المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هؤلاء قادرون على إنقاذ سوق الأسهم



شمعة الحب
14-05-2006, 01:46 AM
هؤلاء قادرون على إنقاذ سوق الأسهم
محمد بن عبد الكريم بكر - - - 15/04/1427هـ
mohbakr@alum.mit.edu

ما زلت أختزن في الذاكرة من القراءات اللاصفية في مرحلة الدراسة الثانوية كلمات للدكتور طه حسين في تقديمه لكتاب " فجر الإسلام " لأحمد أمين خلاصتها أنه ليس فقط الإفراط في الاعتداد بالنفس والكبرياء خلقاًَ غير محمود، بل المبالغة في التواضع ونكران الذات خلق غير محمود أيضاً إذ إنك تفتئت على نفسك وتسلبها حقاً من حقوقها اكتسبته بعمل أو عن موهبة أنعم الله بها عليك. تذكرت تلك المفارقة وأنا أسمع وأرى تصريحات أدلى بها مسؤولون وغيرهم لوسائل الإعلام في وصف الحال التي آلت إليها سوق الأسهم السعودية في الآونة الأخيرة. فكما أن تضخيم الأمور وتهويلها من جانب بعض المحللين ورجال الأعمال في طروحاتهم المرتجلة مسلك غير محمود لما أفضت إليه من بلبلة وتشويش في أوساط المتداولين في السوق، فإن تهوين الأمور والاستخفاف بها من قبل بعض المسؤولين مسلك غير محمود أيضاً وهو ما بدا للناس من التصريحات التي دأب على الإدلاء بها أولئك المسؤولون منذ بداية هبوط مؤشر السوق في نهاية شباط (فبراير) المنصرم.

كانت باكورة تلك التصريحات أن أسعار الأسهم مرتفعة ولا بد أن تعود إلى معدلاتها الطبيعية دون تحديد لمفهوم " طبيعية " في ذلك السياق ! ثم توالى العزف على تلك النغمة تارة بشكل أوركسترالي وأخرى بشكل منفرد، إلى أن فاجأتنا الصحف المحلية يوم الخميس الماضي بتصريح لأحد المسؤولين بالنغمة نفسها ولكن من سلم موسيقى جديد خلاصته أن " ما يحدث في سوق الأسهم عملية تصحيح"!
بالطبع من حق أي إنسان أن يقول ما شاء، لكن عليه التروي والتفكير ملياً إن كان فيما يقول أذى نفسي للآخرين وهم المتضررون من انهيار السوق. ليس هذا فحسب بل إن مثل تلك المقولة تحمل في طياتها رسالة واضحة بعدم الحاجة إلى اتخاذ خطوات أياً كانت لإصلاح الخلل ووضع الأمور في مسارها السليم. يوم أن انخفض مؤشر السوق من 20 ألف نقطة إلى 18 ألف نقطة، حينها كان يمكن أن يُقال إن السوق تشهد عملية تصحيح. أما ما وصل إليه المؤشر يوم الأربعاء الماضي حين كسر حاجز العشرة آلاف نقطة نزولاً، مع ضغط متواصل على الأسهم القيادية كشركة سابك، فليس من العدل أن يُطلق عليه ذلك الاسم والمؤشر يترنح كمن به مس من الشيطان.

ليس المقام هنا للحديث عن الأسباب التي أدت إلى انهيار السوق أو توزيع اللوم على هذا وذاك، وإنما البحث عن أدوات متاحة يمكن تسخيرها لدعم السوق وإنقاذها من السقوط في الهاوية. لقد أثبتت الأسابيع القليلة الماضية عدم فعالية الخطوات الإجرائية التي أُدخلت على السوق كتجزئة قيمة الأسهم وإعادة نسبة التذبذب اليومي إلى 10 في المائة بدلاً من 5 في المائة فقط. بل يرى البعض أن تجزئة قيمة الأسهم وضعت الأسهم القيادية كـ "سابك" وغيرها في متناول أيدي المضاربين، ما عصف بها وبقية السوق بينما كانت في السابق في منأى عن تلك المضاربات، ما ساعدها في شد أزر السوق كلما حمي الوطيس. وكما أن تلك الخطوات الإجرائية لم تحقق ما كان منتظراً منها، لم تشفع أيضاً محاولات مخاطبة العوامل النفسية للسوق واستنهاضها بأخبار عن أرباح قياسية، اكتتابات جديدة، أسهم منح، أو حتى مشاريع صناعية واقتصادية عملاقة جديدة.. ما الحل إذاً ؟

أن نفعل كما يفعل الآخرون في الأسواق الناضجة التي سبقتنا في هذا المضمار. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد وجّه في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 24/4/2006م بـ "الاستعانة بجميع الكفاءات المتميزة من داخل المملكة وخارجها ضمن الخطوات المطلوبة لانتظام سوق الأسهم وحسن أدائها ". هناك في تلك الأسواق لا تتدخل الحكومة في آليات السوق إلا أنها أيضاً لا تقف كالمتفرج الذي لا يعنيه ما يجري أمامه بل تسعى لتحريك تلك الآليات إن أصابها شيء من الخلل أو الخمول. ومن أهم الآليات التي تحافظ على توازن السوق الدور الذي يلعبه صناع السوق وهم الصناديق والمؤسسات المالية التي تملك محافظ كبيرة في أسهم الشركات. إذ يسارع تلقائياً أولئك الصناع، وهم كثر وليس واحداً، إلى امتصاص ما قد يكون هناك من عروض فائضة في أسهم شركات معينة أو طلبات زائدة في تلك الأسهم لإعادة التوازن إلى السوق بسد الفجوة بين العرض والطلب، وهم لا يفعلون ذلك خدمة للمصلحة العامة بل خدمة لمصالحهم والدفاع عن قيمة محافظهم.

لكن من هم القادرون على الاضطلاع بدور مماثل في السوق السعودية ؟ إذا استبعدنا الملكيات الفردية والعائلية الكبيرة تبقى أمامنا صناديق الاستثمار التي تديرها البنوك، صندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتقاعد، وتبلغ ملكية المؤسسات الثلاث الأخيرة وحدها أكثر من 60 في المائة من القيمة الإجمالية للسوق. وتعد تلك النسبة المسيطرة سبباً كافياً لتحريك تلك الثلاث لممارسة الدور الذي يُنتظر من أمثالهم لإعادة التوازن لحركة السوق .

إن صندوق الاستثمارات العامة، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتقاعد يملكون بجانب الحصص المؤثرة في الشركات المساهمة القيادية (أكثر من 70 في المائة في كل من سابك، الاتصالات، والكهرباء) أرصدة مالية ضخمة أحسب أن معظمها في ودائع مصرفية تدر عليهم عوائد لا تزيد على 5 في المائة سنوياً بينما يمكنهم تحقيق عوائد مضاهية لها عند شرائهم أسهماً في الشركات القيادية بالأسعار السائدة في السوق اليوم ما يحقق مصلحة لهم ودعماً للسوق. إذ إن دعم "سابك" كمثال سيشد خلفه الشركات الصناعية الأخرى المدرجة، وكذا الحال في حالة دعم بنك الرياض أو "سامبا" اللذين يملك الصندوق فيهما نسبة في المائة من رأس المال، وينسحب الاستنتاج نفسه على دعم الاتصالات والكهرباء. بمعنى آخر يمكن لتلك المؤسسات الثلاث دعم السوق وإنقاذها بأكملها عبر دعم ثلاث أو أربع شركات قيادية فقط بمبالغ في متناول تلك المؤسسات وبعوائد منافسة لما يحققونه من استثماراتهم الأخرى.

بقي السؤال المهم: من هو صاحب القرار؟ بالطبع لا بد أن نتعامل مع قرارات كهذه وفق قواعد ومنطلقات استثمارية بحتة بعيداً عن العاطفة، ومن ثم فإن تلك القرارات يُرجع فيها إلى مجالس إدارة تلك المؤسسات التي يرأسها وزير المالية فيما يخص صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتقاعد، ووزير العمل فيما يخص المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وهنا لا بد من التوكيد على أن هذه ليست دعوة لتدخل حكومي مبطن في السوق أو تكليف تلك المؤسسات الثلاث بعمل خارج عن اختصاصاتهم خدمة للصالح العام بل هو تفعيل لآليات السوق وخدمة لمصالحهم الاستثمارية للحفاظ على أقيام جيدة لمحافظهم في تلك الشركات القيادية، وهو مسلك طبيعي تمارسه المؤسسات المماثلة في الأسواق المالية الناضجة على مدار الساعة.

أحسب أن الفكرة قد وصلت، ولا حاجة لمزيد من التبرير أو التفصيل .