عابر سبيل
19-09-2011, 11:49 AM
مقال رئيس تحرير الوطن..بالأمس
مكارم «حَمد»
و «حمْد» النعم
أحمد بن عبدالله السليطي
http://www.al-watan.com/images/about/ahmad2.jpg
المكرمة الأميرية بزيادة الرواتب، والتي أعلنها سمو ولي العهد، حفظه الله ورعاه، بداية هذا الشهر، كانت تاريخية وغير مسبوقة، ولم تحدث في تاريخ أي دولة أو حتى شركة أو مؤسسة في العالم، ولذلك ذكرت عن هذه المكرمة ما قاله المتنبي «..وتأتي على قدر الكرام المكارم»، لأنها لا تأتي إلا من شخص ذي مقام رفيع وصاحب أخلاق نبيلة، بداخله قلب كبير يتسع للجميع، وهو حضرة صاحب السمو أميرنا المفدى، حفظه الله.
اليوم وبعد أن اطمأنت النفوس إلى ما ستؤول إليه معيشتهم، وحسب كل منا حسابه في التغيير الإيجابي الذي ستُحدثه هذه المكرمة الأميرية في حياته، كون أن هذه الزيادة لا تقتصر على ما أُعلن عنه فقط، بل هناك علاوات كعلاوة طبيعة العمل تصرف كنسبة مئوية من الراتب الأساسي، الذي ارتفع وبالتالي سترتفع أيضاً بعض العلاوات مع هذه الزيادة في الراتب الاساسي، وهو ما يعني ان المحصلة النهائية للزيادة في الراتب ستكون أكثر من 60% للمدنيين وأكثر من 120% للعسكريين.
وما من شك في أن استهداف الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية في الزيادة إنما هو دليل قاطع على أن صاحب القرار يريد الخير لـ«هلّ قطر» لأن هذه الزيادة ستذهب معهم إلى تقاعدهم وستبقى طوال فترة حياتهم حتى بعد تركهم العمل.. فبيّض الله وجهك يا صاحب السمو.
أقول اليوم وبعد أن فرحنا بمستقبلنا، تعالوا معاً نرى من وجهة نظري المتواضعة كيف يكون حمد النعمة وشكر الله عز وجل على ما نحن عليه من خير ورخاء وكيف يكون التطبيق السليم للآية الكريمة «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».
لقد مرّت علينا، نحن القطريين، في آخر ثلاثين سنة نعيشها الآن، أي منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، فترات من حياتنا، تراوحت ما بين الرخاء والشدة.. ما بين اليسر والعسر.. وكان تصرّفنا تجاهها يعتمد في المقام الأول على حسب ما كنّا نملكه من خبرة وتجارب في الحياة، ساعدت القليل منا في تعديل وضعه المعيشي، ووضعت الكثير منا تحت رحمة الديون ومنغّصات الحياة.
لا يوجد لديّ أدنى شك في أن بعض القوانين التي كانت تصاغ وتشرّع خلال الفترة الزمنية التي ذكرتها ساهمت بطريقة غير مباشرة في تحمل المواطن ارتفاع تكاليف الحياة، ولكن يبقى المسؤولون، أو الوزراء، أو أي مجلس وزراء مرّ خلال تلك الفترة، والذين ساهموا في سنّ تلك القوانين والتشريعات، أشخاصاً منا وفينا وبالتالي يحملون نفس تجاربنا البسيطة في تلك الفترات، والتي تراكمت عبر العقود الثلاثة الماضية كمجتمع وأفراد، وليس كدولة ومؤسسات، ووصلت بنا الى ما نحن عليه الآن من مستوى إدراك وفهم، نحن الذين نحظى بهذه النعم اليوم..
فبالتالي منا من أصبح مسؤولاً وأصبح يساهم بخبرته في التنمية، ومنا من بقي مواطناً عادياً يعيش حياته اليومية.
التاريخ يقول إن هناك طفرة حدثت في بداية الثمانينيات حصل خلالها الكثير من المواطنين على تثمين لمساكنهم القديمة أو ما يسمى «القص او القصوص»، وقد كانت ردة الفعل في النمط الاستهلاكي للمجتمع والافراد في تلك الفترة ان اشترى الكثير منهم السيارات «الكشخة» وكثرت سفرات لندن وانتعشت تجارة الأثاث والديكور، ولم نكن نعرف وقتها من هو الغني ومن هو الفقير بسبب تشابه المظهر لجميع اطياف المجتمع في ذاك الوقت، ولم يلتفت احد الى تأمين المستقبل الا من رحم ربي.
في تلك الفترة كان حلم الطالب هو التخرج والحصول على درجة «السنير» أو «نجمة عسكرية» ليحصل على راتب يدور حول 11 ألف ريال فقط... تصوروا؟.. راتب يساوي 11 ألف ريال شهرياً كان حلما لنا وكان صاحبه يحظى بقبول اجتماعي كبير، خصوصاً في الزواج لأن« فلان» ما شاء الله عليه «سنير» أو ضابط و«كدّاد» وأكثر ما كنا نسمع في تلك الفترة مقولة «تبي الناس يعايرونّا».
جاءت بعدها فترة التسعينيات، والتي مرت خلالها الدولة والعالم كله بفترة شح في الموارد وانخفاض في أسعار البترول، وأصبح الحصول على وظيفة في الحكومة مثل «بيض الصعو» نسمع به وما نشوفه، لأن الدولة كانت غير قادرة على استحداث وظائف في تلك الفترة، الأمر الذي انعكس سلباً على المجتمع والأفراد وخصوصاً أصحاب «الزبو» أو أثرياء القصوص، الذين لم يحسنوا استغلال طفرة الثمانينيات، وظلوا يعتمدون على الدولة في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم، وبالتالي أصبح الكل يراجع نفسه في استهلاكه وطريقة معيشته.. وانتشرت في هذه الحقبة ظاهرة تأجير السجل التجاري للأجانب، وهو الذي لا يُمنح الا للمواطنين، رغبة من الدولة في دعم مواطنيها في ممارسة التجارة، لتحسين وضعهم المعيشي، ولكن ذلك لم يحدث واستفاد مؤجرو السجلات التجارية من هذه الميزة الممنوحة لنا. ومن تابع لقاء سعادة وزير الاقتصاد والمالية مع الوطن، يعرف كيف كانت الأوضاع المالية في حقبة التسعينيات، وكيف كان رهان سمو الأمير، حفظه الله، على المستقبل، والعبور بالدولة والمجتمع القطري الى ما نحن عليه الآن، وهو الأمر الذي تطلب الكثير من التضحيات والصبر.
دخلنا بعدها العقد الأول من الألفية الثالثة، وهي فترة تحقيق ما كان يخطط له سمو الأمير من تنمية مستدامة للمجتمع.. وكانت هناك طفرة أخرى تحدث في المجتمع القطري، ولكنها مختلفة نوعاً ما.
طفرة تقوم على تطبيق المثل القائل «إذا أعطيتني سمكة فإنك أطعمتني يوماً واحداً ولكن إذا علمتني كيف اصطاد السمك فإنك أطعمتني طول عمري»، فقامت تلك الحقبة القريبة من أيامنا هذه وما صاحبها من رخاء، على استحداث الكثير من الوظائف، وزيادة الرواتب، والأهم كله هو الطريقة المثلى والنموذجية في توزيع الثروة، بتخصيص شركات النفط والغاز والاتصالات والبنية التحتية، وكذلك إنشاء الشركات وإدراجها في البورصة، فسنحت لنا كقطريين الفرصة مرة اخرى لتعديل الوضع المعيشي، والارتقاء بمستوى الدخل، بسبب اصرار سمو الأمير على أن تكون هذه الشركات للقطريين والقطريين فقط وليس للمؤسسات او الأجانب الذين دخلوا بنسبة معينة لاحقاً، لدعم السوق، والتوافق مع متطلبات النمو الاقتصادي.
كان النمط الاستهلاكي في تلك الفترة قائما على طلب الثراء السريع والمضاربة الخطرة، وانتشرت ظاهرة تأجير أخرى هذه المرة هي ظاهرة تأجير البطاقات الشخصية في الاكتتابات في أسهم الشركات، وكذلك كان الانجراف وراء مظاهر النجاح اللحظي في شراء وبيع الأسهم والأراضي والعقارات إلى أن تورط الكثير منا في الديون، مما جعل حياتنا مرهونة بتدخّل الدولة مرة أخرى لإنقاذ الاقتصاد من خلال حقن الحلول المؤقتة لمعالجة تورط الأفراد والمؤسسات المالية بسبب التهور في ممارسة حقوقها تجاه النمو الحاصل في الاقتصاد والتنمية المستدامة التي منحها سمو الأمير لنا.
اليوم ندخل العقد الثاني من الألفية الثالثة، وهي بداية دخول الأربعين سنة في الفترة التي أتحدث عنها الآن.
دخولنا هذا يحمل تجارب مرت علينا نحن أغلبية المواطنين، ويكاد يكون السواد الأعظم من القطريين شاهد فترة الثمانينيات وعاش التجربة بنفسه في التسعينيات وعاش كذلك تجربة العقد الأول من الألفية الثالثة.
اليوم أمامنا حوالي عشر سنوات من عمرنا حتى نصل الى موعد بطولة كأس العالم، التي ستقام عندنا، وسيتم خلال هذه الفترة صرف مبالغ في الاقتصاد تصل إلى نصف تريليون ريال قطري على مشاريع التنمية.
بعد كأس العالم، وحتى نصل إلى عام 2030، سيكون هناك حوالي عشر سنوات أخرى، ذلك الوقت الذي سيكون فيه تحقيق رؤية الدولة في تنمية أركانها من افراد واقتصاد ومجتمع وبيئة، وما يصاحب ذلك من برامج تطويرية لنا في تعليمنا وعملنا، وإكسابنا مهارات تساعدنا نحن أفراد المجتمع وعماد الرؤية على تحقيقها.
هذا الكلام يعني أنه يوجد في منظورنا، نحن الذين نعيش هذا الوقت، والذين تمتعنا بطفرات الألفية الثالثة، سواء ما حصل في العقد الأول أو الزيادة التي جاءت بالأمس، يوجد أمامنا عشرون سنة مقبلة فيها ما فيها من فرص لتعديل الوضع المعيشي، وتحقيق الثراء، الذي يحقق حياة كريمة لنا ولأسرنا، والأجيال القادمة من بعدنا، وذلك من خلال حُسن التعامل مع هذه الزيادة التي حصلت لنا بطريقة إطعامنا الأكل طول عمرنا مادامت حدثت في الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية.
الأسئلة التي أود أن أطرحها بعد هذا السرد التاريخي لما حصل لنا من طفرات مالية وشح مالي خلال الثلاثين سنة الماضية هي كيف سنتعامل مع هذه الطفرة التي حصلت لنا اليوم؟..
هل سنستغلها في شراء السيارات الكشخة فقط؟..
هل سنستغلها في السفرات للخارج؟..
هل سنستمر في تأجير بطاقاتنا الشخصية عند الاكتتاب في أسهم الشركات؟..
هل سنتحايل على قانون التستر ونؤجر السجل التجاري للأجانب؟.. هل سنعتمد على الدولة في مكافحة غلاء الأسعار ونصارخ مثل غيرنا «فين حماية المستهلك»؟..
هل سنشتري أسهما للمضاربة ونرسم «توقع واحد» فقط هو أن الأسهم بتصعد، دون أن نتوقع الهبوط؟ ونقعد طول يومنا نحلم بتحقيق الربح السريع؟..
هل سنتورط في شراء «أراضي» ما نعرف مكانها وين من اجل الربح الوقتي؟..
هل سنحلم بتكوين ثروة تعتمد على ديون مربوطة بالراتب، ودون ان يكون لدينا دخل منها يساعدنا في النمو؟..
هل سنستمر في مقولة «تبي الناس يعايرونّا»؟..
هل سنفتي كلنا في البورصة ونتحول الى خبراء ومحللين ماليين ونعطي النصائح الاستثمارية عشان نورّط الناس؟..
هل سننجرف وراء إغراءات البنوك في الحصول على قروض منها دون أن نفكر في احتياجاتنا وبعدها «نتحندى في وطني الحبيب»؟..
هل سنعيد تجاربنا السلبية مرة ثانية وبعد عشر سنوات من الآن نطالب الدولة مرة أخرى بزيادة الرواتب الى ان نصبح مثل اليابان، نشتري حبة التفاح الواحدة بثلاثين ريالا او عشرة دولارات؟..
أليس من المفروض ان نتخلص من ديوننا العالقة وبعدها نقرأ التاريخ جيداً حتى لا يحكم علينا بإعادة أحداثه؟
طيب الناس في تلك الفترات.. كان عندها اعذارها من ضعف الحال وقلة الحيلة والدبرة والفهم المتأخر لكيفية اغتنام الفرص وضعف المستوى التعليمي، اما اليوم فأيش راح يكون عذرنا؟
ليش ما نبحث عن الاستثمار الآمن وطويل الأجل في أسهمنا بدلاً من المضاربة؟..
ليش ما نسأل المختصين واصحاب التجارب الناجحة بدلاً من خبراء السكيك والشوارع؟..
ليش ما نمارس التجارة بأنفسنا حتى لو تطلب منّا الامر ان نعمل مساء في تجارتنا بدلاً من تأجير السجل التجاري؟..
ليش البنوك تفكر بانفسها من خلال اغرائنا بالقروض وما نفكر احنا بانفسنا..
ليش ما نكافح الغلاء في الاسعار بمقاطعة المحلات التي تستغل الطفرات واستخدام التكنولوجيا الحديثة من بلاك بيري وانترنت لنشر القوائم السوداء للتجار، والحلول البديلة بدلاً من استخدام البلاك بيري لنشر الاشاعات وتتبع عورات «خلق الله» والتحدث عن انفسنا بتفاهة؟..
ليش ما نترك المتشائمين والمتذمرين دائماً ونبحث عن الطموحين والمتطلعين عشان نصير مثلهم؟..
ليش ما نستثمر في تعليم عيالنا بدلاً من تدليلهم بثروة وهمية وغير موجودة عن طريق الصرف الباذخ عليهم وتركهم يتسكعون بشحومهم في المجمعات التجارية؟..
ايش يعني نصبر اربع او خمس سنوات بنفس مستوانا المعيشي الحالي في سبيل استثمار طفرتنا المالية صح، والاستمتاع بها طول العمر، ترى مكة ما عمرت في يوم، ومصاريفنا راح تزيد ومتطلباتنا راح تكبر، وانا اقول خلونا نترك مطالع الغير وثقافة الكخ والوع والناس اللي مالها الا تكسّر مجاديفنا، ولازم نحسب حساب بكرة ترى النعمة زوّالة وعيب علينا نعتمد على الدولة في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا.
كلامي هذا لا يعني ان الحياة وردية وجميلة وانه لا يوجد اي شيء خطأ في حياتنا، فأنا الحين أتكلم عن الزيادة المالية التي صارت في حياتنا وكيفية تعاملنا معها، وأما الجانب الآخر من الحياة من متابعة الأخطاء ومعالجة السلبيات في المجتمع، فهذا امر مفروغ منه وكلنا لازم نقوم فيه، واحنا في الصحافة اولكم.
الايام تمر سريعة، والحياة تسير ولا تتوقف، وكل هذا يُحسب من اعمارنا التي نعيشها، والانسان العاقل يحسن استغلال وقته وجهده، ويشكر ربه على النعم بالعمل، ولا يفرّط في حقوقة الممنوحة له، ويحافظ على ما حققه من مكتسبات معيشية، تضمن له ولأبنائه حياة كريمة.
إذا استطعنا أن نحقق كل هذه الفرضيات، فإن ذلك سيكون هو إحساننا الذي نرد به على إحسان الدولة لنا.
http://www.al-watan.com/(S(i1ay4445xyo0rc55elsa2345))/viewnews.aspx?n=DA215E59-98AC-4CC5-9CE1-D544F36D7C81&writer=1&d=20110919
مكارم «حَمد»
و «حمْد» النعم
أحمد بن عبدالله السليطي
http://www.al-watan.com/images/about/ahmad2.jpg
المكرمة الأميرية بزيادة الرواتب، والتي أعلنها سمو ولي العهد، حفظه الله ورعاه، بداية هذا الشهر، كانت تاريخية وغير مسبوقة، ولم تحدث في تاريخ أي دولة أو حتى شركة أو مؤسسة في العالم، ولذلك ذكرت عن هذه المكرمة ما قاله المتنبي «..وتأتي على قدر الكرام المكارم»، لأنها لا تأتي إلا من شخص ذي مقام رفيع وصاحب أخلاق نبيلة، بداخله قلب كبير يتسع للجميع، وهو حضرة صاحب السمو أميرنا المفدى، حفظه الله.
اليوم وبعد أن اطمأنت النفوس إلى ما ستؤول إليه معيشتهم، وحسب كل منا حسابه في التغيير الإيجابي الذي ستُحدثه هذه المكرمة الأميرية في حياته، كون أن هذه الزيادة لا تقتصر على ما أُعلن عنه فقط، بل هناك علاوات كعلاوة طبيعة العمل تصرف كنسبة مئوية من الراتب الأساسي، الذي ارتفع وبالتالي سترتفع أيضاً بعض العلاوات مع هذه الزيادة في الراتب الاساسي، وهو ما يعني ان المحصلة النهائية للزيادة في الراتب ستكون أكثر من 60% للمدنيين وأكثر من 120% للعسكريين.
وما من شك في أن استهداف الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية في الزيادة إنما هو دليل قاطع على أن صاحب القرار يريد الخير لـ«هلّ قطر» لأن هذه الزيادة ستذهب معهم إلى تقاعدهم وستبقى طوال فترة حياتهم حتى بعد تركهم العمل.. فبيّض الله وجهك يا صاحب السمو.
أقول اليوم وبعد أن فرحنا بمستقبلنا، تعالوا معاً نرى من وجهة نظري المتواضعة كيف يكون حمد النعمة وشكر الله عز وجل على ما نحن عليه من خير ورخاء وكيف يكون التطبيق السليم للآية الكريمة «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».
لقد مرّت علينا، نحن القطريين، في آخر ثلاثين سنة نعيشها الآن، أي منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، فترات من حياتنا، تراوحت ما بين الرخاء والشدة.. ما بين اليسر والعسر.. وكان تصرّفنا تجاهها يعتمد في المقام الأول على حسب ما كنّا نملكه من خبرة وتجارب في الحياة، ساعدت القليل منا في تعديل وضعه المعيشي، ووضعت الكثير منا تحت رحمة الديون ومنغّصات الحياة.
لا يوجد لديّ أدنى شك في أن بعض القوانين التي كانت تصاغ وتشرّع خلال الفترة الزمنية التي ذكرتها ساهمت بطريقة غير مباشرة في تحمل المواطن ارتفاع تكاليف الحياة، ولكن يبقى المسؤولون، أو الوزراء، أو أي مجلس وزراء مرّ خلال تلك الفترة، والذين ساهموا في سنّ تلك القوانين والتشريعات، أشخاصاً منا وفينا وبالتالي يحملون نفس تجاربنا البسيطة في تلك الفترات، والتي تراكمت عبر العقود الثلاثة الماضية كمجتمع وأفراد، وليس كدولة ومؤسسات، ووصلت بنا الى ما نحن عليه الآن من مستوى إدراك وفهم، نحن الذين نحظى بهذه النعم اليوم..
فبالتالي منا من أصبح مسؤولاً وأصبح يساهم بخبرته في التنمية، ومنا من بقي مواطناً عادياً يعيش حياته اليومية.
التاريخ يقول إن هناك طفرة حدثت في بداية الثمانينيات حصل خلالها الكثير من المواطنين على تثمين لمساكنهم القديمة أو ما يسمى «القص او القصوص»، وقد كانت ردة الفعل في النمط الاستهلاكي للمجتمع والافراد في تلك الفترة ان اشترى الكثير منهم السيارات «الكشخة» وكثرت سفرات لندن وانتعشت تجارة الأثاث والديكور، ولم نكن نعرف وقتها من هو الغني ومن هو الفقير بسبب تشابه المظهر لجميع اطياف المجتمع في ذاك الوقت، ولم يلتفت احد الى تأمين المستقبل الا من رحم ربي.
في تلك الفترة كان حلم الطالب هو التخرج والحصول على درجة «السنير» أو «نجمة عسكرية» ليحصل على راتب يدور حول 11 ألف ريال فقط... تصوروا؟.. راتب يساوي 11 ألف ريال شهرياً كان حلما لنا وكان صاحبه يحظى بقبول اجتماعي كبير، خصوصاً في الزواج لأن« فلان» ما شاء الله عليه «سنير» أو ضابط و«كدّاد» وأكثر ما كنا نسمع في تلك الفترة مقولة «تبي الناس يعايرونّا».
جاءت بعدها فترة التسعينيات، والتي مرت خلالها الدولة والعالم كله بفترة شح في الموارد وانخفاض في أسعار البترول، وأصبح الحصول على وظيفة في الحكومة مثل «بيض الصعو» نسمع به وما نشوفه، لأن الدولة كانت غير قادرة على استحداث وظائف في تلك الفترة، الأمر الذي انعكس سلباً على المجتمع والأفراد وخصوصاً أصحاب «الزبو» أو أثرياء القصوص، الذين لم يحسنوا استغلال طفرة الثمانينيات، وظلوا يعتمدون على الدولة في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم، وبالتالي أصبح الكل يراجع نفسه في استهلاكه وطريقة معيشته.. وانتشرت في هذه الحقبة ظاهرة تأجير السجل التجاري للأجانب، وهو الذي لا يُمنح الا للمواطنين، رغبة من الدولة في دعم مواطنيها في ممارسة التجارة، لتحسين وضعهم المعيشي، ولكن ذلك لم يحدث واستفاد مؤجرو السجلات التجارية من هذه الميزة الممنوحة لنا. ومن تابع لقاء سعادة وزير الاقتصاد والمالية مع الوطن، يعرف كيف كانت الأوضاع المالية في حقبة التسعينيات، وكيف كان رهان سمو الأمير، حفظه الله، على المستقبل، والعبور بالدولة والمجتمع القطري الى ما نحن عليه الآن، وهو الأمر الذي تطلب الكثير من التضحيات والصبر.
دخلنا بعدها العقد الأول من الألفية الثالثة، وهي فترة تحقيق ما كان يخطط له سمو الأمير من تنمية مستدامة للمجتمع.. وكانت هناك طفرة أخرى تحدث في المجتمع القطري، ولكنها مختلفة نوعاً ما.
طفرة تقوم على تطبيق المثل القائل «إذا أعطيتني سمكة فإنك أطعمتني يوماً واحداً ولكن إذا علمتني كيف اصطاد السمك فإنك أطعمتني طول عمري»، فقامت تلك الحقبة القريبة من أيامنا هذه وما صاحبها من رخاء، على استحداث الكثير من الوظائف، وزيادة الرواتب، والأهم كله هو الطريقة المثلى والنموذجية في توزيع الثروة، بتخصيص شركات النفط والغاز والاتصالات والبنية التحتية، وكذلك إنشاء الشركات وإدراجها في البورصة، فسنحت لنا كقطريين الفرصة مرة اخرى لتعديل الوضع المعيشي، والارتقاء بمستوى الدخل، بسبب اصرار سمو الأمير على أن تكون هذه الشركات للقطريين والقطريين فقط وليس للمؤسسات او الأجانب الذين دخلوا بنسبة معينة لاحقاً، لدعم السوق، والتوافق مع متطلبات النمو الاقتصادي.
كان النمط الاستهلاكي في تلك الفترة قائما على طلب الثراء السريع والمضاربة الخطرة، وانتشرت ظاهرة تأجير أخرى هذه المرة هي ظاهرة تأجير البطاقات الشخصية في الاكتتابات في أسهم الشركات، وكذلك كان الانجراف وراء مظاهر النجاح اللحظي في شراء وبيع الأسهم والأراضي والعقارات إلى أن تورط الكثير منا في الديون، مما جعل حياتنا مرهونة بتدخّل الدولة مرة أخرى لإنقاذ الاقتصاد من خلال حقن الحلول المؤقتة لمعالجة تورط الأفراد والمؤسسات المالية بسبب التهور في ممارسة حقوقها تجاه النمو الحاصل في الاقتصاد والتنمية المستدامة التي منحها سمو الأمير لنا.
اليوم ندخل العقد الثاني من الألفية الثالثة، وهي بداية دخول الأربعين سنة في الفترة التي أتحدث عنها الآن.
دخولنا هذا يحمل تجارب مرت علينا نحن أغلبية المواطنين، ويكاد يكون السواد الأعظم من القطريين شاهد فترة الثمانينيات وعاش التجربة بنفسه في التسعينيات وعاش كذلك تجربة العقد الأول من الألفية الثالثة.
اليوم أمامنا حوالي عشر سنوات من عمرنا حتى نصل الى موعد بطولة كأس العالم، التي ستقام عندنا، وسيتم خلال هذه الفترة صرف مبالغ في الاقتصاد تصل إلى نصف تريليون ريال قطري على مشاريع التنمية.
بعد كأس العالم، وحتى نصل إلى عام 2030، سيكون هناك حوالي عشر سنوات أخرى، ذلك الوقت الذي سيكون فيه تحقيق رؤية الدولة في تنمية أركانها من افراد واقتصاد ومجتمع وبيئة، وما يصاحب ذلك من برامج تطويرية لنا في تعليمنا وعملنا، وإكسابنا مهارات تساعدنا نحن أفراد المجتمع وعماد الرؤية على تحقيقها.
هذا الكلام يعني أنه يوجد في منظورنا، نحن الذين نعيش هذا الوقت، والذين تمتعنا بطفرات الألفية الثالثة، سواء ما حصل في العقد الأول أو الزيادة التي جاءت بالأمس، يوجد أمامنا عشرون سنة مقبلة فيها ما فيها من فرص لتعديل الوضع المعيشي، وتحقيق الثراء، الذي يحقق حياة كريمة لنا ولأسرنا، والأجيال القادمة من بعدنا، وذلك من خلال حُسن التعامل مع هذه الزيادة التي حصلت لنا بطريقة إطعامنا الأكل طول عمرنا مادامت حدثت في الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية.
الأسئلة التي أود أن أطرحها بعد هذا السرد التاريخي لما حصل لنا من طفرات مالية وشح مالي خلال الثلاثين سنة الماضية هي كيف سنتعامل مع هذه الطفرة التي حصلت لنا اليوم؟..
هل سنستغلها في شراء السيارات الكشخة فقط؟..
هل سنستغلها في السفرات للخارج؟..
هل سنستمر في تأجير بطاقاتنا الشخصية عند الاكتتاب في أسهم الشركات؟..
هل سنتحايل على قانون التستر ونؤجر السجل التجاري للأجانب؟.. هل سنعتمد على الدولة في مكافحة غلاء الأسعار ونصارخ مثل غيرنا «فين حماية المستهلك»؟..
هل سنشتري أسهما للمضاربة ونرسم «توقع واحد» فقط هو أن الأسهم بتصعد، دون أن نتوقع الهبوط؟ ونقعد طول يومنا نحلم بتحقيق الربح السريع؟..
هل سنتورط في شراء «أراضي» ما نعرف مكانها وين من اجل الربح الوقتي؟..
هل سنحلم بتكوين ثروة تعتمد على ديون مربوطة بالراتب، ودون ان يكون لدينا دخل منها يساعدنا في النمو؟..
هل سنستمر في مقولة «تبي الناس يعايرونّا»؟..
هل سنفتي كلنا في البورصة ونتحول الى خبراء ومحللين ماليين ونعطي النصائح الاستثمارية عشان نورّط الناس؟..
هل سننجرف وراء إغراءات البنوك في الحصول على قروض منها دون أن نفكر في احتياجاتنا وبعدها «نتحندى في وطني الحبيب»؟..
هل سنعيد تجاربنا السلبية مرة ثانية وبعد عشر سنوات من الآن نطالب الدولة مرة أخرى بزيادة الرواتب الى ان نصبح مثل اليابان، نشتري حبة التفاح الواحدة بثلاثين ريالا او عشرة دولارات؟..
أليس من المفروض ان نتخلص من ديوننا العالقة وبعدها نقرأ التاريخ جيداً حتى لا يحكم علينا بإعادة أحداثه؟
طيب الناس في تلك الفترات.. كان عندها اعذارها من ضعف الحال وقلة الحيلة والدبرة والفهم المتأخر لكيفية اغتنام الفرص وضعف المستوى التعليمي، اما اليوم فأيش راح يكون عذرنا؟
ليش ما نبحث عن الاستثمار الآمن وطويل الأجل في أسهمنا بدلاً من المضاربة؟..
ليش ما نسأل المختصين واصحاب التجارب الناجحة بدلاً من خبراء السكيك والشوارع؟..
ليش ما نمارس التجارة بأنفسنا حتى لو تطلب منّا الامر ان نعمل مساء في تجارتنا بدلاً من تأجير السجل التجاري؟..
ليش البنوك تفكر بانفسها من خلال اغرائنا بالقروض وما نفكر احنا بانفسنا..
ليش ما نكافح الغلاء في الاسعار بمقاطعة المحلات التي تستغل الطفرات واستخدام التكنولوجيا الحديثة من بلاك بيري وانترنت لنشر القوائم السوداء للتجار، والحلول البديلة بدلاً من استخدام البلاك بيري لنشر الاشاعات وتتبع عورات «خلق الله» والتحدث عن انفسنا بتفاهة؟..
ليش ما نترك المتشائمين والمتذمرين دائماً ونبحث عن الطموحين والمتطلعين عشان نصير مثلهم؟..
ليش ما نستثمر في تعليم عيالنا بدلاً من تدليلهم بثروة وهمية وغير موجودة عن طريق الصرف الباذخ عليهم وتركهم يتسكعون بشحومهم في المجمعات التجارية؟..
ايش يعني نصبر اربع او خمس سنوات بنفس مستوانا المعيشي الحالي في سبيل استثمار طفرتنا المالية صح، والاستمتاع بها طول العمر، ترى مكة ما عمرت في يوم، ومصاريفنا راح تزيد ومتطلباتنا راح تكبر، وانا اقول خلونا نترك مطالع الغير وثقافة الكخ والوع والناس اللي مالها الا تكسّر مجاديفنا، ولازم نحسب حساب بكرة ترى النعمة زوّالة وعيب علينا نعتمد على الدولة في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا.
كلامي هذا لا يعني ان الحياة وردية وجميلة وانه لا يوجد اي شيء خطأ في حياتنا، فأنا الحين أتكلم عن الزيادة المالية التي صارت في حياتنا وكيفية تعاملنا معها، وأما الجانب الآخر من الحياة من متابعة الأخطاء ومعالجة السلبيات في المجتمع، فهذا امر مفروغ منه وكلنا لازم نقوم فيه، واحنا في الصحافة اولكم.
الايام تمر سريعة، والحياة تسير ولا تتوقف، وكل هذا يُحسب من اعمارنا التي نعيشها، والانسان العاقل يحسن استغلال وقته وجهده، ويشكر ربه على النعم بالعمل، ولا يفرّط في حقوقة الممنوحة له، ويحافظ على ما حققه من مكتسبات معيشية، تضمن له ولأبنائه حياة كريمة.
إذا استطعنا أن نحقق كل هذه الفرضيات، فإن ذلك سيكون هو إحساننا الذي نرد به على إحسان الدولة لنا.
http://www.al-watan.com/(S(i1ay4445xyo0rc55elsa2345))/viewnews.aspx?n=DA215E59-98AC-4CC5-9CE1-D544F36D7C81&writer=1&d=20110919