شذى الورد
07-01-2012, 02:39 PM
http://alrroya.com/files/imagecache/detail_page/rbimages/1325913067225934700.jpg
الإمارات: خبراء يشككون في قدرة صانع السوق على انتشال التداولات من الركود
تتعالى أصوات المعنيين بأسواق المال الإماراتية من مستثمرين ووسطاء وسماسرة وخبراء، للإسراع إلى تطبيق نظم وآليات جديدة تعيد للتداولات الراكدة زخمها، بعد أن تجمدت التعاملات على مستويات متدنية كماً وكيفاً.
ويترقب المعنيون نظام «صانع السوق»، ذلك الغائب المنتظر، لإنقاذ الأسواق من مستنقع الركود، لكن الكثيرين يشككون في مدى جدواه في ظل الظروف الحالية التي تعيشها الأسواق المحلية، ويؤكدون عدم قدرته على إحداث طفرة حقيقية أو نقلة نوعية في قيم وأحجام التداول.
فهل يملك «صانع السوق» عصا سحرية تغير مجريات الأمور والواقع الأليم الذي تئن فيه الأسواق؟ وهل بإمكانه حقاً تجفيف دموع المستثمرين والعالقين في الأسواق كرهاً لا طوعاً، أم يكون بمثابة نظام إجرائي لا يغني ولا يسمن من جوع ويسهم في تعميق أزمة الأسواق؟
ونظام «صانع السوق» الذي تستعد «هيئة الأوراق المالية والسلع» لتطبيقه، قد يكون بنكاً أو مؤسسة مالية أو مجموعة بنوك ومؤسسات ومحافظ مالية تمتلك إمكانات مالية ضخمة تمكنها من حفظ التوازن في الأسواق، بالتدخل بالشراء في حال تدنت أسعار الأسهم إلى مستويات غير مبررة، أو بالبيع في حال وصلت الأسعار إلى مستويات سعرية مبالغ فيها.
وبحسب التقرير الاقتصادي لإمارة أبوظبي الذي أصدرته «دائرة التنمية الاقتصادية» في نوفمبر الماضي، تعتزم الهيئة تطبيق نظام «صانع السوق» بهدف تطوير أداء الأسواق.
وأشار التقرير إلى أن الهيئة، اتخذت العديد من الخطوات لتحسين أداء الأسواق المالية في الدولة، منها نظام «صانع السوق» فضلاً عن خطوات أخرى مثل فتح باب الترخيص للتداول بالهامش، والترخيص لشركات التحليل المالي، واعتماد المحللين الماليين، وترقيم الأسهم المدرجة، ما يسهل وينظم عمليات التداول.
وتجتهد «هيئة الأوراق المالية والسلع» بحسب «اقتصادية أبوظبي» للإسراع بتطبيق هذا النظام، محاولة منها في تقليص الانخفاض المستمر في قيمة مؤشرات الأسواق المالية المحلية نتيجة خروج الاستثمار الأجنبي من السوق بطريقة شبه منتظمة، لتغطية خسائر المستثمرين الأجانب بأسواقهم في أوروبا وأمريكا.
غياب المحفزات
وتسيطر على أسواق المال بالدولة حالة عامة من غياب المحفزات القوية التي تشجع على الاستثمار بالسوق بل وصلت حالة العزوف إلى كبار المستثمرين والمضاربين على حد السواء، بعد أن أصبح اللون الأحمر هو اللون المسيطر على شاشات التداول، لكن النزولات الحادة التي تشهدها الأسواق وشح السيولة باتا يعمقان آلام الأطراف المعنية بالسوق كافة بعد أن ضاقت بهم السبل وضاقوا هم أيضاًً ذرعاً من وجود أي بادرة أمل تحثهم على التفاؤل.
وفي الوقت الذي يمني فيه البعض نفسه خيراً مستبشراً فرحاً بالبدء بنظام «صانع السوق» الذي يفترض أن تقوم شركات الخدمات المالية بالإعلان عن نفسها لتبادر بإمكاناتها من تمويل عمليات البيع والشراء بالسوق ممثلة صانع للسوق، نجد خبراء أسواق المال في هذا التحقيق يبخرون أحلامنا ويضعون النظام الجديد لصانع السوق قيد التحقيق والمساءلة بل إن الأمر يصل إلى أن البعض يؤكد أن نظام «صانع السوق» سيبدأ تطبيقه نظرياً فقط (على الورق) مع استحالة تطبيقه فعلياً في الواقع العملي، لعدم وجود شركة خدمة مالية لديها القدرة على تمويل عمليات الشراء والبيع للأسهم.
ويشكك وسطاء وخبراء أسواق المال بالدولة في إمكانية شركات الوساطة المالية من أن تلعب دور «صانع السوق» مستبعدين ذلك تماماً حيث من المحال أن يكون بمقدورهم ذلك، مشيرين إلى أن إمكاناتهم المادية لا تسمح ومتطلبات هذا النظام الذي يحتاج إلى «بنك استثمار» أو شركة تمويل كبيرة وهي المؤسسات التي لن تجد في أسواق المال حالياً ما يحفزها للقيام بذلك.
جاهزية مستمرة
وحول نظام «صانع السوق» وآلياته وأنواعه وسبل تطبيقه، قال الدكتور حسن ياسين، خبير أسواق مالية معرفاً نظام «صانع السوق»، بأنه «شركة خدمات مالية تكون جاهزة باستمرار للبيع والشراء في السوق بهدف تعزيز السيولة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف على «صانع السوق» امتلاك كميات كبيرة من الأوراق المالية التي يمثلها، حيث لا يقتصر نشاط «صناع السوق» في أسواق الأسهم فقط، فهناك صناع سوق في تجارة العملات وتداول المشتقات المالية مثل الخيارات والمستقبليات وصناع سوق لتداول السندات، غير أن تجربتنا الآن التي في مهدها هي «صانع سوق الأسهم».
وأوضح ياسين أن ضخ السيولة في السوق هو الهدف الأسمى المفترض من وجود «صانع السوق» حيث يجب على «صانع السوق» أن يكون جاهزاً للبيع فوراً إذا طلب أحدهم الشراء ولم يوجد بائع، وجاهزاً للشراء فوراً إذا طلب أحدهم البيع ولم يوجد مشتر، ويجب ألا يغيب علينا أن «صانع السوق» بالأساس يهدف إلى تحقيق الربح وخاصة من خلال التداولات، وكذلك من خلال الرسوم التي يأخذها من الشركات المدرجة التي يمثلها، كما أنه يتمتع ببعض الإعفاءات من رسوم التداول التي يقوم بها لصالحه عند تداوله بأسهم الشركات المدرجة التي يمثلها. ومن الممكن أيضاًً أن يتعرض للخسارة، كأي شركة خدمات مالية أخرى.
شروط خاصة
وأكد ياسين أن «صانع السوق» يأخذ ترخيصاً من الأسواق المالية والجهات الرقابية بشروط معينة تختلف من دولة لأخرى، وتختلف أيضاًً حسب نوع «صانع السوق» وطبيعة المهام التي يقوم بها، وبشكل عام تتعلق الشروط بشكل رئيس برأس المال والخبرات الفنية وشروط النزاهة وطبيعة السوق، حيث هناك شروط تضعها الأسواق المالية على صناع السوق حول الحد الأدنى من عدد الأسهم المطلوب تداولها وأوقات مكوث الصفقات من دون تداول وكمية الأوراق المالية المتداولة وحدود الفروق بين أسعار البيع والشراء أثناء التداول وغير ذلك حسب طبيعة ترخيص «صانع السوق» في كل سوق.
وأضاف ياسين «إن «صانع السوق» الواحد يمكن أن يكون شركة مساهمة عامة واحدة فقط من الشركات المدرجة بالسوق، أو أكثر، ويمكن أيضاً أن يكون أكثر من صانع سوق يمثلون شركة واحدة، لذلك لا غرابة في أن نجد بالأسواق المالية المتقدمة العشرات بل المئات من شركات صناعة السوق، وليس من الضروري أن يكون لكل شركة مساهمة عامة مدرجة بالسوق صانع سوق، فهناك بعض الأسواق لا يوجد بها صانع سوق للشركات ذات أحجام التداول العالية جداً والتي لا تحتاج إلى صانع سوق لضخ السيولة، ومن ناحية أخرى تحجم شركات صناعة السوق عن العمل مع الشركات المدرجة شديدة ضعف السيولة بسبب الخوف من الخسارة.
طبيعة الأرباح
وحول طبيعة الأرباح التي يمكن أن تعود على «صناع السوق»، أشار ياسين، إلى أن عائدات «صانع السوق» تأتي من الفرق بين سعري البيع والشراء المعروضين للتداول، فكلما كان الفرق أكبر كان الربح أكبر ولذلك تضع الأسواق بعض الشروط لهذا الفرق، حيث يحدد «صانع السوق» قيمة هذا الفرق ضمن الأنظمة بناء على عدة معطيات، وعموماً يتناسب ذلك طردياً مع معدل سعر السهم، وكذلك مع خطورة السهم، وعكسياً مع حجم التداول وعدد صناع السوق، كما يجب على «صانع السوق» عند الحصول على الترخيص لهذه المهمة، تحديد الشركات المساهمة العامة المدرجة التي سيتعامل بأسهمها ويصنع سوقها، ويكون ذلك بالعادة في اتفاق مسبق مع الشركة المدرجة يتحدد فيه حصة وعائدات «صانع السوق» نتيجة تبنيه صناعة السوق للشركة وتحمله نوع من المخاطر نتيجة شرائه كميات كبيرة من أسهم الشركة.
مهام وواجبات
وحول أهم المهام التي يجب أن يقوم «صانع السوق» بها، أوضح ياسين، أن مهامه وواجباته تختلف حسب طبيعة السوق وترخيص «صانع السوق» فيه، غير أنه يمكن القول إن مهام «صانع السوق» هي التنفيذ الفوري لعمليات البيع والشراء في حالة تعذر وجود بائعين أو مشترين، بما يسهم في تعزيز السيولة، وبالتالي زيادة أحجام التداول، والاحتفاظ بعدد كبير وكاف من أسهم الشركات المدرجة التي يمثلونها لتسهيل ضخها بالسوق عند الحاجة، فضلاً عن ضرورة المحافظة على سوق مستقر من خلال العمل على منع التقلبات الحادة بالأسعار قدر الإمكان، وفي بعض الأسواق، يحدد «صانع السوق» سعر الافتتاح عند بداية تداول أسهم الشركات التي يمثلونها. وليس بالضرورة أن يكون سعر افتتاح اليوم هو سعر إغلاق أمس، إذ يعتمد ذلك على التطورات في ما بعد الإغلاق، وأحجام العرض والطلب في جلسات ما قبل الافتتاح.
البحث عن مستثمرين
ومن مهمات «صانع السوق» أيضاًً، البحث عن مستثمرين محتملين لأسهم الشركات التي يمثلونها، وخاصة المستثمرين المؤسساتيين، وفي بعض الأسواق، يحدد «صانع السوق» عرض سعري البيع والشراء للأسهم بناء على اطلاعه على عروض الأسعار من المستثمرين، كما أن من ضمن مهامه تنفيذ الطلبات وفق أفضل عروض الشراء والبيع من غير ممارسة الغبن والتلاعب.
وقد وضعت بعض الهيئات الرقابية وخاصة الأمريكية ضوابط لذلك.
وأكد ياسين، أن المهمة الرئيسة لصانع السوق هنا هي زيادة سيولة التداول، ويكون ذلك باتفاق بين «صانع السوق» والشركة المدرجة التي يصنع سوقها مقابل رسوم معينة، وذلك ضمن آليات وشروط سوق الأوراق المالية، وقد يوجد ضمن هذا النظام ولكن بشكل غير رسمي صناع سوق يعملون لمصلحة شركة معينة أو أكثر ولكنهم لا يكونون ملتزمين بالبيع والشراء المستمر، ولذلك سمي «صانع سوق».
أنواع عديدة
وأكد ياسين أن صناعة الأسواق موجودة في العادة بالأسواق المتطورة وهي الرائدة في هذا المجال، كما أنها موجودة في العديد من الأسواق الناشئة، حيث يختلف مفهوم وآليات صناعة السوق بين دولة وأخرى، وكذلك بين سوق مالي وآخر بالدولة نفسها، وتمثل صناعة الأسواق في الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً نظرياً وعملياً لأنواع هذه الصناعة وقوانينها وأنظمتها وآلياتها، ناهيك عن تجربتها العريقة وتاريخها الحافل، ولا تختلف «صناعة السوق» بالدول الأخرى عن المفاهيم العامة لهذه الصناعة بالولايات المتحدة، وخاصة في ظل ظاهرة الانفتاح والتعاون المستمر والإدراج المشترك للشركات المساهمة العامة بل حتى اندماج أسواق مالية شهيرة مع بعضها البعض في السنوات الأخيرة.
النموذج المركزي
ياسين إلى نموذج «بورصة نيويورك» حيث يتم التعامل وفق هذا النظام منذ القرن التاسع عشر، ويتميز هذا النوع بانفرادية ومركزية صانع السوق، وصلاحياته الواسعة في الاطلاع على أوامر البيع والشراء، وهو الذي يقرر إلى حد كبير معلومات أوامر البيع والشراء من المستثمرين التي ينبغي إظهارها للعموم، ويوجد في هذا السوق قاعة يتواجد فيها الوسطاء الذين يعطون أوامرهم بلغة إشارات متعارف عليها، ثم تذهب هذه الأوامر إلى «صانع السوق» الذي يقوم بدوره بالبيع والشراء إذا اقتضت الحاجه بناء على هذه المعلومات بالإضافة إلى المعلومات التي تصله إلكترونياً حيث يحرص على استمرار السيولة في التداول، ويحدد «صانع السوق» وفق هذا النظام سعر الافتتاح للسهم الذي لا يكون بالضرورة هو سعر إقفال اليوم السابق كما أسلفنا، ويتم إعفاء «صانع السوق» من الرسوم عندما يتداول لصالحه حسب شروط كل سوق.
ومن مميزات هذا النظام ارتياح المستثمرين المؤسساتيين له بسبب قناعتهم بخبرات ومهارات وسطاء القاعة وقدراتهم في تبادل المعلومات بشكل أسرع وبالتالي حصولهم على أسعار جيدة.
تنافس «الصناع»
وأضاف ياسين أن هناك نموذجاً آخر هو نموذج بورصة ناسداك حيث لا يوجد في هذا النظام قاعة، أي أن جميع تداوله إلكترونية، ولا يتركز عدد صناع السوق لكل شركة على واحد كما هي الحال في نيويورك بل إن كل شركة مدرجة لها العديد من صناع السوق يتنافسون في ما بينهم وهو ما له الأثر الإيجابي في دعم كفاءة السوق وزيادة السيولة فيه، بحيث لا يتداول المستثمرون العاديون في هذا النوع من البورصات مباشرة في ما بينهم، إنما يتم ذلك عن طريق «صناع السوق» الذين يبلغ عددهم بالمئات في سوق ناسداك وحده.
وعلى «صناع السوق» وفق هذا النظام عرض كل من سعري البيع والشراء بالوقت نفسه ولذلك يسمى نظام ( Quote-Driven )، ولا يرى المستثمر العادي أوامره بالبيع أو الشراء، ويعتبر ذلك أحد الانتقادات على هذا النظام بسبب ما يعتبرونه نقصاً في الشفافية رغم أنه قد يسمح «صانع السوق» في بعض الأحيان بعرض الأسعار على المستثمرين، وقد يزيد «صانع السوق» وفق هذا النظام السعر نسبياً إذا شعر بقرب نفاذ مخزونه من الأسهم، أو يقلله إذا زاد مخزونه من الأسهم.
وهناك نظام ثالث بحسب ياسين، وهو النظام المعمول به في «يورونكست» و«بورصة إيطاليا» و«البورصة اليونانية»، وفيه يمكن أن يكون أكثر من صانع سوق للشركة الواحدة يتنافسون بينهم، كما أنهم يتنافسون مع المستثمرين العاديين، حيث إنه ليس عندهم احتكار لمعلومات التداول كما هي الحال في بوصة نيويورك، أي أن معلومات التداول متاحة لهم كما هي متاحة للمستثمر العادي.
استبعاد الوسطاء
وحول إمكانية قيام شركات الوساطة المالية بدور «صانع السوق» استبعد وسطاء أن يكون بمقدورهم ذلك، في إشارة منهم إلى أن إمكاناتهم المادية لا تسمح ومتطلبات هذا النظام، وأكد وضاح الطه، خبير أسواق المال، أن شركات الوساطة تعيش حالة مادية متواضعة للغاية أبعد من أن تكون بمقدورها أن تلعب هذا الدور في الوقت الراهن متوقعاً في الوقت ذاته أن لا يعمل تطبيق نظام «صانع السوق» على إحداث طفرة حقيقية أو نقلة نوعية في قيم وأحجام التداول حيث لا يمكن لأي من اللاعبين الكبار تأسيس شركة ضخمة لديها تمويل قوي كي تستثمر في السوق لتكون بمثابة «صانع السوق» حيث من العسير على أي شركة وساطة عاملة بالدولة حالياً القيام بهذا الدور الذي يتطلب سيولة قوية للاستثمار بالسوق.
خسائر متواصلة
ومن جهته أكد عميد كنعان، الخبير المالي، أن شركات الوساطة الموجودة حالياً في السوق ليس بمقدروها أن تكون «صانعاً»، «بل هي شركات تعانى الأمرين وسجلت وتسجل على الدوام على خلفية شح السيولة، خسائر كبيرة والقلة القليلة التي تحقق أرباحاً هي أرباح لا تتجاوز مليونين أو ثلاثة ملايين على مدار العام»، مستبعداً أن يحدث النظام الجديد أى تغييرات حقيقية في تصحيح أوضاع أي من الأطراف المعنية لعدم وجود كيان قوي يمتلك سيولة لبيع وشراء الأسهم فى أي وقت.
الإمارات: خبراء يشككون في قدرة صانع السوق على انتشال التداولات من الركود
تتعالى أصوات المعنيين بأسواق المال الإماراتية من مستثمرين ووسطاء وسماسرة وخبراء، للإسراع إلى تطبيق نظم وآليات جديدة تعيد للتداولات الراكدة زخمها، بعد أن تجمدت التعاملات على مستويات متدنية كماً وكيفاً.
ويترقب المعنيون نظام «صانع السوق»، ذلك الغائب المنتظر، لإنقاذ الأسواق من مستنقع الركود، لكن الكثيرين يشككون في مدى جدواه في ظل الظروف الحالية التي تعيشها الأسواق المحلية، ويؤكدون عدم قدرته على إحداث طفرة حقيقية أو نقلة نوعية في قيم وأحجام التداول.
فهل يملك «صانع السوق» عصا سحرية تغير مجريات الأمور والواقع الأليم الذي تئن فيه الأسواق؟ وهل بإمكانه حقاً تجفيف دموع المستثمرين والعالقين في الأسواق كرهاً لا طوعاً، أم يكون بمثابة نظام إجرائي لا يغني ولا يسمن من جوع ويسهم في تعميق أزمة الأسواق؟
ونظام «صانع السوق» الذي تستعد «هيئة الأوراق المالية والسلع» لتطبيقه، قد يكون بنكاً أو مؤسسة مالية أو مجموعة بنوك ومؤسسات ومحافظ مالية تمتلك إمكانات مالية ضخمة تمكنها من حفظ التوازن في الأسواق، بالتدخل بالشراء في حال تدنت أسعار الأسهم إلى مستويات غير مبررة، أو بالبيع في حال وصلت الأسعار إلى مستويات سعرية مبالغ فيها.
وبحسب التقرير الاقتصادي لإمارة أبوظبي الذي أصدرته «دائرة التنمية الاقتصادية» في نوفمبر الماضي، تعتزم الهيئة تطبيق نظام «صانع السوق» بهدف تطوير أداء الأسواق.
وأشار التقرير إلى أن الهيئة، اتخذت العديد من الخطوات لتحسين أداء الأسواق المالية في الدولة، منها نظام «صانع السوق» فضلاً عن خطوات أخرى مثل فتح باب الترخيص للتداول بالهامش، والترخيص لشركات التحليل المالي، واعتماد المحللين الماليين، وترقيم الأسهم المدرجة، ما يسهل وينظم عمليات التداول.
وتجتهد «هيئة الأوراق المالية والسلع» بحسب «اقتصادية أبوظبي» للإسراع بتطبيق هذا النظام، محاولة منها في تقليص الانخفاض المستمر في قيمة مؤشرات الأسواق المالية المحلية نتيجة خروج الاستثمار الأجنبي من السوق بطريقة شبه منتظمة، لتغطية خسائر المستثمرين الأجانب بأسواقهم في أوروبا وأمريكا.
غياب المحفزات
وتسيطر على أسواق المال بالدولة حالة عامة من غياب المحفزات القوية التي تشجع على الاستثمار بالسوق بل وصلت حالة العزوف إلى كبار المستثمرين والمضاربين على حد السواء، بعد أن أصبح اللون الأحمر هو اللون المسيطر على شاشات التداول، لكن النزولات الحادة التي تشهدها الأسواق وشح السيولة باتا يعمقان آلام الأطراف المعنية بالسوق كافة بعد أن ضاقت بهم السبل وضاقوا هم أيضاًً ذرعاً من وجود أي بادرة أمل تحثهم على التفاؤل.
وفي الوقت الذي يمني فيه البعض نفسه خيراً مستبشراً فرحاً بالبدء بنظام «صانع السوق» الذي يفترض أن تقوم شركات الخدمات المالية بالإعلان عن نفسها لتبادر بإمكاناتها من تمويل عمليات البيع والشراء بالسوق ممثلة صانع للسوق، نجد خبراء أسواق المال في هذا التحقيق يبخرون أحلامنا ويضعون النظام الجديد لصانع السوق قيد التحقيق والمساءلة بل إن الأمر يصل إلى أن البعض يؤكد أن نظام «صانع السوق» سيبدأ تطبيقه نظرياً فقط (على الورق) مع استحالة تطبيقه فعلياً في الواقع العملي، لعدم وجود شركة خدمة مالية لديها القدرة على تمويل عمليات الشراء والبيع للأسهم.
ويشكك وسطاء وخبراء أسواق المال بالدولة في إمكانية شركات الوساطة المالية من أن تلعب دور «صانع السوق» مستبعدين ذلك تماماً حيث من المحال أن يكون بمقدورهم ذلك، مشيرين إلى أن إمكاناتهم المادية لا تسمح ومتطلبات هذا النظام الذي يحتاج إلى «بنك استثمار» أو شركة تمويل كبيرة وهي المؤسسات التي لن تجد في أسواق المال حالياً ما يحفزها للقيام بذلك.
جاهزية مستمرة
وحول نظام «صانع السوق» وآلياته وأنواعه وسبل تطبيقه، قال الدكتور حسن ياسين، خبير أسواق مالية معرفاً نظام «صانع السوق»، بأنه «شركة خدمات مالية تكون جاهزة باستمرار للبيع والشراء في السوق بهدف تعزيز السيولة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف على «صانع السوق» امتلاك كميات كبيرة من الأوراق المالية التي يمثلها، حيث لا يقتصر نشاط «صناع السوق» في أسواق الأسهم فقط، فهناك صناع سوق في تجارة العملات وتداول المشتقات المالية مثل الخيارات والمستقبليات وصناع سوق لتداول السندات، غير أن تجربتنا الآن التي في مهدها هي «صانع سوق الأسهم».
وأوضح ياسين أن ضخ السيولة في السوق هو الهدف الأسمى المفترض من وجود «صانع السوق» حيث يجب على «صانع السوق» أن يكون جاهزاً للبيع فوراً إذا طلب أحدهم الشراء ولم يوجد بائع، وجاهزاً للشراء فوراً إذا طلب أحدهم البيع ولم يوجد مشتر، ويجب ألا يغيب علينا أن «صانع السوق» بالأساس يهدف إلى تحقيق الربح وخاصة من خلال التداولات، وكذلك من خلال الرسوم التي يأخذها من الشركات المدرجة التي يمثلها، كما أنه يتمتع ببعض الإعفاءات من رسوم التداول التي يقوم بها لصالحه عند تداوله بأسهم الشركات المدرجة التي يمثلها. ومن الممكن أيضاًً أن يتعرض للخسارة، كأي شركة خدمات مالية أخرى.
شروط خاصة
وأكد ياسين أن «صانع السوق» يأخذ ترخيصاً من الأسواق المالية والجهات الرقابية بشروط معينة تختلف من دولة لأخرى، وتختلف أيضاًً حسب نوع «صانع السوق» وطبيعة المهام التي يقوم بها، وبشكل عام تتعلق الشروط بشكل رئيس برأس المال والخبرات الفنية وشروط النزاهة وطبيعة السوق، حيث هناك شروط تضعها الأسواق المالية على صناع السوق حول الحد الأدنى من عدد الأسهم المطلوب تداولها وأوقات مكوث الصفقات من دون تداول وكمية الأوراق المالية المتداولة وحدود الفروق بين أسعار البيع والشراء أثناء التداول وغير ذلك حسب طبيعة ترخيص «صانع السوق» في كل سوق.
وأضاف ياسين «إن «صانع السوق» الواحد يمكن أن يكون شركة مساهمة عامة واحدة فقط من الشركات المدرجة بالسوق، أو أكثر، ويمكن أيضاً أن يكون أكثر من صانع سوق يمثلون شركة واحدة، لذلك لا غرابة في أن نجد بالأسواق المالية المتقدمة العشرات بل المئات من شركات صناعة السوق، وليس من الضروري أن يكون لكل شركة مساهمة عامة مدرجة بالسوق صانع سوق، فهناك بعض الأسواق لا يوجد بها صانع سوق للشركات ذات أحجام التداول العالية جداً والتي لا تحتاج إلى صانع سوق لضخ السيولة، ومن ناحية أخرى تحجم شركات صناعة السوق عن العمل مع الشركات المدرجة شديدة ضعف السيولة بسبب الخوف من الخسارة.
طبيعة الأرباح
وحول طبيعة الأرباح التي يمكن أن تعود على «صناع السوق»، أشار ياسين، إلى أن عائدات «صانع السوق» تأتي من الفرق بين سعري البيع والشراء المعروضين للتداول، فكلما كان الفرق أكبر كان الربح أكبر ولذلك تضع الأسواق بعض الشروط لهذا الفرق، حيث يحدد «صانع السوق» قيمة هذا الفرق ضمن الأنظمة بناء على عدة معطيات، وعموماً يتناسب ذلك طردياً مع معدل سعر السهم، وكذلك مع خطورة السهم، وعكسياً مع حجم التداول وعدد صناع السوق، كما يجب على «صانع السوق» عند الحصول على الترخيص لهذه المهمة، تحديد الشركات المساهمة العامة المدرجة التي سيتعامل بأسهمها ويصنع سوقها، ويكون ذلك بالعادة في اتفاق مسبق مع الشركة المدرجة يتحدد فيه حصة وعائدات «صانع السوق» نتيجة تبنيه صناعة السوق للشركة وتحمله نوع من المخاطر نتيجة شرائه كميات كبيرة من أسهم الشركة.
مهام وواجبات
وحول أهم المهام التي يجب أن يقوم «صانع السوق» بها، أوضح ياسين، أن مهامه وواجباته تختلف حسب طبيعة السوق وترخيص «صانع السوق» فيه، غير أنه يمكن القول إن مهام «صانع السوق» هي التنفيذ الفوري لعمليات البيع والشراء في حالة تعذر وجود بائعين أو مشترين، بما يسهم في تعزيز السيولة، وبالتالي زيادة أحجام التداول، والاحتفاظ بعدد كبير وكاف من أسهم الشركات المدرجة التي يمثلونها لتسهيل ضخها بالسوق عند الحاجة، فضلاً عن ضرورة المحافظة على سوق مستقر من خلال العمل على منع التقلبات الحادة بالأسعار قدر الإمكان، وفي بعض الأسواق، يحدد «صانع السوق» سعر الافتتاح عند بداية تداول أسهم الشركات التي يمثلونها. وليس بالضرورة أن يكون سعر افتتاح اليوم هو سعر إغلاق أمس، إذ يعتمد ذلك على التطورات في ما بعد الإغلاق، وأحجام العرض والطلب في جلسات ما قبل الافتتاح.
البحث عن مستثمرين
ومن مهمات «صانع السوق» أيضاًً، البحث عن مستثمرين محتملين لأسهم الشركات التي يمثلونها، وخاصة المستثمرين المؤسساتيين، وفي بعض الأسواق، يحدد «صانع السوق» عرض سعري البيع والشراء للأسهم بناء على اطلاعه على عروض الأسعار من المستثمرين، كما أن من ضمن مهامه تنفيذ الطلبات وفق أفضل عروض الشراء والبيع من غير ممارسة الغبن والتلاعب.
وقد وضعت بعض الهيئات الرقابية وخاصة الأمريكية ضوابط لذلك.
وأكد ياسين، أن المهمة الرئيسة لصانع السوق هنا هي زيادة سيولة التداول، ويكون ذلك باتفاق بين «صانع السوق» والشركة المدرجة التي يصنع سوقها مقابل رسوم معينة، وذلك ضمن آليات وشروط سوق الأوراق المالية، وقد يوجد ضمن هذا النظام ولكن بشكل غير رسمي صناع سوق يعملون لمصلحة شركة معينة أو أكثر ولكنهم لا يكونون ملتزمين بالبيع والشراء المستمر، ولذلك سمي «صانع سوق».
أنواع عديدة
وأكد ياسين أن صناعة الأسواق موجودة في العادة بالأسواق المتطورة وهي الرائدة في هذا المجال، كما أنها موجودة في العديد من الأسواق الناشئة، حيث يختلف مفهوم وآليات صناعة السوق بين دولة وأخرى، وكذلك بين سوق مالي وآخر بالدولة نفسها، وتمثل صناعة الأسواق في الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً نظرياً وعملياً لأنواع هذه الصناعة وقوانينها وأنظمتها وآلياتها، ناهيك عن تجربتها العريقة وتاريخها الحافل، ولا تختلف «صناعة السوق» بالدول الأخرى عن المفاهيم العامة لهذه الصناعة بالولايات المتحدة، وخاصة في ظل ظاهرة الانفتاح والتعاون المستمر والإدراج المشترك للشركات المساهمة العامة بل حتى اندماج أسواق مالية شهيرة مع بعضها البعض في السنوات الأخيرة.
النموذج المركزي
ياسين إلى نموذج «بورصة نيويورك» حيث يتم التعامل وفق هذا النظام منذ القرن التاسع عشر، ويتميز هذا النوع بانفرادية ومركزية صانع السوق، وصلاحياته الواسعة في الاطلاع على أوامر البيع والشراء، وهو الذي يقرر إلى حد كبير معلومات أوامر البيع والشراء من المستثمرين التي ينبغي إظهارها للعموم، ويوجد في هذا السوق قاعة يتواجد فيها الوسطاء الذين يعطون أوامرهم بلغة إشارات متعارف عليها، ثم تذهب هذه الأوامر إلى «صانع السوق» الذي يقوم بدوره بالبيع والشراء إذا اقتضت الحاجه بناء على هذه المعلومات بالإضافة إلى المعلومات التي تصله إلكترونياً حيث يحرص على استمرار السيولة في التداول، ويحدد «صانع السوق» وفق هذا النظام سعر الافتتاح للسهم الذي لا يكون بالضرورة هو سعر إقفال اليوم السابق كما أسلفنا، ويتم إعفاء «صانع السوق» من الرسوم عندما يتداول لصالحه حسب شروط كل سوق.
ومن مميزات هذا النظام ارتياح المستثمرين المؤسساتيين له بسبب قناعتهم بخبرات ومهارات وسطاء القاعة وقدراتهم في تبادل المعلومات بشكل أسرع وبالتالي حصولهم على أسعار جيدة.
تنافس «الصناع»
وأضاف ياسين أن هناك نموذجاً آخر هو نموذج بورصة ناسداك حيث لا يوجد في هذا النظام قاعة، أي أن جميع تداوله إلكترونية، ولا يتركز عدد صناع السوق لكل شركة على واحد كما هي الحال في نيويورك بل إن كل شركة مدرجة لها العديد من صناع السوق يتنافسون في ما بينهم وهو ما له الأثر الإيجابي في دعم كفاءة السوق وزيادة السيولة فيه، بحيث لا يتداول المستثمرون العاديون في هذا النوع من البورصات مباشرة في ما بينهم، إنما يتم ذلك عن طريق «صناع السوق» الذين يبلغ عددهم بالمئات في سوق ناسداك وحده.
وعلى «صناع السوق» وفق هذا النظام عرض كل من سعري البيع والشراء بالوقت نفسه ولذلك يسمى نظام ( Quote-Driven )، ولا يرى المستثمر العادي أوامره بالبيع أو الشراء، ويعتبر ذلك أحد الانتقادات على هذا النظام بسبب ما يعتبرونه نقصاً في الشفافية رغم أنه قد يسمح «صانع السوق» في بعض الأحيان بعرض الأسعار على المستثمرين، وقد يزيد «صانع السوق» وفق هذا النظام السعر نسبياً إذا شعر بقرب نفاذ مخزونه من الأسهم، أو يقلله إذا زاد مخزونه من الأسهم.
وهناك نظام ثالث بحسب ياسين، وهو النظام المعمول به في «يورونكست» و«بورصة إيطاليا» و«البورصة اليونانية»، وفيه يمكن أن يكون أكثر من صانع سوق للشركة الواحدة يتنافسون بينهم، كما أنهم يتنافسون مع المستثمرين العاديين، حيث إنه ليس عندهم احتكار لمعلومات التداول كما هي الحال في بوصة نيويورك، أي أن معلومات التداول متاحة لهم كما هي متاحة للمستثمر العادي.
استبعاد الوسطاء
وحول إمكانية قيام شركات الوساطة المالية بدور «صانع السوق» استبعد وسطاء أن يكون بمقدورهم ذلك، في إشارة منهم إلى أن إمكاناتهم المادية لا تسمح ومتطلبات هذا النظام، وأكد وضاح الطه، خبير أسواق المال، أن شركات الوساطة تعيش حالة مادية متواضعة للغاية أبعد من أن تكون بمقدورها أن تلعب هذا الدور في الوقت الراهن متوقعاً في الوقت ذاته أن لا يعمل تطبيق نظام «صانع السوق» على إحداث طفرة حقيقية أو نقلة نوعية في قيم وأحجام التداول حيث لا يمكن لأي من اللاعبين الكبار تأسيس شركة ضخمة لديها تمويل قوي كي تستثمر في السوق لتكون بمثابة «صانع السوق» حيث من العسير على أي شركة وساطة عاملة بالدولة حالياً القيام بهذا الدور الذي يتطلب سيولة قوية للاستثمار بالسوق.
خسائر متواصلة
ومن جهته أكد عميد كنعان، الخبير المالي، أن شركات الوساطة الموجودة حالياً في السوق ليس بمقدروها أن تكون «صانعاً»، «بل هي شركات تعانى الأمرين وسجلت وتسجل على الدوام على خلفية شح السيولة، خسائر كبيرة والقلة القليلة التي تحقق أرباحاً هي أرباح لا تتجاوز مليونين أو ثلاثة ملايين على مدار العام»، مستبعداً أن يحدث النظام الجديد أى تغييرات حقيقية في تصحيح أوضاع أي من الأطراف المعنية لعدم وجود كيان قوي يمتلك سيولة لبيع وشراء الأسهم فى أي وقت.