المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نحن والآخر..



غرناطة
09-04-2012, 09:45 PM
زماننا عجيب، وأعجب مافيه ليس هواننا و إنكسارنا، ولا ضعفنا وضياع عزتنا، فهذا ثمن ندفعه لإختياراتنا المشبوهة، وإنما العجب العجاب كان في رضانا بهذا العار و ترويجنا له، فقد ينكسر الفارس ويكبو به جواده، وقد يمرض الجسد القوي و يرقد مستكينا، وقد تلهو القرود بشوارب الأسد يوما حين خارت قواه و نام عليلا .. فكل ذلك لا غرابة فيه، أما أن نكتب قصائد الغزل في روث البهائم الذي غطى رؤوسنا حين إنكسرت هامتنا فصرنا تحت حوافرهم، أما أن نحجز لأنفسنا مكانا دائما فى مزابل التاريخ لكوننا أقل عدة وأضعف عتادا، فذاك هو الذي يفتت قلبي ويفري كبدي حزنا على ما صارت إليه أحوالنا.


تخنقني العبرات أحيانا حين أقرأ لهالك فاجر يضحك من جراحنا، ويهزأ بصراخنا، ويقول لأمة قد تكالبت عليها الضباع والكلاب تنهش أحشائها المندلقة فى كل أرض.. هل من مزيد، فما زال هناك الكثير من دمائنا و أعراضنا لم نقدمه بعد.
أهرب من هذا الواقع الذليل وأسرح بخيالى قليلا، فلم أعد أملك مكانا طاهرا خاليا من ضجيج القوادين سواه، فأراني وقد علقّ كل (رويبض) من لسانه على مداخل البلاد، أطوف بينهم ضاحكا مستبشرا.. أنكأ وجوههم وأمسحها بطين الأرض التي أرادوا أن نبيعها يوما لأعدائنا بثمن زهيد هو أرواحنا. منتفضة ممتعضة عقولنا من فرط الغيظ والغضب، وعقدت خيوط الدهشة ألسنتنا، فلم نعد ندري بماذا نجيب على مثل هذاالكلام الذي لوّث آذاننا.. هل بغليان الصمت، أم بغباء التجاهل، أم بكلمات مازلنا نبحث عنها في كل قواميس السفالة والإنحطاط لنرد بها على أصحاب العقول التي تآكلت وتعفنت فى قبور الليبرالية النتنة..



تمكن الإشمئزاز من قلبي حين صار الكلام يدور الآن على (قبول الآخر) و (التعايش مع الغير)، أخي في الله.. هذا الحديث عن قبول (الآخر) موجه لي ولك.. موجه لكل مسلم ومسلمة، أنا وأنت وكل من ينتمي لهذا الدين مطالبون الآن بعد إنتهاء مرحلة السحل والسلخ بقبول القاتل.. أقصد (الآخر)، هذا هو خلاصة آلاف الأطنان من الورق ومئات الجالونات من الأحبار النجسة كتبت بها تفاصيل المرحلة الجديدة من الإذلال لأمتنا.. أن نقبل (الآخر).. بمغايرته لفكرنا ومعتقداته الخاصة وحقه في إختيار الحياة التي يهواها، بدون إنكار منا وبلا أدنى محاولة لفرض أفكارنا على هذا (الآخر) (بالقوة)، هذا هو المطلوب فى هذه المرحلة، ولا أخفي أن هذا الأمر قد أثار في نفسي حزمة من التساؤلات البلهاء و التي لابد و أن يكون مصدرها جهلي الشديد بما يدور فى عقل خنزير صغير يأكل روثه، ولكن ربما نفهم شيئا سويا، أيها (الآخر) من أنت؟!.. مَن هذه الشخصية (الآخرية) التي نحاصرها بأفكارنا و نرفض قبولها و ننكر عليها معتقداتها و زبالاتها الفكرية ونحاربها إن لزم الأمر لفرض آرائنا عليها؟!.. صفوهم لنا يا من أخزاكم الله، لا أعلم أي (آخر) تعامله الأمم بهذه الوحشية الفكرية و العنف العقدي إلا (نحن).. أمة المسلمين، لا يوجد أي إنسان يتنفس هواء هذه الأرض و يحيا على ظهرها يعامل بمثل هذا النفي و الإبادة إلا صاحب الهوية المسلمة، فقط أمة المسلمين هي التي تصادر حرياتها، وتلغي إرادتها، وتفرض عليها الآراء من غيرها، وتتجرع رغما عنها ثقافة (الآخر).. فعن أي شيء يتحدثون!.. نحن الذين تفرض علينا حروب (الآخر) و تجفف منابع ثقافتنا و تراثنا بالقوة لصالح فكر هذا (الآخر).. فماذا تريدون منا أيها الهالكون؟.. هذا (الآخر) قتل أبناءنا و إغتصب أرضنا و أذاقنا صنوف العذاب وحوّل ديارنا إلى ساحات للقتال ومسالخ جماعية، هذا (الآخر) الذي صورتموه فى كتاباتكم كأنه (آخر) ضعيف مسكين، تلفظه عقولنا وتأباه نفوسنا، مع أنه هو الذي إقتحم عقولنا بدباباته وأزهق نفوسنا بطائراته، فمن المطالب بقبول من؟!..


ألا يكفيكم هذا الدمار الذي طال كل شيء فى بلادنا من هذا (الآخر).. أم تريدون أن نموت ونحن نسبّح بحمده.. كما تفعلون؟!.. أم ترغبون أن تطير رؤوسنا وعليها إبتسامة الثناء و الشكر لهذا (الآخر).. أم أنه أصابه وأصابكم الهم ّ حين بصق البعض فى وجهه فبكيتم جميعا لأننا لم نقبله (كآخر)، له علينا حقوق (المؤاخرة) و التي من أهمها ألا نصدر صوتا كريها عند ذبحه إيانا!.. لم لا توجهون دعوتكم هذه إلى أصدقائكم (الآخرين) ليقبلونا و يتعاملون معنا (كآخر)، فيرحلون عن ديارنا و يكفون عن قتلنا ويتقبلون ديننا و ثقافتنا كثقافة (مغايرة).. لهم كفرهم و لنا ديننا؟! نحن لا نرفض أن نتعايش مع الآخرين حتى وإن كانوا ينكحون آباءهم وأمهاتهم، ولكن فى المقابل هل لنا أن نطلب من هذا (الآخر) أن يقبلنا و يتعايش معنا بشيء (آخر) غير الدبابات و الصواريخ!..

آسف أيها (الآخر).. لن أقبلك حتى تضع السكين من يدك، لن أتعايش معك حتى تقبل ثقافتي و فكري وتحترمها إحترامك لمن يعبدون البقر والفئران، ونحن نعدك ونعاهدك إن أخذت بضاعتك الثقافية إلى بلادك و رفعت يد الوصاية عن عقولنا و تركتنا وديننا أن نفعل معك الشيء نفسه، ونفكّ عنك حصارنا الفكري و العسكري لتعيش آمنا مطمئنا تأكل وترتع كأحسن خنزير !

غرناطة
14-04-2012, 06:35 PM
سبحان الله.