تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : توصيات الأسهم تطل برأسها من جديد...



شمعة الحب
01-06-2006, 12:53 PM
توصيات الأسهم تطل برأسها من جديد
د. عبد العزيز الغدير - - - 05/05/1427هـ
Abdalaziz3000@hotmail.com

وصلت رسالة هاتفية إلى أحد الأصدقاء ونحن جلوس في أحد المقاهي، وإذا به يقول لنا إنها توصية لشراء سهم الشركة الفلانية، وإن التوصية تحدد سعر الدخول وسعر الخروج، وللحقيقة أقول إنني أصبت بالدهشة، أولا, لأنني لم أسمع هذا الكلام منذ بداية انحدار سوق الأسهم مما جعل هذا الكلام غريبا على أذني، وثانيا, لأنني استغربت وجود من يؤمن بهذه التوصيات ولم يتعلم من هذا الدرس القاسي الذي أثبت بما لا يدع مجالا للشك بأنه لا يصح إلا الصحيح، وإن كثر الغث وساد في فترة من الفترات لأي سبب كان.
رجعت التوصيات بعد استقرار السوق، نعم ورجع الضالون المضلون إلى لعبتهم القديمة دونما خوف من نظام أو شرع أو مراعاة لمشاعر الضحايا أو إحساس بالمسؤولية الوطنية، فالنظام لا يستطيع متابعة وتعقب آلاف الرسائل الإلكترونية، والشرع لا يقيم الحكم إلا على بينة, والضحايا في نظرهم أرقام تتقيأ أموالا لا بشرا بمشاعر، أما الأحاسيس فتبلدت وماتت منذ أمد بعيد.
مصدرو ومروجو التوصيات أناس خربت ذممهم والله كفيل بهم إذا أفلتوا من النظام، ومقالتي هذه ليست موجهة إليهم فهم إلى الإدمان على الحرام أقرب، إنما أريد في هذا المقام أن أوجه اثنين لا ثالث لهما، الأول, هو مَن يقوم بنقل هذه الرسائل "التوصيات" إلى الآخرين دون قراءة وتمحيص ليشارك في نهب أموال الضعفاء بعلم أو دون علم، والثاني, هو ذلك الذي ما زال يؤسس قراراته الاستثمارية في سوق الأسهم على تلك التوصيات، فما أن يتلقى الرسالة حتى يهرع لصالات التداول أو الإنترنت ليضع الطلبات طامعاً في الأرباح متناسياً أن الخسائر قد تقع.
وأود أن أقول لمن ينقل هذه التوصيات إلى الآخرين دون عرض محتوياتها على عقله بتطبيق معارفه ومهاراته في تقييم سعر السهم بناء على القوائم المالية, أود أن أقول له إن الله عز وجل عاب - في حادثة الإفك - الذين نقلوا حديث الإفك عن أم المؤمنين السيدة عائشة، رضي الله عنها، دون إعمال عقولهم والرجوع لمتطلبات نقل الخبر المتمثلة في وجود أربعة شهود ووصفهم وصفاً أقرب ما يكون لما يقع اليوم من نقل للمعلومات دون تمحيص إذ يقول جل من قائل "إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم" ـ الآية 15 سورة النور.

نعم أيها الناقلون لهذه التوصيات التي تأكل أموال الناس "وخاصة البسطاء" بالباطل ليكون دولة بين الأغنياء (الذين غالبا ما يكونون مطلقي الشائعات وممولي نشرها) إن نقلكم لها دون علم وتمحيص هو كمن يتلقف المعلومات بلسانه "لا بأذنيه" ثم يطلقها من فمه دون أن تمر على عقله، بمعنى آخر أنكم كمستقبلين ومرسلين للمعلومات "التوصيات" كمن لا عقل لهم، ولو كنتم دون عقول لسلمتم من الحساب، لكنكم، وللأسف الشديد، لكم عقول لا تستخدمونها, فما استفدتم من عقولكم وما سلمتم من الحساب.
وللعلم لقد رأيت الكثير من الناس وهم يتلاسنون ويحمل كل منهم الآخر أسباب خسائره داعين الله على بعضهم البعض لينتقم كل لطرف من الأخر، وإنني أدعو الإخوة المتعاملين في السوق أن يربأوا بأنفسهم عن هذه الأمور التي تشحن النفوس وتفرق الأرحام وتثير الضغائن بين الأصدقاء، وكل ما عليكم لكي تسلموا من ذلك أن تقتلوا الشائعة في هواتفكم باستخدام "إلغاء" أو أن تقوموا بالرد على مرسلها بالطلب منه عدم إرسال مثل هذه الشائعات (التوصيات) مرة أخرى.
أما الإخوة الذين يتخذون قراراتهم الاستثمارية في سوق الأسهم على التوصيات مهما كان مصدرها، حتى وإن زيّن لهم البعض المصدر كما نسمع قائلين لهم إنها من مضارب كبير, أو من منفذ لمضارب في أحد البنوك، أو من جلساء أو جليسات كبار المضاربين.. إلخ, أقول لهؤلاء إن الاتجاه التصاعدي للسوق فيما مضى كان سببا رئيسيا في تصديق هؤلاء الأفاكين، أما وأن الاتجاه التصاعدي قد وقف وانتهت دورة الأسهم الاقتصادية الناتجة عن العرض والطلب المصطنعين، ورجعنا إلى العرض والطلب الحقيقيين, فعليهم أن ينسوا الماضي تماما، ويبنوا قراراتهم على المعطيات الجديدة التي تؤكد أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن سعر السهم يعتمد على مكرر الأرباح والقيمة الدفترية ومعدل النمو السنوي، وعلى ذلك فليتخذوا قراراتهم الاستثمارية بمقارنتها بالبدائل الاستثمارية الأخرى خارج سوق الأسهم، آخذين في الاعتبار نسبة المخاطرة العالية في أسواق الأسهم، ليأمنوا على مدخراتهم التي جمعوها بعد جهود سنوات طويلة.
وختاما أقول إنه على هيئة السوق المالية توعية المستثمرين بالسوق المالية بكافة الوسائل المتاحة وبذل الإمكانات اللازمة لذلك، لأنني أكاد أجزم بأنه لو كان لدينا متعاملون واعون لشكلوا ستارا حديديا في وجه الشائعات لمنع أي صعود أو هبوط جنوني في السنوات المقبلة، أما ناقلو التوصيات فحسبهم حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع".