شمعة الحب
25-05-2006, 01:47 PM
هيئة السوق المالية على صفيح ساخن 10 ـ 12
"غياب التخطيط يعزز التخبيط"
د. عبد العزيز الغدير - - - 27/04/1427هـ
Abdalaziz3000@hotmail.com
إذا لم تخطط فستكون ضحية خطط الآخرين، نعم ستلعب دور الضحية دون بذل أي مجهود، وما عليك إلا أن تكرر القول بنظرية المؤامرة لتأخذ مسكنا أو مخدرا يكفيك عنا البحث والتحليل والتشخيص والعلاج، وتستدر عطف الآخرين ليشاركوا في مواساتك ولعن الآخر الذي سبب لك المأساة بتخطيطه مقابل تقاعسك عن التخطيط.
وللأسف الشديد فإن حالنا في الدول النامية يشير إلى أننا دائما ما نود أن نلعب دور الضحية، لأننا ببساطة لا نخطط، وإذا خططنا فإنا لا نتبع المنهجية والمنطقية المعيارية العالمية في التخطيط، بل نتبع منهجا ومنطقا هو للعشوائية أقرب منه للتخطيط، ولذلك سادت لدينا ردود الأفعال على حساب الاستجابة أو التحرك المسبق أو صناعة المستقبل.
في الدول المتقدمة توصلوا لنظريات إدارية في مجال التخطيط تحقق لهم صناعة المستقبل وليس استشرافه، بمعنى أنهم هم من يتحكمون بالمتغيرات لتحقيق ما يصبون إليه من أهداف، ونحن لم نصل لدرجة الاستجابة للتغييرات التي يزمعون القيام بها، وهذه درجة لا بأس بها من التخطيط إذ إنها تقوم على وجود أجهزة استشعار تستطيع تصور التغيرات المقبلة، وبالتالي الاستجابة لها عقلانيا مبكرا، بل إننا مازلنا في مرحلة ردود الأفعال وهذه سيئة، إذ إن ردود الأفعال دائما ما تكون سريعة وغير منهجية ولا منطقية بل غالبا ما تبنى على عواطف جياشة ومعلومات ناقصة، والأسوأ من ذلك كله هو انتفاء ردة الفعل تجاه المتغيرات وهذه الحالة تعني الموت الدماغي في أحسن الأحوال.
ونحن في المملكة العربية السعودية وبظني أننا نراوح بين الاستجابة وردود الأفعال، وهذه الحالة تبشر بخير وتشير إلى دماء متحركة وهمة وثابة تحتاج إلى المزيد من التوجيه والضبط لتغليب الاستجابة على ردود الأفعال من ناحية والاتجاه تصاعديا إلى مرحلة التحرك الاستباقي من خلال صناعة المستقبل، وإنا على ذلك لقادرون بإذن الله.
أحببت أن أقدم بتلك المقدمة وأنا أرى أن ضعف قدراتنا التخطيطية شارك وبفعالية في أزمة سوق الأسهم التي يعاني منها اليوم أبناء الوطن أشد معاناة، نعم غياب التخطيط الاستباقي يعني غياب البحث الجاد عن المعلومة الدقيقة السابقة والحالية وبعلمية، كما يعني عدم قدرتنا على تصور التغييرات المستقبلية لنتخذ ما يناسبها من قرارات وإجراءات تجعلنا نستثمر فرصها ونتصدى لأخطارها.
أزمة سوق الأسهم وقعت في أسواق كثيرة ولأسباب مشابهة تماما، ولكننا لم نبحث بها ونستوعبها لنخطط لسوق مالية تستطيع الثبات أمام الأسباب التي أوقعت بالأسواق الأخرى، كما أننا عجزنا عن التخطيط المسبق للتعامل مع السيولة الكبيرة التي تحققت بفعل رجوع بعض من أموالنا بالخارج وانخفاض معدل خروج الأموال وارتفاع الدخل نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار النفط، عجزنا عن ذلك فأصبحت هذه النعمة التي تحلم بها الدول نقمة على المواطن، فخسر معظم المواطنين مدخراتهم التي جمعوها خلال سنوات طويلة، كما خسر البعض الآخر ما استدانه من البنوك لتحسين دخله وتحمل أقساط شهرية تقتص ثلث راتبه على الأقل لسنوات طويلة.
عدم التخطيط، الذي يعني أننا لا نرى صورة الاقتصاد السعودي كاملة مترابطة الأجزاء بما يمكن متخذ القرار من اتخاذ القرار المناسب وتوقع تأثيراته على كافة المجالات الأخرى ومناحي الحياة، حتى تأثير ذلك على المواطن ذي الدخل المحدود، عدم التخطيط جعلنا نتخذ قرارات هي للخيال أقرب، وإلا ما هو تفسيركم لإغلاق قناة المساهمات العقارية وتعليقها في فترة كانت تعاني البلاد من سيولة كبيرة لا تجد قنوات استثمارية فاتجه معظمها لسوق الأسهم فرفع الغث والسمين إلى أسعار خيالية لا يمكن لأي محلل عاقل منطقي تخيلها وتبريرها.
نعم بدل أن نوسع القنوات الاستثمارية وبسرعة قمنا بإغلاق قناة استثمارية متاحة في السوق العقاري وهو السوق الأضخم الذي يمكن أن يستوعب تلك السيولة فساهمنا في الارتفاعات الحادة للأسهم السعودية التي لا بد أن تعقبها انخفاضات حادة وهذا ما حصل، وهذه الارتفاعات الحادة هي التي ساهمت في وقوف الهيئة على صفيح ساخن، بل إن البلد كله باعتقادي وقف على هذا الصفيح واكتوى بحرارته.
ونتيجة لفقداننا التخطيط الاستباقي فقدنا التحرك الاستباقي، ودليلي على ذلك المراحل التي مرت بها السوق المالية السعودية ما قبل تأسيس هيئة السوق المالية وما بعده، والتي تنبئ عن العجب، فلقد بدا لي أن قرار الإعلان عن تأسيس الهيئة لم يكن مخططا له بشكل يناسب الوقت الذي خرج فيه، فهو دون أدنى شك قد تأخر كثيراً، ويبدو لي أن هذا التأخير كان السبب في استعجال إخراجه كيفما اتفق إلى حيز الوجود في أوج أزمة السوق؟ وتسبب في أزمة للهيئة وأوقعها في وضع لا تحسد عليه أبداً؟
فكيف لم يتم تهيئة الظروف لهذا الوليد الناشئ ـ الهيئة - لينمو ويترعرع في جو صحي وسليم؟ هل لم يكن في الحسبان تأسيس سوق مالية سعودية عندما وضعت وزارة الاقتصاد والتخطيط الخطة الخمسية التي شهدت تأسيس وإعلان هيئة السوق المالية؟ أين التخطيط السليم لتهيئة الأرضية المناسبة تشريعياً وثقافياً لقيام سوق مالي قوي يؤدي وظائفه المتعارف عليها ويستعصي على التلاعب والتحايل من قبل فئة استفادت من كونه وليداً فذهبت تعبث به صعوداً وهبوطاً وهو بعد غض طري لم يقو عوده؟ لقد غاب التخطيط فساد التخبيط في سوق المال.
"غياب التخطيط يعزز التخبيط"
د. عبد العزيز الغدير - - - 27/04/1427هـ
Abdalaziz3000@hotmail.com
إذا لم تخطط فستكون ضحية خطط الآخرين، نعم ستلعب دور الضحية دون بذل أي مجهود، وما عليك إلا أن تكرر القول بنظرية المؤامرة لتأخذ مسكنا أو مخدرا يكفيك عنا البحث والتحليل والتشخيص والعلاج، وتستدر عطف الآخرين ليشاركوا في مواساتك ولعن الآخر الذي سبب لك المأساة بتخطيطه مقابل تقاعسك عن التخطيط.
وللأسف الشديد فإن حالنا في الدول النامية يشير إلى أننا دائما ما نود أن نلعب دور الضحية، لأننا ببساطة لا نخطط، وإذا خططنا فإنا لا نتبع المنهجية والمنطقية المعيارية العالمية في التخطيط، بل نتبع منهجا ومنطقا هو للعشوائية أقرب منه للتخطيط، ولذلك سادت لدينا ردود الأفعال على حساب الاستجابة أو التحرك المسبق أو صناعة المستقبل.
في الدول المتقدمة توصلوا لنظريات إدارية في مجال التخطيط تحقق لهم صناعة المستقبل وليس استشرافه، بمعنى أنهم هم من يتحكمون بالمتغيرات لتحقيق ما يصبون إليه من أهداف، ونحن لم نصل لدرجة الاستجابة للتغييرات التي يزمعون القيام بها، وهذه درجة لا بأس بها من التخطيط إذ إنها تقوم على وجود أجهزة استشعار تستطيع تصور التغيرات المقبلة، وبالتالي الاستجابة لها عقلانيا مبكرا، بل إننا مازلنا في مرحلة ردود الأفعال وهذه سيئة، إذ إن ردود الأفعال دائما ما تكون سريعة وغير منهجية ولا منطقية بل غالبا ما تبنى على عواطف جياشة ومعلومات ناقصة، والأسوأ من ذلك كله هو انتفاء ردة الفعل تجاه المتغيرات وهذه الحالة تعني الموت الدماغي في أحسن الأحوال.
ونحن في المملكة العربية السعودية وبظني أننا نراوح بين الاستجابة وردود الأفعال، وهذه الحالة تبشر بخير وتشير إلى دماء متحركة وهمة وثابة تحتاج إلى المزيد من التوجيه والضبط لتغليب الاستجابة على ردود الأفعال من ناحية والاتجاه تصاعديا إلى مرحلة التحرك الاستباقي من خلال صناعة المستقبل، وإنا على ذلك لقادرون بإذن الله.
أحببت أن أقدم بتلك المقدمة وأنا أرى أن ضعف قدراتنا التخطيطية شارك وبفعالية في أزمة سوق الأسهم التي يعاني منها اليوم أبناء الوطن أشد معاناة، نعم غياب التخطيط الاستباقي يعني غياب البحث الجاد عن المعلومة الدقيقة السابقة والحالية وبعلمية، كما يعني عدم قدرتنا على تصور التغييرات المستقبلية لنتخذ ما يناسبها من قرارات وإجراءات تجعلنا نستثمر فرصها ونتصدى لأخطارها.
أزمة سوق الأسهم وقعت في أسواق كثيرة ولأسباب مشابهة تماما، ولكننا لم نبحث بها ونستوعبها لنخطط لسوق مالية تستطيع الثبات أمام الأسباب التي أوقعت بالأسواق الأخرى، كما أننا عجزنا عن التخطيط المسبق للتعامل مع السيولة الكبيرة التي تحققت بفعل رجوع بعض من أموالنا بالخارج وانخفاض معدل خروج الأموال وارتفاع الدخل نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار النفط، عجزنا عن ذلك فأصبحت هذه النعمة التي تحلم بها الدول نقمة على المواطن، فخسر معظم المواطنين مدخراتهم التي جمعوها خلال سنوات طويلة، كما خسر البعض الآخر ما استدانه من البنوك لتحسين دخله وتحمل أقساط شهرية تقتص ثلث راتبه على الأقل لسنوات طويلة.
عدم التخطيط، الذي يعني أننا لا نرى صورة الاقتصاد السعودي كاملة مترابطة الأجزاء بما يمكن متخذ القرار من اتخاذ القرار المناسب وتوقع تأثيراته على كافة المجالات الأخرى ومناحي الحياة، حتى تأثير ذلك على المواطن ذي الدخل المحدود، عدم التخطيط جعلنا نتخذ قرارات هي للخيال أقرب، وإلا ما هو تفسيركم لإغلاق قناة المساهمات العقارية وتعليقها في فترة كانت تعاني البلاد من سيولة كبيرة لا تجد قنوات استثمارية فاتجه معظمها لسوق الأسهم فرفع الغث والسمين إلى أسعار خيالية لا يمكن لأي محلل عاقل منطقي تخيلها وتبريرها.
نعم بدل أن نوسع القنوات الاستثمارية وبسرعة قمنا بإغلاق قناة استثمارية متاحة في السوق العقاري وهو السوق الأضخم الذي يمكن أن يستوعب تلك السيولة فساهمنا في الارتفاعات الحادة للأسهم السعودية التي لا بد أن تعقبها انخفاضات حادة وهذا ما حصل، وهذه الارتفاعات الحادة هي التي ساهمت في وقوف الهيئة على صفيح ساخن، بل إن البلد كله باعتقادي وقف على هذا الصفيح واكتوى بحرارته.
ونتيجة لفقداننا التخطيط الاستباقي فقدنا التحرك الاستباقي، ودليلي على ذلك المراحل التي مرت بها السوق المالية السعودية ما قبل تأسيس هيئة السوق المالية وما بعده، والتي تنبئ عن العجب، فلقد بدا لي أن قرار الإعلان عن تأسيس الهيئة لم يكن مخططا له بشكل يناسب الوقت الذي خرج فيه، فهو دون أدنى شك قد تأخر كثيراً، ويبدو لي أن هذا التأخير كان السبب في استعجال إخراجه كيفما اتفق إلى حيز الوجود في أوج أزمة السوق؟ وتسبب في أزمة للهيئة وأوقعها في وضع لا تحسد عليه أبداً؟
فكيف لم يتم تهيئة الظروف لهذا الوليد الناشئ ـ الهيئة - لينمو ويترعرع في جو صحي وسليم؟ هل لم يكن في الحسبان تأسيس سوق مالية سعودية عندما وضعت وزارة الاقتصاد والتخطيط الخطة الخمسية التي شهدت تأسيس وإعلان هيئة السوق المالية؟ أين التخطيط السليم لتهيئة الأرضية المناسبة تشريعياً وثقافياً لقيام سوق مالي قوي يؤدي وظائفه المتعارف عليها ويستعصي على التلاعب والتحايل من قبل فئة استفادت من كونه وليداً فذهبت تعبث به صعوداً وهبوطاً وهو بعد غض طري لم يقو عوده؟ لقد غاب التخطيط فساد التخبيط في سوق المال.