المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثقافتنا المحلية شاركت في الأزمة ..



شمعة الحب
21-05-2006, 08:42 PM
هيئة السوق المالية على صفيح ساخن 7-13
ثقافتنا المحلية شاركت في الأزمة ..
د. عبد العزيز الغدير - - - 23/04/1427هـ
Abdalaziz3000@hotmail.com

يقول المفكر الأستاذ إبراهيم البليهي في مقالته "كيف تكونت الثقافة العربية" أن عقل الأمة هو نتاج ثقافتها، مشيرا إلى أن الثقافة هي أسلوب حياة الأمة ونمط تفكيرها ومنظومة قيمها وشبكة العلاقات فيها، مؤكدا أن عقل الفرد والمجتمع ما هو إلا نتاج القوالب الثقافية المتوارثة جيلاً بعد جيل، موضحا أن العقل البشري يصاغ بالثقافة وهذا يجعله يتنوع بتنوع الثقافات فهو متجانس من حيث هو قابلية فطرية لكنه متنوع أشد ما يكون التنوع ومتفاوت أشد ما يكون التفاوت من حيث هو واقع ونتاج إنساني متشكل، مبينا أنه من هنا جاء الاختلاف الملحوظ في الأوضاع البشرية.

ويستطرد البليهي في حديثة قائلا: إن عقول الناس محكومة بالثقافة التي ينشأون عليها، فالثقافات هي قوالب العقول فلكل أمة أسلوب حياة تختلف به عن غيرها من الأمم، وهذا الأسلوب يتأسس على منظومة من الأفكار الموروثة والتصورات المستقرة، وبهذا تكون لها طريقة في التفكير تختلف بها عن طرق تفكير الأمم الأخرى، وكل أمة تمارس الحياة وتقيم شبكة العلاقات وفق منظومة من القيم مغايرة من حيث الترتيب والتنوع عن قيم الأمم الأخرى.

أحببت أن أقدم بإبداعات البليهي لأشير بأصابع الاتهام إلى مشاركة ثقافتنا في أزمة سوق الأسهم، نعم ثقافتنا، فرغم أن المكون الرئيسي لهذه الثقافة هو ديننا الحنيف الذي يحمل منظومة قيم ومفاهيم عاليه، إلا أن موروثات اجتماعية وبيئية وتراكمات حياتية أثرت في تكوينها بشكل جعلها إلى التناقض أقرب منها للانسجام.
فقد شكلت ثقافتنا المتناقضة رحما مريضا أسس لثقافة استثمارية مشوهة أدت لنتائج وخيمة، فديننا الإسلامي يوصف من يقترض للتجارة بالسفه إلا أننا ذهبنا للاقتراض في سوق لا نعرف أبجديات الاستثمار فيها، وديننا يحرم النجش "وهو الرفع الوهمي للأسعار بادعاء طلب مصطنع " ولكننا قمنا بذلك وبطرق محترفة تعجز الأجهزة الرقابية عن اكتشافها، ديننا يحرم الكذب ومنا من يطلق الكذبة ويشيعها بكل الوسائل الممكنة لكي تصل إلى أكبر عدد ممكن وهو يتفاخر بذلك معتبرا إياه نوع من المهارة والشطارة في تحقيق الأرباح بتوجيه الناس لما يرغب من خلال الكذب وإشاعته.
ديننا يحرم خيانة الأمانة " لا إيمان لمن لا أمانة له " ومنا وخاصة من المطلعين على المعلومات ذات التأثير في أسعار الشركات يسربونها لأناس معينين فقط من باب الفزعة، ديننا يحرم الظلم وهو نقيض العدالة، وأين العدالة عندما نطلع أقلية مقربة على المعلومات ليحققو ا أرباحا خيالية على حساب الأكثرية، ديننا يشجع على إتقان العمل ونحن نعمل في أخطر الأسواق دون معرفة أو علم أو مهارة.
بل إن الإنترنت وهو أبدع ما أنتجته العقول البشرية لم يسلم من سيطرة ثقافة القرصنة، فبدلاً من استخدامه في المعرفة وخدمة المعلومة والحصول عليها بسرعة لاتخاذ القرار عن علم، استخدم في نشر الإشاعات واللعب على عواطف صغار المستثمرين.
ثقافتنا الاستثمارية هذه شكلت أحد أهم الاختلالات الهيكيلية في سوق الأوراق المالية مما أسهم في الارتفاعات الحادة غير المبررة والانخفاضات الحادة المعاكسة ذات الآثار المدمرة.
إن ما ظهر في السوق من ممارسات ومواقف ونتائج تؤكد حالة الثقافة الاستثمارية بشكل خاص والحالة الثقافية بشكل عام ويدعو لمراجعات عميقة ليس فقط لثقافتنا الاستثمارية بل لثقافتنا الاجتماعية أيضا.
وفي ظني أن معالجة الثقافة الاستثمارية وثقافة المجتمع تشكل أولوية باعتبارها عنصرا محوريا في تحويل سوقنا من مصاف الأسواق الناشئة ذات الهزات العنيفة والمتكررة إلى مصاف الأسواق الناضجة الأكثر استقرارا، ومعالجة ذلك تتم على مسارين وبشكل متواز.
الأول قصير المدى وهو أن تبذل هيئة السوق المالية جهودا توعوية كبيرة لكافة المتعاملين بالسوق المالية من إعلاميين ومستثمرين ووسطاء ومحللين وشركات مدرجة ومرتقب إدراجها، وذلك من خلال كافة الوسائل والأنشطة الاتصالية، وأن تعطي هذه الأولوية حقها من الإمكانات التي تتناسب وحجم النتائج المطلوب تحقيقها، وأن تتعاون في ذلك مع البنوك التي من المفترض أن تحرص هي الأخرى على توعية عملائها خصوصا أن الكثير من البنوك حاليا أصبح أغلب أرباحه من سوق الأسهم!..

والثاني طويل المدى حيث تبني هيئة السوق المالية شراكات حقيقية مع المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني، سواء من خلال وزارة التربية والتعليم أو من خلال وزارة التعليم العالي لإضافة الثقافة الاستثمارية في المناهج التعليمية. وقد أدركت أهمية ذلك بعض البلدان المجاورة – سلطنة عمان الشقيقة - فأدخلت في مناهجها التعليمية في المرحلة الثانوية مواد وفصولاً لتدريس أجيالها القادمة قواعد الاستثمار والادخار وسارت في الاتجاه الصحيح، ولذا فلا بد من تعميق ثقافة الاستثمار بإدخالها ضمن مناهجنا التعليمية في المدارس، وآمل أن يكون ذلك قريباً.

إننا أمام فرصة تاريخية لتنمية الوعي بالثقافة الاستثمارية، حيث إن إقبال الناس على سوق الأسهم في ازدياد من جديد بعد أن استعادت السوق جزءاً من الثقة، وهي فرصة لأن تلعب الجهات المنوط بها التوعية دورها في غرس مفاهيم وقيم ثقافية تجنب الناس الوقوع في أخطاء سابقة وتجنب السوق الاهتزازات غير المبررة التي تتعرض لها وتؤسس لثقافة استثمارية واعية.

462 قراءة


تعليقات الزوار
المفكر 23/04/1427هـ ساعة 2:48 مساءً (تايوان)

نعم والف نعم و لقد كانت الثقافة الاستثمارية السبب الرئيس في تفاقم مشكلة الاسهم وايضا سبب في عدم قدرة تلك الثقافة من خلق حلول اجابية فمتى استمرت تلك الثقافه السطحيه في الاستثمار استمر عدم القدرة على الحل ....بانتظار الصفيح القادم