المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب الرزق



ارين
30-07-2011, 02:38 PM
إن من الهموم التي تسيطر على كثير من الناس مسألة الرزق
فترى الواحد منهم وخصوصا من ذوي الدخل المحدود والمعتمدين كليا على الراتب في مصاريفهم وإنفاقهم على أنفسهم وأولادهم ..
في نهاره يعصره همه الخصومات من مرتبه ويترقب القرارات الصادرة في زيادة راتبه وفي الليل تسيطر عليه كوابيس شتى فهو يعيش في رق الوظيفة ليله ونهاره
هذه طبيعة الدنيا لا يصفو فيها حال إلا بشئ من الكدر

تذكر أخي المسلم إن الناس على اختلاف طبقاتهم من غني وفقير وكفيل ومكفول ورئيس ومرؤوس
بأنهم لن يصلهم من الدنيا إلا ما قدّر الله لهم، فقد كتب الله جل جلاله رزقك يا ابن آدم وأنت في بطن أمك.
إنك أخي المسلم تدعو ربك في كل صلاة فتقول :
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

فهل تدرك معنى هذه الدعوة ؟
لقد كان هذا أكثر ما يدعو به المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إنه سؤال الرب عز وجل أن يؤتيك من الدنيا ما تتعفف به عن الآخرين وتكتمل لك السعادتان سعادة الدنيا وسعادة الآخرة

إن التمسك بشرع الله حقاً من أعظم أسباب كسب الرزق وزيادته ونماءه وذلك أن تعمل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

وينبغي أن نعلم جيداً بأن ما يُذكر لا ينتفع به صاحبه وإن فعله وطبقه إذا ضعف يقينه بالله ، هذا إن فعل فكيف بالذي لا يفعل ما يذكر به
فاحذر أخي المسلم وأنت تسمع نصوص الكتاب والسنة أن يضعف يقينك في كلام الله وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم
فرقٌ بين من يعمل العمل وهو يستيقن أن الله عز وجل وعده صدق وكلامه حق وبين من يقرئه وهو متردد في ذلك.

إن من أعظم أسباب الرزق ..

* التوبة إلى الله، والرجوع إليه واستغفاره

قال تعالى .. "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً "

نعم يوجد فئات كثيرة من المستغفرين ربما يستغفرون كثيراً لكنهم لا يزدادون إلا فقراً، فتسأل؟
الجواب: أنه استغفار اللسان فقط
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات السابقة: إي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وسقاكم ربكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض وأنبت لكم الزرع وأدرّ لكم الضرع وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها.

قل لي بربك أيها المؤمن: هل في يوم من الأيام - واستعرض شريط حياتك - هل في يوم من الأيام لما ضاقت بك السبل وضاق عليك أمر المعاش لجأت إلى الله تعالى بالإستغفار والتوبة.

شكى رجل إلى الحسن البصري شدة الجدب ونقص الماء فقال له: استغفرالله. . وشكى آخر الفقر فقال له: استغفرالله. . وقال ثالث: يا أبا سعيد أدعوا الله أن يرزقني الولد فإني عقيم، فقال له: استغفر الله. . وشكى رابع جفاف بستانه فقال له: استغفر الله. . فقال أحد الجالسين: أتاك رجالاً يشكون أنواعاً فأمرتهم جميعاً بالاستغفار
فقال الحسن رحمه الله إن الله تعالى يقول: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً.

فيا أيها الأحبة إن كلام الله حق وصدق، فإذا ما استغفرت يا عبد الله ولم تجد نتيجة فاعلم أن الخلل فيك أنت لا في غيرك، وأن استغفارك لم يتجاوز اللسان، فابحث في حالك وفتش في نفسك، لعلك واقع في ذنب عظيم حرمك الله بسببه أثر الاستغفار.

* تقوى الله عز وجل في السر والعلن والخوف منه وامتثال أمره واجتناب نهيه والبعد عن المعاصي

قال الله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب

قال ابن كثير رحمه الله: أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهةٍ لا يخطر بباله.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أكبر آية في القرآن فرحاً ومن يتق الله يجعل له مخرجاً.

وقال تبارك وتعالى: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون "

أين نحن أيها المسلمون المؤمنون بنصوص الكتاب والسنة من هذه الآيات
أين الذين يخافون على أرزاقهم إذا تركوا العمل المحرم
أين الذين يظنون أنه لن يتقدم اقتصاد المسلمين إلا إذا ربط باقتصاد الغرب من يهود ونصارى
ألا يقرؤون هذه الآية .. إنه ليس رزقاً بسيطاً تحصل به الكفاية، كلا، لكنه فتح من الأرض وفتح من السماء، ولو فتح الله باب السماء للعبد والمجتمع والأمة فمن الذي سيمنعه أو يوقفه أو حتى ينقصه ويقلله

كثير من المسلمين يقعون في مخالفات شرعية ويقعون في محرمات كالربا والعقود المحرمة والتعاون على الإثم

فيا سبحان الله كيف تريد البديل من الله وأنت لم تترك المحرم ابتداءً من أجله، ثم أنت وحدك المسؤول عن المحرم الذي فعلته، والبديل هو الترك أولاً.

وثانياً: ينبغي أن تعلم أنت وغيرك بأن الفتح من الله لن يحصل إلا إذا صدق اعتماد العبد عليه وكمل يقينه بموعود الله.

إن القضية تحتاج منا إلى عزيمة إيمانية يعاهد العبد ربه على التقوى وترك المحرم، وبعد ذلك ينتظر الفرج من رب كريم رحيم لا تنقص خزائنه ولا ينقطع خيره.

* صلة الرحم وهم الأقارب وكل من بينك وبينهم نسب

وصلة الرحم معناه تقديم الإحسان بكل أنواعه حسية ومعنوية وسواءً كانوا صغاراً أو كباراً نساءً أو رجالاً يسكنون في بلدك أو بعيدون عنك

روى الامام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه "

لعلك أخي المسلم تستغرب إذا وجدت بعض المسلمين قد فتح الله لهم أبواب تلو أبواب من الرزق وهم قليلو النشاط وضعيفو الخبرة قياساً بغيرهم من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة
ولكنك إذا فتشت عن حاله وجدته ممن يصل رحمه بل أن بعض العصاة والفساق بل وبعض الفجرة قد تنمو أموالهم بسبب صلة الرحم
واقرأ لما رواه ابن حبان في صحيحه بسند جيد عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة له من قطعية الرحم، والخيانة، والكذب، وإن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا "


* الإنفاق في سبيل الله .. فمتى ما أنفقت من مالك كان ذلك سبباً لكثرته، وهذه قاعدة صحيحة في باب الرزق، كلما أخرجت زاد المال لا كما يظن الماديون أنهم ينقص إذا أخرج زكاته أو تصدق
قال الله تعالى:" وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين "

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: أي مهما أنفقتم من شيء مما أمركم الله به وأباحه لكم فهو يخلفكم ويخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، ولذا لما أمر الله عز وجل بالإنفاق في سبيل الله
قال بعد ذلك الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم

قال ابن القيم رحمه الله:
إن وعد الشيطان لابن آدم بالفقر ليس شفقة عليه وليس نصيحة له، وأما الله عز وجل فإنه يعد عبده مغفرة منه لذنوبه وفضلاً بأن يخلف عليه أكثر مما أنفق وأضعافه، إما في الدنيا أو في الدنيا والآخرة.

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الله تبارك وتعالى:
" يا ابن آدم أنفق أنفق عليك "

" ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدها: أللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا " رواه البخاري

" أنفق يا بلال ولا تخش من ذا العرش إقلالا " رواه البيهقي.

قد يكون الريال الواحد الذي تنفقه في سبيل الله بصدق وإخلاص أعظم من المليون الذي ينفقه غيرك لأنه أراد الشهرة مثلاً والله هو أعلم بالنيات قال الله تعالى:
" من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف لهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون "

واعلم إن العناية بالضعفاء والمحتاجين من أعظم أسباب الرزق لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:
" هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم "

* التعبد الحق لله عز وجل وذلك أن تعبد الله بقلب فارغ عما سواه

لا تعبد ربك وأنت تفكر في غيره
روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم: تفرغ لعبادتى أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أسد فقرك "حديث صحيح.

والتفرغ المطلوب لا يعني ترك كسب الرزق فيصير العبد عالةً على غيره بل ذلك بأن يفرغ العبد قلبه أثناء العبادة عما سواه، فمثلاً الصلاة، لا تكن من الذين يصلون بأجسادهم وقلوبهم تحلق يميناً وشمالاً.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا

* المتابعة بين الحج والعمرة، وذلك بزيارة البيت الحرام كلما سنحت الفرصة

روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" تابعوا بين الحج والعمرة "
وفي رواية: (" أديموا الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة "

* الهجرة في سبيل الله

قال الله تعالى: " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة "
ومعنى مراغماً: أي سبباً لإرغام أنف أعداء الله، وكم من رجال هاجروا فأغاظوا أعداء الله تبارك وتعالى، فيحصل هذا مع السعة، وهو السعة في الرزق كما فسرها حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.

* التوكل على الله حق التوكل وذلك بأن يعتمد القلب على الله وحده

روى الإمام أحمد والترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطانا "

* أن تنفق على طلبة العلم الشرعي

وهذا باب مع كل أسف غفل عنه الكثيرون، فتراه ينفق على فقير محتاج، لكن إذا دعي لمشروع دعوي من أجل طلب علم شرعي، أو حلقات تحفيظ القرآن الذي هو أعظم العلم تراه يحجم ولا يشارك ويقول بأن سد حاجة الفقير أولى، وهذا خطأ أحياناً.

روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: كان إخواني على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم – قال الشارح: أنه يأتيه لطلب العلم – والآخر تحترف – يعني عنده صنعة –
فشكى المحترف أخاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: " لعلك ترزق به ".

وقد ذكر بعض أهل العلم أن المتفرغين لطلب العلم الشرعي داخلون في قوله تعالى:
" للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً "

لا شك أن الرزق في الدنيا والسعي فيها أمر يحرص عليه كل مسلم بلا استثناء
ولا شك أيضاً بأن العاقل من سلك هذه الأسباب الشرعية التي مر ذكرها

وخير من ذلك كله أن ترتفع همة الصبر عند العبد فينظر ببصيرته إلى نعيم الآخرة
إلى تلك الدار التي لا يلحقها فناء ولا يكدر صفوها موت أو مرض

ولذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة "