المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «نصوص» كالخشب المسندة .. محمد فهد القحطاني



qatarface
18-10-2011, 10:44 AM
كل الدساتير العربية تحرص على ذكر المبادئ الأساسية التي تقوم على عاتقها الأنظمة الديمقراطية، من قبيل مبدأ سيادة الشعب والفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن مثل سيادة القانون، والشعب مصدر السلطات، وغيرها الكثير كالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، وكفالة الدولة لمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
فمثلا ينص الدستور السوري في البند الثاني من المادة الثانية منه على أن: السيادة للشعب، وفي البند الثاني من المادة «25» ينص على أن: سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة، ويقر في المادة «38» منه حق كل مواطن في الإعراب عن رأيه بحرية وعلانية وبكافة وسائل التعبير، وفي المادة «39» يقر بحقه في التظاهر السلمي..
وفي الدستور اليمني، وعلى وجه الخصوص في المادة «4» منه اعتراف بكون الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء، كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي المادة الخامسة منه يصرح بكون النظام السياسي في اليمن يقوم على التعددية السياسية بهدف تداول السلطة سلميا، وفي المادة «106» يضع الشروط المطلوبة لمن «ينتوي!» الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، ومتى ما توافرت تلك الشروط في شخص معين حق له خوض غمار الانتخابات الرئاسية، وهي شروط معقولة.
أما في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى فحدث ولا حرج من مثل ادعاء الدستور الليبي أن السلطة للشعب ولا سلطة لسواه، وكونه هو السيد الذي بيده السلطة وبيده الثروة وبيده السلاح.
ومثل ذلك في الدستور المصري والدستور التونسي، وغيرها من الدساتير العربية لا تختلف عن ذلك، وأنا هنا ركزت على دساتير الدول التي شهدت أحداث الربيع العربي، لأن الاحتقان فيها ظهر للعلن وتعرف عليه القاصي والداني..
ومع كل هذه النصوص البراقة التي تنافس أفضل ما في الدساتير الغربية وتتفوق عليها، لم تغنِ الشعب السوري مثلا عن الدخول في متاهة انسداد الأفق السياسي هناك، وتكريس الاستبداد وسيطرة أسرة قليلة العدد على كل مقدرات الوطن من ثروة وقوة حتى وصلت إلى توريث الزعامة من الأب إلى الابن، ووصل الحال بالشعب السوري إلى رفع شعار الموت ولا المذلة..
وفي اليمن ما زال أبو الألف وجه يتربع على كرسي القيادة بدعوى أنه وصل إليها عن طريق الاختيار الشعبي، وأنه لن يغادرها حتى تنتهي مدة ولايته الدستورية،، هذه المدة التي تجاوزت حتى الآن الثلاث عقود وما زال يدعي استمراريتها.
وفي ليبيا تحولت الجماهيرية العظمى إلى عزبة خاصة للمفكر الثائر والقائد المعلم صاحب النظرية العالمية الثالثة وأبنائه، وأصبح الشعب -وهو صاحب السلطة ولا سلطة لسواه، حسب ادعاء الدستور الليبي- في نظر القائد جرذان لا يحق لها التظلم من سياسة مدعي التفويض الإلهي.
والتناقض الحاصل بين ما تقره الدساتير العربية لشعوبها من حقوق، وما ترفعه من شعارات ومبادئ سامية، وبين الواقع المعاش وبشاعته، موجود ومتكرر على كافة الأصعدة، وفي كافة الدول يزيد وينقص هنا أو هناك، ولكنه لا يغيب أو يختفي عن المشهد السياسي العربي، حتى أصبحت الدساتير العربية وما تقرره للمواطنين من حقوق ككذبة أبريل لا يصدقها الشعب ولا يغتر بها ولا يتخوف منها صاحب السلطة، ولا يلقي لها بالا، فهي لا تتجاوز قيمة النكتة السمجة التي فقد الجمهور حماسته لسماعها من كثرة تكرارها عليه.
وكل ما في الأمر أن هذه الأنظمة استوردت هذه النصوص والمبادئ من الدساتير الغربية عن طريق القص واللزق بدون حتى فهم لمعانيها العظيمة، كما تستورد في العادة المنتجات الأخرى لاستهلاكها في تلميع البرواز، والصورة تبقى كما هي معتمة، للأسف معظم الأنظمة العربية لا تعرف من هذه المبادئ إلا رسمها وشكلها، أما المضمون فحدث ولا حرج عن غيابه، كان العبرة عند هذه الأنظمة بالألفاظ والمباني لا بالمقاصد والمعاني، وهذا للأسف ديدن غالبية العرب، فهم ظاهرة صوتية وشكلية تكفيهم قوة العبارة عن الانتقال إلى مرحلة تطبيق تلك العبارة، حتى أصبحت نصوص الدساتير عندهم كالخشب المسندة، وجودها يضر أكثر مما ينفع لأنها تخدع الخارج بدعوى أنها أنظمة ديمقراطية ولا تنفع الداخل، لأنها تحصيل حاصل وصفر على الشمال..!!

تغريد مستمر:-
1 - قراءة وثيقة المنامة -التي أطلقتها الأربعاء الماضي خمس جمعيات سياسية بحرينية كرؤية سياسية للحل في البحرين-ضرورية لكل من يسعى إلى إيجاد مخرج معقول يكرس التعايش السلمي بين أطياف المجتمع البحريني، ويقضي بشكل دائم على الاحتقان السياسي هناك، وهي فرصة لإصلاح الوضع قبل أن تشتعل النار المختفية تحت الرماد من جديد، وذلك لأن غالبية ما فيها مطالب مشروعة تهدف لنزع فتيل الأزمة، وتفتح آفاق للتعايش السلمي بين الجميع، وتحفظ لكل صاحب حق حقه والأخذ بها أو على الأقل اعتبارها منطلقاً للحوار بين الحكومة والمعارضة، يؤدي إلى احتواء الفتنة والانطلاق نحو مستقبل مشرق لمملكة البحرين بكل فئاتها وتكتلاتها، لذلك نتمنى على الحكومة البحرينية تغليب صوت العقل والتفاوض مع المعارضة التي تمثل قطاعا عريضا من الشعب حول بنود تلك الوثيقة، أما الادعاء أن «وثيقة الجمعيات «تعتبر خروجا على الثوابت وعمالة للخارج كما صرح بذلك بعض الصحف الموالية، واتهمت من أصدرها بالخيانة العظمى، فهو أمر لن يخدم أحدا لا السلطة ولا الشعب، لأنه طريق محفوف بالمخاطر، ونتيجته رفع وتيرة التصعيد الأمني والتأزيم السياسي.
2 - خلاصة القول في ما حدث في البحرين أن الأمر يحتاج لتعامل يرتقي فوق الجراح، ويتجاوز موضوع من انتهك القانون ليعالج قضية ما الذي دفع فئة عريضة من الشعب للمواجهة، القضية ليست في موضوع احترام التشريعات، وإنما القضية لماذا كانت التشريعات الموجودة قاصرة عن حماية البحرين من هذا الصدام، ولماذا لم تلبِ هذه التشريعات طموح الفئة التي قامت بالمواجهة.
3 - ويل للأنظمة السياسية العربية من شر قد اقترب، فبعد أن نامت الشعوب نومة أهل الكهف بسبب حاجز الخوف الذي منعها طويلاً من مغادرة كهف الاستبداد والطغيان، ها هي ترفع شعار الموت ولا المذلة، وتخرج منطلقة إلى الفضاء الخارجي، بعد أن كسرت الحاجز لتقاتل الأنظمة كافة، لتنتزع حقها المشروع في المشاركة الحقيقية في الثروة والسلطة.
4 - للأسف المشاركة الشعبية في قطر تصنف هذه الأيام في أسفل سلم درجات المشاركة في دول مجلس التعاون، فمجلس الشورى القطري فوق أنه معين بالكامل، هو لا يملك كذلك من الصلاحيات إلا المشورة، وهي معلمة لأصحاب القرار، وليست ملزمة لهم، وبذلك ما زلنا محلك سر في هذا المجال، والمشاركة الشعبية في دول الخليج الأخرى تقدمت بسياسة الخطوة خطوة ونحن لا نزال واقفين في المربع الأول نتهيب الانتقال منه إلى الأمام.
5 - مطلب إصلاح الأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون تجاوز مرحلة حديث الصالونات المغلقة، وأصبح فريضة على القيادات وضرورة لشعوبها، وذلك بهدف حماية هذا التنظيم من الأخطار المحيطة بشعوبه وقيادته على حد سواء من الخارج أو من الداخل.
6- لا شك أن البطانة لها دور في توجهات كل شخص وقيامه بفعل ما أو الامتناع عن إتيانه، بغض النظر عن مسماه الوظيفي، ولكن الإشكالية عندنا أن شماعة البطانة تستخدم كثيرا لرفع الملام عن ما جنته يد الطغاة على الشعوب، بدعوى أنه خير، ولكن من حوله هم السيئون، حدث هذا أكثر من مرة في دنيا العرب لتبرير التصرفات الخرقاء التي صدرت من هذا الزعيم وذاك، والاستبداد والطغيان في العادة ليس سببه عدم الفهم ونقص المعلومات إنما سببه الأزلي عدم خوف صاحب السلطان من ردة فعل الشعوب على تصرفاته، والسلام..
http://www.alarab.qa/details.php?issueId=1403&artid=155361