شمعة الحب
03-06-2006, 02:56 PM
لن يتغير السوق إلا.. بتغيرنا
نجيب الزامل - 07/05/1427هـ
najeeb@sahara.com
.. إني أتأمل في السوق وفي تحليل المحللين، وفي آهات المتأوهين، وفي قلوبهم التي تتعلق بالشاشة قبل عقولهم، وفي تكالبهم على كل كلمة تخرج في الأحرف الثلاثة (س هـ م).. واللغة دائما السوق صارت، والسوق تغيرت، والسوق صعدت، والسوق هبطت.. ومن جهة أخرى تلام كل الجهات التي لها علاقة في السوق كثيرا، أو يثنى عليها (ليس كثيرا).. تحك رأسك طويلا وتقول وهل للسوق عقل، وهل للهيئات أيا كانت وجدان، وسلوك مدرك؟! والإجابة مختلطة جدا، حيث يختلط البشر المسؤولون مع النظام ومع الهياكل ومع الظروف وينصهرون معا فلا تعرف إلا أنها تكوينات معنوية وتعتقد أنها مدركة ثم تشير إليها بإصبع اللوم أو بخنصر الفوز.. ولكن هل السوق تتغير بذاتها.. أم أن السوق لا تتغير إن لم يتغير متعاملو السوق؟
صحيح جدا أن السوق عبارة عن عصب وعروق مرتبطة على شكل أسلاك من النظم والقوانين، وبالتالي فإن هذه النظم والقوانين والأعصاب تحرك هذه السوق بمعزل عن المتعاملين، ولكنها لا تشكل كل الحركة، والحركة الباقية ولعلها الكبرى هي التي تتعلق بالمتعاملين، فالمتعاملون لا يسنّون النظام ولا الآليات ولكنهم يكوِّنون المزاج السوقي العام، ثم هم المادة الحية مالا وروحا للسوق.. وآن لهذا اللحم والروح والمال أن يتغير خصوصا بعد تجربة مريرة داست على ماله، وسحقت لحمه، وكسرت من روحه.
إن التغيير يبدأ من المتعاملين وطريقة تفكيرهم وسلوكهم، فلم يعد مقبولا أن نقول إن هناك خبرات لم تنضج، وإن هناك ناسا مظلومين، وإن هناك أسماك قرش تسبح بينهم فتنهشهم أحياء أو بعد الموت.. الآن أتضح كل شيء، بعد أن كاد يأكل كل شيء.. لم يعد مقبولا أن نسمع الأعذار نفسها من جديد، إن قـُبـِلت في السابق (مع أنها لم تجد حلا لمن خسر حتى نخاع عظمه) فهي لا يمكن منطقا ولا ذوقا ولا عقلا ولا حتى إيمانا أن تـُعاد أعذار من جديد.
إذن التغير الأول هو أن الناس وهم مقدمون على التعامل مع السوق سواء من المتعاملين القـُدُم أم من الوافدين الجدد، يعلمون بالإثبات الواقعي الأليم أن في السوق خبايا وأن هذه الخبايا لن تزول, أو أنها إن زال بعضها فقد يبقى البعضُ الآخر، وستنمو بطبيعة نمو أي شيء متحرك وحي خبايا جدد، إنها طبيعة السوق، وهي أيضا طبيعة الحياة مالنا فيها من حيلة.. إذن عليهم أن يعرفوا الآن أنهم يدخلون بحرا وهذا البحر ليست أرضه تربة ناعمة، ولكنه بحر حي زاخر وعميق.. ولما تدخل البحر العميق وأنت تعلم عمقه وما يخفيه تحت سطحه، فسيكون نوعا من التضحية اللاعاقلة أن ترمي بجثتك به وأنت لا تعلم السباحة.. ولا ينبغي أن تعتمد على المنقذ على الساحل ( إن كان هناك منقذ في الأصل) لأن المنقذ قد يغفو، وقد يسهو وقد ينام، ثم إن هو أراد الإنقاذ فلن ينقذك أنت بالضرورة متى ما ألقى عشرات غيرك بجثثهم وسط الموج.. التغير المهم الأول هو هنا إذن تعلم السباحة، المقصود أنك وأنت تدخل السوق لابد أن تتعلم العوم به وتعرف فنياته واصطلاحاته وبياناته وخلفياته، وكما أن الذي يتعلم السباحة ليعوم في البحر لا نطلب منه أن يتعلم لمستوى أن يكون سباحا أولمبيا.. فكذلك نطلب من المتعامل في السوق أو الذي سيشرع التعامل فيه أن يتقن أبجديات السوق فهي تكفل له أن يطفو على السطح دائما، وليس مأمولا منه أن يكون متمرسا ومحترفا في السوق.
والتغير الثاني هو نظرتنا إلى الحكومة كمنقذ وقت الغرق.. دعني أقول إن هذا ليس صحيحا ولا يمكن منطقا وعقلا أن يكون، وإلا أفلست الحكومة مع من تمزقت جيوبهم ونضجت عن جلودهم ، فكما قلنا في مثـَل المنقذ البحري، فإنه لا يمكن أن تكون عينه بكامل وعيها على شخص واحد، ولا عضلاته متأهبة في كل وقت بذات الهمة، ولا يمكنه أن يقوم بأكثر من عملية إنقاذ كل مرة.. عندما تقذف نفسك في البحر فيجب أن تدرك أن المنقذ ليس حارسا على روحك، بل إن الحارس يغادر كثيرا .. وإن كتب الحارس لوحة وقال فيها: "احذر فإن البحرَ مضطربٌ وعميق" فقد أزال عن كاهله الكثير من المسؤولية.. التغيير: أن نكون مثل السائر على الحبال في السيرك فهو يتقن السير على الحبال ويأخذ عصا للتوازن ويمشي مهلا مهلا، متئدا متحسبا مكررا توازنه معتمدا على أكثر من عامل للثبات والتوازن والمضي, وعينه على هدف بذاته وهو يعرف انه لا يمشي على الأرض الثابتة الواسعة ولكن على خيط ضيق فلا يستطيع القفز ولا الهرولة.. خطوة خطوة ويالله السلامة!
أما التغيير الثالث فهو نابع من مثالنا الذي سبق مباشرة، وهو أن نعود إلى السائر على حبلٍ في السرك.. فهو فوق توازنه وحذره في السير واتئاده وحسابه لكل حركة، لا يكتفي بذلك، بل ترى تحته وفوق الأرض الصلبة شبكة كبيرة ومرنة تسمى شبكة النجاة، وبما أن المال كما هو في مثلنا المحلي عديل الروح، فإني أجد من حقي أن أسميها شبكة الحياة. أما شبكة الحياة للمتعامل في السوق فهي فهم أن السوق وسيلة استثمارية، وليست مقامرة تجارية.. وبذلك فإنه تحت هذا المفهوم يفهم حساب الزمن في استثمار عائد السهم، ويفهم نسبة عائد السهم فلا يكون تحت عصّارة الطمع والترقب والمغامرة، لأن النسب العادية لم تعد يقبلها مزاجه الربحي، ولأنه لا يطيق أن يصبر زمنا على عائد أقل.. فقدنا عاملين من أكبر عناصر الثبات والحكمة في إدارة الأموال: القناعة الربحية، والصبر على الثمرة حتى تنضج.. كما أن من مفهوم شبكة الحياة ألا نضع كل مالنا ومعها قروض أو أموال الغير في السوق، لا ينبغي أن نلعب - وأصر على كلمة اللعب هذه- بكل ما نملك.. حافظ على أصولك الثابتة وجزء من أموالك السائلة لمقابلة المتغيرات الظرفية ثم زج في الباقي كما تشاء.. وهنا تتعلم أنك عند, أي هزة السوقية, فإنك لا تكون على الحديدة، أي لا ترتطم في الأرض.. لقد تلقتك شبكة الحياة!
إن تغيرنا هكذا.. سيتغير السوق!
نجيب الزامل - 07/05/1427هـ
najeeb@sahara.com
.. إني أتأمل في السوق وفي تحليل المحللين، وفي آهات المتأوهين، وفي قلوبهم التي تتعلق بالشاشة قبل عقولهم، وفي تكالبهم على كل كلمة تخرج في الأحرف الثلاثة (س هـ م).. واللغة دائما السوق صارت، والسوق تغيرت، والسوق صعدت، والسوق هبطت.. ومن جهة أخرى تلام كل الجهات التي لها علاقة في السوق كثيرا، أو يثنى عليها (ليس كثيرا).. تحك رأسك طويلا وتقول وهل للسوق عقل، وهل للهيئات أيا كانت وجدان، وسلوك مدرك؟! والإجابة مختلطة جدا، حيث يختلط البشر المسؤولون مع النظام ومع الهياكل ومع الظروف وينصهرون معا فلا تعرف إلا أنها تكوينات معنوية وتعتقد أنها مدركة ثم تشير إليها بإصبع اللوم أو بخنصر الفوز.. ولكن هل السوق تتغير بذاتها.. أم أن السوق لا تتغير إن لم يتغير متعاملو السوق؟
صحيح جدا أن السوق عبارة عن عصب وعروق مرتبطة على شكل أسلاك من النظم والقوانين، وبالتالي فإن هذه النظم والقوانين والأعصاب تحرك هذه السوق بمعزل عن المتعاملين، ولكنها لا تشكل كل الحركة، والحركة الباقية ولعلها الكبرى هي التي تتعلق بالمتعاملين، فالمتعاملون لا يسنّون النظام ولا الآليات ولكنهم يكوِّنون المزاج السوقي العام، ثم هم المادة الحية مالا وروحا للسوق.. وآن لهذا اللحم والروح والمال أن يتغير خصوصا بعد تجربة مريرة داست على ماله، وسحقت لحمه، وكسرت من روحه.
إن التغيير يبدأ من المتعاملين وطريقة تفكيرهم وسلوكهم، فلم يعد مقبولا أن نقول إن هناك خبرات لم تنضج، وإن هناك ناسا مظلومين، وإن هناك أسماك قرش تسبح بينهم فتنهشهم أحياء أو بعد الموت.. الآن أتضح كل شيء، بعد أن كاد يأكل كل شيء.. لم يعد مقبولا أن نسمع الأعذار نفسها من جديد، إن قـُبـِلت في السابق (مع أنها لم تجد حلا لمن خسر حتى نخاع عظمه) فهي لا يمكن منطقا ولا ذوقا ولا عقلا ولا حتى إيمانا أن تـُعاد أعذار من جديد.
إذن التغير الأول هو أن الناس وهم مقدمون على التعامل مع السوق سواء من المتعاملين القـُدُم أم من الوافدين الجدد، يعلمون بالإثبات الواقعي الأليم أن في السوق خبايا وأن هذه الخبايا لن تزول, أو أنها إن زال بعضها فقد يبقى البعضُ الآخر، وستنمو بطبيعة نمو أي شيء متحرك وحي خبايا جدد، إنها طبيعة السوق، وهي أيضا طبيعة الحياة مالنا فيها من حيلة.. إذن عليهم أن يعرفوا الآن أنهم يدخلون بحرا وهذا البحر ليست أرضه تربة ناعمة، ولكنه بحر حي زاخر وعميق.. ولما تدخل البحر العميق وأنت تعلم عمقه وما يخفيه تحت سطحه، فسيكون نوعا من التضحية اللاعاقلة أن ترمي بجثتك به وأنت لا تعلم السباحة.. ولا ينبغي أن تعتمد على المنقذ على الساحل ( إن كان هناك منقذ في الأصل) لأن المنقذ قد يغفو، وقد يسهو وقد ينام، ثم إن هو أراد الإنقاذ فلن ينقذك أنت بالضرورة متى ما ألقى عشرات غيرك بجثثهم وسط الموج.. التغير المهم الأول هو هنا إذن تعلم السباحة، المقصود أنك وأنت تدخل السوق لابد أن تتعلم العوم به وتعرف فنياته واصطلاحاته وبياناته وخلفياته، وكما أن الذي يتعلم السباحة ليعوم في البحر لا نطلب منه أن يتعلم لمستوى أن يكون سباحا أولمبيا.. فكذلك نطلب من المتعامل في السوق أو الذي سيشرع التعامل فيه أن يتقن أبجديات السوق فهي تكفل له أن يطفو على السطح دائما، وليس مأمولا منه أن يكون متمرسا ومحترفا في السوق.
والتغير الثاني هو نظرتنا إلى الحكومة كمنقذ وقت الغرق.. دعني أقول إن هذا ليس صحيحا ولا يمكن منطقا وعقلا أن يكون، وإلا أفلست الحكومة مع من تمزقت جيوبهم ونضجت عن جلودهم ، فكما قلنا في مثـَل المنقذ البحري، فإنه لا يمكن أن تكون عينه بكامل وعيها على شخص واحد، ولا عضلاته متأهبة في كل وقت بذات الهمة، ولا يمكنه أن يقوم بأكثر من عملية إنقاذ كل مرة.. عندما تقذف نفسك في البحر فيجب أن تدرك أن المنقذ ليس حارسا على روحك، بل إن الحارس يغادر كثيرا .. وإن كتب الحارس لوحة وقال فيها: "احذر فإن البحرَ مضطربٌ وعميق" فقد أزال عن كاهله الكثير من المسؤولية.. التغيير: أن نكون مثل السائر على الحبال في السيرك فهو يتقن السير على الحبال ويأخذ عصا للتوازن ويمشي مهلا مهلا، متئدا متحسبا مكررا توازنه معتمدا على أكثر من عامل للثبات والتوازن والمضي, وعينه على هدف بذاته وهو يعرف انه لا يمشي على الأرض الثابتة الواسعة ولكن على خيط ضيق فلا يستطيع القفز ولا الهرولة.. خطوة خطوة ويالله السلامة!
أما التغيير الثالث فهو نابع من مثالنا الذي سبق مباشرة، وهو أن نعود إلى السائر على حبلٍ في السرك.. فهو فوق توازنه وحذره في السير واتئاده وحسابه لكل حركة، لا يكتفي بذلك، بل ترى تحته وفوق الأرض الصلبة شبكة كبيرة ومرنة تسمى شبكة النجاة، وبما أن المال كما هو في مثلنا المحلي عديل الروح، فإني أجد من حقي أن أسميها شبكة الحياة. أما شبكة الحياة للمتعامل في السوق فهي فهم أن السوق وسيلة استثمارية، وليست مقامرة تجارية.. وبذلك فإنه تحت هذا المفهوم يفهم حساب الزمن في استثمار عائد السهم، ويفهم نسبة عائد السهم فلا يكون تحت عصّارة الطمع والترقب والمغامرة، لأن النسب العادية لم تعد يقبلها مزاجه الربحي، ولأنه لا يطيق أن يصبر زمنا على عائد أقل.. فقدنا عاملين من أكبر عناصر الثبات والحكمة في إدارة الأموال: القناعة الربحية، والصبر على الثمرة حتى تنضج.. كما أن من مفهوم شبكة الحياة ألا نضع كل مالنا ومعها قروض أو أموال الغير في السوق، لا ينبغي أن نلعب - وأصر على كلمة اللعب هذه- بكل ما نملك.. حافظ على أصولك الثابتة وجزء من أموالك السائلة لمقابلة المتغيرات الظرفية ثم زج في الباقي كما تشاء.. وهنا تتعلم أنك عند, أي هزة السوقية, فإنك لا تكون على الحديدة، أي لا ترتطم في الأرض.. لقد تلقتك شبكة الحياة!
إن تغيرنا هكذا.. سيتغير السوق!