تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مخرجات التعليم ... سوق العمل ... أين الخلل؟



شمعة الحب
08-06-2006, 02:05 PM
مخرجات التعليم ... سوق العمل ... أين الخلل؟
فهد بن عبد الله القاسم - - - 12/05/1427هـ
falkassim@fincorpgroup.com

شاركت الأسبوع الماضي في ورشة عمل لمناقشة مخرجات التعليم نظمتها مشكورة مؤسسة الرواد التعليمية، بدعوة كريمة من الدكتور سعد الخلف، وكنت الأصغر عمراً والأقل علماً وثقافة والأدنى درجة علمية وبالتالي الأكثر استفادة ضمن مجموعة من الخبراء (كما يقال)، ضمتنا طاولة مستديرة لنقاش الخلل المؤدي إلى عدم انسجام مخرجات التعليم الجامعي مع سوق العمل.
دار نقاش طويل حول موضوع الورشة، وناقش المجتمعون سلبيات مخرجات التعليم الجامعي، متفقين على ضعف المستوى العلمي لخريجي الجامعات وهذه هي الطامة الكبرى، ثم متفقين أيضا على عدم انسجامهم مع تحديات ومتطلبات سوق العمل، مختلفين حول الأسباب والمبررات والعلاج.
تطرقت حلقة النقاش إلى مواضيع متعددة تدور في فلك المشكلة الحقيقية من وجهة نظري، حيث دافع المدافعون عن الجامعات بأنها مكان للتعليم وليس للتأهيل لسوق العمل، وانبرى فريق يتساءل عن جدوى هذه المخرجات إذا كانت تزيد المشكلة ولا تنفع البلد، بل إنها لا تنفع حتى صاحبها المتعلم، وناقش الحضور أهمية وجود تقييم وإرشاد مسبق للطالب قبل دخول الجامعة بحيث تتناسب هواياته وقدراته مع تخصصه. تصاعد الجانب الدرامي في النقاش عند تطرقنا إلى حال بيئة التعليم الجامعي بجميع مضامينها ابتداء من الأنظمة المشكلة لهذه البيئة، وختاماً بنوعية الكادر التعليمي في الجامعات، مرورا بطبيعة المداخلات (الطلاب) والبيئة الإدارية وآلية تعيين عمداء الكليات ورؤساء الأقسام. . إلخ.

الجانب الأهم في النقاش كان النتيجة التي توصل إليها المجتمعون على طاولتنا المستديرة، حيث اتفق الجميع على أن دور الجامعات لا يمكن أن يكون للتعليم فقط وبالتالي مصيرهم بعد ذلك الغرق في الطوفان، كما اتفق الجميع على أن مشكلة الخريجين ليست فقط الضعف العلمي ولكن تتركز في عدم وجود الحد الأدنى من أدبيات العمل، اتفق الجميع أيضاً على أن أحد أهم أسباب ضعف مخرجات التعليم الجامعي هو الضعف الشديد للمدخلات وبالتالي فإن المشكلة سابقة للتعليم الجامعي.
في رأيي الشخصي أن المشكلة الحقيقية بدأت وتشكلت في بيوتنا ومن داخلنا، فهؤلاء الطلاب شباب وشابات هم نتاج تربيتنا. . تكذب الأم وتطلب من أبنائها الصدق، ويغش الأب ويطالب أبناءه بمكارم الأخلاق، ويتأخر المعلم عن العمل ويطالب طلابه بالانضباط، ويدخن الطبيب ويعلن ضرر التدخين وأنه يسبب أمراض القلب والسرطان، ويخطب الخطيب حول القيم والأخلاق ثم انظر لفعله واترك قوله، واسمع للمعلم حين يحث على الابتسامة والأجر العظيم فيها وهو لم يعرفها قط، نطالب الشاب باتخاذ قراراته بنفسه وقد كنا نتخذها نيابة عنه طوال عشرين سنة من عمره، بعد كل هذا هل يصلح العطار ما أفسده الدهر!!!
اللطيف في الأمر عندما أفكر لماذا كان جيلنا وجيل من سبقنا من أساتذة الطاولة المستديرة جيلاً معطاء وموفقاً ولا يشتكى منه كما هو الحال مع الجيل الحالي!! أجد السبب واضحاً وجلياً في أن من ربانا وعلمنا هم من جيل فريد انتهى، وجيل الشباب الحالي الذي نشتكي منه هو من ثمرتنا وتربيتنا وإنتاجنا!!!

ليس عندي وصفة جاهزة لحل هذه المعضلة، ولكن سأستعرض بعض المقترحات منها ما دار النقاش حوله على تلك الطاولة التي تعلمت منها الكثير، فعلى مستوى البيت يجب تغيير طريقة وقواعد تربيتنا لأبنائنا في البيوت، حيث يبدأ غرس أول بذور أخلاقيات العمل وهي جزء من الأخلاقيات العامة مثل الانضباط والصدق والأمانة والثقة بالنفس وحب التعلم والإبداع والاهتمام بالوقت والتركيز على جودة العمل واحترام الغير والعمل الجماعي ومهارات الاكتشاف. . إلخ. أما على مستوى الجهات الحكومية فيجب أولاً الاهتمام باختيار معلمي الصفوف الأولى وخاصة معلمي اللغة العربية حيث انطلاق مهارات التعلم والقراءة والمعرفة للطالب، كما يجب تطوير آلية لتحفيز وعقاب المعلمين بخلاف السلم التعيس القائم حالياً الذي يقتل طموح أي معلم مثابر مبدع، إضافة إلى العودة إلى نظام الانتخابات لاختيار القيادات في الجامعات، وتفعيل برامج التدريب العملي (على رأس العمل) لطلاب الجامعات وتطبيقها بشكل جدي، كما يقترح تدريس مواد حول ثقافة العمل في مراحل التعليم المختلفة، وتحسين قدرات المعلمين في الجامعات، مع تخفيض أعداد الطلاب فيها، وحسبي بألف خريج متميز أفضل من عشرة آلاف خريج من ورق.
أين دور وزارة التخطيط في التنسيق مع وزارة التعليم العالي ووزارة العمل والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ووزارة الخدمة المدنية، لوضع احتياجاتنا الوظيفية لعشرين سنة مقبلة للقطاعين العام والخاص، ولا أتحدث عن الحاجة بقدر ما أطلب أن يكون تخطيطنا نحو مستقبلنا الذي نريد أن نصنعه، وبالتالي التخطيط للطموحات وليس لسد العجز والنقص، ومن ثم التنسيق لمخرجات التعليم لمواءمة هذه المتطلبات ووضع الميزانيات والاستثمارات التعليمية المناسبة لتحقيقها، لماذا لا توضع الحوافز للتخصصات المطلوبة بما يجعل من السوق المحرك الذاتي لتوجهات الشباب، سنجد فيما بعد أن تخصصات مرفوضة حالياً من قبل السعوديين هي الوجهة الرئيسية حتى لعيال الحمايل كما يقال.
السؤال الذي ينبري للكاتب والقارئ بقوة الدبابة وسرعة الصاروخ.. لماذا يُحجز خريجي جامعة الملك فهد قبل التخرج ويعينون برواتب تصل إلى تسعة آلاف ريال، في حين يستجدي خريجو الجامعات الأخرى العمل كالمتسولين، وبأي راتب وفي أي ظروف ؟؟؟
أختم بقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم "الناس كأبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة"