المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرأسمالية والاحتكار في سوق الأسهم: لا جديد!



شمعة الحب
30-05-2006, 01:26 AM
http://www.aleqt.com/admpic/399.jpg
الرأسمالية والاحتكار في سوق الأسهم: لا جديد!
ريم محمد أسعد - محللة استثمارية وعضو جمعية الاقتصاد السعودية - - 02/05/1427هـ
قرأت معظم ما كتبه الاقتصادي القدير الدكتور عبد الرحمن السلطان في إطار الأسهم السعودية على صفحات "الاقتصادية"، ولفت نظري مقالان بالذات أحدهما يتحدث عن دور صناديق الاستثمار البنكية في انهيار سوق الأسهم السعودية (صناديق البنوك سبب انهيار السوق)، والآخر تشخيصي وتحليلي ويقترح حلاً أو سيناريو معقولا لتغيير النظرة الشمولية لسوق الأسهم السعودية (نصف الصورة المغيب في سوق الأسهم السعودية).
وملخص المقال الأول أن لصناديق الاستثمار في الأسهم السعودية دورا فعليا في الهبوط بأسعار الأسهم في السوق السعودية لأن قاعدة أصولها تتجاوز بكثير نسبة 7 في المائة المعروفة لدى الأغلبية بل تتعداها واقعياً إلى نحو 30 في المائة من إجمالي قيمة الأسهم القابلة للتداول.

ويذكر المقال أن "معظم حملة وحدات الصناديق من مضاربي الأجل القصير يعني تدافعهم للخروج من السوق عند بدء ظهور أي تراجع في السوق، تضطر معه الصناديق وفي حال عدم توافر السيولة الكافية التي تسمح بتخفيض حجم موجوداتها بحدة تسييل وحداتها نفسها إلى بيع جزء من موجوداتها من الأسهم، ما يضغط السوق لمزيد من التراجع".
وإلى هذا الحد فإني أتفق تماماً مع الدكتور في أن هذه الحقيقة تشكل أهم العوامل التي تؤثر سلباً في أسعار الأسهم وذلك في حدود سيطرة أصول الصناديق (رؤوس المال المساهمة) على مستوى الأسعار، وأعني بذلك أن حجم أصول صناديق الأسهم من الطبيعي أن يتناسب طرداً مع تأثيرها في سوق الأسهم فهي في النهاية "حوض استثماري" يشتري ويبيع الأسهم وفقاً لسياسات محددة وإجراءات خاضعة لرقابة مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية.
وهنا ينبغي أن أتوقف قليلاً للتمعن في مدى هذا التأثير. لنفترض مثلاً أن 7 في المائة هي نسبة أصول الصناديق من إجمالي القيمة السوقية للأسهم المتداولة، فأين تكمن النسبة الباقية؟ لا بد أنها بيد المستثمرين المنفردين الهوامير منهم والصغار، وفي حالة السوق السعودية سنفترض جدلاً أن نسبة تملك الهوامير الكبار – وعددهم قليل- في السوق تصل إلى 70 في المائة من إجمالي حجم السوق والنسبة الباقية – أو 23 في المائة - في يد صغار المستثمرين (أرجو ملاحظة أن هذه فرضية جدلية) فإن تأثير الهوامير الكبار يفوق بأضعاف كثيرة تأثير العناصر الأخرى في سوق الأسهم، وهو في نظري أهم مسببات انهيار السوق.
حتى إن كانت نسبة ملكية صناديق الأسهم في السوق في حدود الـ 30 في المائة فإن تأثير الهوامير سيكون أقل وطأة في السوق ولكنه لا يزال في حدود 40 في المائة على أقل تقدير وهي نسبة ضخمة نسبياً. فلا يمكننا تخيل أن ملكية أغنى أغنياء العالم – بمن فيهم بيل جيتس مؤسس "ميكروسوفت" - تصل إلى نصف هذا الحد في بورصة نيويورك مثلاً.
وأصل هنا إلى محوري الرئيسي وهو أن الرأسمالية تجلت بأقوى صورها في سوق الأسهم السعودية، ولو كانت لدينا "محاكم احتكارCourts Anti-trust (التي تتصدى للممارسات التي تحبط التجارة مثل مؤامرة تثبيت الأسعار واحتكار السلع وغيرها) لاختلف الوضع، إلا أننا طبعاً نتحدث عن سوق رأسمالية بطبيعتها والاحتكار هو إحدى صفات هذه السوق ولا يمكن منعه بأي قانون.

وبالمناسبة فإن اقتصادنا عموماً يمكن وصفه عموماً بأنه رأسمالي يتيح لرأس المال السباحة بحرّية في أي تيار مفتوح للكسب باستخدام وتوظيف الموارد الموجودة من قوى عاملة ومواد خام ورؤوس أموال.
وما شهدته سوق الأسهم من انهيار كان من الممكن جداً أن يصيب باقي الأسواق الأخرى (مثل سوق السيارات والسلع الاستهلاكية والعقار وغيرها لأن مسبب الفشل الأساسي مشترك وموجود في جميع هذه القطاعات وهو الاحتكار وتمركز رؤوس الأموال في يد فئة محدودة من الملاّك) غير أن سهولة الدخول في سوق الأسهم وإمكانية المتاجرة الحرة وترقب النتائج خلال دقائق معدودة سببت الضرر لأكبر عدد من المستثمرين.
إذن ما الحل المقترح للتغلب على مشكلة رئيسية في سوق الأسهم أسهمت في الإطاحة بأكبر أسواق الأسهم العربية في غضون أسابيع - رغم قوة الدعائم الاقتصادية ووفرة السيولة واستقرار عملة الدولة ونظامها السياسي؟

في رأيي المتواضع أن الحل السليم له محوران أحدهما اقتصادي والآخر فني (هناك مواطن خلل فنية عديدة في سوق الأسهم أتركها للاختصاصيين الفنيين).

وتتلخص مقترحات المحور الاقتصادي فيما يلي:

1. توسيع قاعدة السوق المالية والمؤسسية: لا بد من دخول أكبر عدد ممكن من المستثمرين الراغبين في سوق الأسهم وذلك بمراعاة العوامل والمقترحات التالية لهذه النقطة. فأساس المشكلة نتج عن احتكار الهوامير - باختلاف أسمائهم وأشخاصهم- سوق الأسهم مما جعل انسحابهم دفعة واحدة يحدث كارثة في تاريخ السوق.
إضافة إلى ذلك لا بد من طرح عدد أكبر من الشركات الجيدة وفي أسرع وقت ممكن وذلك لتفادي تكدس الأسهم والأموال في عدد محدود من الشركات, وبالتالي زيادة مخاطر الأسعار والسيولة في السوق.

2. الدخول عن طريق صناديق الأسهم: ورغم اعتراض وامتعاض الكثير من أداء الصناديق فيجب أن "لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"، فبالنظر إلى نسبة هبوط أسعار الصناديق فإننا نجد أن حجم خسائرها يقل بأضعاف كثيرة عن حجم خسائر الاستثمار المباشر بشراء الأسهم وهو أمر لا جدال فيه. أقول لهؤلاء إن صناديق الأسهم هي عبارة عن اتفاقيات شراء مباشر للأسهم ولكن بإدارة محترفة نسبياً ورؤوس أموال أضخم كثيراً، ويمكن تشبيهها بسفينة ضخمة تبحر في عاصفة مقابل قارب صغير في العاصفة نفسها. أما من حيث الإدارة فإن المستثمر هنا يترك ما لا يفقه للاختصاصي المعتمد الذي يتخذ خطة طويلة المدى لتحقيق أهدافه الاستثمارية. واستشهد هنا بقصة مؤسفة قرأتها أخيرا عن زيادة كبيرة تلاها تبخر أموال المستثمرات من المعلمات واللاتي سلمن أموالهن لمعلمة أخرى استقالت من عملها لتتفرغ لمهنتها الجديدة (خبيرة أسهم)، لمجرد بضع مضاربات ناجحة انتهت نهاية موجعة.

3. النقطة الثالثة تتعلق باستراتيجية صناديق الأسهم. من الضرورة النظر إلى استراتيجية والأسلوب الإداري للصندوق فكلما اتجه الصندوق للمضاربة المكثفة وجني الأرباح ازداد التذبذب في أدائه على المدى القصير (يقاس ذلك بالانحراف المعياري للمخاطر)، وتنتفي بذلك الفائدة الأساسية من الدخول في صندوق استثماري! كذلك ينبغي السؤال عن مدير الصندوق ومعرفة تاريخه المهني في هذا المجال. وللأسف فالحصول على مثل هذه المعلومات ليس بالأمر اليسير في الأسواق المحلية، فالصناديق الأجنبية تتصف بمعايير إفصاح وشفافية أكثر تقدماً وإفادة من صناديقنا المحلية.

4. كذلك ينبغي على المستثمر في الصناديق أن يمتنع عن الدخول في الصندوق وقت الانخفاض والبيع السريع لجني الأرباح فهو هنا يمارس المضاربة مرة أخرى.

5. الزمن المتوقع للنجاح: هو في رأيي سنوات وليس أياماً أو شهوراً. لا بد من اتخاذ نظرة طويلة الأجل وترقب أداء الشركات بأنشطتها المعلنة وأرباحها الموزعة واستراتيجيتها التوسعية. وبرغم استثقال الكثير من المستثمرين هذا العنصر إلا أنه ينبغي معرفة أنه الخطوة الصحيحة الوحيدة التي تهذب سلوك المستثمر من حيث الصبر والتعلّم وترقب النتائج على أسس صائبة. وهنا أتطرق للمقال الثاني الذي كتبه الدكتور السلطان، حيث نفى أن يكون الحل في عودة السوق إلى مستوياتها القياسية مرة أخرى، فإن الخطأ لا يمكن (ولا يجب) علاجه بخطأ آخر، فالمستويات القياسية غير المبررة للمؤشر حلّقت بالأسعار عالياً ثم هوت بها إلى القاع وجفت معها جيوب وحلوق المستثمرين الذين لا حول لهم ولا قوة. وقد كتبت غير مرة أن الكسب السريع يتبدد سريعاً.

بالنسبة إلى الخاسرين الحاليين فللأسف أقول إنه لا توجد وصفة علاج فورية لاستعادة أموالهم بشكل فوري أو مطلق. ولا يمكن انتظار أن تقوم الدولة بالتدخل في كل مرة يتهور فيها المستثمرون الذين يلقون في النهاية باللائمة على الهيئة ورؤسائها ونهم البنوك (وهذا موضوع آخر) وخلل الأنظمة وانعدام الشفافية وغيرها من مواطن الخلل التي يعلق عليها المستثمرون أخطاءهم قبل محاسبة أنفسهم. والله الموفق.

محللة استثمارية وعضو جمعية الاقتصاد السعودية