شمعة الحب
02-06-2006, 03:16 PM
من يغلب في الآخر.. قهر السوق أم صبر الرجال؟
د. هاشم بن عبد الله الصالح - جامعة الملك فيصل ـ الدمام 06/05/1427هـ
hsaleh_sa@yahoo.com
في البداية لا بد من القول إن هناك بعضا من الناس ممن لا يعنيهم هذا المقال وإن قرأوه واطلعوا عليه فهو من باب الاطلاع على أحوال السوق وحال أهله لأنهم إما هم من الذين خرجوا بالغنائم والمكاسب الوفيرة وهؤلاء الكثرة منهم من الهوامير ترافقهم قلة من الصغار وبالتالي فالفوز كان حليفهم ومغامرتهم في السوق كانت ناجحة. وهنيئا لهؤلاء بما كسبوه من أموال وحصلوا عليه من أرباح بشرط ألا تكون هذه الأرباح هي نتاج لشطارتهم في التحايل على الأنظمة والقوانين ومهارتهم في التلاعب وبث الشائعات والأخبار الكاذبة لأن هذه الأرباح بالتأكيد ستكون وبالا عليهم عاجلا أم آجلا. أما الفئة الأخرى التي ربما لا يعنيها هذا المقال فهم الذين أقروا بالهزيمة وخرجوا من السوق إما بالسالب أو الصفر المحترم أو النزر القليل من أموالهم تصاحبها حسرة وندامة على أحلامهم المحترقة. قد يعود البعض من هؤلاء ليجرب حظه مرة أخرى ولكن الكثير منهم بالتأكيد سيحلفون بألا عودة لهم إلى السوق لأن التجربة كانت قاسية والنتائج كانت مهلكة ومريرة، وهذا يعني أن السوق وإن عاد فإنه سيعود برجال جدد إلا من قرر الصبر وارتضى مرارة الانتظار. فهل للسوق من عودة وهل الصبر على هذا الحال سيتبعه انفراج يعيد الناس الثقة بالسوق ويجدد أمالهم بسوق يتيح لهم مناخا استثماريا واعدا وشفافا. أم إن انحدار السوق وقهره سيستمر وأن المساهمين فيه وبالأخص الصغار منهم سيسلمون بالهزيمة في النهاية وإنهم سيندمون لأن خروجهم كان متأخرا وإن صبرهم كان سببا مباشرا لهزيمتهم؟ فهل الصبر هو الخيار المطلوب الآن وكيف للناس بالصبر وهم يرون السوق وهو يترنح بفعل الضربات التي تتوالى عليه من هنا وهناك؟ وهل صمود المؤشر ومقاومته للهبوط دون مستوى العشرة آلاف هو دليل عافية وإن الأمر قد وصل حده وعليهم أن يترقبوا الانطلاقة الجديدة للسوق ولكن هذه المرة بأكثر هدوءا وبقاعدة متينة وأجواء شفافة وسليمة؟ فإذا كانت الدعوة إلى خيار الصبر فإن للصبر شروطا ومتطلبات وإن كان الاعتقاد أن قهر السوق ماض في طريقه وأن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمزيد من التراجعات فإن هذا الأمر أيضا لن يتم إلا بوجود عوامل وظروف محددة. وفي النقاط التالية وقفة موجزة مع جملة من هذه الشروط وبمعرفتها قد نستطيع أن نتلمس طريق المستقبل وأن نتعرف على من سيضحك في الآخر ومن سيغلب الآخر في النهاية.
1- شهد السوق في الأسابيع الأخيرة جملة من التغيرات الإدارية والتنظيمية توجت بتعيين رئيس جديد لهيئة السوق، ومن الطبيعي أن تحتاج كل هذه التغيرات إلى فترة زمنية معقولة لكي تحدث أثرها في السوق. وبما أن القراءة العامة لهذه التغيرات ستكون في العموم لصالح السوق فإننا نتفاءل أن نرى مستقبلا أخضر للسوق، وأن صبر اليوم سيكون نجاحا في الغد. وإذا كان لابد من كلمة (لكن) فإن الناس من حقهم أن يسجلوا تخوفهم من مدى تطبيق هذه الأنظمة لأن التطبيق السيئ لأنظمة جيدة قد يأتي بنتائج أسوأ من تطبيق جيد لأنظمة ضعيفة.
2- لقد انتعش السوق في السنتين الأخيرتين نتيجة لمؤشرات اقتصادية وتنموية كانت تبشر بطفرة اقتصادية جديدة وكان التحسن المستمر في أسعار النفط له دور كبير في تعزيز هذا الشعور. وإذا كان السوق قد انتعش فقط لظهور مثل هذه المؤشرات فإن تحقق هذه الطفرة في أرض الواقع ومن خلال تفعيل ما صدر من توجيهات من قبل خادم الحرمين الشريفين، وعندما يتلمس المواطن ويطمئن لاستراتيجية المشاريع المطروحة فكل هذا كفيل بعودة الثقة بالسوق ليس محليا فقط وإنما عالميا أيضا. هذه النقلة المنتظرة في اقتصاد المملكة ستتيح فرصا استثمارية ضخمة لشركاتنا الوطنية وبالتالي فمن الطبيعي أن يتوقع لمثل هذه الشركات المزيد من النمو والتوسع وهذا بدوره سينعكس إيجابا على حالة السوق في المستقبل. ولكن ما يخيف ويثير القلق هو أن هذه الطفرة الاقتصادية ستنتفع بها الشركات الأجنبية أكثر منها المحلية والوطنية وهذا إما لضعف هذه الشركات الوطنية في استثمار هذه الفرصة، وإما هناك تقصير من الدولة في تأهيل هذه الشركات وجعلها قادرة على منافسة مثيلاتها من الشركات الأجنبية في ظل تنافس عالمي ومفتوح بين الشركات. وهناك خوف آخر وهو أن الكثير من شركاتنا الوطنية تعوزها الكفاءة في الإدارة وتغيب عندها الشفافية المطلوبة في إدارة أمورها المالية وبالتالي فإن عملية اتخاذ القرار في هذه الشركات هي في الغالب إما عملية ارتجالية وإما محتكرة من قبل أطراف تتحرك تبعا لمصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة ومصالح الشركة نفسها وهذا هو الفساد الذي يجب أن تلتفت إليه شركاتنا الوطنية.
3- شهدنا في الفترة الأخيرة قيام الكثير من الشركات بزيادة رأسمالها إما من خلال الاحتفاظ بقسم من أرباحها، وإما من خلال طرح أسهم جديدة وبمساهمين جدد. وهذا يعني أن الشركات قد حصلت على أموال حرة وغير مرتبطة بفوائد وكان الهدف المعلن هو توسيع مشاريعها واعتماد مشاريع جديدة. والمنتظر من هذه الشركات إذا صدقت نواياها هو أن تعود هذه المشاريع بعوائد إيجابية على الشركات وهذا بدوره سيكون له آثار إيجابية وملموسة على مؤشرات السوق في المستقبل. أما إذا وظفت هذه الأموال المحتفظ بها أو المستوفاة من المواطنين في مجالات بعيدة عن طبيعة أعمال الشركة فإن الأمر في الحقيقة هو استغفال وغش للمواطنين وبالتالي فإن هذه الأموال لن تضيف إلى الشركة بل ربما ستكون النتائج هي تعزيز لعدم الثقة بإدارات هذه الشركات، وهذا هو انتصار كبير لقهر السوق وهزيمة ساحقة لكل من صبر وظن خيرا بوطنية وكفاءة إدارات هذه الشركات. إن شركاتنا الوطنية أمامها فرصة تاريخية لإعادة هيكلة نفسها واستثمار ما اؤتمنت عليه من أموال المساهمين وأن تقدر هذه الثقة التي أعطيت لها من قبل الوطن والمواطنين. وهذه الآمال لا تكفي إن لم تكن هناك جهات حكومية ومستقلة تراقب هذه الشركات وتضمن للمواطن نزاهة أعمالها وسلامة التقارير والأرقام التي تعلنها.
4- هناك الكثير ممن ينتظر بآمال كبيرة تأسيس صناديق استثمارية بدعم مباشر من الدولة وهذه الآمال تعززت بعد حديث خادم الحرمين الشريفين عن الموضوع في الفترة الأخيرة. إن وجود مثل هذه الصناديق وبرأسمال قوي سيمكنها من لعب دور فعال ومؤثر في توجيه السوق إيجابيا في المستقبل. وعندما تمارس هذه الصناديق عملها في السوق وإن شاء الله أن يكون قريبا فإن بوجودها ستتعزز حالة الاستثمار وتنحسر الآثار السلبية للمضاربات اليومية. وأن هذه الصناديق بامتلاكها حصصا كبيرة ومؤثرة في الشركات فإنها ستكون قادرة على المساهمة في إعادة هيكلة هذه الشركات وتعزيز شفافيتها بشرط أن تستعين هذه الصناديق بجهات وأشخاص أكفاء للقيام بمثل هذه الأمور. على الجهات الحكومية وخصوصا منها ذات الجانب الاقتصادي أن تعد بشكل جيد لقيام مثل هذه الصناديق الاستثمارية لأن تجربة انهيار السوق الحالية قد أثبتت أن الانفتاح الاقتصادي وحرية الاستثمار لا تعني ترك السوق من دون وجود نقاط توازن تضمن حركة منتظمة للسوق. فالسوق في العادة يتأثر سلبا أو إيجابا بأخبار وتوقعات ومعلومات ربما لا يكون لها مصداقية وقد تكون هذه المعلومات هي مجرد توقعات وبالتالي فإن السوق بحاجة إلى فعل يمتص ويقلل من تأثير هذه العوامل ووجود هذه الصناديق هو أحد مصادر هذا الفعل المطلوب لإعادة حالة التوازن المطلوبة للسوق.
5- هناك بالتأكيد وعي جديد ودروس كثيرة ودراية أكبر أنتجتها تجربة انهيار السوق وهذه الخبرة التي حصل عليها المستثمرون في السوق ستكون بالتأكيد عاملا مهما في توجيه مسار السوق إيجابيا في المستقبل. وإذا كانت هيئة السوق لم تلتفت إلا متأخرا إلى ضرورة توعية الناس ودعوتهم لمعرفة الكثير من الأمور ذات العلاقة بتجارة الأسهم وقد يكون عمرها القصير عذرا لهذا التأخير في الماضي إلا أنها اليوم مدعوة بشكل ملح لإعطاء موضوع التوعية والشفافية وإدارة المعلومات وتنظيم التداول الكثير من الاهتمام لأن المساهم بعد هذه التجربة القاسية يقدر بشكل أكثر أهمية المعلومات في اتخاذ قرار المساهمة في هذا الوقت وفي هذه الشركة بالذات وبهذا المقدار من المال.
في الختام يحق للبعض أن يعترض على الحديث وهذا الكلام حول الفوز والغلبة ونحن نرى أن الخسائر باتت أمرا واقعا وأن هذه الخسائر الكبيرة أصبح من الصعب تجاوزها ولكن بالرغم من المرارة التي يحس بها الكثير فإن علينا أن ندرك حقيقة مهمة وهي أن الانتعاش الاقتصادي في المملكة هو في بداياته وأن الخطأ الذي وقعنا فيه هو أننا أردنا أن نأخذ غنيمة هذا الانتعاش بعجلة وبالتالي أسرعنا كثيرا في دفع السوق إلى مستويات هي أعلى كثيرا من الواقع الفعلي للاقتصاد ولعلنا نسينا المثل القائل إن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة. فإذا كنا قد تعجلنا بجعل السوق يخضر اليوم تلو الآخر وكانت النتيجة سقوطا مدويا فهل أيضا نتعجل ونخرج بسرعة وبعدها نكتشف أن هذه الكبوة كانت هي بداية لانطلاقة جديدة للسوق وعندها يفوز بها من تحمل وصبر.
د. هاشم بن عبد الله الصالح - جامعة الملك فيصل ـ الدمام 06/05/1427هـ
hsaleh_sa@yahoo.com
في البداية لا بد من القول إن هناك بعضا من الناس ممن لا يعنيهم هذا المقال وإن قرأوه واطلعوا عليه فهو من باب الاطلاع على أحوال السوق وحال أهله لأنهم إما هم من الذين خرجوا بالغنائم والمكاسب الوفيرة وهؤلاء الكثرة منهم من الهوامير ترافقهم قلة من الصغار وبالتالي فالفوز كان حليفهم ومغامرتهم في السوق كانت ناجحة. وهنيئا لهؤلاء بما كسبوه من أموال وحصلوا عليه من أرباح بشرط ألا تكون هذه الأرباح هي نتاج لشطارتهم في التحايل على الأنظمة والقوانين ومهارتهم في التلاعب وبث الشائعات والأخبار الكاذبة لأن هذه الأرباح بالتأكيد ستكون وبالا عليهم عاجلا أم آجلا. أما الفئة الأخرى التي ربما لا يعنيها هذا المقال فهم الذين أقروا بالهزيمة وخرجوا من السوق إما بالسالب أو الصفر المحترم أو النزر القليل من أموالهم تصاحبها حسرة وندامة على أحلامهم المحترقة. قد يعود البعض من هؤلاء ليجرب حظه مرة أخرى ولكن الكثير منهم بالتأكيد سيحلفون بألا عودة لهم إلى السوق لأن التجربة كانت قاسية والنتائج كانت مهلكة ومريرة، وهذا يعني أن السوق وإن عاد فإنه سيعود برجال جدد إلا من قرر الصبر وارتضى مرارة الانتظار. فهل للسوق من عودة وهل الصبر على هذا الحال سيتبعه انفراج يعيد الناس الثقة بالسوق ويجدد أمالهم بسوق يتيح لهم مناخا استثماريا واعدا وشفافا. أم إن انحدار السوق وقهره سيستمر وأن المساهمين فيه وبالأخص الصغار منهم سيسلمون بالهزيمة في النهاية وإنهم سيندمون لأن خروجهم كان متأخرا وإن صبرهم كان سببا مباشرا لهزيمتهم؟ فهل الصبر هو الخيار المطلوب الآن وكيف للناس بالصبر وهم يرون السوق وهو يترنح بفعل الضربات التي تتوالى عليه من هنا وهناك؟ وهل صمود المؤشر ومقاومته للهبوط دون مستوى العشرة آلاف هو دليل عافية وإن الأمر قد وصل حده وعليهم أن يترقبوا الانطلاقة الجديدة للسوق ولكن هذه المرة بأكثر هدوءا وبقاعدة متينة وأجواء شفافة وسليمة؟ فإذا كانت الدعوة إلى خيار الصبر فإن للصبر شروطا ومتطلبات وإن كان الاعتقاد أن قهر السوق ماض في طريقه وأن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمزيد من التراجعات فإن هذا الأمر أيضا لن يتم إلا بوجود عوامل وظروف محددة. وفي النقاط التالية وقفة موجزة مع جملة من هذه الشروط وبمعرفتها قد نستطيع أن نتلمس طريق المستقبل وأن نتعرف على من سيضحك في الآخر ومن سيغلب الآخر في النهاية.
1- شهد السوق في الأسابيع الأخيرة جملة من التغيرات الإدارية والتنظيمية توجت بتعيين رئيس جديد لهيئة السوق، ومن الطبيعي أن تحتاج كل هذه التغيرات إلى فترة زمنية معقولة لكي تحدث أثرها في السوق. وبما أن القراءة العامة لهذه التغيرات ستكون في العموم لصالح السوق فإننا نتفاءل أن نرى مستقبلا أخضر للسوق، وأن صبر اليوم سيكون نجاحا في الغد. وإذا كان لابد من كلمة (لكن) فإن الناس من حقهم أن يسجلوا تخوفهم من مدى تطبيق هذه الأنظمة لأن التطبيق السيئ لأنظمة جيدة قد يأتي بنتائج أسوأ من تطبيق جيد لأنظمة ضعيفة.
2- لقد انتعش السوق في السنتين الأخيرتين نتيجة لمؤشرات اقتصادية وتنموية كانت تبشر بطفرة اقتصادية جديدة وكان التحسن المستمر في أسعار النفط له دور كبير في تعزيز هذا الشعور. وإذا كان السوق قد انتعش فقط لظهور مثل هذه المؤشرات فإن تحقق هذه الطفرة في أرض الواقع ومن خلال تفعيل ما صدر من توجيهات من قبل خادم الحرمين الشريفين، وعندما يتلمس المواطن ويطمئن لاستراتيجية المشاريع المطروحة فكل هذا كفيل بعودة الثقة بالسوق ليس محليا فقط وإنما عالميا أيضا. هذه النقلة المنتظرة في اقتصاد المملكة ستتيح فرصا استثمارية ضخمة لشركاتنا الوطنية وبالتالي فمن الطبيعي أن يتوقع لمثل هذه الشركات المزيد من النمو والتوسع وهذا بدوره سينعكس إيجابا على حالة السوق في المستقبل. ولكن ما يخيف ويثير القلق هو أن هذه الطفرة الاقتصادية ستنتفع بها الشركات الأجنبية أكثر منها المحلية والوطنية وهذا إما لضعف هذه الشركات الوطنية في استثمار هذه الفرصة، وإما هناك تقصير من الدولة في تأهيل هذه الشركات وجعلها قادرة على منافسة مثيلاتها من الشركات الأجنبية في ظل تنافس عالمي ومفتوح بين الشركات. وهناك خوف آخر وهو أن الكثير من شركاتنا الوطنية تعوزها الكفاءة في الإدارة وتغيب عندها الشفافية المطلوبة في إدارة أمورها المالية وبالتالي فإن عملية اتخاذ القرار في هذه الشركات هي في الغالب إما عملية ارتجالية وإما محتكرة من قبل أطراف تتحرك تبعا لمصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة ومصالح الشركة نفسها وهذا هو الفساد الذي يجب أن تلتفت إليه شركاتنا الوطنية.
3- شهدنا في الفترة الأخيرة قيام الكثير من الشركات بزيادة رأسمالها إما من خلال الاحتفاظ بقسم من أرباحها، وإما من خلال طرح أسهم جديدة وبمساهمين جدد. وهذا يعني أن الشركات قد حصلت على أموال حرة وغير مرتبطة بفوائد وكان الهدف المعلن هو توسيع مشاريعها واعتماد مشاريع جديدة. والمنتظر من هذه الشركات إذا صدقت نواياها هو أن تعود هذه المشاريع بعوائد إيجابية على الشركات وهذا بدوره سيكون له آثار إيجابية وملموسة على مؤشرات السوق في المستقبل. أما إذا وظفت هذه الأموال المحتفظ بها أو المستوفاة من المواطنين في مجالات بعيدة عن طبيعة أعمال الشركة فإن الأمر في الحقيقة هو استغفال وغش للمواطنين وبالتالي فإن هذه الأموال لن تضيف إلى الشركة بل ربما ستكون النتائج هي تعزيز لعدم الثقة بإدارات هذه الشركات، وهذا هو انتصار كبير لقهر السوق وهزيمة ساحقة لكل من صبر وظن خيرا بوطنية وكفاءة إدارات هذه الشركات. إن شركاتنا الوطنية أمامها فرصة تاريخية لإعادة هيكلة نفسها واستثمار ما اؤتمنت عليه من أموال المساهمين وأن تقدر هذه الثقة التي أعطيت لها من قبل الوطن والمواطنين. وهذه الآمال لا تكفي إن لم تكن هناك جهات حكومية ومستقلة تراقب هذه الشركات وتضمن للمواطن نزاهة أعمالها وسلامة التقارير والأرقام التي تعلنها.
4- هناك الكثير ممن ينتظر بآمال كبيرة تأسيس صناديق استثمارية بدعم مباشر من الدولة وهذه الآمال تعززت بعد حديث خادم الحرمين الشريفين عن الموضوع في الفترة الأخيرة. إن وجود مثل هذه الصناديق وبرأسمال قوي سيمكنها من لعب دور فعال ومؤثر في توجيه السوق إيجابيا في المستقبل. وعندما تمارس هذه الصناديق عملها في السوق وإن شاء الله أن يكون قريبا فإن بوجودها ستتعزز حالة الاستثمار وتنحسر الآثار السلبية للمضاربات اليومية. وأن هذه الصناديق بامتلاكها حصصا كبيرة ومؤثرة في الشركات فإنها ستكون قادرة على المساهمة في إعادة هيكلة هذه الشركات وتعزيز شفافيتها بشرط أن تستعين هذه الصناديق بجهات وأشخاص أكفاء للقيام بمثل هذه الأمور. على الجهات الحكومية وخصوصا منها ذات الجانب الاقتصادي أن تعد بشكل جيد لقيام مثل هذه الصناديق الاستثمارية لأن تجربة انهيار السوق الحالية قد أثبتت أن الانفتاح الاقتصادي وحرية الاستثمار لا تعني ترك السوق من دون وجود نقاط توازن تضمن حركة منتظمة للسوق. فالسوق في العادة يتأثر سلبا أو إيجابا بأخبار وتوقعات ومعلومات ربما لا يكون لها مصداقية وقد تكون هذه المعلومات هي مجرد توقعات وبالتالي فإن السوق بحاجة إلى فعل يمتص ويقلل من تأثير هذه العوامل ووجود هذه الصناديق هو أحد مصادر هذا الفعل المطلوب لإعادة حالة التوازن المطلوبة للسوق.
5- هناك بالتأكيد وعي جديد ودروس كثيرة ودراية أكبر أنتجتها تجربة انهيار السوق وهذه الخبرة التي حصل عليها المستثمرون في السوق ستكون بالتأكيد عاملا مهما في توجيه مسار السوق إيجابيا في المستقبل. وإذا كانت هيئة السوق لم تلتفت إلا متأخرا إلى ضرورة توعية الناس ودعوتهم لمعرفة الكثير من الأمور ذات العلاقة بتجارة الأسهم وقد يكون عمرها القصير عذرا لهذا التأخير في الماضي إلا أنها اليوم مدعوة بشكل ملح لإعطاء موضوع التوعية والشفافية وإدارة المعلومات وتنظيم التداول الكثير من الاهتمام لأن المساهم بعد هذه التجربة القاسية يقدر بشكل أكثر أهمية المعلومات في اتخاذ قرار المساهمة في هذا الوقت وفي هذه الشركة بالذات وبهذا المقدار من المال.
في الختام يحق للبعض أن يعترض على الحديث وهذا الكلام حول الفوز والغلبة ونحن نرى أن الخسائر باتت أمرا واقعا وأن هذه الخسائر الكبيرة أصبح من الصعب تجاوزها ولكن بالرغم من المرارة التي يحس بها الكثير فإن علينا أن ندرك حقيقة مهمة وهي أن الانتعاش الاقتصادي في المملكة هو في بداياته وأن الخطأ الذي وقعنا فيه هو أننا أردنا أن نأخذ غنيمة هذا الانتعاش بعجلة وبالتالي أسرعنا كثيرا في دفع السوق إلى مستويات هي أعلى كثيرا من الواقع الفعلي للاقتصاد ولعلنا نسينا المثل القائل إن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة. فإذا كنا قد تعجلنا بجعل السوق يخضر اليوم تلو الآخر وكانت النتيجة سقوطا مدويا فهل أيضا نتعجل ونخرج بسرعة وبعدها نكتشف أن هذه الكبوة كانت هي بداية لانطلاقة جديدة للسوق وعندها يفوز بها من تحمل وصبر.