تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : البنوك .... الإغراء في الأول والبيع في الآخر



شمعة الحب
19-05-2006, 04:29 PM
البنوك .... الإغراء في الأول والبيع في الآخر
د. هاشم بن عبد الله الصالح - جامعة الملك فيصل ـ الدمام 21/04/1427هـ
hsaleh_sa@yahoo.com

لعل الجميع الآن بات متيقنا أن حالة السوق للأسهم السعودية قد تجاوزت كل التوقعات, فالتصحيح بات انهيارا والانهيار مع كل صبيحة يوم يزداد عمقا ويحمر لونا ويوجع ضربا في المساهمين. وبالرغم من كل الإجراءات التي اتخذت لتعيد الثقة والاطمئنان بالسوق إلا أن السوق سرعان ما يعاود تقهقره مما يعمق من جراح المساهمين ويزيد من هوة الشك من عودة قريبة وحتى متوسطة إلى حالة التعافي وتعويض الخسائر التي تراكمت في الأشهر الثلاثة الماضية. هذه الردة العنيفة في أسعار الأسهم بقياديها حيرت خبراء السوق وجعلتهم يتخبطون في تشخيص العوامل والأسباب وبالتالي جاءت توقعاتهم وتنبوءآتهم إما متعارضة مع بعضها بشكل يزيد من إرباك المساهمين ويرفع من حالة التوتر والقلق عندهم أو إنها تطرح على شكل أمنيات وأمال لحالة أفضل في المستقبل. أما تشخيص حالة السوق وتحديد الأسباب الحقيقية التي جعلت من انهيار الأسعار بشكل عنيف ومن ثم محاولة معرفة العوامل التي تمنع من ارتداده وتقاوم من عودته إلى الحالة الطبيعية فهي أمور ما زالت تطرح بشكل مرتجل ومن غير المختصين وذوي الخبرة في هذا المجال. لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن البنوك كانت لها يد طويلة ومؤثرة في دفع السوق إلى مستويات غير صحية, ومن بعد كانت نفس اليد تفعل فعلها لتعميق شدة انحدار السوق وهذا ما جعلنا نتساءل هل لبنوكنا حق من دور اقتصادي وتنموي وهل هي فعلا مارست دورها الوطني لمساعدة المواطن في توظيف موارده التي تراكمت عنده بفضل حالة الانتعاش الاقتصادي التي تعيشه المملكة أم أن الأمر كان مجرد فرصة لها لتضخيم أرباحها وملء خزائنها. نعم وبكل أسف, فإن بنوكنا الوطنية قد استغلت ضعف درايتنا بالسوق وقلة خبرتنا في تجارة الأسهم ونحن الذين وثقنا بهم وأحسنا الظن بنواياهم واطمأننا لخبراتهم فارتضينا مشورتهم وقبلنا قروضهم وبصمنا على شروطهم وبعدها اكتشفنا كم نحن بسطاء وطيبون وكم هم لاعبون ماكرون. وإذا أردنا أن ننتقل من الشجون إلى الشؤون فعلينا أن نتلمس كل الممارسات الخاطئة التي قامت بها البنوك لكي نأخذ منها دروسا نستفيد منها في الحاضر ونحصن بها سوقنا واقتصادنا المحلي في المستقبل ويبقى عندنا أمل وتطلع إلى بنوكنا لتعميق وطنيتها وتكريس محليتها وتطويل نظرتها والتقليل من أنانيتها لأنها في النهاية هي لنا ونحن لها وكلنا للوطن. ففي النقاط التالية وقفة مختصرة لجملة من الممارسات الخاطئة التي إن قامت بها البنوك باجتهاد وحسن نية فهي بالتالي بحاجة إلى مراجعة وضعها وخبراتها, وإن كان في الأمر لعبة وإغراء لامتصاص السيولة الموجودة والفائضة, كما ادعى وروج لها الكثير من المحللين مع شديد الأسف فإنها بحاجة إلى وقفة محاسبة وتصحيح للعلاقة بيننا وبينهم.
1- لقد اتبعت البنوك سياسة لإغراء عملائها بأخذ قروض والمضاربة بها في سوق الأسهم كانت من الصعوبة مقاومتها وعدم الاستجابة لها. فالأرقام كانت تشير إلى وجود أكثر من 100 مليار ريال على شكل قروض مستثمرة في سوق الأسهم وهذا بحد ذاته يكشف لنا شدة هجمة الإغراء والتسهيل الذي تعرض لها المواطنون من قبل البنوك. فهل يعقل أن البنوك وهي مؤسسات مالية واستثمارية وعندها من الخبراء والمحللين السعوديين والأجانب كانت غير مدركة لمخاطر المتاجرة بالأسهم أم أن الأمر كان لا يعنيها وبالتالي لم تكلف نفسها بتوعية عملائها ومساعدتهم على ترشيد قراراتهم الاستثمارية.
2 - لقد اتبعت البنوك سياسة فيها من الشروط والالتزامات القاسية ما يعطي للبنك صلاحيات واسعة لحماية حقوقها ولكن كان المقترض لا يعيرها اهتماما لأنها تذكر له بعد أن سمع ما يكفيه من الإغراءات لأخذ القرض وبالتالي فالتوقيع عليها هو من باب استكمال الأوراق ليس إلا. صحيح أن المطلوب من الإنسان أن يعي وأن يدرك مخاطر وعواقب ما يلتزم به ويوقع عليه ولكن كان الناس يرون أن علاقتهم بالبنوك هي أكثر من مجرد علاقة مصلحة وخصوصا عندما تخاطب هذه البنوك مشاعر الناس بكلمات وعبارات توحي لهم باهتمام البنك بهم والحرص على مصالحهم.
3 - إلى جانب القروض الكبيرة التي كانت البنوك تعطيها للأفراد للمتاجرة بها في السوق, كانت البنوك في سباق لطرح محافظ استثمارية جديدة وهذا الأمر جعل البنوك هي الطرف الأقوى في توجيه السوق صعودا لسحب سيولة الناس وهبوطا وانهيارا عندما تورط الجميع في استثمار ما يملكون وما لا يملكون.
4 - هناك إحساس لدى الكثير من الناس بأن البنوك قد أقامت علاقات خاصة ومميزة مع الهوامير وكبار المضاربين في السوق, وهذه العلاقة أثرت بشكل كبير على شفافية السوق وعلى قدرة الهيئة على متابعة البعض من الممارسات الخاطئة وغير المشروعة والتي كان لها دور كبير في صعود أو هبوط أسهم بعض الشركات. لعل إعطاء البنوك مسؤولية التداول نظرا لغياب مكاتب الوساطة هو الذي أعطى هذا الدور للبنوك وبالتالي صار من الطبيعي أن يكون هناك توجس من أن يكون وراء هذه المعاملة الخاصة والمفضلة التي يحظى بها من يملكون حسابات كبيرة أمورا أخرى ربما قد ألحقت الضرر بمصداقية السوق. من الأمور المتفق عليها أن السوق السعودي وكذلك الأسواق الخليجية تعاني من مشكلة حقيقية ورئيسية وهي الشفافية, وأن هناك أطرافا عدة لها دور في إيجاد هذه المشكلة, وأن بقاء هذه المشكلة من دون حل لها سيعني في النهاية أن الاستثمار الخارجي في السوق السعودي سيبقى ضعيفا ومحدودا جدا إلا أن يكون هو الآخر مرشحا لأن يكون مشارك في اللعبة ومستفيد من تسريب المعلومات وهذا يعني المزيد من الأضرار للسوق.
5 - هذا الانحدار الشديد الذي شهده السوق جعل الناس يعتقدون أن البنوك كان لها دور رئيسي في تعميق هذا الانحدار واستمراره كل هذه المدة الطويلة وذلك بسبب مواصلة تسييلها لمحافظها الاستثمارية, وكذلك البيع المستمر لأسهم ممن لهم قروض من قبل البنك. صحيح أن السوق ولعوامل عديدة قد عانى من هبوط شديد ولكن في هذا الوقت الحرج كان من المنتظر أن يكون للبنوك دور إيجابي يسهم في تماسك السوق ولكن ما شاهدناه هو العكس, فالبنوك سارعت للتخلص من كميات كبيرة من أسهمها ولم يكن هناك تقدير صحيح وموزون لاستثنائية اللحظة وبالتالي ألحقت هذه الممارسات أفدح الأضرار والخسائر بالسوق عموما ومنها البنوك التي طالها أيضا نصيب كبير من هذه الخسائر.
6 - كان هناك لوم قاس وعتب شديد على المواطن العادي لتوجهه للمضاربة والسعي نحو الربح السريع وغياب النظرة الاستثمارية والمتأنية والمعقولة عنده, وبالتالي فهؤلاء المساهمون الصغار يتحملون كامل المسؤولية في صعود المؤشر إلى مستويات عالية جدا, وبهروبهم السريع يتحملون أيضا مسؤولية انهيار السوق. إذا كان المواطن العادي القليل الدراية بالاستثمار يلام لمضاربته فإن البنوك هي الأخرى كانت مضاربة وإلا كيف نفسر هذه العجلة في بيع أسهم المقترضين وكيف نفهم تسابق البنوك للتخلص من محافظها في وقت كان السوق بحاجة إلى إشاعة جو من الهدوء والاطمئنان.
ختاما, يمكن القول إن تجربة انهيار سوق الأسهم فيها الكثير من الدروس, فإذا أريد حقا تأسيس مناخ استثماري صحي فعلينا جميعا أن نعيد النظر في الكثير من ممارساتنا. فالبنوك هي من أهم المؤسسات المالية والاستثمارية التي يفترض أن يكون لها دور في تعزيز ثقة المستثمر المحلي والخارجي في الاقتصاد الوطني. إن بنوكنا المحلية مع شديد الأسف مازالت نظرتها الاستثمارية محدودة وقصيرة النظر. إننا لم نجد الحماس الذي أبدته هذه البنوك في تقديم قروض الأسهم في قطاعات تنموية أخرى مهمة. وحتى عندما كان السوق في شدة اخضراره وكانت عمولات المساكين من صغار المساهمين تتقاطر عليها كالمطر, كان هناك دونية في تعامل هذه البنوك مع هؤلاء المساهمين وهذا يضاف إلى ما نشهده من ضعف الخدمات والرعاية التي تقدمها لعملائها. ستبقى هذه البنوك مكونا رئيسيا في اقتصادنا الوطني وستبقى ثقة المواطن بها, ولكن نحن مقبلون على انفتاح المملكة على العالم فهل ستبقى بنوكنا تدار بعقلية المصلحة المحدودة والضيقة, عليهم التفكير جديا بتعزيز ثقة المواطن بهم وتحسين خدماتهم له وتوسيع مشاركتهم في بناء اقتصادنا الوطني لأن هذا هو الخيار الأسلم لهم ولنا وللوطن.