الجهاد.
تشبهوا ان لم تكونوا مثلهم * ان التشبه بالكرام فلاح
وسبب تعظيم الجهاد,لانه وسيلة لغاية متناهية في عظمها بل لا شيء اعظم منها,وشرف الوسائل يكون من شرف غايتها ,ولما كانت غاية الجهاد رفع راية الله وحماية دينه كان له هذا الشرف وهذه العظمة.
المبحث الثالث : في ان الجهاد في سبيل الله تجارة رابحة
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[10]تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[11]يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[12]وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[13"[12]
"(فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) سورة النساء الآيات ابتداء من 71 – 78 ,
فارجع إليها في المصحف الكريم لترى كيف يحض الله المسلمين على الحذر , وممارسة القتال في جيوش او عصابات فرادى كما يقتضيه الحال , وكيف يوبخ القاعدين والجبناء والمخلفين والنفعيين , وكيف يستثير الهمم لحماية الضعفاء وتخليص المظلومين , وكيف يقرن القتال بالصلاة والصوم ويبين أن مثلهما من أركان الإسلام , وكيف يفند شبهات المترددين ويشجع الخائفين أكبر تشجيع على خوض المعامع ومقابلة الموت بصدر رحب وجنان جريء ,مبينا لهم أن الموت سيدركهم لا محالة وأنهم إن ماتوا مجاهدين فسيعوضون عن الحياة أعظم العوض ولا يظلمون فتيلا من نفقة أو تضحية ."[13]
"اِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"[14]
" إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين . . الله - سبحانه - فيها هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع . فهي بيعة مع الله لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه ولا في ماله يحتجزه دون الله - سبحانه - ودون الجهاد في سبيله لتكون كلمة الله العليا ، وليكون الدين كله لله . فقد باع المؤمن لله في تلك الصفقة نفسه وماله مقابل ثمن محدد معلوم ، هو الجنة : وهو ثمن لا تعدله السلعة ، ولكنه فضل الله ومَنَّه... والذين باعوا هذه البيعة ، وعقدوا هذه الصفقة هم صفوة مختارة ، ذات صفات مميزة ... منها ما يختص بذوات أنفسهم في تعاملها المباشر مع الله في الشعور والشعائر؛ ومنها ما يختص بتكاليف هذه البيعة في أعناقهم من العمل خارج ذواتهم لتحقيق دين الله في الأرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام على حدود الله في أنفسهم وفي سواهم"[15]
"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله ابتاعَ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة (وعدًا عليه حقًّا) يقول: وعدهم الجنة جل ثناؤه، وعدًا عليه حقًّا أن يوفِّي لهم به، في كتبه المنزلة: التوراة والإنجيل والقرآن، إذا هم وَفَوا بما عاهدوا الله، فقاتلوا في سبيله ونصرةِ دينه أعداءَه، فقَتَلوا وقُتِلوا (ومن أوفى بعهده من الله)، يقول جل ثناؤه: ومن أحسن وفاءً بما ضمن وشرط من الله (فاستبشروا)، يقول ذلك للمؤمنين: فاستبشروا، أيها المؤمنون، الذين صَدَقوا الله فيما عاهدوا، ببيعكم أنفسكم وأموالكم بالذي بعتموها من ربكم به، فإن ذلك هو الفوز العظيم)، الآية"[16]
وقال ابن كثير في تفسير هذه الاية"يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم والله فأغلى ثمنهم.
وقال شَمِر بن عطية: ما من مسلم إلا ولله، عز وجل، في عُنُقه بيعة، وفَّى بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية.
ولهذا يقال: من حمل في سبيل الله بايع الله، أي: قَبِل هذا العقد ووفى به.
وقال محمد بن كعب القُرَظي وغيره: قال عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه، لرسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني ليلة العقبةِ -: اشترط لربك ولنفسك ما شئت! فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنة". قالوا: رَبِح البيعُ، لا نُقِيل ولا نستقيل، فنزلت: (1) { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } الآية.
وقوله: { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } أي: سواء قتلوا أو قُتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة؛ ولهذا جاء في الصحيحين: "وتكفل الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وتصديق برسلي، بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة".[17]
منقول بتصرف كتب الله الشهادة لكاتبه ومن نشره وعمل به
الحمد لله الذي شرف المؤمنين بالجهاد,وكرم الصادقين بتاج الاستشهاد ,والصلاة والسلام على خير العباد واشرف من قاتل في ميادين الجهاد وبعد :
الى الذين تعطرت الارض بطيب دمائهم,الى الذين تناثرت اجسادهم في ساحات الجهاد والى الذين باعوا الحياة رخيصة في سبيل الله ,الى الذين قدموا جماجمهم ليبنوا صرح الاسلام والى القابعين خلف قضبان الاسر في سجون اللئام والى المخلصين من المجاهدين في ارض الرباط ,وفي غزة الاباء,الى المجاهدين في ارض العراق والشيشان وافغانستان وكل ثغر يكمن فيه مجاهد اليهم جميعا اهدي هذا العمل
الفصل الاول :فضائل الجهاد
المبحث الاول: درجات المجاهدين في سبيل الله
قال تعالى : "لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)"[1]
"الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ"[2].
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"[3]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ" أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ"[4]
والمجاهدون في سبيل الله اشراف الامة وخيرها واكرمها ,وهم ذروة سنام الامر وشبه الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن الجهد هو ذروة سنام الامر ,فسنام الجمل لا يتمكن منه الا القوي في جسمه او ماله ,وكذلك الجهاد لا احد يسير فيه الا من قوي ايمانه,ورسخ يقينه,وسنام الجمل من تمكن منه فانه قد تمكن من جميع اجزاء البعير,والجهاد من خطى فيه خطوة ,فلا بد انه قد مر بمعارك مع نفسه حتى نقاها من اوزاراها ,واثقال الدنيا,وحبال ابليس.
المبحث الثاني : الجهاد افضل الاعمال
"أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"[5]
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :"لسفرة في سبيل الله افضل من خمسين حجة"[6]
وقال انس بن مالك رضي الله عنه:"غزوة في سبيل الله افضل من عشر حج لمن قد حج"[7]
وما يدل على هذا في حياة الرسول انه حج مرة واحدة ,ولكنه جاهد في سبيل اله مرات وحتى لحق بربه ... فالجهاد كما ثبت هو افضل الاعمال على الاطلاق بعد الايمان بالله واليوم الاخر,وهو افضل من الحج وعمارة المسجد الحرام بدليل قوله عز وجل الآية ... فسبحان الله ما ابدعه من قياس,اذ كيف يستوي من قدم عنقه لتدق في سبيل مولاه ,مع من كان جالسا فارها ينفق دريهمات حتى وان كانت في بيت الله,كيف يستوي من ارخص دماه لحماية دعوته وفكرته مع غيره اينما كان ومهما فعل.
والجهاد افضل من الصلاة والصيام مما يدل عليه ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" ما يَعْدِلُ الْجِهَادَ في سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل قال لَا تستطيعوه قال فَأَعَادُوا عليه مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا كُلُّ ذلك يقول لَا تَسْتَطِيعُونَهُ وقال في الثَّالِثَةِ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ من صِيَامٍ ولا صَلَاةٍ حتى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى "[8]
وذكر الغزو امام احمد بن حنبل ,فبكى وقال : ما من أعمال البر أفضل منه وقال عنه غيره ليس يعدل لقاء العدو شيء ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال ,والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم فأي عمل أفضل منه الناس آمنون وهم خائفون قد بذلوا مهج أنفسهم."[9]
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال" أَيُّ الناس أَفْضَلُ فقال رَجُلٌ يُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ قال ثُمَّ من قال مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ من الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّهُ وَيَدَعُ الناس من شَرِّهِ"[10]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"[11]
فهل بعد هذا الكلام يتسائل متثاقل انا لا اريد ان اجاهد حتى اكثرمن طاعتي في هذه الدنيا ,قبل ان اموت , فأي عمل افضل من الجهاد لزيادة الانسان من طاعاته,وهذه ليست الا من مداخل اللعين ابليس يركب بها اوهام المتثاقلين ,من يستطيع ان يصوم فلا يفطر ويقوم حتى لا يرقد؟فالله تكفل لنا بما هو اعظم اجرا وأعلى قدرا انه الجهاد من اجل الله تعالى و الصحابة الكرام الذي نهلوا من النبع الطاهر مباشرة ,صلاتهم وقيامهم لا تعدل فضل الجهاد في سبيل الله,فكيف نحن اهل المعاصي والاثام ,ووالله ما لنا مخرج ولا منجى من هذه المعاصي الا الجهاد في سبيل الله ان المعاصي رجس لا يطهرها الا الصوارم في اعناق الكفار والصحابة فهموا هذا وادركوه جيدا,لذلك كانو يتسابقون على الجهاد,فلو كان أي عمل افضل من الجهاد لكانوا هم خير البشرية تمسكوا به على حساب الجهاد.
تشبهوا ان لم تكونوا مثلهم * ان التشبه بالكرام فلاح
وسبب تعظيم الجهاد,لانه وسيلة لغاية متناهية في عظمها بل لا شيء اعظم منها,وشرف الوسائل يكون من شرف غايتها ,ولما كانت غاية الجهاد رفع راية الله وحماية دينه كان له هذا الشرف وهذه العظمة.
المبحث الثالث : في ان الجهاد في سبيل الله تجارة رابحة
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[10]تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[11]يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[12]وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[13"[12]
"(فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) سورة النساء الآيات ابتداء من 71 – 78 ,
فارجع إليها في المصحف الكريم لترى كيف يحض الله المسلمين على الحذر , وممارسة القتال في جيوش او عصابات فرادى كما يقتضيه الحال , وكيف يوبخ القاعدين والجبناء والمخلفين والنفعيين , وكيف يستثير الهمم لحماية الضعفاء وتخليص المظلومين , وكيف يقرن القتال بالصلاة والصوم ويبين أن مثلهما من أركان الإسلام , وكيف يفند شبهات المترددين ويشجع الخائفين أكبر تشجيع على خوض المعامع ومقابلة الموت بصدر رحب وجنان جريء ,مبينا لهم أن الموت سيدركهم لا محالة وأنهم إن ماتوا مجاهدين فسيعوضون عن الحياة أعظم العوض ولا يظلمون فتيلا من نفقة أو تضحية ."[13]
"اِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"[14]
" إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين . . الله - سبحانه - فيها هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع . فهي بيعة مع الله لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه ولا في ماله يحتجزه دون الله - سبحانه - ودون الجهاد في سبيله لتكون كلمة الله العليا ، وليكون الدين كله لله . فقد باع المؤمن لله في تلك الصفقة نفسه وماله مقابل ثمن محدد معلوم ، هو الجنة : وهو ثمن لا تعدله السلعة ، ولكنه فضل الله ومَنَّه... والذين باعوا هذه البيعة ، وعقدوا هذه الصفقة هم صفوة مختارة ، ذات صفات مميزة ... منها ما يختص بذوات أنفسهم في تعاملها المباشر مع الله في الشعور والشعائر؛ ومنها ما يختص بتكاليف هذه البيعة في أعناقهم من العمل خارج ذواتهم لتحقيق دين الله في الأرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام على حدود الله في أنفسهم وفي سواهم"[15]
"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله ابتاعَ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة (وعدًا عليه حقًّا) يقول: وعدهم الجنة جل ثناؤه، وعدًا عليه حقًّا أن يوفِّي لهم به، في كتبه المنزلة: التوراة والإنجيل والقرآن، إذا هم وَفَوا بما عاهدوا الله، فقاتلوا في سبيله ونصرةِ دينه أعداءَه، فقَتَلوا وقُتِلوا (ومن أوفى بعهده من الله)، يقول جل ثناؤه: ومن أحسن وفاءً بما ضمن وشرط من الله (فاستبشروا)، يقول ذلك للمؤمنين: فاستبشروا، أيها المؤمنون، الذين صَدَقوا الله فيما عاهدوا، ببيعكم أنفسكم وأموالكم بالذي بعتموها من ربكم به، فإن ذلك هو الفوز العظيم)، الآية"[16]
وقال ابن كثير في تفسير هذه الاية"يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم والله فأغلى ثمنهم.
وقال شَمِر بن عطية: ما من مسلم إلا ولله، عز وجل، في عُنُقه بيعة، وفَّى بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية.
ولهذا يقال: من حمل في سبيل الله بايع الله، أي: قَبِل هذا العقد ووفى به.
وقال محمد بن كعب القُرَظي وغيره: قال عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه، لرسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني ليلة العقبةِ -: اشترط لربك ولنفسك ما شئت! فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنة". قالوا: رَبِح البيعُ، لا نُقِيل ولا نستقيل، فنزلت: (1) { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } الآية.
وقوله: { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } أي: سواء قتلوا أو قُتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة؛ ولهذا جاء في الصحيحين: "وتكفل الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وتصديق برسلي، بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة".[17]
منقول بتصرف كتب الله الشهادة لكاتبه ومن نشره وعمل به