شمعة الحب
22-05-2006, 03:39 PM
نصف الصورة المغيب في سوق الأسهم السعودية
د. عبد الرحمن محمد السلطان - أكاديمي وكاتب أقتصادي 24/04/1427هـ
amsultan@hotmail.com
من يعتقد أن مشكلة سوق الأسهم تتمثل في تراجعه الحاد، سيرى أن الحل في اتخاذ كل ما يمكن لضمان ارتفاعه من جديد حتى يصل لمعدلاته السابقة، بل وحتى تحقيقه مستويات جديدة أعلى. وهذا الحل الذي يتمناه بالطبع كل متضرر في السوق، ولا يلام على ذلك مطلقا، يمثل في الواقع خلقا للظروف المناسبة لتكرار المأساة من جديد. وتشخيص مشكلة سوق الأسهم بانخفاضه الحاد يُغيب في الواقع النصف الآخر من الصورة المتمثلة في أن هذا السوق شهد خلال العامين الماضيين ارتفاعات هائلة غير مبررة، تسببت في تراجعه الحاد بعد ذلك، ما يعني أن أي ارتفاع جديد مبالغ فيه سيؤدي لا محالة إلى انهيار جديد للسوق. لذا فنحن في حاجة إلى استيعاب المشكلة بجميع أبعادها، لا أن نركز على بعض آثارها، ونتجاهل أساس المشكلة.
اقتناعنا الخاطئ أن مشكلة السوق في تراجعه، يوهمنا أن التساؤلات الملحة التي نحتاج إلى إجابة سريعة عليها هي: ما هي أسباب هذا التراجع؟ ومن كان له دور في ذلك؟ وما الذي يمكن اتخاذه لرفع السوق من جديد؟ وهي تساؤلات ليست في محلها ولا مجدية، لأنها تتجاهل المشكلة الأساسية المتمثلة في ارتفاع السوق المبالغ فيه. ما يجعل التساؤلات الأشد إلحاحا وأكثر أهمية هي: كيف سمح للسوق بالارتفاع بهذه الحدة؟ وما هي الإجراءات التي كان من الواجب اتخاذها لتفادي ذلك؟ وكيف فشلت الأجهزة المعنية في إدراك خطورة هذا الارتفاع وما سوف يترتب عليه من تراجع حاد يذهب ضحيته الملايين؟
طرحنا لتساؤلات غير مناسبة يعني تلقائيا وصولنا إلى حلول غير مناسبة أيضا، فكل الحلول ستستهدف رفع السوق باعتبار أن المشكلة في انخفاضه، فينقلب الحل إلى مشكلة والمشكلة إلى حل. على سبيل المثال، لو أن سلعة قيمتها الحقيقية خمسة ريالات وارتفع سعرها في السوق إلى 50 ريالا ثم تراجع السعر إلى عشرة ريالات، فهل يمكن أن يكون الحل في ارتفاع السعر من جديد إلى 50 ريالا؟ الإجابة بكل تأكيد ستكون لا، وقد يكون الحل الأمثل تراجع السعر إلى خمسة ريالات، فهو السعر الوحيد القابل للاستمرار. وتشخيص مشكلة السوق في تراجعه، يعني أن نقول إن الحل المناسب لشركة انخفض مكرر ربحيتها إلى عشرين ضعفا بعد تراجع السوق، هو في ارتفاع مكرر ربحيتها إلى سبعين ضعف، أي وصول سعرها مرة أخرى إلى أضعاف قيمته العادلة، وهذا حل لا يمكن أن يكون منطقيا ولا مقبولا.
ما يعني حاجتنا الماسة إلى تركيز اهتمامنا على مشكلتنا الأساسية المتمثلة في الارتفاع غير المبرر للسوق، كي نتمكن من طرح التساؤلات الملائمة التي توصلنا إلى الحلول المناسبة، وبالتالي نستفيد من هذا الدرس القاسي جدا. فلو لم يرتفع السوق بصورة مبالغ فيها لما انهار وعانى الكثيرون، ما يجعل سبب معاناتهم في الواقع هو ارتفاع السوق لا انخفاضه، فارتفاع السوق المبالغ فيه هو الذي أوجد حالة من الهوس والجنون، بحيث أقدم البعض منا حتى على بيع بيته وسيارته ورهن راتبه وقوت عياله لسنين قادمة، ليدخل بها السوق جريا خلف حلم الثراء السريع، وما كان يجب أن تكون سوق الأسهم قادرة على استقطاب مثل هذه المدخرات أبدا، وهنا مكمن الخلل.
فنمو السيولة المحلية وفق معدلات تفوق كثيرا حاجة الاقتصاد المحلي دون اتخاذ إجراءات تضمن استيعابها بطريقة مناسبة أو حتى على أقل تقدير اتخاذ خطوات تستهدف الحد من نموها المتسارع، تزامن مع غياب شبه تام لأي إجراءات صارمة رادعة تحد من عمليات التداول الوهمي والخداع والتدليس في سوق الأسهم. أسهم كل ذلك في تغذية مضاربات محمومة تسببت في تضخم هائل في أسعار أسهم الشركات المتداولة ووصولها إلى مستويات لا يمكن المحافظة عليها، ما أدى على انهيار السوق بصورة ألحقت ضررا هائلا بقطاع واسع من أفراد المجتمع دون مبرر، وكان يمكن تجنب كل ذلك من خلال تفادي ارتفاع السوق بحدة. فهذا الارتفاع لم يكن بين يوم وليلة، وإنما ظل مستمرا على مدى ما يزيد على ثلاث سنوات، وهي فترة أكثر من كافية للجهات المسؤولة عن الشأن الاقتصادي لتتصرف وتعيد لاقتصادنا المحلي توازنه، إلا أنها لم تفعل فحلت الكارثة.
تعليقات الزوار
تركي 24/04/1427هـ ساعة 9:22 صباحاً (السعودية)
كعادتك تحليل اكثر من رائع ولكن هل من مستمع ؟
--------------------------------------------------------------------------------
د. 24/04/1427هـ ساعة 10:04 صباحاً (السعودية)
أحسنت ثم أحسنت يا دكتور هذه هي المشكلة التي لطالما نادينا بها ولكن لا يسمع أحد وفي اعتقادي أن التوجه لعلاج انهيار السوق حاليا في طريق ما قلت إلى عدم السماح بالصعود إلى مستويات مبالغ فيها مرة ثانية
--------------------------------------------------------------------------------
24/04/1427هـ ساعة 1:22 مساءً (السعودية)
السلام عليكم تحليلك ممتاز واحب ان اضيف الست معي ان دخول المعاملات المحرمه من ربا وغش وتدليس في السوق له اثركبيرقال تعالي (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)وشكرا
د. عبد الرحمن محمد السلطان - أكاديمي وكاتب أقتصادي 24/04/1427هـ
amsultan@hotmail.com
من يعتقد أن مشكلة سوق الأسهم تتمثل في تراجعه الحاد، سيرى أن الحل في اتخاذ كل ما يمكن لضمان ارتفاعه من جديد حتى يصل لمعدلاته السابقة، بل وحتى تحقيقه مستويات جديدة أعلى. وهذا الحل الذي يتمناه بالطبع كل متضرر في السوق، ولا يلام على ذلك مطلقا، يمثل في الواقع خلقا للظروف المناسبة لتكرار المأساة من جديد. وتشخيص مشكلة سوق الأسهم بانخفاضه الحاد يُغيب في الواقع النصف الآخر من الصورة المتمثلة في أن هذا السوق شهد خلال العامين الماضيين ارتفاعات هائلة غير مبررة، تسببت في تراجعه الحاد بعد ذلك، ما يعني أن أي ارتفاع جديد مبالغ فيه سيؤدي لا محالة إلى انهيار جديد للسوق. لذا فنحن في حاجة إلى استيعاب المشكلة بجميع أبعادها، لا أن نركز على بعض آثارها، ونتجاهل أساس المشكلة.
اقتناعنا الخاطئ أن مشكلة السوق في تراجعه، يوهمنا أن التساؤلات الملحة التي نحتاج إلى إجابة سريعة عليها هي: ما هي أسباب هذا التراجع؟ ومن كان له دور في ذلك؟ وما الذي يمكن اتخاذه لرفع السوق من جديد؟ وهي تساؤلات ليست في محلها ولا مجدية، لأنها تتجاهل المشكلة الأساسية المتمثلة في ارتفاع السوق المبالغ فيه. ما يجعل التساؤلات الأشد إلحاحا وأكثر أهمية هي: كيف سمح للسوق بالارتفاع بهذه الحدة؟ وما هي الإجراءات التي كان من الواجب اتخاذها لتفادي ذلك؟ وكيف فشلت الأجهزة المعنية في إدراك خطورة هذا الارتفاع وما سوف يترتب عليه من تراجع حاد يذهب ضحيته الملايين؟
طرحنا لتساؤلات غير مناسبة يعني تلقائيا وصولنا إلى حلول غير مناسبة أيضا، فكل الحلول ستستهدف رفع السوق باعتبار أن المشكلة في انخفاضه، فينقلب الحل إلى مشكلة والمشكلة إلى حل. على سبيل المثال، لو أن سلعة قيمتها الحقيقية خمسة ريالات وارتفع سعرها في السوق إلى 50 ريالا ثم تراجع السعر إلى عشرة ريالات، فهل يمكن أن يكون الحل في ارتفاع السعر من جديد إلى 50 ريالا؟ الإجابة بكل تأكيد ستكون لا، وقد يكون الحل الأمثل تراجع السعر إلى خمسة ريالات، فهو السعر الوحيد القابل للاستمرار. وتشخيص مشكلة السوق في تراجعه، يعني أن نقول إن الحل المناسب لشركة انخفض مكرر ربحيتها إلى عشرين ضعفا بعد تراجع السوق، هو في ارتفاع مكرر ربحيتها إلى سبعين ضعف، أي وصول سعرها مرة أخرى إلى أضعاف قيمته العادلة، وهذا حل لا يمكن أن يكون منطقيا ولا مقبولا.
ما يعني حاجتنا الماسة إلى تركيز اهتمامنا على مشكلتنا الأساسية المتمثلة في الارتفاع غير المبرر للسوق، كي نتمكن من طرح التساؤلات الملائمة التي توصلنا إلى الحلول المناسبة، وبالتالي نستفيد من هذا الدرس القاسي جدا. فلو لم يرتفع السوق بصورة مبالغ فيها لما انهار وعانى الكثيرون، ما يجعل سبب معاناتهم في الواقع هو ارتفاع السوق لا انخفاضه، فارتفاع السوق المبالغ فيه هو الذي أوجد حالة من الهوس والجنون، بحيث أقدم البعض منا حتى على بيع بيته وسيارته ورهن راتبه وقوت عياله لسنين قادمة، ليدخل بها السوق جريا خلف حلم الثراء السريع، وما كان يجب أن تكون سوق الأسهم قادرة على استقطاب مثل هذه المدخرات أبدا، وهنا مكمن الخلل.
فنمو السيولة المحلية وفق معدلات تفوق كثيرا حاجة الاقتصاد المحلي دون اتخاذ إجراءات تضمن استيعابها بطريقة مناسبة أو حتى على أقل تقدير اتخاذ خطوات تستهدف الحد من نموها المتسارع، تزامن مع غياب شبه تام لأي إجراءات صارمة رادعة تحد من عمليات التداول الوهمي والخداع والتدليس في سوق الأسهم. أسهم كل ذلك في تغذية مضاربات محمومة تسببت في تضخم هائل في أسعار أسهم الشركات المتداولة ووصولها إلى مستويات لا يمكن المحافظة عليها، ما أدى على انهيار السوق بصورة ألحقت ضررا هائلا بقطاع واسع من أفراد المجتمع دون مبرر، وكان يمكن تجنب كل ذلك من خلال تفادي ارتفاع السوق بحدة. فهذا الارتفاع لم يكن بين يوم وليلة، وإنما ظل مستمرا على مدى ما يزيد على ثلاث سنوات، وهي فترة أكثر من كافية للجهات المسؤولة عن الشأن الاقتصادي لتتصرف وتعيد لاقتصادنا المحلي توازنه، إلا أنها لم تفعل فحلت الكارثة.
تعليقات الزوار
تركي 24/04/1427هـ ساعة 9:22 صباحاً (السعودية)
كعادتك تحليل اكثر من رائع ولكن هل من مستمع ؟
--------------------------------------------------------------------------------
د. 24/04/1427هـ ساعة 10:04 صباحاً (السعودية)
أحسنت ثم أحسنت يا دكتور هذه هي المشكلة التي لطالما نادينا بها ولكن لا يسمع أحد وفي اعتقادي أن التوجه لعلاج انهيار السوق حاليا في طريق ما قلت إلى عدم السماح بالصعود إلى مستويات مبالغ فيها مرة ثانية
--------------------------------------------------------------------------------
24/04/1427هـ ساعة 1:22 مساءً (السعودية)
السلام عليكم تحليلك ممتاز واحب ان اضيف الست معي ان دخول المعاملات المحرمه من ربا وغش وتدليس في السوق له اثركبيرقال تعالي (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)وشكرا