تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سوق الأسهم بين سندان الطمع.. ومطرقة الهلع!!



شمعة الحب
17-05-2006, 07:51 PM
سوق الأسهم بين سندان الطمع.. ومطرقة الهلع!!
عبد الحميد العمري - 19/04/1427هـ
abdulhamid@aleqt.com

إنه موضوع الساعة، بل اللحظة! سوق الأسهم وما أدراك ما سوق الأسهم؟! السوق الذي اقتحم ربوعه في حدود الثلاث سنوات ما يقارب ثلاثة ملايين مستثمر! فجأةً اكتشف الجميع مصدراً للثروة لا يُعادله أي شيء آخر؛ حتى وإن كان كنزاً في "غار" خريطته في اليد! بيتٌ لم تكتمل بعد بنيانه، وسكانٌ أكثر من طاقته الاستيعابية، أغلبهم لا يعرفون مدخله من مخرجه، ولا حتى كيف ينتقلون داخله، تلك باختصار قضية هذا المقال؛ الذي يمثل الحلقة الأخيرة من سلسلة حقيبة الإصلاح التي فتحت ملفاتها منذ أكثر من شهر مضى! وقبل أن أدلف إلى الدهاليز الاستثمارية في سوقنا المحلية، دعوني أستعرض معكم حقائق أرقام وإحصاءات حقيقية ليست أبداً من نسج الخيال، بل هي نتائج قرارات استثمارية دارت رحاها في عمق السوق المحلية خلال الفترة الماضية، للخروج بما يمكن الاستفادة منه مستقبلاً، ولكيلا تتكرر خسارة 1.6 تريليون ريال ذهبت أدراج الرياح.
بدايةً تشير أرقام وإحصاءات الشركات المساهمة الصغيرة الحجم التي يغلب على تداولاتها طابع المضاربة العشوائية، ولا تتجاوز نسبة إجمالي قيمتها السوقية إلى إجمالي القيمة السوقية للسوق أكثر من 3.4 في المائة "60.6 مليار ريال" حسب إقفال يوم الإثنين 15 أيار (مايو) 2006 إلى عددٍ من الحقائق التي تفرض على المستثمرين عموماً مراجعة كثيرٍ من قراراتهم الاستثمارية؛ أولها: استأثرت الصفقات المنفذة من قبل المستثمرين على تلك الشركات المساهمة خلال فترة ما قبل التراجع الحاد للسوق بنحو 48 في المائة من إجمالي صفقات السوق! وهو معدل مقاربٌ تماماً لمتوسط السنوات الثلاث الماضية، في حين كان لا يتجاوز 26 في المائة خلال عام 2001، علماً أن تلك النسبة وصلت في شباط (فبراير) الماضي إلى 64.1 في المائة من إجمالي صفقات السوق. ثانياًً: استأثرت أيضاً قيمة تداولات تلك الشركات خلال فترة ما قبل التراجع من هذا العام على 43 في المائة من الإجمالي، ويماثل أيضاً المتوسط خلال السنوات الثلاث الماضية، مقابل 15 في المائة فقط من قيمة تداول عام 2001. ثالثاً: نتساءل هنا هل هناك ما يبرر زيادة إقبال أغلب المتعاملين في السوق على أسهم تلك الشركات، كزيادة في أرباحها الصافية من نشاطها الأساسي، أو قوة في أدائها وإنتاجيتها، أو أن هناك خططا مستقبلية تنم عن وجود فرص استثمارية واعدة تحفز فعلاً على الاستثمار فيها؟! هل هي "مفاجأة" إذا اكتشفنا أن أيا من تلك المعطيات وغيرها من المحددات التحليلية الأساسية لا تشير على الإطلاق إلى وجودها حتى بما يملأ "دلو ماء"! المفاجأة الحقيقية أن أغلب المتعاملين في السوق المحلية يعلمون تماماً بهذه الحقيقة الساطعة، دع عنك من يبيع ويشتري في أسهمها "حسب التوافيق" وبناءً على الشائعات المتواردة من هنا ومن هناك!
ما سبق يُشير بجلاءٍ لا يقبل الجدال إلى وجود اختلالاتٍ كبيرة في كثيرٍ من جوانب سوقنا المحلية، وأن حجم العمل والجهد اللازم لمعالجة تلك الاختلالات بحاجةٍ قصوى إلى طاقاتٍ وقدراتٍ هائلة، هذا عدا الاستغلال الأمثل للوقت لأجل التحرّك بالسوق المالية من واقعها الراهن، إلى واقعٍ آخر أفضل وأكثر عمقاً ومتانة واستقراراً. إن حل تلك المعادلة المعقدة كفيلٌ بتحققِ الأهداف النهائية لأجل خلق سوقٍ مالية ناضجة، متقدمة، ومكتملة البناء، تتوافر لديها القدرة الكافية للقيام بدورها الحقيقي في دعم الاستقرار الاقتصادي، وتحفيز قوى القطاعات الحيوية فيه لتحقيق مزيدٍ من النمو الحقيقي الذي يلبي فعلاً متطلّبات التنمية الشاملة. الإجابة على تفاصيل هذا "الحلم الجميل" يتطلّب دراساتٍ مستفيضة، وما سأسرده هنا لا يتعدّى كونه عناوين رئيسة لحقولٍ من العمل المخلص المستمر، والجهود العملاقة، والأفكار الخلاقة التي يجب أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ على وجه السرعة. نظراً لعمق الاختلالات القائمة في السوق المحلية واتساع رقعتها، وأيضاً لحساسية عامل الزمن هنا، فإن أمامنا العديد من نقاط الانطلاق التي تتطلب فعلاً البدء منها في الوقت نفسه، إحداها وليس أولاها: العمل الدءوب والمستمر والواسع النطاق على رفع مستوى الوعي الاستثماري والمالي في المجتمع السعودي، من خلال أنظمة التعليم، ومن خلال البرامج التدريبية المتخصصة، والنشر الإعلامي المتخصص في الجانب المالي والاقتصادي، ومن خلال الإصدارات التثقيفية استثمارياً المبسطة في طرحها كالتي بدأت في إصدارها هيئة السوق المالية، كما تقع على البنوك المحلية ومكاتب الوساطة المالية مسؤولية الإسهام الفاعل في هذا الجانب من خلال تمويلها تلك البرامج والندوات والمطبوعات، إضافةً إلى فتح المجال أمام الخبراء والاستشاريين الماليين فيها للمشاركة في تنفيذ تلك الأنشطة بمختلف أشكالها. أيضاً: الإسراع في إكمال بناء البنية التحتية للنظام المالي للسوق حسب ما نصَّ عليه نظام السوق المالية، واستمرار إصدار لوائحه التنفيذية، والتطبيق التام لجميع مواد وفقرات تلك الأنظمة. أيضاً: زيادة عمق السوق، والتشجيع على تحوّل مختلف أشكال الشركات غير المساهمة - خاصةً الشركات العائلية - إلى شركاتٍ مدرجة في السوق. أيضاً: تقديم الدعم الكامل والمستمر لجهود هيئة السوق المالية كونها جهازاً حديث التأسيس، والتعاون معها من قبل بقية الجهات الاقتصادية الرسمية "وزارة المالية، مؤسسة النقد، وزارة التجارة، وزارة الاقتصاد والتخطيط"، إضافةً إلى الدور المطلوب من الجهات الرئيسة في القطاع الخاص على رأسها مجالس الغرف التجارية والصناعية. أيضاً: من شأن الإسراع في بناء البنية التحتية للنظام المالي للسوق، وتحقيق التقدم على هذا الطريق أن يدعم اتساع نمط "الاستثمار المؤسساتي" من بنوك استثمارية، مؤسسات وساطة مالية، وصناديق استثمارية، التي بدورها ستدعم كثيراً استقرار السوق، وتجنبه كثيراً من مخاطر التذبذبات الحادّة؛ خاصةً الناشئة عن القرارات العشوائية التي تصدر من المستثمرين الأفراد ممن تنقصهم الخبرة والدراية، ويزداد الأمر أهمية إذا علمنا أن حجم تلك المؤسسات لا يتجاوز في الوقت الراهن أكثر من 3.2 في المائة من السوق. خطواتٌ إصلاحية تمثل غيضا من فيض العمل العملاق لأجل إخراج سوقنا من بين "سندان الطمع ومطرقة الهلع" بسبب "فقر الوعي الاستثماري" إلى داخل الحدود الواسعة للرشد والوعي الاستثماري. والله من وراء القصد.