تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا تجب معالجة مأساة سوق الأسهم أولا؟



شمعة الحب
13-05-2006, 02:30 PM
لماذا تجب معالجة مأساة سوق الأسهم أولا؟
د. مقبل صالح أحمد الذكير - 15/04/1427هـ
mdukair@yahoo.com

تقوم الحياة الاقتصادية في أي مجتمع بشكل أساسي بين مجموعتين من البشر: منتجين ومستهلكين أو إن شئت بين بائعين ومشترين. وهي صورة متحركة ومتغيرة وليست ثابتة، بمعنى أن من يكون بائعا في سوق ما سيظهر مشتريا في سوق أخرى، والعكس صحيح. وهكذا يدفع الله عز وجل الناس بعضهم ببعض، وعلى هذا قامت الحياة واستمرت، ولكن إذا عمت البلوى بسوق من أسواق الاقتصاد لسبب ما، فإن أثرها سيمتد إلى الأسواق الأخرى، خاصة إذا كانت هذه السوق سوقا مالية، حيث تتداخل وتؤثر في جميع الأسواق.
ألا ترى مثلا كيف تحرص البنوك المركزية في بلاد الدنيا على تنظيم عمل المصارف التجارية ومراقبة أنشطتها لمنعها من المبالغة في تشغيل ودائع عملائها، حتى لا تنخفض السيولة لديها عن حد معين فتعجز عن تلبية طلبات السحب من قبل عملائها سواء كان سحبا من ودائعهم الجارية أو الآجلة! بل إن البنوك المركزية تهرع إلى توفير السيولة اللازمة للبنوك التجارية إذا احتاجت إليها لداع ٍ ما! وما ذلك إلا بسبب أن انتشار خبر عجز بنك من البنوك العاملة في الاقتصاد عن تلبية طلبات السحب سوف يحدث هلعا وذعرا لدى عملاء جميع البنوك مما يدفعهم للتقدم لسحب أموالهم من البنوك فيفضي هذا إلى انهيار كل الجهاز المصرفي.
إن حرص السلطات النقدية أن تكون الملاذ الأخير للبنوك التجارية عند حاجتها إلى السيولة، إنما ينبع من حقيقة أنه لا يوجد بنك في العالم قادر على تلبية كل طلبات السحب لجميع العملاء وبكامل مبالغ الإيداعات في وقت واحد، فنظام الاحتفاظ بجزء من مبالغ الودائع الجارية والآجلة الذي تتبعه كل بنوك العالم (نظام الاحتياطي الجزئي)، قام على أساس التجربة التاريخية من أن الناس لا يتقدمون كلهم في وقت واحد لسحب جميع ودائعهم، بل يتقدم بعضهم للسحب ومن يسحب فإنه يطلب جزءا منها عادة، هذا فضلا عن أنه في الوقت الذي يتقدم بعض الناس بالسحب هناك من يتقدم لإيداع أموال أخرى.
عندما بدأت مأساة التدهور المتواصل في سوق الأسهم قيل في البدء إنها حركة تصحيحية طبيعية تلازم هذا النوع من الأسواق. ثم اتضح أنها مسألة أكبر من مجرد تصحيح، فاليوم لا يمكن وصف حال السوق بعد أن فقد مؤشرها العام أكثر من نحو 50 في المائة من أعلى قيمة وصل إليها، بأقل من أنه انهيار عنيف بكل المقاييس، لكن بصرف النظر عن المسميات، إذ لا مشاحة في الاصطلاح، فالعبرة بالنتيجة. والنتيجة هي عموم بلوى تستلزم لجنة طوارئ وطنية تشارك فيها الجهات الحكومية كافة بقيادة قوية للتصدي، ليس لإصلاح السوق فقط، بل للبدء بعلاج الآثار الخطيرة المتوقعة لهذه الأزمة.
فكما تأخذ السلطات النقدية على عاتقها حماية أي بنك من الانهيار خوفا من انهيار الجهاز المصرفي، حري بها وعلى قدم المساواة حسن إدارة ومراقبة ما يجري في سوق المال حماية لمدخرات الناس وثرواتهم من التآكل والتلاشي، خشية من انهيار الإنفاق الاستهلاكي الذي يقوم به القطاع العائلي.
حتى الآن، وبعد نحو ثلاثة أشهر من الكارثة، لم يتحقق الاستقرار في السوق بعد كل هذا التراجع وعلى الرغم من استمرار ثبات مؤشرات الاقتصاد الكلية الإيجابية. فقد وصل مؤشر السوق إلى أقل من عشرة آلاف نقطة، وبلغ متوسط مكرر أرباح الشركات المتداولة فيه إلى نحو 20 ضعفا وهو قريب من متوسط المكرر للسنوات الخمس عشرة الماضية الذي يراوح بين 17و18 ضعفا.
إن من يراقب حركة السوق في الأسابيع الأخيرة يلاحظ أن مؤشر السوق يتخذ اتجاها عاما تنازليا مستمرا يوما بعد آخر. وهو يعكس حالة سلسلة من القمم والقيعان الهابطة، مما يجعل توقع نهاية هذا الاتجاه أمرا صعبا حتى على أعتى المحللين الفنيين. فعندما يكسر المؤشر عدة نقاط دعم ومقاومة تاريخية، فإنه لا يجعل لأدوات التحليل الفني دلالة قوية يمكن الركون إليها للتنبؤ بمرحلة ارتداد السوق، بل قد يصل المؤشر لما دون ثمانية آلاف نقطة، إذا لم يتم تدارك مسألة الثقة المفقودة التي تعانيها السوق.
من المؤكد أن السوق تعاني أزمة ثقة كبيرة، فمع كل هذا الانخفاض في المؤشر العام والتحسن في مكررات الأرباح، لا تزال السيولة الكبيرة محجمة عن دخول السوق. إذ إن ما يتم تداوله منها حاليا يتراوح بين 8 و15 مليارا في أحسن الأحوال، وهي سيولة مضاربين يوميين لا سيولة مستثمرين دائمين. ولذلك لم تعد مسألة انخفاض مكررات الأرباح تمثل أولوية لأصحاب السيولة الكبيرة للعودة مرة أخرى للسوق، طالما كانت السوق مفتقدة للثقة. ولن تعود الثقة للسوق إلا إذا تحقق الاستقرار فيها. ولن يتحقق الاستقرار لها قبل وجود طلب حقيقي ومستمر لمدة لا تقل عن عشرة أيام في مختلف قطاعات السوق، وتداولات بقيمة لا تقل عن 30 مليارا يوميا ونسبة تذبذب في المؤشر العام لا تزيد على 200 نقطة صعودا وهبوطا.
السيولة لا تزال موجودة في الاقتصاد، فالودائع في البنوك ارتفعت من 499 مليار ريال إلى 522 مليار ريال بين شباط (فبراير) وآذار (مارس) 2006م، وهذا يدل على أن مشكلة سوق الأسهم هي مشكلة ثقة بالدرجة الأولى ولست مشكلة سيولة. لكن يُخشى لو تأخر علاج مشكلة الثقة المفقودة في السوق، أن تستقر هذه السيولة في أوعية استثمارية بديلة بدأت تقدمها فروع المصارف الأجنبية أو وكلاؤها - الذين يعملون بنشاط هذه الأيام في اقتصادنا ـ مما يضعف الأمل بعودتها.
إن علاج مشكلة ضياع مكتسبات ومدخرات الناس لا يقل أهمية عن مشكلة حدوث أزمة سيولة لدى المصارف، فكلاهما يؤثران على استقرار الاقتصاد، لكن استقرار مدخرات الناس يكتسب أهمية أكبر نظرا لعلاقته بهيكل توزيع الدخول والثروات الذي يؤثر تأثيرا حاسما في رواج الاقتصاد. فاليوم لم يعد مهما فقط تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلية، بل أيضا وربما بأهمية أكبر أن يحدث تحسن في تفاصيل هذه المؤشرات خاصة المتعلق منها بقوام المجتمع المتمثل في الأفراد والقطاع العائلي.