شمعة الحب
24-05-2006, 05:28 PM
http://www.aleqt.com/admpic/487.jpg
صندوق النقد الدولي ومشكلة أمريكا
جوزيف ئي ستيجليتز - جوزيف ئي. ستيجليتز حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وهو أستا 26/04/1427هـ
كان اجتماع صندوق النقد الدولي هذا الربيع محاطاً بالثناء والتمجيد باعتباره إنجازاً عظيماً، فقد اكتسب مسؤولو الصندوق صلاحيات جديدة تخولهم حق "مراقبة" أي اختلال في التوازن التجاري من شأنه أن يسهم بصورة كبيرة في إحداث حالة من عدم الاستقرار العالمي. والحقيقة أن هذه المهمة الجديدة على قدر كبير من الأهمية، سواء بالنسبة إلى صحة الاقتصاد العالمي أو شرعية صندوق النقد الدولي ذاته. ولكن هل الصندوق قادر بالفعل على الاضطلاع بهذه المهمة؟
إن النظام المالي العالمي تحيط به أمور غريبة إلى حد كبير، فالولايات المتحدة على سبيل المثال، وهي الدولة الأكثر ثراءً في العالم، تقترض أكثر من ملياري دولار أمريكي يومياً من دول أفقر منها ـ على الرغم من المحاضرات التي تلقيها على تلك الدول فيما يتصل بمبادئ الحكم الرشيد والمسؤولية المالية. وعلى هذا فإن صندوق النقد الدولي، المسؤول عن ضمان الاستقرار المالي العالمي، يتصدى لتحدٍ خطير: إذا ما فقدت الدول الأخرى في نهاية المطاف ثقتها في الولايات المتحدة التي تتفاقم ديونها على نحو متواصل، فإن الاضطرابات التي قد تشهدها الأسواق المالية في العالم أجمع سوف تكون هائلة.
إنها لمهمة مروعة تلك التي يتصدى لها صندوق البنك الدولي. وبطبيعة الحال، سوف يكون من الضروري بالنسبة إلى الصندوق أن يركز على اختلال التوازن العالمي على الإجمال، وليس على حالات الاختلال الثنائية. ففي الأنظمة التجارية المتعددة، يتم في كثير من الأحوال موازنة حالات العجز الثنائية الضخمة من خلال تحقيق الفائض الثنائي مع دول أخرى. فالصين قد ترغب في الحصول على النفط من الشرق الأوسط، ولكن في الشرق الأوسط ـ حيث تتركز الثروة بين أيدٍ قِـلة من الناس ـ قد تكون رغبة أصحاب الأموال في الحصول على حقائب يد من صنع جوتشي أشد من رغبتهم في الحصول على السلع الصينية ذات الإنتاج الضخم. وبهذا فقد نرى عجزاً تجارياً بين الصين والشرق الأوسط، وفائضاً تجارياً بين الصين والولايات المتحدة، لكن هذه التوازنات الثنائية لا تعبر عن الإسهام الإجمالي للصين في اختلال التوازن العالمي.
تتباهي الولايات المتحدة بنجاحها في توسيع الدور الذي يضطلع به صندوق النقد الدولي، وذلك لأنها تتصور أنها بهذا تزيد من الضغوط على الصين. لكن هذا التباهي يتسم بقصر النظر. ذلك أننا إذا ما نظرنا إلى حالات اختلال التوازن التجاري المتعددة، فسنجد أن الولايات المتحدة تتصدر القائمة وتسبق من يليها على القائمة بمسافة شاسعة. ففي عام 2005 بلغ العجز التجاري لدى الولايات المتحدة 805 مليار دولار، بينما لم يتجاوز مجموع الفائض لدى أوروبا، واليابان، والصين 325 مليار دولار. وعلى هذا فإن أي تركيز على اختلال التوازن التجاري لا بد أن يدور حول السبب الرئيسي للاختلال العالمي: ألا وهو الولايات المتحدة.
إن مهمة تقييم اختلال التوازنات التجارية ـ من يتحمل المسؤولية وما الخطوات التي ينبغي أن تتبع للعلاج ـ تشتمل على شقين، الأول اقتصادي والثاني سياسي. فاختلال التوازن التجاري قد ينجم على سبيل المثال عن قرارات أسرية فردية بشأن حجم الادخار اللازم، وحجم الاستهلاك أو نوعيته. كما يأتي اختلال التوازن التجاري نتيجة لقرارات حكومية: حجم الضرائب التي ينبغي تحصيلها وحجم الإنفاق من عائدات هذه الضرائب (وهو ما يحدد في النهاية حجم الادخار الحكومي أو مدى العجز الحكومي)، فضلاً عن الأنظمة الخاصة بالاستثمار، وسياسات سعر الصرف، وما إلى ذلك. وكل هذه القرارات تعتمد على بعضها البعض على نحو ما.
على سبيل المثال، تساهم الإعانات الزراعية الضخمة في الولايات المتحدة في تفاقم عجزها المالي، الذي يترجم في النهاية إلى عجز تجاري. لكن هذه الإعانات الزراعية تترتب عليها عواقب تتحملها الصين ودول نامية أخرى. وإذا ما قررت الصين تعديل قيمة عملتها، فإن أحوال مزارعيها سوف تتفاقم سوءاً؛ ولكن في عالم حيث التجارة أكثر تحرراً، فإن الإعانات الزراعية في الولايات المتحدة سوف تترجم إلى أسعار زراعية عالمية أكثر انخفاضاً، وبهذا تنخفض الأسعار بالنسبة إلى المزارعين في الصين. والحقيقة أن الولايات المتحدة، حين أغدقت الهبات السخية على الشركات الزراعية الغنية، ربما لم تكن تقصد إلحاق الأذى بفقراء العالم، لكنها النتيجة التي كان من الواجب أن يتوقعها صناع القرار في الولايات المتحدة.
كل ذلك يضع صناع القرار السياسي في الصين أمام معضلة ضخمة. ذلك أن تقديم الإعانات للمزارعين في الصين من شأنه أن يحول التمويل من التعليم، والصحة، ومشاريع التنمية الضرورية. أو ربما تستطيع الصين أن تحاول الحفاظ على سعر صرف أقل بعض الشيء من السعر الذي كانت قد تطبقه في ظروف أخرى. وإذا كان لصندوق النقد الدولي أن يتحرى العدالة والإنصاف، فهل ينبغي عليه أن ينتقد السياسات الزراعية في الولايات المتحدة أو السياسات الخاصة بسعر الصرف في الصين؟
من المهام العسيرة أيضاً أن نتحقق مما إذا كان اختلال التوازن التجاري لدى دولة ما ناجماً عن سياسات رديئة أو عن الظروف الطبيعية التي تمر بها تلك الدولة. والعجز التجاري لدى دولة ما يعادل الفرق بين الاستثمارات المحلية وبين المدخرات، وعادة يشجع خبراء الاقتصاد الدول النامية على الادخار قدر الإمكان. وفي حالة وجود برامج لإنشاء شبكات أمان أكثر قوة، فربما يقلل ذلك الحاجة إلى الادخار الوقائي في المستقبل، لكن مثل هذه الإصلاحات لا تتأتى بين عشية وضحاها. إن الاستثمار على قدر كبير من الأهمية، لكن المزيد من النمو في معدلات الاستثمار قد يؤدي إلى مجازفات متعلقة بسوء تخصيص أموال الاستثمار. وعلى ذلك فقد يكون من الصعب بالنسبة إلى الصين، على سبيل المثال، أن تعمل على تقليص الاختلال في التوازن التجاري لديها.
فضلاً عن ذلك فإن تغيير سعر الصرف في الصين لن يحقق الكثير فيما يتصل بتبديل العجز التجاري المتعدد لدى الولايات المتحدة. فقد يتحول الأمريكيون ببساطة من شراء المنسوجات الصينية إلى الاستيراد من بنجلاديش. والحقيقة أنه من الصعب أن ندرك كيف قد يكون لتغيير سعر الصرف في الصين تأثيراً يذكر على الادخار أو الاستثمار في الولايات المتحدة ـ ناهيك عن تأثير ذلك فيما يتصل بمعالجة اختلال التوازن العالمي.
فما دام العجز التجاري لدى الولايات المتحدة يشكل الاختلال العالمي الرئيسي في التوازن، فلابد من تركيز الانتباه على كيفية زيادة مدخراتها الوطنية ـ وهي قضية ظلت الحكومات المتعاقبة في الولايات المتحدة لعقود من الزمان تناضل في سبيل التوصل إلى حل لها، وكثيراً ما طُرِحت هذه القضية للنقاش حين كنت رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس كلينتون. وعلى الرغم من أن أفضليات الضرائب من شأنها أن تسفر حقاً عن ارتفاع طفيف في معدلات الادخار الشخصي، إلا أن خسارة العائدات من الضرائب سوف تعادل المكاسب الناجمة عن الادخار، بل وتتجاوزها، فتؤدي بالتالي إلى تقليص إجمالي المدخرات الوطنية. ولقد توصلنا آنذاك إلى حل واحد: ألا وهو تقليص العجز المالي.
نستطيع أن نقول باختصار إن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عن اختلال التوازن التجاري وعن السياسات التي ربما قد تتبناها الحكومة على عجل بهدف معالجة ذلك الاختلال. ومن هنا، فإن استجابة صندوق النقد الدولي لمهمته الجديدة في تقييم اختلال التوازن العالمي سوف تكون بمثابة اختبار لشرعيته السياسية المتضائلة. لقد فشل صندوق النقد الدولي أثناء اجتماع الربيع في إلزام نفسه باختيار رئيس له على أساس من الجدارة، بصرف النظر عن الجنسية، كما أخفق الصندوق في ضمان تخصيص حقوق التصويت على أسس مشروعة وأكثر تحديداً. فما زال تمثيل العديد من أسواق الدول الناشئة، على سبيل المثال، أقل مما ينبغي.
إذا لم يكن تقييم صندوق النقد الدولي لاختلال التوازن العالمي متوازناً في حد ذاته، وإذا لم يبادر إلى الإشارة إلى الولايات المتحدة باعتبارها المتهم الرئيسي، وإذا لم يوجه انتباهه نحو احتياج أمريكا إلى تقليص عجزها المالي ـ من خلال فرض ضرائب أعلى على الأمريكيين الأكثر ثراءً، وتخفيض الإنفاق على الدفاع ـ فلسوف تنهار مصداقية صندوق النقد الدولي في القرن الواحد والعشرين بلا أدنى شك.
جوزيف ئي. ستيجليتز حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وهو أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة كولومبيا وكان رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس كلينتون وكبير خبراء الاقتصاد وكبير نائبي رئيس البنك الدولي.
صندوق النقد الدولي ومشكلة أمريكا
جوزيف ئي ستيجليتز - جوزيف ئي. ستيجليتز حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وهو أستا 26/04/1427هـ
كان اجتماع صندوق النقد الدولي هذا الربيع محاطاً بالثناء والتمجيد باعتباره إنجازاً عظيماً، فقد اكتسب مسؤولو الصندوق صلاحيات جديدة تخولهم حق "مراقبة" أي اختلال في التوازن التجاري من شأنه أن يسهم بصورة كبيرة في إحداث حالة من عدم الاستقرار العالمي. والحقيقة أن هذه المهمة الجديدة على قدر كبير من الأهمية، سواء بالنسبة إلى صحة الاقتصاد العالمي أو شرعية صندوق النقد الدولي ذاته. ولكن هل الصندوق قادر بالفعل على الاضطلاع بهذه المهمة؟
إن النظام المالي العالمي تحيط به أمور غريبة إلى حد كبير، فالولايات المتحدة على سبيل المثال، وهي الدولة الأكثر ثراءً في العالم، تقترض أكثر من ملياري دولار أمريكي يومياً من دول أفقر منها ـ على الرغم من المحاضرات التي تلقيها على تلك الدول فيما يتصل بمبادئ الحكم الرشيد والمسؤولية المالية. وعلى هذا فإن صندوق النقد الدولي، المسؤول عن ضمان الاستقرار المالي العالمي، يتصدى لتحدٍ خطير: إذا ما فقدت الدول الأخرى في نهاية المطاف ثقتها في الولايات المتحدة التي تتفاقم ديونها على نحو متواصل، فإن الاضطرابات التي قد تشهدها الأسواق المالية في العالم أجمع سوف تكون هائلة.
إنها لمهمة مروعة تلك التي يتصدى لها صندوق البنك الدولي. وبطبيعة الحال، سوف يكون من الضروري بالنسبة إلى الصندوق أن يركز على اختلال التوازن العالمي على الإجمال، وليس على حالات الاختلال الثنائية. ففي الأنظمة التجارية المتعددة، يتم في كثير من الأحوال موازنة حالات العجز الثنائية الضخمة من خلال تحقيق الفائض الثنائي مع دول أخرى. فالصين قد ترغب في الحصول على النفط من الشرق الأوسط، ولكن في الشرق الأوسط ـ حيث تتركز الثروة بين أيدٍ قِـلة من الناس ـ قد تكون رغبة أصحاب الأموال في الحصول على حقائب يد من صنع جوتشي أشد من رغبتهم في الحصول على السلع الصينية ذات الإنتاج الضخم. وبهذا فقد نرى عجزاً تجارياً بين الصين والشرق الأوسط، وفائضاً تجارياً بين الصين والولايات المتحدة، لكن هذه التوازنات الثنائية لا تعبر عن الإسهام الإجمالي للصين في اختلال التوازن العالمي.
تتباهي الولايات المتحدة بنجاحها في توسيع الدور الذي يضطلع به صندوق النقد الدولي، وذلك لأنها تتصور أنها بهذا تزيد من الضغوط على الصين. لكن هذا التباهي يتسم بقصر النظر. ذلك أننا إذا ما نظرنا إلى حالات اختلال التوازن التجاري المتعددة، فسنجد أن الولايات المتحدة تتصدر القائمة وتسبق من يليها على القائمة بمسافة شاسعة. ففي عام 2005 بلغ العجز التجاري لدى الولايات المتحدة 805 مليار دولار، بينما لم يتجاوز مجموع الفائض لدى أوروبا، واليابان، والصين 325 مليار دولار. وعلى هذا فإن أي تركيز على اختلال التوازن التجاري لا بد أن يدور حول السبب الرئيسي للاختلال العالمي: ألا وهو الولايات المتحدة.
إن مهمة تقييم اختلال التوازنات التجارية ـ من يتحمل المسؤولية وما الخطوات التي ينبغي أن تتبع للعلاج ـ تشتمل على شقين، الأول اقتصادي والثاني سياسي. فاختلال التوازن التجاري قد ينجم على سبيل المثال عن قرارات أسرية فردية بشأن حجم الادخار اللازم، وحجم الاستهلاك أو نوعيته. كما يأتي اختلال التوازن التجاري نتيجة لقرارات حكومية: حجم الضرائب التي ينبغي تحصيلها وحجم الإنفاق من عائدات هذه الضرائب (وهو ما يحدد في النهاية حجم الادخار الحكومي أو مدى العجز الحكومي)، فضلاً عن الأنظمة الخاصة بالاستثمار، وسياسات سعر الصرف، وما إلى ذلك. وكل هذه القرارات تعتمد على بعضها البعض على نحو ما.
على سبيل المثال، تساهم الإعانات الزراعية الضخمة في الولايات المتحدة في تفاقم عجزها المالي، الذي يترجم في النهاية إلى عجز تجاري. لكن هذه الإعانات الزراعية تترتب عليها عواقب تتحملها الصين ودول نامية أخرى. وإذا ما قررت الصين تعديل قيمة عملتها، فإن أحوال مزارعيها سوف تتفاقم سوءاً؛ ولكن في عالم حيث التجارة أكثر تحرراً، فإن الإعانات الزراعية في الولايات المتحدة سوف تترجم إلى أسعار زراعية عالمية أكثر انخفاضاً، وبهذا تنخفض الأسعار بالنسبة إلى المزارعين في الصين. والحقيقة أن الولايات المتحدة، حين أغدقت الهبات السخية على الشركات الزراعية الغنية، ربما لم تكن تقصد إلحاق الأذى بفقراء العالم، لكنها النتيجة التي كان من الواجب أن يتوقعها صناع القرار في الولايات المتحدة.
كل ذلك يضع صناع القرار السياسي في الصين أمام معضلة ضخمة. ذلك أن تقديم الإعانات للمزارعين في الصين من شأنه أن يحول التمويل من التعليم، والصحة، ومشاريع التنمية الضرورية. أو ربما تستطيع الصين أن تحاول الحفاظ على سعر صرف أقل بعض الشيء من السعر الذي كانت قد تطبقه في ظروف أخرى. وإذا كان لصندوق النقد الدولي أن يتحرى العدالة والإنصاف، فهل ينبغي عليه أن ينتقد السياسات الزراعية في الولايات المتحدة أو السياسات الخاصة بسعر الصرف في الصين؟
من المهام العسيرة أيضاً أن نتحقق مما إذا كان اختلال التوازن التجاري لدى دولة ما ناجماً عن سياسات رديئة أو عن الظروف الطبيعية التي تمر بها تلك الدولة. والعجز التجاري لدى دولة ما يعادل الفرق بين الاستثمارات المحلية وبين المدخرات، وعادة يشجع خبراء الاقتصاد الدول النامية على الادخار قدر الإمكان. وفي حالة وجود برامج لإنشاء شبكات أمان أكثر قوة، فربما يقلل ذلك الحاجة إلى الادخار الوقائي في المستقبل، لكن مثل هذه الإصلاحات لا تتأتى بين عشية وضحاها. إن الاستثمار على قدر كبير من الأهمية، لكن المزيد من النمو في معدلات الاستثمار قد يؤدي إلى مجازفات متعلقة بسوء تخصيص أموال الاستثمار. وعلى ذلك فقد يكون من الصعب بالنسبة إلى الصين، على سبيل المثال، أن تعمل على تقليص الاختلال في التوازن التجاري لديها.
فضلاً عن ذلك فإن تغيير سعر الصرف في الصين لن يحقق الكثير فيما يتصل بتبديل العجز التجاري المتعدد لدى الولايات المتحدة. فقد يتحول الأمريكيون ببساطة من شراء المنسوجات الصينية إلى الاستيراد من بنجلاديش. والحقيقة أنه من الصعب أن ندرك كيف قد يكون لتغيير سعر الصرف في الصين تأثيراً يذكر على الادخار أو الاستثمار في الولايات المتحدة ـ ناهيك عن تأثير ذلك فيما يتصل بمعالجة اختلال التوازن العالمي.
فما دام العجز التجاري لدى الولايات المتحدة يشكل الاختلال العالمي الرئيسي في التوازن، فلابد من تركيز الانتباه على كيفية زيادة مدخراتها الوطنية ـ وهي قضية ظلت الحكومات المتعاقبة في الولايات المتحدة لعقود من الزمان تناضل في سبيل التوصل إلى حل لها، وكثيراً ما طُرِحت هذه القضية للنقاش حين كنت رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس كلينتون. وعلى الرغم من أن أفضليات الضرائب من شأنها أن تسفر حقاً عن ارتفاع طفيف في معدلات الادخار الشخصي، إلا أن خسارة العائدات من الضرائب سوف تعادل المكاسب الناجمة عن الادخار، بل وتتجاوزها، فتؤدي بالتالي إلى تقليص إجمالي المدخرات الوطنية. ولقد توصلنا آنذاك إلى حل واحد: ألا وهو تقليص العجز المالي.
نستطيع أن نقول باختصار إن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عن اختلال التوازن التجاري وعن السياسات التي ربما قد تتبناها الحكومة على عجل بهدف معالجة ذلك الاختلال. ومن هنا، فإن استجابة صندوق النقد الدولي لمهمته الجديدة في تقييم اختلال التوازن العالمي سوف تكون بمثابة اختبار لشرعيته السياسية المتضائلة. لقد فشل صندوق النقد الدولي أثناء اجتماع الربيع في إلزام نفسه باختيار رئيس له على أساس من الجدارة، بصرف النظر عن الجنسية، كما أخفق الصندوق في ضمان تخصيص حقوق التصويت على أسس مشروعة وأكثر تحديداً. فما زال تمثيل العديد من أسواق الدول الناشئة، على سبيل المثال، أقل مما ينبغي.
إذا لم يكن تقييم صندوق النقد الدولي لاختلال التوازن العالمي متوازناً في حد ذاته، وإذا لم يبادر إلى الإشارة إلى الولايات المتحدة باعتبارها المتهم الرئيسي، وإذا لم يوجه انتباهه نحو احتياج أمريكا إلى تقليص عجزها المالي ـ من خلال فرض ضرائب أعلى على الأمريكيين الأكثر ثراءً، وتخفيض الإنفاق على الدفاع ـ فلسوف تنهار مصداقية صندوق النقد الدولي في القرن الواحد والعشرين بلا أدنى شك.
جوزيف ئي. ستيجليتز حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وهو أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة كولومبيا وكان رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس كلينتون وكبير خبراء الاقتصاد وكبير نائبي رئيس البنك الدولي.