المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إشكالية الهوية في الخليج والجزيرة العربية توحيدها وتجديدها



تغلبية
02-01-2012, 02:55 AM
يؤرقني هاجس الهوية "القَطَرية" و "العربية" و "الاسلامية" كوني أنتمي لهم جميعاً .. ونحن في هذا العالم المفتوح الذي مابرحت رياح العولمة أن تنخر فيه ليتآكل ويضعف.. فوجدت ورقة قيمــة وشائقة (مقدمة لمؤتمر "وحدة الخليج والجزيرة العربية" -البحرين 13 - 14/10/2011م) .. بددت بعض الغمام .. واتضح بعضاً من الحقيقة المؤلمة !

الورقة طويلة .. لكن تستحق القراءة



إشكالية الهوية في الخليج والجزيرة العربية توحيدها وتجديدها
د.حاكم المطيري - الكويت








ما سبب الاختراق الأجنبي والخارجي لمكونات المجتمع الخليجي؟

وما سبب ضعف الانتماء للوطن والمجتمع؟

وما هي الأخطار التي تهدد هوية شعوب الخليج والجزيرة العربية؟

وكيف يتم صياغة هويتها على نحو يعيد توحيدها؟

كيف نحقق التوازن والتناغم بين الهوية الوطنية والقومية والدينية؟



هذه أسئلة تحاول هذه الورقة الإجابة عنها بعد أن شعر الخليجيون اليوم أنهم يواجهون تحديات كبرى فشلت الهوية الوطنية القُطرية في مواجهتها، حيث تعيش الجزيرة العربية كلها حالة من الاحتقان السياسي الخطير - الطائفي (سني – شيعي) كما في البحرين، والفئوي (حضري – بدوي) كما في الكويت، والمناطقي (حجازي – نجدي) كما في السعودية، والجهوي (شمالي – جنوبي) كما في اليمن - الذي يعرض المنطقة كلها لخطر التدخل الأجنبي، مما يوجب إعادة صياغة هوية المنطقة من جديد تحقق وحدتها وأمنها واستقرارها..

أهمية الموضوع :

ليس أشد خطرا على المجتمعات الإنسانية من صياغة هويتها وإعادة تعريفها بنفسها فكريا وسياسيا ودينيا، فالشخصية المجتمعية لها من الخصوصية ما للشخصية الفردية، بل وأكثر منها، فكما لكل إنسان شخصيته التي يمتاز بها عن غيره، وبها يعرف ويوصف، وبها يتحقق وجوده الإنساني، فكذلك لكل مجتمع هويته وشخصيته التي يوجد بوجودها ويعدم بعدمها، ومن هنا كانت هوية كل مجتمع هي روحه التي لا قوام له في عالم الإنسانية إلا بها!

وقد أصبح موضوع الهوية اليوم في ظل الانفتاح العالمي، وصراع الحضارات وتدافعها للحفاظ على خصوصيتها، من أكثر القضايا أهمية وخطورة، كما عبر عن ذلك المفكران ريتشارد كوك وكريس سميث في كتابهما (انتحار الغرب) حيث جاء فيه (أروع القضايا التي تواجه كل غربي اليوم وأخطرها شأنا وأصعبها هي قضية الهوية من أنا؟ والتناقض هنا هو أننا نسأل السؤال بوصفنا أفرادا، ومع ذلك لا نستطيع أن نجيب عنه وأن نحدد وجودنا إلا بوصفنا مجموعات..
نحن نحتاج إلى الإحساس بالهوية وكلما كان المجتمع أكثر لا مركزية وصار كل واحد أكثر فردية صار الإحساس بالهوية أكثر أهمية).[1]

فالإنسان حين يسأل من أنت؟ لا يستطيع أن يجيب عن ذات مجردة، لأنه لا وجود لها إلا بمجتمعها، وأوله الأسرة التي تشكل هويته منذ ولادته كما في الحديث الصحيح (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه..)!

فحين يريد الإنسان التعريف بنفسه فإنه بمجرد ما يقول أنا .. تكون هويته المجتمعية قد ظهرت فإن قالها بالعربية فهو عربي، وإن قالها بالفرنسية فهو فرنسي!

ولعل شعوب الجزيرة والخليج العربي اليوم أشد ما تكون حاجة للبحث عن هويتها وصياغتها على نحو يعبر عن ذاتها وشخصيتها وخصوصيتها، ويحقق لها وحدتها وقوتها، بعد عقود من الاغتراب الفكري والسياسي الاجتماعي، الذي كان نتيجة للتحولات السياسية التي تعرضت لها المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، حيث باتت عرضة للقرصنة الدولة الاستعمارية، التي مزقتها وحاولت تشكيل وعيها على نحو يخدم مصالح القوى الاستعمارية، وحتى بات الخليجيون جميعا يعيشون هاجس المستقبل المجهول، فقد ثبت لهم بأن الواقع السياسي لا يشكل وحده هوية دائمة راسخة، بل هوية طارئة عرضة للزوال حال تغير الأوضاع السياسية (فالحوادث السياسية قد تشكل الهوية، ولكنها وحدها لا تستطيع أن تحافظ على الهوية).[2]

وإذا كان العالم الغربي اليوم مع بلوغ أوج قوته وسيطرته أحوج ما يكون للبحث عن هويته، حيث جعل من المسيحية وقيمها الأساس الأول في تشكل هذه الهوية التي توحد أوربا اليوم سياسيا وثقافيا أكثر منها دينا وعقيدة![3]

وحتى رفض الاتحاد الأوربي دخول تركيا فيه بذريعة (يجب المحافظة على الاتحاد الأوربي ناديا مسيحيا) كما صرح بذلك رؤساؤه!

فكيف بمجتمعاتنا التي تعرضت وما تزال لكل عواصف مسخ الهوية واستلابها وطمسها وتشويهها؟!

وإذا كانت الوحدة الأوربية قد تحققت بعد حربين عالميتين بين شعوب مختلفة في قومياتها ولغاتها وطوائفها الدينية ومصالحها، حتى كانت الإرادة الشعبية وحدها وراء وحدتها، رغبة في الحفاظ على أمنها واستقرارها ومصالحها، فإن الوحدة الخليجية توفرت لها كل عوامل الوحدة إلا الإرادة السياسية والشعبية!

وستحاول هذه الورقة معالجة موضوع الوحدة من زاوية فكرية وثقافية وهي إشكالية الهوية العربية الخليجية، وتحديد أسسها وركائزها، والبحث في عوامل توحيدها، وبيان ضرورة تجديدها، على نحو يحقق لشعوبها الأمن المجتمعي، والاستقرار الداخلي، والقدرة على مواجهة الخطر الخارجي، ويحقق للأفراد طموحهم وانتماءهم، ويدفع دولها للنمو والتطور، ولتكون جزيرة العرب بعد ذلك قاعدة رئيسة وحجر أساس متين لوحدة العالمين العربي والإسلامي!

يتبع

تغلبية
02-01-2012, 03:00 AM
تعريف الهوية:

يمكن تعريف الهوية بأنها: هي الخصائص والصفات الذاتية والعرضية التي يمتاز بها مجتمع ما عن غيره من المجتمعات، والتي تعد تلك الخصائص عناصر التماثل الموحدة لغالبية أفراده، والقاسم المشترك بين أكثر فئاته، على اختلاف مكوناته، كالعرق، والوطن، واللغة، والدين، والقيم، والمفاهيم، والتاريخ المشترك.

فالهوية العربية مثلا هي أقوى عوامل وحدة العرب كقومية وشعب واحد، من خلال عناصر التماثل التي توحده وتربط بين كل أفراده وقبائله، وفئاته، كالعرق الواحد، واللغة الواحدة، والوطن الواحد، والتاريخ الواحد، والقيم المشتركة الواحدة، التي صهرتهم ووحدتهم نفسيا وشعوريا ووجدانيا وفكريا، وهو ما يجعل الانتماء والترابط بين أفراد هذه الأمة وفئاتها أمرا طبيعيا فطريا.

وكذا الهوية الإسلامية هي الرابط المشترك التي جعلت من المسلمين أمة واحدة على اختلاف قومياتهم وأعراقهم طوال ثلاثة عشر قرنا، حتى صنعوا جميعا تاريخا واحدا مشتركا، وصهرتهم روح واحدة، ووعي مشترك واحد.

خطورة الهوية :

وتكمن خطورة الهوية في كونها :

1- عامل رئيس في تحقيق الشعور بالذات للفرد والجماعة، ومن ثم الهدوء والاستقرار النفسي والاجتماعي، ليستطيع الإنسان في ظلها ممارسة حقوقه وحياته الطبيعية في مجتمعه في ضوء ما تحدده له تلك الهوية، فالشعوب التي تفقد هويتها كالإنسان الذي يفقد ذاكرته، فتفقد تلك الشعوب القدرة على التمييز، بل القدرة على معرفة ما تريد وما لا تريد، لتصبح أكثر قابلية للاحتلال الأجنبي، وأكثر سهولة للانقياد والخضوع للطغيان السياسي، ليصرف غيرها إدارة شئونها، كالقاصر مع الوصي!

2- دافع رئيسي للانتماء للمجتمع، فبقدر إحساس الفرد والمجموعة بالهوية المشتركة يتحقق الانتماء للمجتمع، وبقدر ضعف الهوية يضعف الانتماء، وتزداد حالة الاغتراب النفسي والاجتماعي، وهو ما يزيد من حالة تشظي المجتمع وتشرذمه.

وقد ظهرت هذه الأزمة اليوم بكل وضوح في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، فبعد أن نجح العراق منذ الاستقلال وقيام الدولة العراقية في حماية وحدته المجتمعية بهوية وطنية جامعة لكل مكوناته الدينية والقومية، واستطاع خوض حرب لمدة ثمان سنين مع إيران دون تخلخل جبهته الداخلية، نجحت إيران في المقابل من خلال الاستقطاب الطائفي اختراق المجتمع العراقي، وتشكيل هوية طائفية أكثر ارتباطا بإيران وانتماء إليها منها بالعراق مما أدى إلى سيطرة إيرانية شبه كاملة على العراق، وهو ما لم يحدث في تاريخ العراق العربي منذ قرون!

3- أهم محفز للفرد وللمجموعة على البذل والتضحية من أجل حماية المجتمع وتطوره وازدهاره، إذ يشعر الفرد بأنه يضحي من أجل ذاته ويعمل من أجل المجتمع الذي لا وجود له كفرد إلا به.

طرق صياغة الهوية:

وتتم صياغة هوية أي أمة ومجتمع من خلال عدة قنوات أهمها: طرق التنشئة والتعليم والتربية التي تقوم بوظيفة نقل ما هو عرضي من تلك الخصائص كاللغة والدين والتاريخ والقيم والمفاهيم والعادات من جيل إلى جيل، حيث يتم بعملية التنشئة ترسيخ الشعور بالهوية، وصياغتها بشكل دائم، ليستطيع المجتمع والفرد من خلالها رؤية ذاته ورؤية غيره والأشياء من حوله، والتعامل معها وفق قيمه وتصوراته.

فمهمة صياغة الهوية ليس مهمة الدولة ومؤسساتها فقط، بل مهمة المجتمع بعلمائه ومفكريه وكتابه وكل من يسهم في تشكيل الوعي الجمعي.

أثر الهوية على الأوضاع السياسية :

لقد أصبحت قضية الهوية تؤرق علماء الاجتماع السياسي لخطورة الهوية على السلوك الإنساني السياسي، وقد عاشت أوربا قرونا من الحروب بسبب تحولات الهوية!

فحين صاغت أوربا هويتها وأعادت التعريف بنفسها على أساس ديني طائفي مسيحي دخلت في حروب طاحنة بين شعوبها على أساس الاصطفاف الطائفي، فكانت الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس!

ثم لما تبدلت الهوية وأعادت أوربا صياغة هويتها والتعريف بنفسها على أساس قومي دخلت في حروب طاحنة بين كل شعوبها على أساس الهوية القومية حتى بين أتباع الدين والمذهب الواحد، فقد كان الشعور الطاغي بالهوية القومية في أوربا هو السبب في قيام الحرب العالمية الأولى التي دفعت شعوب أوربا ثمنه غاليا حيث تم قتل نحو عشرين مليون إنسان أوربي!

ثم شهدت أوربا تحولات كبرى على مستوى الهوية والتعريف بنفسها على أساس فكري، فظهرت النازية في ألمانيا، والفاشستية في إيطاليا، والشيوعية في روسيا، ودخلت أوربا في حروب جديدة على أساس الاصطفاف الفكري الأيديولوجي بين الدول الأوربية فيما بينها، فكانت الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين مليون أوربي، وتم وتدمير كل إنجازات الحضارة الأوربية - التي حققتها في قرون طويلة - خلال سبع سنوات في حرب فكرية همجية عالمية![4]

كما كان الشعور العقائدي الشمولي الذي جاءت به الشيوعية والنازية والفاشستية سببا لشقاء الملايين من المواطنين في روسيا وإيطاليا وألمانيا الذين تعرضوا للإبادة على يد ستالين وهتلر وموسيليني، لأنهم مواطنون غير صالحين بحسب تعريف الهوية الفكرية الجديدة!

كما صارت الليبرالية الرأسمالية الامبريالية سببا للاستعمار وقتل الملايين والسيطرة على الشعوب الأخرى ..الخ

ثم بعد ذلك كله استطاعت أوربا اليوم أن تعيد صياغة هويتها والتعريف بنفسها بعد الحرب العالمية الثانية لتجعل من الهوية الأوربية الغربية هوية مشتركة لكل قومياتها وشعوبها وأديانها، وأخذت تحدد معالم هذه الهوية وتجددها وتبحث في عناصرها الحية التي تصلح للبقاء والنمو، حيث وجد أنها تقوم على أسس راسخة صالحة بالنسبة لها، لتحقيق الأمن والاستقرار من جهة، وتحقيق التطور والازدهار من جهة أخرى، ومن أهمها (المسيحية وقيمها الروحية والإنسانية ـ الليبرالية ـ الفردية ـ العلم ـ النمو)..الخ[5]

لقد كان أثر صياغة الهوية الأوربية الجديدة على أوضاع أوربا السياسية أثرا عظيما حيث شهدت القارة استقرارا وازدهارا غير مسبوق في تاريخها كله، فقامت السوق الأوربية، والاتحاد الأوربي، والبرلمان الأوربي، والدستور الأوربي، والعملة الأوربية الموحدة…الخ

وإنه من الضروري معرفة هذه التجربة الإنسانية الحية والاستفادة منها، ومعرفة كيفية تجاوزت أوربا حالة العداء التاريخي والحروب الدموية التي مزقتها قرونا طويلة، لتصل إلى وحدة تنتظم القارة كلها، مع عدم توفر كثير من عناصر الوحدة التي تتمتع بها شعوب العالم العربي والإسلامي، فضلا عن شعوب مجلس التعاون الخليجي!

وقد حاول الباحثون الاجتماعيون الغربيون البحث في أهم مميزات الهوية الغربية فوجدوها ( تمتلك خمس ميزات :

الأولى : كونها قائمة على التاريخ والجغرافيا المشتركين وعلى مجموعة من الهويات القومية التي تمتلك العديد من التشابه.

الثانية : تشابك المنظمات والأحلاف الغربية السياسية والاقتصادية والعسكرية.

الثالثة : العقلية الغربية المشتركة بين كل الغربيين والتي لا يشترك فيها غيرهم.

الرابعة : سعة الهوية الغربية تجعلها تسمح بالاحتفاء بالاختلافات العرقية والمحلية والقومية وبمختلف الهويات دون القومية والعابرة للقومية، ليشعر الجميع شعورا عميقا بهوياتهم المتنوعة.

الخامسة : كونها تمتلك محتوى أخلاقيا واجتماعيا مرتكز على المثل العليا للقيمة الإنسانية، والمسئولية، فتسمح لكل واحد من أي انتماء سياسي أو ديني أو أسلوب حياة أن يشعر أنه جزء من مجتمع مستوعب للجميع ومتسامح يحتضن التنوع والفردية، لتمنح معنى لحياة كل فرد). [6]

وبالنظر إلى كل هذه المميزات للهوية الغربية نجد أن هناك من المميزات في الهوية المجتمعية في الخليج والجزيرة العربية ما يفوق تلك الغربية، حيث القومية الواحدة، والدين الواحد، واللغة الواحدة، والتاريخ الواحد، والثقافة الواحدة، والعادات والتقاليد المتشابهة..الخ إلا أننا نفتقد فقط لإرادة الوحدة!

لقد فشلت الهوية الوطنية القطرية في العالم العربي عموما، وفي الجزيرة والخليج العربي خاصة، أن تحقق الأمن والاستقرار لدولها وشعوبها، أو أن تكون بديلا عن الهوية العربية والإسلامية الجامعة، وظلت شعوبنا الخليجية تتأثر بمحيطها العربي والإسلامي كما لو لم توجد الهوية القطرية الوطنية أصلا!

إن التجاوب والتفاعل الاجتماعي الخليجي مع قضايا الأمة العربية والأمة الإسلامية يؤكد بأن هناك هوية فوق الهوية الوطنية القطرية يجب عدم التقاطع معها عند صياغة هوية المجتمع الخليجي بل يجب التناغم والانسجام بين عناصر الهوية (الجغرافي الوطني ـ والقومي العربي ـ والديني الإسلامي)!

وهو ما يقتضي المبادرة لصياغة هوية المجتمعات الخليجية على نحو يعبر عن شخصيتها وخصوصيتها كما هي وكما يجب أن تكون لا كما تريد الأنظمة السياسية وأهواؤها الفئوية!

لقد وصلنا اليوم إلى حالة من الاحتقان الطائفي غير مسبوقة في كل بلد، وحالة من الاحتقان الفئوي والمناطقي، لا لشيء إلا بسبب الفشل السياسي عن التعبير عن الهوية الجامعة لهذه الشعوب، واحترام الاستحقاقات السياسية الذي تفرضه هذه الهوية، فلا يمكن تهميش فئة أو طائفة سياسيا أو اقتصاديا، في الوقت الذي تقتضي الهوية الوطنية فضلا عن الهوية العربية والإسلامية تحقيق المساواة للجميع دون تمييز أو تهميش!

إن شعور مكون اجتماعي ما في المجتمع بحالة اغتراب مجتمعي يجعله بالنهاية أكثر قابلية للاستلاب والاختراق، وهو ما يجعل من الأهمية بمكان معالجة هذا الخلل وتعزيز روح الانتماء لوطنه ومجتمعه الذي يعيش فيه بإشباع حاجته للهوية الجامعة وتحقيق الاندماج فيه.

ولا يعد الاختراق الإيراني الطائفي الذي يوظف المذهب الشيعي لأغراض سياسية للسيطرة على الخليج العربي هو الاختراق الأخطر، بل هناك الاختراق الغربي بمشروعه الليبرالي التغريبي والذي يتخذ من المسيحية أيضا أداة للسيطرة ومد النفوذ، وما بناء الكنائس في جزيرة العرب على نحو غير مسبوق ومنذ الحرب العالمية الأولى إلى اليوم إلا دليل على توظيف القوى الاستعمارية الغربية للمسيحية كدين والليبرالية كفكر لمد نفوذها للسيطرة على المنطقة العربية، ولهذا يعاني العالم العربي اليوم - بسبب ضعفه وغياب مشروعه وفقدان هويته – من اختراق المشروع الإيراني الطائفي كما في العراق، واختراق المشروع الغربي الاستعماري كما في مصر والسودان ولبنان حيث اتخذ من الوجود المسيحي هناك، واستغلال حالة الاغتراب الذي تعيشه الأقليات في تلك الدول ذريعة لتنفيذ مشروعه!

بينما لم يستطع كلا المشروعين الصفوي الشرقي والصليبي الغربي تحقيق مثل هذه النجاحات في ظل المشروع العربي القومي في أوج قوته في عهد جمال عبد الناصر، لنجاحه في تعزيز روح الانتماء القومي الذي يتجاوز الطائفية وتشرذمها!

مظاهر أزمة الهوية وأثرها على الحرية:

إن للهوية أشد الأثر وأخطره على حرية الفرد والمجتمع، وقد تتعرض لأزمة يختل بسببها توازن المجتمع، وتضطرب أحواله، وتتعطل ملكة الإبداع لدى أفراده، لما قد يشعرون فيه من اغتراب اجتماعي، أو استلاب لهويتهم، ولعل أوضح مثال في تاريخنا العربي على مدى أثر أزمة الهوية على الحرية قصة عنترة العبسي مع قومه، فقد كان والده يأبى الاعتراف به، لأنه ابن أمة سوداء، وكان يرعى إبل والده، فأغار عليهم العدو، فاستصرخه قومه ليكر على الأعداء، فقال كلمته المشهورة التي ذهبت مثلا (إن العبد لا يحسن الكر والفر، بل يحسن الحلب والصر)!

فقال له أبوه: يا عنترة كر وأنت حر!

وما إن أصبح عنترة حرا، واعترف به أبوه وعشيرته، حتى كر وخلص الإبل، وحمى قومه، بعد أن تخلص من حالة الاغتراب الاجتماعي، التي كان يحياها بينهم، بسبب استلاب هويته وعدم الاعتراف به، ليصبح أسطورة في التاريخ العربي الجاهلي!

لقد كان من أبرز صفات العرب قاطبة في جاهليتهم شيئان:

1-المحافظة على الهوية بحفظ أنسابهم، والزهو بأحسابهم، والاعتزاز بتاريخهم وآدابهم، وكل ما يعزز هوية العربي منهم، حتى أنه لا مكان بينهم لمن لا حسب له ولا نسب.

2-محافظتهم على حريتهم وكرامتهم وعزتهم، حتى أنهم لا يعرفون ظلم الملوك، ولا يخضعون لسلطتهم، ولم تقم لهم دولة واحدة في تاريخهم كله، لشدة أنفتهم من طاعة الملوك، قبل ظهور الإسلام وقبل دخولهم فيه طواعية، لكونه جاء بالشورى كما في قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم)[7]، والأمر هنا يدخل فيه دخولا أوليا الإمارة والخلافة وحق الأمة في اختيار الإمام، كما قال عمر(الإمارة شورى بين المسلمين)[8]، وكذا جاء بالشورى بعد اختيار الإمام كما في قوله تعالى (وشاورهم في الأمر)[9]، وهذا المبدأ الذي جاء به الإسلام كان يعرفه العرب في جاهليتهم، حيث كان أهل مكة يديرون شئون بلدهم ـ وهي أم القرى، وأشهر مدن العرب قاطبة، دينيا وسياسيا وتجاريا ـ ويصرفون أمورهم في (دار الندوة)، وكان أهل يثرب في الجاهلية يصرفون شئون مدينتهم في (السقيفة)، وكذا أهل الطائف، وغيرها من مدن العرب، التي لم تعرف سلطة الملوك، غير أنه لا يحضر الشورى إلا أشرافهم والملأ منهم، فلما جاء الإسلام بالشورى جعلها للناس كافة، لا فرق فيها بين قوي وضعيف، وغني وفقير، وكبير وصغير، وعربي وعجمي، وهذا ما دعا العرب مع شدة أنفتهم إلى قبول الإسلام، والدخول فيه تحت ظل الدولة الجديدة.

ومن نظر في شعر العرب وديوانهم الذي هو الذاكرة التي حافظت على هويتهم الثقافية، يجد أنه لا تكاد تخلو أشعارهم من الفخر والزهو بهاتين الخلتين، ومعلقاتهم أوضح شاهد على ذلك:

فهذا عمرو بن كلثوم التغلبي يتهدد ملك الحيرة ويتوعده بقوله:

أبا هند فلا تعجل علينا
وأنظرنا نخبرك اليقينـا
بأنا نورد الرايات بيضا
ونصدرهن حمرا قد روينا
وأيام لنا غر طـوال
عصينا الملك فيها أن ندينا
وسيد معشر قد توجوه
بتاج الملك يحمي المحجرينا
تركنا الخيل عاكفة عليه
مقلدة أعنتها صفـونا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما
تخر له الجبابر ساجدينا

ويقول الشاعر الآخر :

أما الملوك فإنا لا نلين لهم
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر


وهذا حسان بن ثابت في الجاهلية يمدح الغساسنة ويقول:

بيض الوجوه كريمة أحسابهم
شم الأنواف من الطراز الأول



وفي هذا البيت تتجلى قيمة الهوية عند العرب وأهمية الحسب الشريف، والطراز الأول!
ولهذا قال عمر وهو على فراش الموت(وأوصي الخليفة من بعدي بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام)[10]!

وقد ظل العرب أحرارا يأنفون الظلم، ويأبون الضيم، ويرفضون الذل، حتى بعد أن وقع الاستبداد في دولة بني أمية، فقد تهدد بلال بن أبي بردة - وكان أمير البصرة لبني أمية - وتوعد بني مازن على جناية ارتكبوها، فقدموا عليه، وأنشده شاعرهم سعد بن ناشب المازني قوله :

فلا توعـدنا يا بلال فإننـا
وإن نحن لم نشقق عصى الدين أحرارُ
وإن لنا مهما خشيناك مذهبا
إلى حيث لا نخشاك والدهر أطوارُ
فلا تحملنا بعد سمع وطاعة
على حالة فيها الشقاق أو العار
فإنا إذا ما الحرب ألقت قناعها
بها حين يجفوهـا بنوها لأبرارُ
ولسنا بمخليين دار هضيمة
مـخافة موت إن تباينت الـدارُ

فهنا يؤكد الشاعر أن قومه بني مازن أحرار، وإن لم يشقوا عصى الطاعة ويخرجوا على الدولة، فليس اعترافهم بالسلطة تنازلا منهم عن حريتهم، بل هم أحرار، يحمون الدار، ويذودون عن الذمار.

وقد ظل العرب والقبائل العربية في جزيرة العرب على هذه الحال إلى العصر الحديث، وإلى قيام الدويلات المعاصرة، حيث واجهوا أخطر أزمة هوية في تاريخهم كله! ومازالوا يعيشون هذه الأزمة إلى هذا اليوم، ففي هذا العصر على وجه الخصوص تواجه المجتمعات العربية عامة والخليجية خاصة أزمة هوية خطيرة يجب تحديدها وتشخيصها ليسهل معالجتها.

تغلبية
02-01-2012, 03:04 AM
عناصر الضعف والخلل في الهوية الخليجية :

وتتمثل في :

أولا : غياب الهوية:

فمع توافر كل عناصر الهوية الجامعة لشعوب الخليج والجزيرة العربية المتمثلة في وحدة العرق القومي، واللغة الواحدة، والجغرافيا المحصورة في جزيرة العرب، والدين الواحد، والتاريخ المشترك، والعادات والتقاليد والثقافة الواحدة..الخ إلا أنه لا هوية اليوم لدول وشعوب الخليج العربي ولا شخصية لهم!

فليس لهم هوية سياسية أو فكرية محددة، ولا تعبر سياسات دولهم عن هوية خاصة بهم! ولا يمكن أن تعرف من الإعلام الخليجي ومناهج التربية والتعليم من نحن؟ وماذا نريد؟ وما هويتنا؟ وما رسالتنا في الحياة؟ وما غايتنا التي نطمح إليها كدول وأنظمة حاكمة؟

إنك تستطيع أن تعرف اليوم من مواقف النظام الإيراني السياسية ومن الإعلام الإيراني طبيعة النظام السياسي وهويته وأهدافه، إلا أنك لا تعرف من مواقف الأنظمة الخليجية خاصة والعربية عامة ولا من إعلامها ما هويتها!

إن دول الخليج لا تعبر في سياساتها وإعلامها ومناهج تعليمها عن هوية قومية ولا عن هوية إسلامية، فإعلامها لا هوية له فهو يدعو إلى الإسلام وفي الوقت ذاته يزين الإلحاد! ويدعو للفضيلة ويروج للرذيلة! ويدعو لاحترام حقوق الإنسان ويشرعن للاستبداد والطغيان! ويؤكد على أهمية السيادة والاستقلال ويتعاون مع الاستعمار والاحتلال!

إننا لا نعرف ماذا نريد هل نحن عرب؟ فللهوية العربية استحقاقاتها التي لا نريد تحمل مسئولياتها!

أم نحن مسلمون؟ فللهوية الإسلامية استحقاقاتها التي لا نريد تحمل المسئولية تجاهها!

أم نحن عقلانيون وليبراليون فلذلك كله استحقاقاته التي لا نريد الالتزام بها!



ثانيا : غياب مفهوم المواطنة:

وهو من أشد مظاهر أزمة الهوية خطرا، فالوطن يمثل الوعاء والظرف الحاضن الذي تتشكل فيه هوية أي أمة وأي مجتمع، وإذا كان الوطن هو الأرض والمساحة الجغرافية التي يعيش عليها الشعب أو المجتمع، فالمواطنة هي الانتماء والعلاقة التي تربط الإنسان بالوطن الذي يعيش فيه من خلال الدولة بمكوناتها الثلاث الأرض، والشعب، والسلطة بأقسامها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي يترتب عليها ـ أي المواطنة ـ إثبات ما للإنسان من حقوق وما عليه من واجبات تجاه الوطن والمجتمع الذي يعيش فيه، كما ينتج عنها ما يتحقق له من أمن اجتماعي واقتصادي ونفسي بانتمائه للوطن.

ومفهوم المواطنة يقتضي تقرير حق كل مواطن في الدولة بالمشاركة في اختيار السلطة التي تمثله، وحقه في تولي الوظائف العامة، وحقه في التكافل الاجتماعي، وحقه في ممارسة حريته وحقوقه الطبيعية دون خوف.

ويكاد يغيب مفهوم المواطنة في دول الخليج العربي اليوم غيابا تاما ليحل محله مفهوم التبعية والرعوية للأنظمة الحاكمة، فالحصول فيها على الجنسية ـ التي تثبت حق المواطنة في الدولة المعاصرة ـ لا يكون بالاستحقاق الطبيعي والقانوني بل بالهبة والمنح، لا من الدولة وسلطاتها الثلاث التشريعية والفضائية والتنفيذية، بل من الحكومة والسلطة، التي لا تمثل الشعب بقدر ما تمثل الأنظمة الحاكمة!

فالحكومات في دول الخليج هي التي تمنح الجنسية وهي التي تسحبها، وليس الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا يستطيع المواطن الخليجي أن يلجأ للقضاء للحصول على حقه في الجنسية التي تثبت له حقوق المواطنة، كما لا يحق له اللجوء للقضاء للتظلم حين يتم سحب جنسيته، وهو ما يجعل الخليجيين كافة رعايا تابعين للأنظمة الحاكمة وتحت رحمتها وسطوتها، وليسوا مواطنين على قدم المساواة معها!

وإذا كانت العلاقة بين أفراد المجتمع في الدولة الإسلامية تقوم على أساس مبدأ الأخوة التي تقتضي المساواة، وإذا كانت العلاقة في الدولة المعاصرة الحديثة تقوم على أساس مبدأ المواطنة التي تقتضي أيضا المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، لا فرق في ذلك بين الحاكم والمحكوم، وما يترتب على ذلك من ثبوت حق الجميع في اختيار السلطة التي تمثلهم لتساويهم في المواطنة، وحقهم في العدالة في تقسيم الثروة بينهم، وحقهم في تبوء الوظائف العامة وفق مبدأ تكافؤ الفرص، كما تنص عليه الدساتير الوضعية المواثيق العالمية الإنسانية.

فإن العلاقة اليوم في دول الخليج العربي بين الشعوب والأنظمة الحاكمة لا تقوم على ذاك الأساس الشرعي الإيماني (الأخوة)، ولا على هذا الأساس الوضعي الإنساني (المواطنة)!

فلا العلاقة علاقة أخوة كما قررها الإسلام، ولا علاقة مواطنة كما تقررها الدساتير الوضعية في الدول المعاصرة! بل هي علاقة تبعية ورعوية تتمثل فيها الطبقية الجاهلية في أوضح صورها، وتتجلى فيها أكبر إشكالية تواجهها شعوب الخليج العربي وهي إشكالية المواطنة التي هي مظهر من مظاهر أزمة الهوية ومن مظاهر الخلل فيها، ويعود السبب الرئيس في ظهور هذه الإشكالية إلى الأساس الذي قامت عليه دول الخليج الحديثة، فلم تقم على أساس قومي كما هو الحال في الدولة الحديثة المعاصرة في أوربا، ولا على أساس ديني كما كانت عليه الدولة الإسلامية، ولا على أساس جغرافي محدد فرضته الجغرافيا، بل تم تقسيم المنطقة وشعبها الواحد إلى دويلات بصورة عبثية فوضوية، تم نسبتها إما إلى أسرة (السعودية)، أو مدينة(الكويت)، أو إقليم (عمان)، أو جزيرة (البحرين) (قطر)، أو حالة سياسية(الإمارات)!

كما لم يكن قيام دول الخليج تعبيرا عن إرادة شعوب المنطقة ـ التي تمثل شعبا واحدا عرقيا ودينيا ولغويا وثقافيا وتاريخيا وجغرافيا ـ بقدر ما كانت تعبر عن إرادة الاستعمار البريطاني الذي خلق هذا الواقع وفرض هذه الخريطة على النحو الحالي منذ أن دخل المنطقة إلى الحرب العالمية الأولى ـ حيث سقطت الخلافة العثمانية آخر خلافة إسلامية، والتي كانت تتبعها الجزيرة العربية كإقليم من أهم أقاليمها ـ حيث حدد الاستعمار البريطاني الحدود بين البلدان التي جعل منها دولا، ولم تقتصر بريطانيا على ذلك بل عملت على حماية هذا الواقع وترسيخه، ووقفت ضد الحركات الوطنية التي أرادت إصلاح هذا الخلل كما حصل في ثورة الإمام والقبائل في عمان 1918م، وثورة الأخوان في نجد 1928م، وثورة المجلس سنة 1938م في الكويت والبحرين، والتي كان قادتها يطمحون إلى قيام نظام حكم برلماني على النمط البريطاني في الكويت. [11]

لقد كان لبريطانيا يد في وأد كل تلك الحركات خشية على مصالحها في المنطقة[12]، وكل ذلك على حساب الشعوب التي أصبحت ضحية هذا التحالف بين الاستعمار والاستبداد، ابتداء من تقسيم المنطقة الواحدة بشكل عبثي، وانتهاء بفرض الأنظمة وحمايتها، قبل تحديد العلاقة بينها وبين الشعوب التي تم إخضاعها من قبل بريطانيا لتلك المشيخات بقوة سلاح البحرية والطيران البريطاني!

لقد أصبحت شعوب الخليج العربي منذ سنة 1922م ـ حيث تم تحديد الحدود التي فصلت بين أبناء الأرض الواحدة والشعب الواحد ـ تواجه واقعا جديدا تقوم فيه العلاقة بينها وبين هذه الأنظمة ـ التي تحكمها بقوة الحماية البريطانية ـ لا على أساس مبدأ المواطنة للدولة والوطن، وهو ما يقتضي المساواة في الوطنية، بل على أساس التبعية والرعوية للمشيخات، أي على أساس طبقي إقطاعي، أصبحت فيها الأرض ـ أي الخليج والجزيرة العربية ـ ملكا للأسر الحاكمة بقوة النفوذ البريطاني، وإقطاعيات خاصة بهم، والشعوب التي عليها موظفة لخدمتهم فيها!

ولم تخرج بريطانيا من المنطقة بعد الاستقلال الصوري لدويلاتها في عقد السبعينات من القرن العشرين إلا بعد أن حسمت موضوع الأرض والسلطة والثروة لصالح الأنظمة الحاكمة، بناء على اتفاقيات الحماية التي تمت في أواخر القرن التاسع عشر والذي بموجبه ضمنت بريطانيا للأسر المتحالفة معها توريث الحكم وحمايته، وحق منح امتياز النفط، فحسمت موضوع السلطة والثروة لحلفائها دون نظر لشعوب المنطقة وحقوقها!

وهكذا أصبحت علاقة المواطن في الخليج العربي في هذه الدويلات غير مرتبطة بالدولة التي تتمثل في الأرض والشعب والسلطة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، بل مرتبطة بالأنظمة الحاكمة، ومن هنا نشأت علاقة التبعية والرعوية بينها وبين شعوب المنطقة التي باتت تخضع لسلطتها بحماية استعمارية، فلم تقم الدولة الحديثة المعاصرة في الخليج العربي إلى يومنا هذا، تلك الدولة التي يسود فيه النظام وحكم الشعب على أساس مبدأ المواطنة الذي يقتضي المساواة في الحقوق والواجبات، بل ما زالت أنظمة الحكم أنظمة عشائرية يتم فيها تشكيل الحكومات على أساس أسري عشائري يتبوأ فيه أبناء العشائر الحاكمة رئاسة الحكومات وكل وزارات السيادة بشكل دائم، كما يتم استقطاع ما يعادل أحيانا ثلث الثروة من دخل النفط في دويلات الخليج العربي لصالح هذه العشائر!

كما يتم تخصيص امتيازات ومخصصات لكل أفراد هذه العشائر الحاكمة وفق قوانين خاصة كحق يتمتع به أفراد هذه العشائر بشكل قانوني كرواتب شهرية منذ الولادة حتى الوفاة، وجوازات سفر خاصة، واستحقاقات ليست لغيرهم من أفراد الشعب، دون أي عمل أو جهد يقومون به ليستحقوا هذه المميزات إلا مجرد ولادتهم!

كما لا يخضعون للقانون وحكم القضاء في أكثر الأحيان، وهو ما يتعارض مع أسس مبادئ المساواة في الحقوق والواجبات التي تنص عليها الدساتير في هذه الدول، بل وصار كل من يرفض هذا الواقع ويدعو إلى إصلاح هذا الخلل الدستوري من القوى الإصلاحية المعارضة عرضة للتهديد بسحب الجنسية ونزع صفة المواطنة عنه وتصفيته!

لقد بدأ الخليجيون يشعرون بخطورة هذا الواقع الذي فرضه الاستعمار البريطاني على مستقبلهم وضرورة إصلاح هذا الخلل، ومن هنا كان ظهور حركات الاحتجاج السياسي في الخليج العربي تعبيرا عن رفض هذا الواقع وطرحا لمشكلة طالما حاولت الأنظمة في المنطقة تأجيلها وهي مشكلة تحديد العلاقة بين الشعوب وحكوماتها وعلى أي أساس تقوم هذه العلاقة؟

أهي على أساس المواطنة للدولة كما تنص عليه الدساتير فيها؟
أم على أساس التبعية والرعوية للمشيخات الحاكمة كما هو حكم الأمر الواقع؟
وعلى أي أساس يتم اختيار الحكومات في دول الخليج العربي؟
وهل هي تمثل الشعوب أم تمثل الأنظمة الحاكمة؟

وبأي حق دستوري أو شرعي يتمتع الآلاف من أفراد هذه الأسر والعشائر الحاكمة بكل هذه الامتيازات بينما يحرم منها بقية الشعب مع أن الجميع سواء في الحقوق والواجبات كما تنص عليه الشريعة الإسلامية والدساتير الوضعية؟ وعلى أي أساس يتم ارتهان حاضر ومستقبل شعوب المنطقة ومصالحها وثرواتها وأوطانها للقوى الدولية بقرار فردي عشائري دون أن يكون لشعوبها أي حق في تقرير مصيرها؟

تغلبية
02-01-2012, 03:06 AM
أثر غياب مفهوم المواطنة على الاستقرار والاستقلال :

لقد ترتب على غياب مفهوم المواطنة ما يلي :

1-أزمة الشرعية السياسية:

ففي مقابل أزمة المواطنة هذه التي يعانيها الخليجيون منذ عقود، نشأت أزمة الشرعية السياسية التي تعانيها الأنظمة الخليجية الحاكمة، والمقصود بالشرعية السياسية قبول أكثرية الشعب بالحاكم وبحقه في ممارسة السلطة، ولا يخفى ما لهذا الخلل الدستوري والقانوني ـ أي غياب مفهوم المواطنة ـ من أثر كبير وخطير على الحريات العامة، والحريات السياسية خاصة، إذ أصبح المواطن في دول الخليج العربي مسلوب الحرية والإرادة في ظل الأنظمة السياسية الحاكمة، كما إن شرعية هذه النظم باتت تواجه تحديات كبيرة تتمثل في :

1- انحسار شعبيتها ومن ثم اهتزاز شرعيتها من جهة.

2- ظهور حركات الاحتجاج السياسي الرافضة لعلاقة التبعية والرامية إلى إصلاح هذا الخلل بترسيخ حقوق المواطنة، وحقوق الشعوب في اختيار حكوماتها من جهة أخرى.

3- فشلها في تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والخارجي حيث ظلت المنطقة تتعرض لخطر الحروب الدائمة بسبب ضعفها وتشرذمها واهتزاز شرعية وشعبية أنظمتها الحاكمة.

4- فشلها في تحقيق التنمية والنهضة الحقيقية للخروج ببلدانها من حالة الاقتصاد الريعي والاستهلاكي إلى الاقتصاد الانتاجي الصناعي.

إن كل هذه التحديات مرتبطة ارتباطا وثيقا بفشل الحكومات الخليجية فشلا ذريعا في معالجة أزمة المواطنة، إذ أصبح الخليجيون على أرضهم موظفين في إقطاعيات أسرية وعشائرية، لا مواطنين على أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، لهم كامل حقوق المواطنة على قدم المساواة مع أفراد الأسر والعشائر الحاكمة لدول الخليج.

2-أزمة فقد السيادة والاستقلال :

كما إن هذا الواقع الذي فرضته بريطانيا على العرب في جزيرة العرب منذ القرن التاسع عشر، خلق أزمة أخرى ما زالت شعوب الخليج تدفع ثمنه باهظا في فقدها استقلالها واستلابها سيادتها ووقوع أرضها تحت الاحتلال أو النفوذ الأجنبي المباشر وغير المباشر عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، فكل الترتيبات التي تجري في دول المنطقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، تتم دون الرجوع لشعوبها، ودون أخذ رأيها بناء على توهم أن الأرض ومن عليها ملك خاص لهذه العشيرة أو تلك - بناء على اتفاقيات الحماية البريطانية التي مازال مفعولها ساريا إلى اليوم فعليا باسم اتفاقيات أمنية سرية - وليست وطنا للشعوب التي تعيش عليها!!

3ـ بروز الطبقية وانتهاك حقوق المواطنة:

ومن أبرز مظاهر أزمة الهوية التي يتعرض لها الخليجيون على أرضهم تجلي الطبقية الاجتماعية وبروزها كظاهرة جديدة تزداد رسوخا ونفوذا، فهناك طبقة اجتماعية تسود وتستأثر بكل مقدرات شعوب الخليج، بينما تعاني الشعوب من عدم تمتعها بحقوقها الطبيعية التي تقتضيها المواطنة، فلا يحق للمواطنين المشاركة في اختيار حكوماتهم بشكل حر، بل السلطة والحكم يكادان يكونان محصورين في الأسر والعشائر الحاكمة، فلها وحدها الحق في الحكم، ولها الحق وحدها في تشكيل الحكومات، كما أنها تستأثر بوزارات السيادة، وبما يعادل ثلث الوزارات، كما تتمتع بوضع متميز وبمخصصات مالية، وجوازات خاصة، مما جعلها تمثل طبقة اجتماعية أعلى من باقي فئات المجتمع، وتتمايز عنه، وهو ما يصطدم بأساس مبدأ المواطنة الذي يتمثل في العدل والمساواة بين جميع أفراد المجتمع وفئاته دون أي تمييز، والسبب في ذلك يعود إلى ادعاء تلك الطبقة أحقيتها بالهوية الوطنية واختصاصها بها، ومن ثم استحقاقها لكل الامتيازات والمخصصات التي تتمتع بها بهذه الدعوى!

وقد أدى ذلك كله إلى ازدياد الفجوة بين هذه الطبقة وباقي مكونات المجتمع، وبدأت نذر روح العداء والبغضاء تتأجج على نحو خطير تجاه هذه الطبقة!

كما لا يتمتع الخليجيون بحقهم في تشكيل الأحزاب السياسية، ولا في التمثيل الحكومي والبرلماني العادل، ولا بحقهم في تكافؤ الفرص بالحصول على الوظائف العامة، حيث تكاد الوزارات والمناصب القيادية تكون حصرا على فئات اجتماعية محدودة موالية للأسر الحاكمة، بينما يتم تهميش الفئات الاجتماعية الأخرى والتي تمثل الأكثرية الساحقة وذلك بإقصائها وحرمانها من المشاركة في السلطة والثروة بدعوى أنها من الدرجة الثانية أو الثالثة في درجات سلم الهوية الوطنية!

كما لا توجد في الدول الخليجية التي يوجد فيها انتخابات برلمانية أي عدالة في التمثيل النسبي، ولا عدالة في تقسيم الدوائر، حيث يتم انتقاص حق الأكثرية في التمثيل البرلماني تحت ذرائع فئوية أو مناطقية أو طائفية، وهو ما يؤدي إلى تفتيت وحدة المجتمعات الخليجية وتأجيج الصراع بين فئاتها، بدل تعايشها واندماجها بسبب ما تشعر به الفئات المحرومة من تمييز وظلم.

كما تتعرض فئة اجتماعية كبيرة من المجتمع الخليجي إلى استلاب حق المواطنة وعدم الاعتراف بها، وحرمانها من الجنسية (فئة البدون)، كأثر من آثار قيام الدولة القطرية التي مزقت المجتمع الخليجي بشكل عبثي وما ترتب عليه من انقسام الأسر والعشائر الممتدة بين حدود هذه الدول المصطنعة إلى تجاذب وتنازع ولاءاتها، وبقاء كثير منها تعيش أزمة اختيار الانتماء لهذه الدولة أو تلك!

ثالثا: طمس الهوية :

وهو مظهر آخر خطير من مظاهر أزمة الهوية التي يعيشها الخليجيون، فالتاريخ والثقافة والعلم والمعرفة كلها عوامل رئيسة في صياغة هوية المجتمع، وهذه العوامل تتعرض منذ عقود للتزييف والاختزال والعبث من خلال مؤسسات الدولة التعليمية والإعلامية والثقافية، حيث تقوم تلك المؤسسات بممارسة دور خطير في تضليل النشء، لخلق هوية وطنية جديدة يكون الولاء فيها للأنظمة الحاكمة لا للدولة بمفهومها الشامل الذي يعني الأرض والشعب والسلطة!

فتاريخ دول الخليج العربي اليوم لا يمت لتاريخ شعب الخليج وجزيرة العرب بصلة، فهو يحكي فقط تاريخ الأسر الحاكمة أكثر مما يحكي تاريخ شعوبها، حتى أصبحت شعوب الخليج تعيش حالة أشبه بفقدان الذاكرة، فتاريخها يبدأ من تاريخ الأسر الحاكمة وتدور أحداثه كلها حولها، كل ذلك من أجل ترسيخ هوية ترضى بالخضوع المطلق لسلطة هذه الأسر والاعتراف بمشروعية استفرادها بالسلطة والثروة، بناء على حقها التاريخي المزعوم في الأرض كما تروجه الثقافة الوطنية الجديدة، وكما يقول السياسي الكويتي المخضرم أحمد الخطيب(فتاريخ الكويت تعرض للتزوير والتدجيل وألغي دور الشعب الكويتي كليا، وأصبحت الكويت كلها وتاريخها تاريخ عائلة الصباح) [13].

وما ذكره الأستاذ الخطيب هو نصف الحقيقة أيضا وليس كل الحقيقة التي غاب نصفها في كتاب الخطيب نفسه، إذ تحدث في كتابه عن تاريخ الكويت المدينة فقط، لا تاريخ الكويت الدولة التي اتسعت لتشمل مناطق واسعة من الصحراء وقبائلها التي كان لها أكبر الأثر السياسي في أحداث المنطقة وفي تشكل كيان دويلاتها المعاصرة، ومن يقرأ مثلا تاريخ الكويت الذي يدرس في المدارس والمعاهد بل وفي الجامعة يجد أنه يقتصر فقط على تاريخ مدينة الكويت التي يحيطها السور، التي لم تكن مساحتها تتجاوز ميل ونصف في ميل ونصف إلى ما قبل الاستقلال بمدة قصيرة، بينما يتم ـ عن قصد ـ طمس تاريخ سكانها الذين كانوا فيها منذ مئات السنين وما زالوا يعيشون على أرضها حسب حدودها الدولية التي تبلغ نحو 18000ك م، فالقبائل التي تجوب صحراءها، وتاريخها، ومنازلها، وآبارها، وحروبها، كل ذلك ليس من تاريخ الكويت الرسمي، بل وتم تصوير الحروب التي حدثت بين المدينة والقبائل المجاورة لها الموجودة على أرض الكويت ضمن حدودها الدولية على أنها حروب بين الكويت الدولة وأعدائها الخارجيين، لا على أنها حروب أهلية داخلية بين سكان المدينة وسكان الصحراء الذين يعيشون جميعا ضمن حدود الكويت الوطن، الذي كان جزءا من الولايات العربية العثمانية!

ووصل الأمر بأن يقوم بعض كبار أساتذة علم الاجتماع بإضفاء الشرعية الأكاديمية على هذا التضليل والتزييف، بادعاء أن القبائل التي تمثل اليوم أكثر من نصف المجتمع هي عنصر دخيل على سكان الكويت، وأنها تشكل خطرا على قيمه وثقافته المدنية الحضرية بقيمها الصحراوية القبلية، دون تفريق بين الكويت المدينة والكويت الدولة، التي أصبحت تضم ضمن حدودها أراضي القبائل العربية الموجودة في صحرائها قبل قيام المدينة نفسها، وقد أدى هذا الاختزال والتزييف والطمس المقصود إلى نتائج خطيرة تمثلت في مصادرة حقوق هذه الفئات وانتقاص حريتها وعدها عنصرا دخيلا طارئا لا يحق له ما يحق لغيره من المشاركة في السلطة والثروة والوظائف العامة بدعوى أنهم مواطنون من درجة ثانية وثالثة!

وما يحدث من طمس وتزييف لتاريخ الكويت يحدث مثله في تاريخ شعوب دول الخليج الأخرى، حتى باتت الهوية الوطنية هوية ممسوخة لا تحفظ في ذاكرتها سوى تاريخ الأنظمة الحاكمة، ولمدة تاريخية لا تتجاوز سنة 1900م، أي منذ بداية المشروع الاستعماري البريطاني للمنطقة، والذي كان وراء إسقاط الخلافة العثمانية وتقسيم أقاليمها، وإقامة دويلات الطوائف الحديثة عليها، وتحديد حدودها في سنة 1922م، وإقامة حكوماتها، وحمايتها، وترسيخها.

لقد تم اختزال تاريخ شعب الجزيرة والخليج العربي الذي هو من أقدم شعوب العالم، وأكثرها تجانسا، وأعمقها أثرا في التاريخ الإنساني، خاصة منذ ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، الذي ظل جزء لا يتجزأ من تاريخ الدولة والخلافة الإسلامية التي حكمت المنطقة كجزء من العالم الإسلامي، بل أهم أجزائه على الإطلاق حيث الحرمين الشريفين، إلى أن سقطت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، إن هذا التاريخ الطويل لشعب المنطقة بأحداثه وأبطاله وقبائله ومدنه طول 1300عام من تاريخ العرب المسلمين، كل ذلك تم اختزاله في تاريخ الدويلات الست التي لم يكن لها وجود كدول قبل الحرب العالمية الأولى!

وقد كان من نتائج هذا الطمس والتزييف للهوية ضعف الانتماء للهوية الوطنية، وحالة الاغتراب التي يعيشها أكثر مواطني دول الخليج العربي!

رابعا : تشظي الهوية وتشرذمها :

تكمن أهمية الهوية وخطورتها في أنها تمثل أقوى عوامل الوحدة، فهي الرابط المشترك الموحد الذي يصهر في بوتقته كل من يعيشون في إطارها، ولعل من أبرز مظاهر أزمة الهوية التي يعيشها الخليجيون ـ كحال كل الشعوب العربية ـ هو عجز الهوية الوطنية عن إثبات مبررات وجودها، فالكويتي حين يسافر من وطنه ويقف على الحدود ساعات طويلة فيدخل السعودية أو قطر أو البحرين أو الإمارات أو عمان يكتشف أنه مازال في وطنه وبين أهله، ولا يجد أي فرق بين هذه الدول، كما لا يشعر أنه أجنبي فيها، بل إن كل أسرة في الكويت وكل قبيلة فيها تمتد في كل دول الخليج بلا استثناء، إذ هي منطقة جغرافية واحدة، وشعب واحد، ولغة واحدة، ودين واحد، وتاريخ واحد، وعادات واحدة، ولا يوجد أي مبرر لتقسيمها إلى ستة شعوب، وست دول، وست حكومات، اللهم إلا إرادة القوى الاستعمارية التي اقتضت مصالحها تقسيم المنطقة على هذا النحو العبثي الفوضوي الذي يناقض كل حقائق الجغرافيا، والتاريخ، والديمغرافيا، لا لسبب إلا لتحقيق السيطرة الاستعمارية عليها!

لقد فشلت كل الحكومات الخليجية فشلا ذريعا في أن تعبر عن هوية شعوبها تعبيرا حقيقيا صادقا، كما فشلت الهوية الوطنية القطرية في أن تكون بديلا عن الهوية القومية والإسلامية حين تتقاطع معها، لكون الهوية الوطنية لا تمثل إلا فئة اجتماعية محدودة جدا من مكونات شعوب الخليج العربي وهي الفئة الحاكمة وحاشيتها ولا تعبر عن هوية جميع مكونات المجتمع.

لقد أصبحت الهوية الوطنية أشبه بالمولود الخداج الذي يولد مشوها غير قادر على الحياة مهما حاولت الحكومات الخليجية بكل وسائل الإعلام والتعليم نفخ روح الحياة فيه، لأنها هوية تعيش إشكالية الاستلاب وإشكالية الانتقاص وإمكانية مصادرتها بجرة قلم!

إنها هوية مسخ تمنح وتسلب، وتنتقص وتستكمل، وتطرأ عليها عوامل النحت والتعرية والتزييف، بخلاف الهوية القومية، فما يميز الهوية العربية أنها تولد مع الإنسان العربي وتعيش معه دون أن يستطيع أي نظام سياسي أن يتحكم فيها أو يمنحها أو يسلبها، بل إن العربي لا يستطيع أن ينفك عن هويته القومية ولا خيار له فيها، فالعربي يظل عربيا في أي مكان وزمان، سواء في الوطن أو في المهجر، وسواء في ظل هذا النظام أو ذاك النظام، وسواء ظلت الخريطة البريطانية التي قسمت العالم العربي، أو تم تغييرها وتوحيدها في المستقبل، بخلاف الهوية القطرية التي قد تزول في أي لحظة، وقد لا نجد في المستقبل بلدا اسمه السعودية أو الكويت أو الإمارات، ولا هوية سعودية ولا كويتية ولا إماراتية، إلا إننا لا نتوقع أن تزول جزيرة العرب كوطن لكل سكانها، أو العرب كأمة، وسيظل العرب الذين يعيشون في الخليج والجزيرة عربا أقحاحا كما كانوا منذ أقدم عصور التاريخ، ومنذ عهد آبائهم عدنان وقحطان وإسماعيل وإبراهيم، وستظل هويتهم العربية والإسلامية هي الهوية التي تجمعهم وتعبر عن كيانهم كشعب وأمة واحدة، بخلاف الهويات الوطنية التي جعلت منهم رعايا وتابعين في دويلات الطوائف التي هي أشبه بالإقطاعيات منها بالدول، وليصبح العرب الخليجيون فيها أشبه بالعبيد منهم بالأحرار، مما يجعل الحديث عن تعزيز الحرية والديمقراطية في المنطقة حديث خرافة وترف ثقافي في ظل أزمة الهوية وإشكالية المواطنة التي تعيشها شعوب الخليج العربي في ظل دويلات الطوائف الحالية.

إن معالجة هذه الإشكالية ثقافيا وسياسيا وقانونيا هو المدخل الصحيح للدفع باتجاه الإصلاح السياسي السلمي في دول الخليج العربي، وما لم يتم حسم هذه الإشكالية بشكل واضح، وما لم يتم مناقشتها بكل صراحة وصدق، فستظل المنطقة تعيش أزمة سياسية كبرى تتمثل في غياب مفهوم الدولة الحديثة، واستمرار حالة العشائرية التي تسيطر على المنطقة، حيث تتحكم بمصير ثلاثين مليون خليجي بشكل طبقي لا مثيل له في أي مكان في العالم المعاصر، وحيث يغيب مفهوم المواطنة ليحل محله مفهوم الرعوية والتبعية، وهو واقع يصطدم ببدهيات الإسلام وقطعياته، وبكل المبادئ الدستورية والمواثيق الدولية، وستتجلى تداعيات هذه الأزمة سياسيا وأمنيا مع مرور الزمن، كاحتجاج رافض للوضع القائم الذي تم فيه استلاب شعوب الخليج حقها في المواطنة التي تقتضي المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد في السلطة والثروة والوظائف العامة دون أي تمييز عشائري أو فئوي أو مناطقي أو طائفي مهما كانت مبرراته، وما لم يتم تدارك الأزمة وطرح الحلول الجذرية العلمية لمعالجتها، وما لم يتم تقرير حق شعوب الخليج في اختيار حكوماتها، وما لم يفسح الطريق للتعددية السياسية السلمية، والتداول السلمي للسلطة، وما لم يشعر الجميع بأنهم أبناء وطن واحد وشعب واحد لا فرق بين مواطن وآخر ودون أي تمييز، وما لم يشعر الجميع بأنهم شركاء في الوطن والسلطة والثروة، وأنهم سواء أمام القانون والقضاء، وسواء في حصولهم على فرصهم في الوظائف العامة وفق مبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ معيار الكفاءة والأفضلية، وما لم يتم الدفع باتجاه وحدة الخليج العربي الذي تعيش قبائله وأسره حالة من التقسيم العبثي والفصل بينها بحدود اصطناعية لم يكن لها وجود إلا في ظل الاستعمار البريطاني، وما لم تقم الحكومات بمعالجة الخلل الخطير الذي تعيشه المنطقة حتى أصبحت عرضة للتدخل والاختراق الأجنبي المباشر لشئونها بسبب تهميش دور شعوبها وتشرذم دويلاتها وعجزها عن حماية نفسها وشعوبها، إنه ما لم يتم مراعاة كل ما سبق ذكره، فستظل منطقة الخليج العربي عرضة لتغيرات كبرى سيكون للشعوب يد طولى في صناعتها، ولن يستطيع أحد تعطيل حركة التاريخ، أو إيقاف عجلة التغيير الاجتماعي الذي سيغير حتما الواقع السياسي بشكل سلمي إن فسح له المجال أو بأسلوب ثوري إن تم قمعه والوقوف أمام حقوقه المشروعة المسلوبة منذ عقود، وهو ما يوجب على القوى السياسية والاجتماعية والفكرية العمل من أجل معالجة الوضع للوصول إلى رؤى إصلاحية توافقية سلمية تحقق الحرية والعدل والمساواة للجميع قبل فوات الأوان، ولا يمكن الحديث عن تعزيز الحرية في المنطقة في ظل الحالة العشائرية وقبل تعزيز مفهوم الدولة والأمة والمواطنة، وعلاج أزمة الهوية وإعادة صياغتها من جديد وفق أسس صحيحة تقوم على العناصر الرئيسة في تشكيل الهوية الموحدة لشعب الخليج والجزيرة العربية بعد عقود طويلة من الاغتراب وأزمة الهوية، ولن يتحقق ذلك بعد فقدان الشعوب لذاكرتها مدة قرن من الزمان إلا باستعادتها لذاكرتها، ومعرفتها بتاريخها، واكتشافها هويتها التي عمل الاحتلال الغربي في المنطقة على طمسها!

أبو عبدالعزيز
02-01-2012, 03:07 AM
كل الشكر لك اختي الكريمة على طرح هذه الورقة ونقلها لنا.. كانت الفائدة أكبر لو لخصتي أهم ما تضمنته في عشرة أسطر أو نحوها، فليس لأكثرنا طول نفس في قراءة مواضيع المنتديات

وسؤال للمختصين: هل توحدت الجزيرة العربية قرنا واحدا من الزمان على مدى العصور!!؟؟

تغلبية
02-01-2012, 03:20 AM
كيف نصوغ الهوية الخليجية:

لم يأت العرب ولم تأت هذه الأمة من فراغ، وليست هي المرة الأولى التي أعادت صياغة هويتها والتعريف بنفسها، فقد سبق أن كان العرب في جزيرتهم يعيشون أوضاعا جاهلية وحالة سياسية تعمها الفوضى والتشرذم، حتى جاء الإسلام فأعاد صياغة هوية الإنسان العربي والعرب كأمة صياغة جديدة، ليتحولوا من حال كانوا فيه على هامش التاريخ، إلى حال صاروا فيه يصنعون التاريخ!

وحين ننظر إلى كيف صاغ الإسلام هوية المجتمع العربي نجد ما يلي:

أولا : رعى الإسلام هذا الموضوع حق رعايته ـ أي موضوع الهوية ـ وعزز كل المشتركات بين أفراد المجتمع الواحد ومن ذلك :

1- عزز قيم الأخوة الإنسانية وأكد أن الإنسانية كلها من أصل واحد{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.[14]

وأكد تكريم الله للإنسان فقال أيضا{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}.[15]

ودعاه إلى عبادة الله وحدة فقال{إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [16] …..الخ

فتأكيد وحدة النوع الإنساني، وتأكيد تكريمه وتفضيله، وبيان بدايته ونهايته، والغاية من خلقه، كل ذلك صياغة لهوية الإنسان المستخلف في الأرض، ومعالجة كل ما طرأ على الإنسانية من تشوهات وانحرافات أدت إلى ظلم الإنسان أخيه الإنسان، وأدت إلى العصبيات الجاهلية بكل أشكالها، حيث كان يحتقر الرجل المرأة، والأبيض الأسود، والعربي غير العربي، ويبغي الشريف على المولى..الخ

فجاء الإسلام ليعيد صياغة هوية الإنسانية من جديد على نحو صحيح، فالهوية الإنسانية هي الرابط الذي يجمع بني آدم كلهم على اختلاف أعراقهم، وأجناسهم، وألوانهم، ولغاتهم، وأديانهم، فهم من أصل واحد، ومن أب واحد، وأم واحدة، وكما في الحديث (كلكم من آدم، وآدم من تراب). [17]

وهذه الهوية تقتضي أن يكون الجميع سواء ماداموا في الأصل سواء، كما جاء في الحديث (الناس سواسية كأسنان المشط)، وجاء (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) [18]، وجاء (النساء شقائق الرجال)..الخ

والغاية من تنوعهم واختلاف أعراقهم ليتعارفوا لا ليتقاتلوا {لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، والتعارف يقتضي التآلف بخلاف التناكر الذي يفضي إلى التدابر والتهاجر.

ومع كل هذه الصياغة الجديدة للهوية الفردية والمجتمعية حرص الإسلام على وعي المجتمع بموروثه ليحفظ عليه ذاكرته وشعوره وانتماءه لتاريخه، فلم يهدم الإسلام قيم العرب وتاريخهم وعاداتهم وآدابهم التي كانوا عليها في الجاهلية، بل جاء في الحديث (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[19]، كما قال في شعائرهم الدينية الصحيحة (كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم).[20]

وقد كان الصحابة ينشدون أشعار الجاهلية، ويذكرون أيامهم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فكان يستمع لهم ويتبسم.

كما لم يتعرض الإسلام للغات، ولا للقوميات، ولا للآداب، والعادات التي كانت عليها الشعوب الأخرى، بل عالج الخلل العقائدي، وأبطل فقط ما كانوا عليه من انحراف عقائدي، وأخلاقي، ذلك الانحراف الذي جعل بعضهم يظلم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، بسبب الاختلاف العرقي، أو الديني، فأعادهم الإسلام إلى الأصل الذي كان عليه أبوهم آدم ونوح وإبراهيم، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو التوحيد والإسلام{إن الدين عند الله الإسلام}[21]، وقال{ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل}.[22]

ودعاهم إلى التآلف والتعارف{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.[23]

وأكد أصل الحرية والتعددية الدينية{لا إكراه في الدين}[24]….الخ

ولا شك بأن في عدم تعرض الإسلام لتلك القيم والعادات، والآداب، واللغات، والقوميات، محافظة منه على عناصر الهوية لتلك المجتمعات الإنسانية، لما للهوية من أهمية وخطورة على الفرد والمجتمع.

ولشدة عناية الإسلام بالمحافظة على انتماء الإنسان لمكونه الاجتماعي حرم الانتساب لغير الأب تحريما قاطعا، وحرم أن ينتسب الرجل لغير قبيلته، وحرم أن يتولى الإنسان غير مواليه، وقرر أن مولى القوم منهم..الخ

كل ذلك اعترافا منه بأهمية المحافظة على الانتماء المجتمعي، كضرورة فطرية لكل فرد، وللمحافظة على نسيج المجتمع وهويته.

2- كما عزز قيم الأخوة الإيمانية التي تربط بين المسلمين جميعا على اختلاف قومياتهم {إنما المؤمنون أخوة}، وجعل الجميع في الذمة والمسئولية سواء (ذمة المؤمنين واحدة ويسعى بذمتهم أدناهم)، فلا فرق بين مؤمن ومؤمنة {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}..الخ، كما قال تعالى(إنما المؤمنون أخوة)[25]، وكما جاء في الحديث (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه)[26]، وكما في حديث (الناس سواسية كأسنان المشط)، وهو ما يقتضي المساواة المطلقة بين جميع أفراد المجتمع بما في ذلك المساواة بين الحاكم والمحكوم، فلا طبقية جاهلية، ولا استبداد بالرأي والسلطة، ولا استئثار بالمال والثروة، في ظل الإسلام وشريعته، بل الجميع في حكم الله سواء، لا فرق بين كبير وصغير، وذكر وأنثى، وغني وفقير.

3- توحيد المجتمع دينيا وروحيا وسياسيا وتشريعيا ولغوية وشعوريا، حيث كان العرب قبل الإسلام يعيشون حالة من التشرذم والاختلاف والتفرق في أديانهم حتى كان لكل قبيلة أصنامها، والتفرق في لهجاتهم ولسانهم، والتفرق في انتماءاتهم وأهوائهم، فكان ولاء بعضهم لكسرى وبعضهم لقيصر، فجاء الإسلام بالتوحيد الشامل ابتداء بالتوحيد الديني {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}[27]، {ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا}.[28]

وكذلك دعاهم للتوحيد السياسي {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}.[29]

وربط بين التوحيدين الديني والسياسي كما جاء في الصحيح (إن الله يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)..الخ

ووحدهم في التشريع والحكم والقضاء {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم}[30]، وقال {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}[31]، وقال {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}[32]..الخ

كما وحدهم القرآن على أفصح لغاتهم وأجملها وهي لغة أهل مكة التي كانت محج العرب حيث الاجتماع في البيت الحرام.

فجعل الإسلام من قبائل العرب المتفرقة المتناحرة أمة واحدة {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}.[33]

وكذلك وحدهم الإسلام في عباداتهم وأعيادهم وشرائعهم ومشاعرهم..الخ

4- تعزيز روح المواطنة والانتماء للوطن والأرض في ظل الإسلام، وما يقتضيه ذلك من مساواة في حقوق المواطنة ومشاركة في الأرض والسلطة والثروة، فالإمارة والسلطة والرأي شورى بينهم كما قال تعالى {وأمرهم شورى بينهم}، وكما عبر عن ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بقوله (الإمارة شورى بين المسلمين)، كما إن الأرض ملك لهم جميعا لا حمى فيها إلا للمصالح العامة للأمة كما في الحديث (لا حمى إلا لله ولرسوله)، وقال عمر( والله إنها ـ أي جزيرة العرب ـ لبلادهم عليها قاتلوا في الجاهلية وعليها أسلموا)[34].

ولخطورة مبدأ حق المواطنة بادر النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مباشرة بوضع صحيفة المدينة (الدستور المدني) ليحدد فيها الحدود لهذه الدولة الجديدة، ويقرر الحقوق لكل من كان فيها سواء من المسلمين من أهلها أو المهاجرين إليها من خارجها، أومن غير المسلمين من يهود ومواليهم، حيث جاء في الصحيفة ما يلي مختصرا:(هذا كتاب بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل، وإن المؤمنين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال إلا على سواء وعدل، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، وإنهم أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، وإن من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإن النصر للمظلوم، وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله ورسوله)أ.هـ باختصار[35].

ففي هذه الصحيفة الدستورية تجلى مبدأ المواطنة بتقرير حق الجميع سواء المسلمين من الأنصار أو المهاجرين، وغير المسلمين من يهود المدينة ومواليهم، في كافة الحقوق دون تمييز أو ظلم، وبلا فرق بين أهل المدينة ومن هاجر إليهم، فالكل أمة واحدة، وذمتهم واحدة، يسعى بها أدناهم، وللمؤمنين دينهم، ولليهود دينهم، ويتعاونون على البر بلا ظلم أو ثم أو عدوان، ويشتركون جميعا في حماية المدينة والدفاع عنها، كما يحتكمون إلى مرجعية واحدة عليا ارتضتها الأغلبية المؤمنة، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

وبذلك نجح الإسلام في تأسيس أول مجتمع إنساني تعددي، وأول دولة دستورية قانونية، تم في دستورها تحديد حدود الإقليم، والسلطة، والشعب، وتم فيه تنظيم العلاقة بين جميع مكونات المجتمع، ومالهم من حقوق وما عليهم من واجبات، يتعايش فيها الجميع على اختلاف فئاتهم الاجتماعية وطوائفهم الدينية بلا إكراه، ويتعاونون فيما بينهم بلا ظلم أو عدوان.

كما رسخ الخليفة الثاني الراشد عمر بن الخطاب مفهوم المواطنة، وحق الأمة في الأرض التي تعيش عليها، وذلك بقوله :(لا حمى إلا لله ولرسوله، والله إنها ـ أي الجزيرة العربية ـ لبلادهم ـ أي العرب ـ عليها قاتلوا في الجاهلية وعليها أسلموا، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ـ أي إبل الصدقة ـ ما حميت من أرضهم شبرا). [36]

لقد أكد عمر بهذه السياسة الراشدة أن الأرض والوطن وهي آنذاك جزيرة العرب، ليست للسلطة الحاكمة، ولا يحق لها أن تتصرف فيها ولا أن تحمي شيئا منها، إلا للمصالح العامة فقط، وعلل ذلك بأن الأرض هي أرض العرب، وهم سكانها، عليها قاتلوا في الجاهلية، وعليها أسلموا.

وهذا المبدأ وهو حق الشعب في الأرض التي يسكنها ويعيش عليها، لم يكن معروفا في الدول قبل الإسلام، ولم تعرفه أمم الغرب ونظمها السياسية إلا في عصورها الحديثة، في النظم الديمقراطية، حيث كانت الدول والإمبراطوريات تقرر للملوك وحدهم الحق في الأرض والشعب، وقد عبر عن ذلك ملك فرنسا بكلمته الشهيرة (أنا الدولة)!

لقد قرر الإسلام أن جزيرة العرب التي أسلم عليها العرب هي لله ولرسوله وللمسلمين من أهلها إلى قيام الساعة، وكذا الأرض التي فتحوها واستقروا بها هي للأمة إلى قيام الساعة، وهي ملك أمته التي وعدها الله إياها واستخلفها فيها كما في قوله تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم}[37]، وكما في الحديث الصحيح (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها)[38]، فجعل ملك الأرض للأمة لا للخليفة والسلطان والأمير، وجاء في الصحيح(من أخذ شبرا من الأرض بغير حق طوق يوم القيامة بسبع أرضين).[39]

إن كل تلك الأحكام الشرعية القطعية الإسلامية التي تخص الأرض باقية إلى قيام الساعة ما بقي القرآن يتلى غضا طريا، لا يستطيع أحد نسخها أو تغييرها تحت ذريعة الهوية الوطنية والدولة القطرية.

5- وحدد الحدود وحمى الحقوق على أساس العدل والقسط، وجعل الغاية من ذلك كله هو تحقيق العدل بين الخلق {قل أمر ربي بالقسط}، وقال {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، وأمر بالحكم بين الناس بالعدل {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، وقال {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}..الخ

وقد جاء الإسلام بالعدل في القضايا التي طالما اختلف الخلق بسببها، وتصارعوا من أجلها، وهي :

أ‌- الدين فقرر قاعدة {لا إكراه في الدين}.

ب‌- والسلطة وقرر لها قاعدة {وأمرهم شورى بينهم}.

ت‌- والثروة وقرر قاعدة {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}.

6- كما منع الإسلام كل صور العصبية الجاهلية التي قد تفرق المجتمع، بما في ذلك التعصب للانتماءات الشرعية الشريفة كالمهاجرين والأنصار، فقال لهم حين تنادوا يا للمهاجرين ويا للأنصار! (دعوها فإنها منتنة! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)!

وإذا كان ذلك كذلك فكيف بما سوى ذلك من الانتماءات الوطنية والعصبية لها والقتال دونها التي تعزز الفرقة بين أهل الخليج والجزيرة العربية اليوم؟!

7- تحميلهم أمانة الرسالة والمسئولية الإنسانية العالمية، فلم يكتف الإسلام بتوحيد العرب وصياغتهم على هذا النحو دينيا وسياسيا وتشريعيا وشعوريا ولغويا، حتى جعل لهم رسالة كبرى في الحياة وهي دعوة العالم إلى الخير والنور والحرية {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}[40]، فكانت مهمتهم تحرير الإنسانية كما عبر عن ذلك ربعي بن عامر لرستم قائد جيوش كسرى (إن الله بعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة).

وقد جعل الإسلام هذه الأمة أمة رسالة وسطية، وشاهدة على الأمم {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}.[41]

وهي كذلك أمة الرحمة والبر والإحسان إلى الخلق جميعا {وما أرسلنا إلا رحمة للعالمين} ..الخ

8- وجعل الإسلام كل ذلك قائما على العلم فابتدأ رسالته بقوله تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم}[42]، وعظم شأن العلماء {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، وقال {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}..الخ.

9- وعزز القيم الإنسانية الكريمة وكل ما يرقى بالنفس البشرية إلى درجة الكمال الخلقي، فأمر بالمحبة وإشاعتها بإفشاء التحية كما في الصحيح (لن تدخلوا الجنة حتى تأمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتمه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)، وأمر بالإحسان إلى الخلق كافة كما في الحديث(في كل كبد رطبة أجر)، وقال تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}..الخ

وأمر بالتعاون مع كل أحد على البر والتقوى والخير {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}..الخ

10- احترام هوية الإنسان أيا كان لونه وجنسه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي فقيل له إنه يهودي يا رسول الله فقال (أليست نفسا)! وكذا احترام خصوصية المجتمعات الإنسانية، فلم يتعرض الإسلام لثقافات الشعوب وعاداتها ولغاتها وتقاليدها، وإنما جاء لتهذيبها من العصبية الجاهلية والظلم والعدوان، فلم يتعرض المسلمون الفاتحون لكل المجتمعات التي خضعت لسلطانهم، إذ حاجة الإنسان لموروثه والمحافظة على هويته أشد من حاجته للعدل والقسط، ولهذا لم يقطع الإسلام علائق العرب بموروثهم الديني كله، بل ربطهم به {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل}، وجاء في الحديث (كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم)..الخ.

وبهذا استطاع الإسلام صياغة هوية العرب صياغة فريدة من نوعها، وجعل منهم أمة ذات رسالة عالمية، وعزز فيهم روح المسئولية تجاه الإنسانية كلها، فكان أثر ذلك التحول الذي غير وجه التاريخ الإنساني وما زال إلى هذا اليوم!

تغلبية
02-01-2012, 03:21 AM
المحافظة على الهوية :

لم يكتف الإسلام بصياغة هوية العرب وتجديدها وتوحيدها، بل وضع من القواعد ما يكفل لها الحماية من التغيرات ومن ذلك :

1- حمى جزيرة العرب خاصة وشرع لها من الأحكام ما يحافظ على هويتها - التي اختارها الله لها ورضي العرب بعد هداية الله لهم بها - وهو الإسلام {إن الدين عند الله الإسلام}، ولهذا حرم عودة الشرك لها وللبيت الحرام {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}[43]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)، فلا يعلو دين في جزيرة العرب على دين الإسلام، ولا يجتمع فيه دينان ندان، بل هي أرض الحرمين (المكي والنبوي) ومحبط الوحيين (الكتاب والسنة)، فلا تستباح ولا يسمح الإسلام بعودة الشرك إليها، ولا تجتمع فيها أمتان على دينين مختلفين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر وصية وهو على فراش الوفاة (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، وإنما من بقي فيها يبقى كمواطن، لا كمكون ديني له نفوذ وشوكة كما كان شأن اليهود في خيبر والنصارى في نجران.

2- حماية الدين والمرجعية التشريعية وحفظهما من الابتداع والتغيير (من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد) وقال (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).

3- حفظ النظام السياسي من المحدثات والانحرافات (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وقد فسر هذه المحدثات بقوله (ثم يكون ملكا عضوضا ثم ملكا جبريا)..الخ.

4- حماية الخصوصية في السلوك واللبس والزي والهيئة كما في أحاديث كثيرة أمر فيها بعدم التشبه بالأمم الأخرى فقال (من تشبه بقوم فهو منهم) ، وقال (خالفوا اليهود والنصارى)، وقال (لا تشبهوا بالمجوس)..الخ

قال رشيد رضا (والحكمة في هذه المخالفة أن يكون للأمة الإسلامية التي كانت تتكون في ذلك العهد مقومات ومشخصات ذاتية تمتاز بها عن سائر الأمم ، فتجعل نفسها تابعة لا متبوعة، وإماما لا مقلدا، وأن لا تأخذ عن غيرها شيئا، لأن غيرها يفعله؛ بل تأخذ ما تراه نافعا أخذ العاقل المستقل الذي يستعمل عقله وعلمه في عمله، ولا يكون إمعا يتبع غيره حذو النعل للنعل، فالحكمة ضالة المؤمن، ولو اتبع كل جيش من الصحابة فتح بلادا لعادات أهلها وأزيائهم لفني فيهم، ولكن المسلمين على قلتهم كانوا يجذبون الأمم باستقلالهم إلى أتباعهم، حتى انتشر الدين الإسلامي ولغته في العالم سريعا). [44]

الخاتمة :

وفي الختام فإن من الواجب صياغة الهوية العربية الإسلامية في الخليج والجزيرة العربية صياغة جديدة لتحقيق وحدتها وذلك بالقيام بما يلي :

1- توحيد المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا لما للواقع السياسي من أثر كبير في خلق هوية مشتركة وشعور بالمصير المشترك لشعب المنطقة الواحدة الذي فرقته الأحداث السياسية التي فرضها الاستعمار الغربي.

2- تحرير المنطقة من كل أشكال الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي، الذي يصادر حق الإنسان بالكرامة التي هي الأساس الذي يعزز الانتماء للوطن، حين يكون الوطن عزيزا منيعا، والمواطن حرا كريما.

3- تعزيز المشتركات بين شعوب الخليج والجزيرة العربية من خلال صياغة الهوية الجامعة لها على أساس :

1- الهوية العربية بتاريخها ولغتها وآدابها بعيدا عن العصبية والعنصرية الجاهلية، والاحتفاء بها دون اللهجات الشعبية التي تفرق ولا تجمع، إذ ليست هذه اللهجات هي المشترك بين سكان الجزيرة والخليج العربي، بل اللغة العربية هي القاسم المشترك بينهم، وفي مزاحمة تلك اللهجات وشيوعها في وسائل الإعلام إضعاف للغة الجامعة، وتكريس للتشرذم والتفرق.

وكذا عدم الاحتفاء بالقبلية والمناطقية والفئوية والقطرية على حساب الوحدة العربية الجامعة لكل سكان جزيرة العرب على اختلاف قبائلهم ومناطقهم وأقطارهم.

2- والهوية الدينية الإسلامية السمحة بعقيدتها وتشريعاتها وأخلاقها بعيدا عن المذهبية والطائفية، كما قال تعالى {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}، فليس المذهب الحنبلي ولا الشافعي ولا المالكي ولا الزيدي ولا الإباضي ولا الجعفري هو المشترك بين سكان جزيرة العرب، ولا الدعوة السلفية ولا الصوفية ولا الجماعات الدعوية هي الجامع، بل الجامع المشترك لسكان جزيرة العرب هو الإسلام الذي وحدهم أول مرة، وهو قادر على توحيدهم مرة أخرى، مع احترام خصوصية كل مذهب، والاستفادة من المذاهب كاجتهادات لخدمة الإسلام، لا العكس، فالإسلام أعم وأشمل وأسبق من هذه الطوائف والمذاهب، التي لا تعدو عن كونها اجتهادات بشرية، وهي اختيارات يضيق بها الفقه والشرع ولا يتسع، بخلاف الإسلام الذي جاء بالحنيفية السمحة، فمن قصره على مذهب أو دعوة فقد حجر واسعا، وفي تعزيز روح الانتماء للإسلام وأخوة الإيمان ما يعالج روح الفرقة والتشرذم التي فتحت الطريق للاستلاب والاختراق الخارجي للمنطقة بسبب العصبيات الطائفية والمذهبية التي صارت حجر عثرة ليس أمام الوحدة فحسب بل أمام الاستقرار والازدهار والأمن!

3- وتعزيز الوحدة الشعورية والثقافية والروحية بينهم، وتعزيز روح الانتماء لوطنهم وأمتهم، الحيلولة دون حدوث تقاطع بين ما تفرضه أو تقتضيه الهوية الوطنية والقومية والدينية، حتى لا يعيش الإنسان الخليجي حالة صراع بين انتمائه لواحد من هذه الهويات التي يفترض بينها التناغم والتكامل والانسجام، وهو صمام الأمان لحماية أمن دول المنطقة وشعوبها، وتوحيدها، وتحقيق الاستقرار والازدهار لها.

4- تعزيز القيم الإنسانية والحضارية المشتركة، والاحتفاء بإنجازاتها وتطورها بعيدا عن انحرافها وانحلالها، لمواكبة تطور الحضارة الإنسانية في نظمها وأنظمتها وعلومها وصناعاتها كما في الحديث الصحيح (أنتم أعلم بأمور دنياكم).

5- احترام الخصوصيات الثقافية والمذهبية والدينية، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق المكونات المجتمعية، ولهذا نهى القرآن عن التعرض للأديان وسبها {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله}، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعرض لأموات المشركين (لا تسبوا الأموات فتأذوا الأحياء)، وجاء (اذكروا محاسن موتاكم)..الخ

وبمثل هذه العناية بالمشتركات (الإسلام - والعربية - والقيم الإنسانية) وتعزيزها والاحتفاء بها، وفي المقابل عدم التعرض للخصوصيات (المذهب ، والفئة ، والثقافة المحلية) يمكن تعزيز روح الانتماء لدول الخليج والجزيرة العربية، وحماية المنطقة من الاختراق لهويتها وانتمائها الإسلامي والعربي.

تمت

تغلبية
02-01-2012, 03:25 AM
كل الشكر لك اختي الكريمة على طرح هذه الورقة ونقلها لنا.. كانت الفائدة أكبر لو لخصتي أهم ما تضمنته في عشرة أسطر أو نحوها، فليس لأكثرنا طول نفس في قراءة مواضيع المنتديات

وسؤال للمختصين: هل توحدت الجزيرة العربية قرنا واحدا من الزمان على مدى العصور!!؟؟


وأنا مثلكم نفسي قصير جداً في القراءة لكن هذه الورقة شدتني اليها وقراءتها كاملة
حيث انها شائقه وموضوعها شائك!
أراها كل لايتجزأ وخاصة باستعراض الكاتب أمثلة وأدلة من حضارات سابقة ونصوص قرآنية تسقط الضوء على ما نحن فيه...

بالنسبة لسؤالك يربطني بخاتمة الورقة التي اقترح فيها الكاتب حلولاً نموذجيه أراها ضرباً من المستحيل!

Dawn
02-01-2012, 03:44 AM
يوووه طويل

الله يعطيج العافيه على النقل حبيبتي

وانا رايي في العنوان ان الخليجيين والعرب والمسلمين حالهم حال كل الشعوب في العالم وهو انهم يتعرضون لافكار العولمه اللي تتبناها امريكا ... لانها بصراحه قدرت تغزو كل الدنيا وتتحكم فيها ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ...

اللي ساعدها في نجاح هذا الغزو والسيطره : الاعلام + الاقتصاد + التعليم .. فاذا نبغي نقاوم مشروعها لازم نشتغل على مواجهتها من خلال الاعلام والاقتصاد والتعليم ..

تغلبية
02-01-2012, 04:10 AM
يوووه طويل

الله يعطيج العافيه على النقل حبيبتي

وانا رايي في العنوان ان الخليجيين والعرب والمسلمين حالهم حال كل الشعوب في العالم وهو انهم يتعرضون لافكار العولمه اللي تتبناها امريكا ... لانها بصراحه قدرت تغزو كل الدنيا وتتحكم فيها ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ...

اللي ساعدها في نجاح هذا الغزو والسيطره : الاعلام + الاقتصاد + التعليم .. فاذا نبغي نقاوم مشروعها لازم نشتغل على مواجهتها من خلال الاعلام والاقتصاد والتعليم ..

نعم العولمة طالت كل الشعوب حتى الشعب الصيني العتيد ذو الارث والهوية الراسخة .. ولكن ..
اذا واجهنا امريكا بما تفقه : الاعلام والاقتصاد والتعليم .. ولكن مضمون كل هؤلاء غير نابع من قيم وهوية اسلامية وعربية .. اذاً مالفائدة ؟!

المشكلة تكمن فينا احنا .. من نكون في هذا العالم الكبير؟!!
مسلمين وعرب .. سهلة الاجابة ..
لكن ماذا لديكم ياعرب ويامسلمين من نتاجكم وفكركم يميزكم تصدرونه للغرب يحمل هويتكم لا الهوية الغربية.. هنا تكمن المشكلة !!

intesar
02-01-2012, 02:58 PM
لي عودة بإذن الله .. موضوع شائك.. لكنه يصب في مصلحة المواطن المسلم الخليجي.. قرأته مرة.. وسأعود لقراءته مرة أخرى.. موضوع قيم ومهم..

دمتي في أحسن حال..

عابر سبيل
02-01-2012, 03:10 PM
المحافظة على الهوية :


الخاتمة :

وفي الختام فإن من الواجب صياغة الهوية العربية الإسلامية في الخليج والجزيرة العربية صياغة جديدة لتحقيق وحدتها وذلك بالقيام بما يلي :

1- توحيد المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا لما للواقع السياسي من أثر كبير في خلق هوية مشتركة وشعور بالمصير المشترك لشعب المنطقة الواحدة الذي فرقته الأحداث السياسية التي فرضها الاستعمار الغربي.

2- تحرير المنطقة من كل أشكال الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي، الذي يصادر حق الإنسان بالكرامة التي هي الأساس الذي يعزز الانتماء للوطن، حين يكون الوطن عزيزا منيعا، والمواطن حرا كريما.

3- تعزيز المشتركات بين شعوب الخليج والجزيرة العربية من خلال صياغة الهوية الجامعة لها على أساس :

1- الهوية العربية بتاريخها ولغتها وآدابها بعيدا عن العصبية والعنصرية الجاهلية، والاحتفاء بها دون اللهجات الشعبية التي تفرق ولا تجمع، إذ ليست هذه اللهجات هي المشترك بين سكان الجزيرة والخليج العربي، بل اللغة العربية هي القاسم المشترك بينهم، وفي مزاحمة تلك اللهجات وشيوعها في وسائل الإعلام إضعاف للغة الجامعة، وتكريس للتشرذم والتفرق.

وكذا عدم الاحتفاء بالقبلية والمناطقية والفئوية والقطرية على حساب الوحدة العربية الجامعة لكل سكان جزيرة العرب على اختلاف قبائلهم ومناطقهم وأقطارهم.

2- والهوية الدينية الإسلامية السمحة بعقيدتها وتشريعاتها وأخلاقها بعيدا عن المذهبية والطائفية، كما قال تعالى {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}، فليس المذهب الحنبلي ولا الشافعي ولا المالكي ولا الزيدي ولا الإباضي ولا الجعفري هو المشترك بين سكان جزيرة العرب، ولا الدعوة السلفية ولا الصوفية ولا الجماعات الدعوية هي الجامع، بل الجامع المشترك لسكان جزيرة العرب هو الإسلام الذي وحدهم أول مرة، وهو قادر على توحيدهم مرة أخرى، مع احترام خصوصية كل مذهب، والاستفادة من المذاهب كاجتهادات لخدمة الإسلام، لا العكس، فالإسلام أعم وأشمل وأسبق من هذه الطوائف والمذاهب، التي لا تعدو عن كونها اجتهادات بشرية، وهي اختيارات يضيق بها الفقه والشرع ولا يتسع، بخلاف الإسلام الذي جاء بالحنيفية السمحة، فمن قصره على مذهب أو دعوة فقد حجر واسعا، وفي تعزيز روح الانتماء للإسلام وأخوة الإيمان ما يعالج روح الفرقة والتشرذم التي فتحت الطريق للاستلاب والاختراق الخارجي للمنطقة بسبب العصبيات الطائفية والمذهبية التي صارت حجر عثرة ليس أمام الوحدة فحسب بل أمام الاستقرار والازدهار والأمن!

3- وتعزيز الوحدة الشعورية والثقافية والروحية بينهم، وتعزيز روح الانتماء لوطنهم وأمتهم، الحيلولة دون حدوث تقاطع بين ما تفرضه أو تقتضيه الهوية الوطنية والقومية والدينية، حتى لا يعيش الإنسان الخليجي حالة صراع بين انتمائه لواحد من هذه الهويات التي يفترض بينها التناغم والتكامل والانسجام، وهو صمام الأمان لحماية أمن دول المنطقة وشعوبها، وتوحيدها، وتحقيق الاستقرار والازدهار لها.

4- تعزيز القيم الإنسانية والحضارية المشتركة، والاحتفاء بإنجازاتها وتطورها بعيدا عن انحرافها وانحلالها، لمواكبة تطور الحضارة الإنسانية في نظمها وأنظمتها وعلومها وصناعاتها كما في الحديث الصحيح (أنتم أعلم بأمور دنياكم).

5- احترام الخصوصيات الثقافية والمذهبية والدينية، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق المكونات المجتمعية، ولهذا نهى القرآن عن التعرض للأديان وسبها {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله}، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعرض لأموات المشركين (لا تسبوا الأموات فتأذوا الأحياء)، وجاء (اذكروا محاسن موتاكم)..الخ

وبمثل هذه العناية بالمشتركات (الإسلام - والعربية - والقيم الإنسانية) وتعزيزها والاحتفاء بها، وفي المقابل عدم التعرض للخصوصيات (المذهب ، والفئة ، والثقافة المحلية) يمكن تعزيز روح الانتماء لدول الخليج والجزيرة العربية، وحماية المنطقة من الاختراق لهويتها وانتمائها الإسلامي والعربي.

تمت



شكرا يا اخت/تغلبيه على لفت الانتباه
لهذه الورقه و نقلها بجهد جبار و متعب...


عندنا الكثير في المنطقه ممن يمكن الاستفاده من عقلياتهم
و لكن...اعتقد ان الطرح كان يجب ان يكون اكثر واقعيه..

احنا عجزنا من 40 سنه عن تحقيق وحده جمركيه
و وحده نقديه....فهل نبدأ فورا مشروعا فيه
هدف وحده عسكريه سياسيه؟؟؟