abo rashid
12-05-2006, 01:12 PM
هذا الكتاب مفيد للغاية، صعب القراءة نظرا لما يتضمنه من معلومات مرصوصة بعناية فائقة وكثافة عالية تدفع القارئ إلى قراءته من الغلاف إلى الغلاف حتى لا تفوته أي من النقاط العديدة المفيدة التي يتضمنها، عن حال الديمقراطية الأميركية في الفترة الراهنة وتأثير صعود قوى اليمين الأميركي والحزب الجمهوري على تلك الحال.
- الكتاب: بعيدا عن المركز
- المؤلف: جاكوب هاكر وبول بيرسون
- عدد الصفحات: 272
- الناشر: يال يونيفيرستي برس، كونيكتيكت، أميركا
- الطبعة: الأولى، 2005
الحكمة القديمة باتت أسطورة
الكتاب الصادر عن مطابع جامعة يال الأميركية -في علامة على دقته وأهميته العلمية- يتحدث بحسرة عن الحكمة القديمة المفسرة للديمقراطية الأميركية التي تقول إن عدم مركزية السلطة داخل النظام السياسي الأميركي هي الضمانة الرئيسية للديمقراطية الأميركية.
عدم المركزية السياسية -في الحكمة القديمة- تأتي من طبيعة المجتمع الأميركي المليء بالمؤسسات الأهلية والجماهيرية المتعارضة والمتصارعة في كثير من الأحيان.
كما تأتي من التوازن بين السلطات الفدرالية، ومن ضعف الأحزاب، ومن قوة الإعلام، ومن العدد الكبير من الساسة ومراكز الأبحاث والنخب الفكرية الموجودة على الساحة الأميركية، ومن الناخب الأميركي الواعي القادر على عقاب الساسة الأميركيين المنحرفين عن نقطة الوسط أو المركز.
الحكمة القديمة كانت تقول إن السياسي الأميركي -وسط الدوامة السابقة- يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، مدفوعا إلى إرضاء الناخبين خاصة الوسطيين منهم، خائفا من المواقف المتطرفة التي تشذ به عن الوسط وتجعله هدفا لسخط الناخب يوم الاقتراع.
مؤلفا الكتاب –جاكوب هاكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة يال وبول بيرسون أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية كاليفورنيا ببيركلي– يؤكدان على أن الحكمة السابقة باتت بالية غير قادرة على تفسير ما يحدث في النظام السياسي الأميركي الآن لأنها تهمل تحولات كبرى خالطت الديمقراطية الأميركية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل.
"
المرض الذي أصاب النظام السياسي كبير يفوق جماعة أو مؤسسة بعينها فهو مرض أصاب الناخب الأميركي نفسه وأصاب العلاقة بين الفقراء والأغنياء، وأصاب قدرة المؤسسات السياسية والنظام السياسي بشكل عام
"
كفانا حديثا عن المحافظين الجدد
المقدمة تحمل نبرة نقد مكتومة وحزينة، إلى من يركزون في نقدهم للسياسات الأميركية الراهنة على الرئيس الأميركي أو على المحافظين الجدد أو على حروب الإدارة الأميركية أو حتى على صعود اليمين الأميركي.
ويركز الكتاب في معظمه على قضايا الداخل التي تمس حياة المواطن الأميركي، كالضرائب والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
ويطرح المؤلفان سؤالا هاما رئيسيا في أول الأمر يقول: إذا افترضنا أن اليمين الأميركي والجمهوريين والمحافظين الجدد مسيطرون، وأنهم يمتلكون سلطة غير مسبوقة وأنهم مسؤولون عن سياسات أميركا الراهنة، فهل يكفي هذا لتفسير ما يحدث؟
الإجابة كانت بالنفي، إذ يرى المؤلفان السؤال السابق يفرض سؤالا آخر أهم، وهو أين ذهبت المعارضة الأميركية والناخب الأميركي ودعائم الديمقراطية الأميركي التقليدية؟
وهنا يذهب الرجلان إلى أن المرض الذي أصاب النظام السياسي الأميركي مرض كبير يفوق جماعة أو مؤسسة بعينها، فهو مرض أصاب الناخب الأميركي نفسه وأصاب العلاقة بين الفقراء والأغنياء بأميركا، وقدرة المؤسسات السياسية الأميركية، والنظام السياسي الأميركي بشكل عام في الحفاظ على التوازن بين نفوذ الجماعات المختلفة المشكلة للمجتمع الأميركي.
المؤلَف يقول إن المجتمع الأميركي منذ أوائل السبعينيات من القرن العشرين يمر بحالة استقطاب مستمرة، تزداد فيها الهوة بين الفقراء والأغنياء، إذ الفقراء يزدادون فقرا، والأغنياء يزدادون ثراء، وشيء آخر أخطر من ذلك هو النفوذ السياسي.
صفحات الكتاب المرصوصة بعناية والمليئة بكم هائل من الحجج والأرقام والأفكار تقول إن التوازن الحاكم للنظام السياسي الأميركي اختل خلال العقود الأخيرة بعدما تحالف الأثرياء مع الإيديولوجيين في أوساط اليمين الأميركي لإعادة تشكيل موازين القوى لصالحهم، وتثبيت نفوذهم من خلال سلسلة مستمرة ومتشابكة من الممارسات والتشريعات والحيل السياسية.
"
ما حدث هو أن قيادات اليمين والحزب الجمهوري تحولت نحو اليمين أيديولوجيا بقوة غير مسبوقة، وبشكل يفوق تحرك النخب الليبرالية نحو اليسار
"
أميركا لم تتحرك نحو اليمين
يرفض المؤلفان الأطروحة التي انتشرت مؤخرا، وتقول إن أميركا بلد يميني متدين بطبيعته، وإن انتشار نفوذ الجمهوريين سياسيا نابع من انتشار الأفكار اليمينية بشكل طبيعي داخل المجتمع الأميركي، وهي حجة نادت بها وروجتها بعض الكتب الحديثة وعلى رأسها كتاب "أمة اليمين.. قوة المحافظين في أميركا" لمراسلي صحيفة ذا أكونوميست البريطانية في الولايات المتحدة إدريان ولدريدج وجون مايكلثويت الصادر عام 2004.
في المقابل يرى الكتاب أن الشعب الأميركي لم يتحرك نحو اليمين بل إنه ازداد ليبرالية، كما أن الرأي العام الأميركي يرفض سياسات الرئيس بوش الداخلية كسياسات خفض الضرائب وخصخصة الضمان الاجتماعي، خاصة إذا وعى حقيقة تلك السياسات وتأثيرها عليه.
كما أن الديمقراطيين مازالوا يسيطرون على أكبر الولايات الأميركية من حيث تعداد السكان، وأن نفوذ الجمهوريين يكمن في ولايات الوسط والجنوب الأقل كثافة سكانية، وأن نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة على مستوى الرئاسة والكونغرس تظهر أن الشعب الأميركي لا يميل بقوة نحو اليمين فهو منقسم على نفسه إن لم يكن يميل نحو اليسار.
في المقابل يرى هاكر وبيرسون أن ما حدث شيء آخر، وهو أن قيادات اليمين الأميركي والحزب الجمهوري تحولت نحو اليمين أيديولوجيا بقوة غير مسبوقة، وبشكل يفوق تحرك النخب الليبرالية نحو اليسار.
وبمعنى آخر يرى المؤلفان أن الاحتقان الأيديولوجي الراهن داخل النظام السياسي الأميركي نابع من تطرف النخب اليمينية والجمهورية بالأساس، لا من تحول الشعب الأميركي أيديولوجيا نحو اليمين أو من تحول النخب الليبرالية القوي نحو اليسار.
أين الخلل؟
هنا يطرح الكتاب سؤالا هاما وهو ماذا حدث؟ كيف سمح النظام السياسي الأميركي بهذا التطرف الأيديولوجي والسياسي اليميني؟
ولكي يجيب المؤلفان على السؤال السابق –وهو محور الكتاب– يبدآن بتحليل قضيتين من أهم القضايا السياسية المطروحة على الساحة الأميركية الداخلية حاليا، وهما قضية خفض الضرائب وخصخصة نظام الضمان الاجتماعي، وذلك في الفصلين الثاني والثالث.
وهنا يؤكد هاكر وبيرسون أن موقف الإدارة الأميركية والقيادات الجمهورية من القضيتين السابقتين يتعارض مع موقف غالبية الشعب الأميركي، كما أنه يضر بمصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة في الوقت الحاضر والمستقبل.
.
- الكتاب: بعيدا عن المركز
- المؤلف: جاكوب هاكر وبول بيرسون
- عدد الصفحات: 272
- الناشر: يال يونيفيرستي برس، كونيكتيكت، أميركا
- الطبعة: الأولى، 2005
الحكمة القديمة باتت أسطورة
الكتاب الصادر عن مطابع جامعة يال الأميركية -في علامة على دقته وأهميته العلمية- يتحدث بحسرة عن الحكمة القديمة المفسرة للديمقراطية الأميركية التي تقول إن عدم مركزية السلطة داخل النظام السياسي الأميركي هي الضمانة الرئيسية للديمقراطية الأميركية.
عدم المركزية السياسية -في الحكمة القديمة- تأتي من طبيعة المجتمع الأميركي المليء بالمؤسسات الأهلية والجماهيرية المتعارضة والمتصارعة في كثير من الأحيان.
كما تأتي من التوازن بين السلطات الفدرالية، ومن ضعف الأحزاب، ومن قوة الإعلام، ومن العدد الكبير من الساسة ومراكز الأبحاث والنخب الفكرية الموجودة على الساحة الأميركية، ومن الناخب الأميركي الواعي القادر على عقاب الساسة الأميركيين المنحرفين عن نقطة الوسط أو المركز.
الحكمة القديمة كانت تقول إن السياسي الأميركي -وسط الدوامة السابقة- يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، مدفوعا إلى إرضاء الناخبين خاصة الوسطيين منهم، خائفا من المواقف المتطرفة التي تشذ به عن الوسط وتجعله هدفا لسخط الناخب يوم الاقتراع.
مؤلفا الكتاب –جاكوب هاكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة يال وبول بيرسون أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية كاليفورنيا ببيركلي– يؤكدان على أن الحكمة السابقة باتت بالية غير قادرة على تفسير ما يحدث في النظام السياسي الأميركي الآن لأنها تهمل تحولات كبرى خالطت الديمقراطية الأميركية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل.
"
المرض الذي أصاب النظام السياسي كبير يفوق جماعة أو مؤسسة بعينها فهو مرض أصاب الناخب الأميركي نفسه وأصاب العلاقة بين الفقراء والأغنياء، وأصاب قدرة المؤسسات السياسية والنظام السياسي بشكل عام
"
كفانا حديثا عن المحافظين الجدد
المقدمة تحمل نبرة نقد مكتومة وحزينة، إلى من يركزون في نقدهم للسياسات الأميركية الراهنة على الرئيس الأميركي أو على المحافظين الجدد أو على حروب الإدارة الأميركية أو حتى على صعود اليمين الأميركي.
ويركز الكتاب في معظمه على قضايا الداخل التي تمس حياة المواطن الأميركي، كالضرائب والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
ويطرح المؤلفان سؤالا هاما رئيسيا في أول الأمر يقول: إذا افترضنا أن اليمين الأميركي والجمهوريين والمحافظين الجدد مسيطرون، وأنهم يمتلكون سلطة غير مسبوقة وأنهم مسؤولون عن سياسات أميركا الراهنة، فهل يكفي هذا لتفسير ما يحدث؟
الإجابة كانت بالنفي، إذ يرى المؤلفان السؤال السابق يفرض سؤالا آخر أهم، وهو أين ذهبت المعارضة الأميركية والناخب الأميركي ودعائم الديمقراطية الأميركي التقليدية؟
وهنا يذهب الرجلان إلى أن المرض الذي أصاب النظام السياسي الأميركي مرض كبير يفوق جماعة أو مؤسسة بعينها، فهو مرض أصاب الناخب الأميركي نفسه وأصاب العلاقة بين الفقراء والأغنياء بأميركا، وقدرة المؤسسات السياسية الأميركية، والنظام السياسي الأميركي بشكل عام في الحفاظ على التوازن بين نفوذ الجماعات المختلفة المشكلة للمجتمع الأميركي.
المؤلَف يقول إن المجتمع الأميركي منذ أوائل السبعينيات من القرن العشرين يمر بحالة استقطاب مستمرة، تزداد فيها الهوة بين الفقراء والأغنياء، إذ الفقراء يزدادون فقرا، والأغنياء يزدادون ثراء، وشيء آخر أخطر من ذلك هو النفوذ السياسي.
صفحات الكتاب المرصوصة بعناية والمليئة بكم هائل من الحجج والأرقام والأفكار تقول إن التوازن الحاكم للنظام السياسي الأميركي اختل خلال العقود الأخيرة بعدما تحالف الأثرياء مع الإيديولوجيين في أوساط اليمين الأميركي لإعادة تشكيل موازين القوى لصالحهم، وتثبيت نفوذهم من خلال سلسلة مستمرة ومتشابكة من الممارسات والتشريعات والحيل السياسية.
"
ما حدث هو أن قيادات اليمين والحزب الجمهوري تحولت نحو اليمين أيديولوجيا بقوة غير مسبوقة، وبشكل يفوق تحرك النخب الليبرالية نحو اليسار
"
أميركا لم تتحرك نحو اليمين
يرفض المؤلفان الأطروحة التي انتشرت مؤخرا، وتقول إن أميركا بلد يميني متدين بطبيعته، وإن انتشار نفوذ الجمهوريين سياسيا نابع من انتشار الأفكار اليمينية بشكل طبيعي داخل المجتمع الأميركي، وهي حجة نادت بها وروجتها بعض الكتب الحديثة وعلى رأسها كتاب "أمة اليمين.. قوة المحافظين في أميركا" لمراسلي صحيفة ذا أكونوميست البريطانية في الولايات المتحدة إدريان ولدريدج وجون مايكلثويت الصادر عام 2004.
في المقابل يرى الكتاب أن الشعب الأميركي لم يتحرك نحو اليمين بل إنه ازداد ليبرالية، كما أن الرأي العام الأميركي يرفض سياسات الرئيس بوش الداخلية كسياسات خفض الضرائب وخصخصة الضمان الاجتماعي، خاصة إذا وعى حقيقة تلك السياسات وتأثيرها عليه.
كما أن الديمقراطيين مازالوا يسيطرون على أكبر الولايات الأميركية من حيث تعداد السكان، وأن نفوذ الجمهوريين يكمن في ولايات الوسط والجنوب الأقل كثافة سكانية، وأن نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة على مستوى الرئاسة والكونغرس تظهر أن الشعب الأميركي لا يميل بقوة نحو اليمين فهو منقسم على نفسه إن لم يكن يميل نحو اليسار.
في المقابل يرى هاكر وبيرسون أن ما حدث شيء آخر، وهو أن قيادات اليمين الأميركي والحزب الجمهوري تحولت نحو اليمين أيديولوجيا بقوة غير مسبوقة، وبشكل يفوق تحرك النخب الليبرالية نحو اليسار.
وبمعنى آخر يرى المؤلفان أن الاحتقان الأيديولوجي الراهن داخل النظام السياسي الأميركي نابع من تطرف النخب اليمينية والجمهورية بالأساس، لا من تحول الشعب الأميركي أيديولوجيا نحو اليمين أو من تحول النخب الليبرالية القوي نحو اليسار.
أين الخلل؟
هنا يطرح الكتاب سؤالا هاما وهو ماذا حدث؟ كيف سمح النظام السياسي الأميركي بهذا التطرف الأيديولوجي والسياسي اليميني؟
ولكي يجيب المؤلفان على السؤال السابق –وهو محور الكتاب– يبدآن بتحليل قضيتين من أهم القضايا السياسية المطروحة على الساحة الأميركية الداخلية حاليا، وهما قضية خفض الضرائب وخصخصة نظام الضمان الاجتماعي، وذلك في الفصلين الثاني والثالث.
وهنا يؤكد هاكر وبيرسون أن موقف الإدارة الأميركية والقيادات الجمهورية من القضيتين السابقتين يتعارض مع موقف غالبية الشعب الأميركي، كما أنه يضر بمصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة في الوقت الحاضر والمستقبل.
.