تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مَن المسؤول؟



شمعة الحب
04-06-2006, 02:45 PM
مَن المسؤول؟
د. عبد الرحمن إبراهيم الحميد - 08/05/1427هـ
hnc@hnccom.com


آراء المحللين والمقيمين والباحثين والمتابعين، من الطبيعي أن تعتمد على ما يتوافر لديهم من معلومات. ولذلك فإن ما سأورده من نتائج ومقترحات مبنية على ما أتيح لي من معلومات منشورة للعامة.
ولأن اهتمام الجميع بسوق الأسهم قد طغى (في الآونة الأخيرة) على كل الاهتمامات، ليس فقط على مستوى الأفراد المستثمرين لوفوراتهم وأصحاب القروض الشخصية، لكن حافز سوق الأسهم تعدى ذلك لدرجة أن الشركات المساهمة نفسها وجدت فيه شغلها الشاغل عن مزاولة نشاطاتها الرئيسة!
ومن غير الموضوعية أن يوجه اللوم للبنوك التجارية وحدها، فهي قطاعات خاصة هدفها ربحي، وما قاموا به قرارات اقتصادية يتوقع أن يقوم بها أي بنك تجاري في العالم تتاح له مثل هذه الفرص، فكلما زاد التداول وزادت الأسعار، زادت معه العمولة وزادت معه أرباح الصناديق وهلم جرا، وكلما زادت التسهيلات المضمونة، زادت معها عوائدها، وهو ما تسعى من أجله البنوك.
ومع الأسف الشديد، وفي ظل فوضى التحليل المالي، كره الناس المحللين العاقلين والمتمرسين لكونهم لا يطبلون ولا يعطون آراء لما يطلبه المشاهدون وقراء الصحف والمنتديات. ومما زاد الأمر سوءا استغلال البعض من محترفي التحليل المالي والمبتدئين فيه منابر وسائل الإعلام، إما للبروز والشهرة وإما لتمرير دعايات ترويجية لبعض القطاعات أو لشركات بعينها! في وقت هم فيه فاقدو الاستقلال والمصداقية. كما أن بعض القرارات مفاجئة وغير مدروسة بعمق، ومفتقرة للشفافية الكافية، مما فسره العامة بالرغبة القسرية بخفض الأسعار وأحيانا برفعها... دون توضيح يضمن توجه واستقلالية الهيئة. كل ذلك يحدث ومعظم شرائح المجتمع تتأثر بهذه القرارات سلباً وإيجاباً.
ومما عمق الجرح وزاد في إيلامه أن السوق فتح أبوابه للجميع، بمباركة ودعم من البنوك، فلم يكتف الناس بالمضاربة فيما يملكون، بل حتى محدودي الدخل استدانوا بقروض شخصية (برهن رواتبهم) أملاً في مضاعفة الأرباح. وبعد أن سقط البناء على من بقي تحته، لم يجد هؤلاء البسطاء من بد للمطالبة بتدخل ساسة الاقتصاد الوطني، كوزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال، بل تعدوها إلى المقام السامي للرفع من معاناتهم. في وقت ينصب الاهتمام على بناء سوق مالي كفؤ، تبنى أساساته بقوة لننعم في المستقبل بسوق مالي يوازي في تفاصيله ومتطلباته أفضل الأسواق العالمية المتطورة.
وبعد أن حدث ما حدث فإنني أتقدم برأيي المتواضع لتقديم وصفة علاج نحو بناء سوق مالي عادل وقوي وكفؤ، يكون مرآة لاقتصادنا المتين والمحصن والقوي تحقيقاً لتطلعات قيادتنا الحكيمة.. تتلخص في النقاط التالية:-
1 ـ استقلال هيئة سوق المال المظهري والفعلي والاحتمالي، لتتبع مباشرة لولي الأمر، وحصر دورها في عمليات التشريع. وفصل "تداول" عنها بأسرع وقت ممكن لتقوم بدور مشابه لهيئة تداول الأوراق المالية الأمريكية الـSEC وعلاقتها بـ سوقNASDAQ وغيره من الأسواق.
2 ـ فصل اللجان القضائية الابتدائية والاستئنافية عن الهيئة تماماً وضمان استقلالها المالي والإداري.
3 ـ السماح بتكوين كيانات استثمارية مساهمة يشارك فيها المواطنون، بحيث تُدار وتُراقب بشكل محترف وتتم رقابتها بدقة، وأن يكون الاستثمار في الأسهم أحد نشاطاتها ويشمل أنشطة أخرى متعددة كالعقار والسندات وغيرها.
4 ـ تعزيز دور مهنة المحاسبة المالية والمراجعة، وذلك باستقلال هيئة المحاسبين القانونيين ودعمها ماليا لتؤدي دورها في إعداد معايير المحاسبة ورقابة تطبيقها من الشركات.
5 ـ استعجال إصدار مشروع نظام الشركات الجديد والتركيز على حوكمة الشركات المحدد لمسؤولية كل طرف في إدارة الشركة المساهمة، وبناء وحدات مراجعة داخلية قوية ومستقلة ومصانة في الشركات المساهمة.
6 ـ الرقابة الصارمة على التسهيلات البنكية، وحل إشكالاتها الحالية وذلك بتمديد مهلة التسهيلات وجدولتها بإشراف الدولة وعلى الأخص تخفيض ما يخصم على المواطنين من أقساط.
7 ـ دراسة قيم الشركات المطروحة للاكتتاب العام بعمق واحتراف، بحيث تصبح قيمتها عادلة للمالك والمواطن، ولضمان الحيادية، فإن الأمر يقتضي أن يقوم بذلك طرف ثالث مستقل, حيث لوحظ المغالاة في علاوة الإصدار لبعض الاكتتابات لأسباب غير مبررة.
8 ـ تنظيم مهنة المحللين الماليين بحيث يمكن الرجوع إليهم في حالة عدم بذلهم العناية المهنية اللازمة، حيث إن التحليل المالي يعتمد على شهادات مهنية معترف بها في علم الاستثمار والمحاسبة أو غيره، وبدونها يصبح التحليل المالي كلام ديوانيات ومجالس.
9 ـ فصل عملية الوساطة عن الاستثمار، فهما عمليتان لا يمكن جمعهما مهنياً.
? وأخيراً: ومع علمي أن الإفصاح لا يمكن فرضه فرضاً، بل يبدأ من تكوين وتشجيع بيئة الإفصاح لدى كافة طبقات المجتمع من فرد وأسرة ومجتمع، وحيث إن سوقنا المالي يلاحظ عليه طغيان الإشاعة أكثر من الحقيقة، لذا ففي هذه المرحلة تعتبر الوسيلة المثلى للقضاء على الإشاعة أن يكون الجميع على علم بما يجري في الشركات سواء بسواء، وما يتخذ من قرارات حكومية، سواء من قبل سوق المال أو الجهات الحكومية الأخرى إذا كان لها تأثير مباشر على الأسعار، وهو ما ألاحظه في توجه رئيس هيئة سوق المال معالي الدكتور عبد الرحمن التويجري وفقه الله. والله أعلم.