المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقلبات السوق تخفي نقاط الضعف الحقيقية



شمعة الحب
08-06-2006, 02:37 PM
http://www.aleqt.com/nwspic/29487.jpg
تقلبات السوق تخفي نقاط الضعف الحقيقية
- صمويل بريتان - 12/05/1427هـ
أظهرت الأسواق المالية في الفترة الأخيرة زيادة في التقلبات. لكن الأمر الذي يغيب عن الكثيرين هو أن تحت الهزات اليومية كان تصحيح ما حدث في الأسابيع الأخيرة حميدا على وجه الإجمال.
مثلا، جاءت الهزة التي أصابت أسواق السلع بعد فترة من الزيادات السريعة للغاية، التي كانت ستشكل لو استمرت على ما كانت عليه، نذيراً بالتضخم ولكانت سبباً في إجراءات لتشديد السياسات النقدية على مستوى العالم. وحتى أسعار الذهب التي تضاعفت تقريباً خلال السنوات الثلاث الماضية، أخذت الآن في التراجع. وهبط الدولار كذلك، إلى جانب الجنيه الاسترليني، في حين اتجه اليورو إلى أعلى. وارتفعت أسعار الفائدة طويلة الأجل بالمعدلات الحقيقية بعد أن كانت عند مستويات متدنية بشكل غير معقول. وتراجعت الأسهم بعدما وصلت في الفترة الأخيرة إلى مستويات عالية غير واقعية.
لكن لا يكفي أي واحد من هذه التغيرات للتخلص من الاختلالات العالمية. وأعرب جان- فيليب كوتي كبير الاقتصاديين لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عن إعجابه بالطريقة التي استطاع بها الاقتصاد العالمي تحمل الصدمات ومواصلة الحركة. واستمر النمو الحقيقي للبلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمعدل 3 في المائة تقريباً للسنة الثالثة على التوالي، ويتوقع استمرار هذا الاتجاه عام 2007. واستمتعت الصين بتوسع اقتصادي بمعدلات فاقت 10 في المائة، وفي أعقابها الهند. أما اليابان التي عانت من سنوات من الضعف الانكماشي، فقد بدأت بالتوسع من جديد، واقترن بها الاستهلاك الشخصي واستثمار الشركات مع الصادرات، لتصبح العوامل الرئيسية في تحريك النمو الاقتصادي. وفي الولايات المتحدة لم يتوقف النشاط الاقتصادي بعد الأعاصير والصدمات الأخرى، بل إنه في حالة عودة إلى المزيد من الحركة. وحتى في البر الأوروبي (أوروبا باستثناء المملكة المتحدة) تسارع النشاط الاقتصادي. ويقول كوتي: "احتمال حدوث تعاف على قاعدة عريضة تمتد إلى الطلب الاستهلاكي الذي يسير قدماً في ألمانيا الآن، في أعلى معدلاته منذ أواخر التسعينيات".
لكن هناك بطبيعة الحال جوانب لا تزال في حالة ضعف. فاختلالات الحساب الجاري لا تزال تتوسع. وتتوقع منظمة التعاون أن يرتفع العجز في الحساب الجاري الأمريكي العام المقبل إلى ما يزيد على 7.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. أما في الصين واليابان، فإن الفائض في الحساب الجاري لدى كل منهما في سبيله إلى أن يصبح ما بين 5.5 في المائة و6 في المائة. وبالنسبة للجانب المحلي، فإن أكبر خطر يهدد التوسع هو خطر هبوط أسعار المساكن. وتعتبر الولايات المتحدة، فرنسا، وإسبانيا أكثر الدول عرضة للخطر. ورغم أن النمو في صادرات اقتصادات التصنيع، مثل الصين، له أثر انكماشي إلى حد ما، إلا أن منظمة التعاون ترى أن الزيادات في أسعار السلع يمكن أن يزيد ثقلها على ثقل ذلك الأثر.
وكان هناك ثناء واسع على الاتفاقية التي تنص على أنه ينبغي على صندوق النقد الدولي التحقيق في الاختلالات العالمية ونشر تقريره بهذا الشأن. لكن لدي بعض التحفظات على ذلك، إذ سيكون من الأهون على الدول الصناعية المتقدمة التوصل إلى إجماع حول التغييرات في أسعار الفائدة، بدلاً من الاتفاق على الإجراءات المحلية التي تلازم هذه التغييرات. فإذا كان للدولار أن يتعرض للمزيد من الهبوط دون أن يقابل ذلك زيادة في نسبة مدخرات الولايات المتحدة، فإن الآثار الرئيسية لذلك قد لا تعدو زيادة متواضعة في معدلات التضخم في الولايات المتحدة، وهبوطاً في بقية أنحاء العالم، لكن سيكون لذلك أثر مخيب للآمال على الاختلالات في ميزان المدفوعات.
وعلى العموم، يبدو أن الزيادة في نسبة مدخرات الولايات المتحدة ستأتي على الأرجح من حدوث هزة في سوق الإسكان وليس من تصحيح العجز في الميزانية. ومن الناحية المثالية ينبغي لهذه الزيادة أن يوازنها اتخاذ المزيد من سياسات التوسع الاقتصادي في أوروبا والدول النامية. لكننا لا نستطيع الاعتماد على ذلك. والواقع أن قلقي من "الحلول" المتسرعة والضيقة للاختلالات العالمية يفوق قلقي من الاختلالات نفسها.
وكان أكثر ما أثار اهتمامي في تقرير الآفاق الاقتصادية الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ـ تقرير رقم 79، أيار (مايو) 2006 ـ رسم بياني يظهر أن العلاقة بين ما يسمى فجوة الإنتاج ومعدلات التضخم في البلدان الأعضاء أصبحت أضعف بكثير من ذي قبل. وتستخدم البنوك المركزية الفجوة المذكورة على أنها أداتها التحليلية الرئيسية لتقرير ما إذا كان معدل التضخم المقترن بها في حالة ارتفاع أو انخفاض. ويعطي مؤلفو التقرير أحد الأسباب الممكنة لهذه الظاهرة، وهو ضغط الطلب العالمي على الطاقة الإنتاجية، الذي يعتبر الآن أكثر أهمية من حيث تحديد معدلات التضخم المتوازنة داخل البلدان. ولذلك تراودني أحياناً أفكار مثل ضرورة أن تكون هناك هيئة رسمية تسمى هيئة السياسة النقدية. لكن الفكرة التي تنص على اتفاق الدول الصناعية الكبرى، إلى جانب الصين والهند، على مسار للطلب العالمي، دع عنك أن تتفق على تنفيذ المسار المذكور واقتسام المسؤولية فيما بينها، تفوق التصور وعصية على التصديق. ولعل من الأنسب لنا الآن أن نقنع بتصريف الأمور وحل بعض الإشكالات رغم غياب التنسيق الكامل.
لكن الأمر الذي هو مبعث قلق كبير بالنسبة لي شخصياً هو الوضع على جبهة الطاقة. لنفترض أن سعر النفط سيستقر فترة لا بأس بها عند 100 دولار للبرميل. هذا الموضوع تم بحثه في التقرير الأسبوعي "التحليل الأسبوعي الأوروبي" الصادر عن بنك جولدمان ساتش بتاريخ 27 نيسان (أبريل). وتوصل التقرير إلى أن التضخم سيصاب "بالتضخم" وستهبط معدلات الإنتاج، لكن يعتمد الكثير في هذا المقام على السبب الذي يؤدي إلى تضخم أسعار النفط. فإذا كان مرد ذلك التضخم إلى الطلب المكثف عليه في الدول المستهلكة، فإن تشديد السياسات النقدية يمكن أن يكون والحالة هذه الإجراء المناسب للتعامل في وقت واحد مع آثار التضخم وتدني الإنتاج.
لكن الأمر الذي سيكون شاقاً بالفعل هو حدوث صدمة في عرض النفط. ومن الحالات المتطرفة التي تفترض ذلك، تصور إغلاق مضيق هرمز. في هذه الحالة سيكون من أثر ذلك تضخم الأسعار، لكن في المقابل سيكون هناك أثر آخر وهو حدوث هبوط كبير في النشاط العالمي. وبذلك نعود إلى معضلة السبعينيات، وهي إشارة المتطلبات الرئيسية للسياسة في اتجاهات متعاكسة. لكنني أخشى أن المعضلات النقدية في تلك الحالة ستكون أهون المشاكل في ذلك الموقف.