شمعة الحب
13-06-2006, 06:08 PM
الاندماج ليس العلاج الشافي لعلل البورصات
- ديفيد لاسيلس - 17/05/1427هـ
"حرب" هي الكلمة الملائمة، لأن ما يحدث بين البورصات ليس منافسة فقط، بل إلى حد ما، تنافس بين الدول.
يبدو أن الحرب الدائرة منذ مدة طويلة بين بورصات الأوراق المالية وصلت إلى ذروتها بعد العرض الذي قدمته بورصة نيويورك لشراء "يورونيكست" Euronext مقابل عشرة مليارات دولار، و المواجهة التي تمت بينها وبين البورصة الألمانية. لكن إذا فاز العرض المقدم من بورصة نيويورك، فإن النتيجة لن تكون سلاماً. فهناك مبالغ هائلة من الأموال ربما يتم إنفاقها دون فائدة تذكر. وهناك احتمال كبير أن تنشأ تحالفات ليست هي التحالفات التي ينبغي أن تتم.
إن معركة البورصات تحمل طابع اليأس - مثلما حدث في الحي المالي في لندن إبان إصلاحات عام 1986، عندما أصيبت شركات ضخمة محترمة بالذعر وأقبلت على شراء شركات وساطة مالية بأسعار متضخمة، فقط "للبقاء ضمن اللعبة"، دون أن تتمكن من إعلان أي استراتيجية مقنعة. لكن النتائج التي تكشفت فيما بعد أظهرت أن الباب لم يغلق إلى الأبد. وفي واقع الأمر بعض الشركات التي حققت نجاحات كبيرة عقب 1986 كانت هي الشركات التي تحينت الفرصة المناسبة وفكرت في الأمور ملياً. وهذا هو الأمر نفسه مع البورصات.
فما نشاهده هو هجمة ذعر في أوساط البورصات التي تخشى من أن تترك خارج السوق العالمية للأسهم، التي بدأت تتبلور وتأخذ شكلها النهائي. وإذا لم تصبح جزءاً من الهيكل الآخذ في التشكل ستكون محرومة من ذلك بصفة دائمة. لكن هل بورصة نيويورك "ستترك في الخارج"؟
إن كلمة "حرب" في حقيقة الأمر ملائمة جداً، لأن هذه التطورات ليست فقط منافسة بين البورصات، بل هي أيضاً، إلى حد ما، تنافس بين الدول. وأي تحالف مقترح ستكون له شخصية سياسية وثقافية قوية وهذا من شأنه أن يزيد من فرص الفشل.
ولنا أن نستغرب، مثلا، هل بورصة نيويورك - التي تمثل رأسمالية الولايات المتحدة في شكلها العاري تماماً – ستكون مضاجعاً مريحاً لـ "يورونيكست" التي تمثل أنموذجاً رائداً للعديد من الدول الأوروبية التي لها بورصات مرتبطة بها؟ ربما من المحتمل ألا تكون كذلك. فإذا كان لبورصة نيويورك من شريك طبيعي في أوروبا، فيجب أن يكون ذلك الشريك هو بورصة لندن، التي تنطلق من تقاليد مماثلة وهي متحررة من الموانع التي تقيد الأسواق المفتوحة في أوروبا القارية. إن بورصة لندن ربما تكون مرتبطة لا إرادياً مع "ناسداك"، وهي شريك آخر بعيد الاحتمال جداً، له سوق وعمل ذو طابع مختلف تماماً.
وبالمقياس نفسه، الشريك الطبيعي لـ "يورونيكست" على المستوى الدولي هو بالتأكيد البورصة الألمانية، وذلك بسبب التقاليد الأوروبية المشتركة والنظرة المشتركة. وقد رأيت تحالفاً من هذا القبيل يوصف بأنه "زواج من الجحيم" بسبب عدد الأطراف الذين لديهم قابلية للاقتتال فيما بينهم، لكن ينبغي أن يكون من يسعون لمثل هذا الزواج أكثر ممن يميلون للزواج على طريقة "يورونيكست" وبورصة نيوريوك.
وحتى إذا شعرنا بالثقة فيما يتعلق بالمعلومات عن هذه التحالفات التي تتسم بحساسية سياسية، فإن هناك سؤالا أعمق: لماذا تحتاج البورصات ابتداء أن تشتري بعضها الآخر بمليارات الدولار؟
إن البورصات هي من مخلفات القرن الثامن عشر، قبل أن يأتي الوقت الذي أصبح فيه الناس يشترون ويبيعون الأسهم من خلال الاتصال الهاتفي وعبر الإنترنت. فأكثر من ثلث الأسهم المتداولة في لندن لا تمر حتى عبر البورصة. والتوجيهات الجديدة الصادرة من الاتحاد الأوروبي بشأن الأوراق المالية تسهل على البنوك التداول الداخلي للأسهم – بحيث تتم داخل البنك وبالتالي تصبح البنوك بورصات مصغرة دون الاعتماد على أية جهة أخرى. ماذا سيحدث لحجم التداول في "يورونيكست" فور البدء بذلك؟ وإذا فاز العرض المقدم من بورصة نيويورك، هل ستجد نفسها أمام عمل يتسرب من بين يديها كما يتسرب الرمل من خلال أصابع اليد؟
وبقدر ما هناك استراتيجيات تم إعلانها، إلا أنها تميل إلى أن تستقر على فكرتين بشكل عام. إحداهما أن الجمع بين البورصات يفضي إلى خلق وفورات الاقتصاد الكبير في التجارة والتقنية، ما يؤدي إلى خفض تكلفة معاملات الأسهم. وهذا أمر مغرى جداً في عهد تتزايد فيه العولمة، وهو أمر حقيقي بالتأكيد. لكن ما المكسب الذي يتحقق عن إنفاق عشرة مليارات دولار في وقت يمكن فيه تحقيق النتائج نفسها من خلال التحالفات التجارية بجزء يسير من هذا السعر؟
الأمر الآخر هو أن البورصات مؤسسات تجارية وتحتاج للتوسع والتنوع. وهذه أيضاً حجة مقنعة للمساهمين في البورصة، لكن هل الدخول في عمليات اندماج بما تنطوي عليه من تكاليف باهظة ومخاطر هي الطريقة السليمة لذلك؟
من المفهوم أنه يتعين أن تكون هناك إرادة للبقاء تدفع البورصات، لكنها في نهاية المطاف تخرب العمل التجاري. وأية بورصة تخرج رابحة من هذه الحرب ربما تكسب ميزة على المدى القصير من خلال فوائد الاندماج وفوائد السيولة. لكن على المدى البعيد من المحتمل أن تنحسر فرص العمل أمامها في ظل المسارات الجديدة التي تفتحها التقنية للمستثمرين، للتعرف على أماكن بعضهم بعضا والتعامل التجاري فيما بينهم، وللمعلومات عن الأسعار لتجد طريقها إلى الأسواق.
ومن المحتمل أن يكون هناك مستقبل محدود للبورصات في مجال السندات والأوراق المالية الصغيرة، حيث مقدرتها على تركيز العمل التجاري وتقوية ثقة المستثمر تكسبها قيمة إضافية، كما أظهرت التجربة الناجحة التي خاضتها بورصة لندن مع سوق الاستثمار البديل. لكن مستقبل السندات والأوراق المالية الكبيرة التي تشكل الجزء الأكبر من المعاملات التجارية اليومية يبدو أنه معرض للسير في مسار الأسواق المتفرقة المرتبطة من خلال شبكات المعلومات. والاندماجات الضخمة لا تتماشى مع هذا التوجه.
ــــــــــــ
الكاتب مدير مشارك في مركز دراسات الابتكارات المالية، وهو مركز فكري مستقل في الحي المالي في لندن.
- ديفيد لاسيلس - 17/05/1427هـ
"حرب" هي الكلمة الملائمة، لأن ما يحدث بين البورصات ليس منافسة فقط، بل إلى حد ما، تنافس بين الدول.
يبدو أن الحرب الدائرة منذ مدة طويلة بين بورصات الأوراق المالية وصلت إلى ذروتها بعد العرض الذي قدمته بورصة نيويورك لشراء "يورونيكست" Euronext مقابل عشرة مليارات دولار، و المواجهة التي تمت بينها وبين البورصة الألمانية. لكن إذا فاز العرض المقدم من بورصة نيويورك، فإن النتيجة لن تكون سلاماً. فهناك مبالغ هائلة من الأموال ربما يتم إنفاقها دون فائدة تذكر. وهناك احتمال كبير أن تنشأ تحالفات ليست هي التحالفات التي ينبغي أن تتم.
إن معركة البورصات تحمل طابع اليأس - مثلما حدث في الحي المالي في لندن إبان إصلاحات عام 1986، عندما أصيبت شركات ضخمة محترمة بالذعر وأقبلت على شراء شركات وساطة مالية بأسعار متضخمة، فقط "للبقاء ضمن اللعبة"، دون أن تتمكن من إعلان أي استراتيجية مقنعة. لكن النتائج التي تكشفت فيما بعد أظهرت أن الباب لم يغلق إلى الأبد. وفي واقع الأمر بعض الشركات التي حققت نجاحات كبيرة عقب 1986 كانت هي الشركات التي تحينت الفرصة المناسبة وفكرت في الأمور ملياً. وهذا هو الأمر نفسه مع البورصات.
فما نشاهده هو هجمة ذعر في أوساط البورصات التي تخشى من أن تترك خارج السوق العالمية للأسهم، التي بدأت تتبلور وتأخذ شكلها النهائي. وإذا لم تصبح جزءاً من الهيكل الآخذ في التشكل ستكون محرومة من ذلك بصفة دائمة. لكن هل بورصة نيويورك "ستترك في الخارج"؟
إن كلمة "حرب" في حقيقة الأمر ملائمة جداً، لأن هذه التطورات ليست فقط منافسة بين البورصات، بل هي أيضاً، إلى حد ما، تنافس بين الدول. وأي تحالف مقترح ستكون له شخصية سياسية وثقافية قوية وهذا من شأنه أن يزيد من فرص الفشل.
ولنا أن نستغرب، مثلا، هل بورصة نيويورك - التي تمثل رأسمالية الولايات المتحدة في شكلها العاري تماماً – ستكون مضاجعاً مريحاً لـ "يورونيكست" التي تمثل أنموذجاً رائداً للعديد من الدول الأوروبية التي لها بورصات مرتبطة بها؟ ربما من المحتمل ألا تكون كذلك. فإذا كان لبورصة نيويورك من شريك طبيعي في أوروبا، فيجب أن يكون ذلك الشريك هو بورصة لندن، التي تنطلق من تقاليد مماثلة وهي متحررة من الموانع التي تقيد الأسواق المفتوحة في أوروبا القارية. إن بورصة لندن ربما تكون مرتبطة لا إرادياً مع "ناسداك"، وهي شريك آخر بعيد الاحتمال جداً، له سوق وعمل ذو طابع مختلف تماماً.
وبالمقياس نفسه، الشريك الطبيعي لـ "يورونيكست" على المستوى الدولي هو بالتأكيد البورصة الألمانية، وذلك بسبب التقاليد الأوروبية المشتركة والنظرة المشتركة. وقد رأيت تحالفاً من هذا القبيل يوصف بأنه "زواج من الجحيم" بسبب عدد الأطراف الذين لديهم قابلية للاقتتال فيما بينهم، لكن ينبغي أن يكون من يسعون لمثل هذا الزواج أكثر ممن يميلون للزواج على طريقة "يورونيكست" وبورصة نيوريوك.
وحتى إذا شعرنا بالثقة فيما يتعلق بالمعلومات عن هذه التحالفات التي تتسم بحساسية سياسية، فإن هناك سؤالا أعمق: لماذا تحتاج البورصات ابتداء أن تشتري بعضها الآخر بمليارات الدولار؟
إن البورصات هي من مخلفات القرن الثامن عشر، قبل أن يأتي الوقت الذي أصبح فيه الناس يشترون ويبيعون الأسهم من خلال الاتصال الهاتفي وعبر الإنترنت. فأكثر من ثلث الأسهم المتداولة في لندن لا تمر حتى عبر البورصة. والتوجيهات الجديدة الصادرة من الاتحاد الأوروبي بشأن الأوراق المالية تسهل على البنوك التداول الداخلي للأسهم – بحيث تتم داخل البنك وبالتالي تصبح البنوك بورصات مصغرة دون الاعتماد على أية جهة أخرى. ماذا سيحدث لحجم التداول في "يورونيكست" فور البدء بذلك؟ وإذا فاز العرض المقدم من بورصة نيويورك، هل ستجد نفسها أمام عمل يتسرب من بين يديها كما يتسرب الرمل من خلال أصابع اليد؟
وبقدر ما هناك استراتيجيات تم إعلانها، إلا أنها تميل إلى أن تستقر على فكرتين بشكل عام. إحداهما أن الجمع بين البورصات يفضي إلى خلق وفورات الاقتصاد الكبير في التجارة والتقنية، ما يؤدي إلى خفض تكلفة معاملات الأسهم. وهذا أمر مغرى جداً في عهد تتزايد فيه العولمة، وهو أمر حقيقي بالتأكيد. لكن ما المكسب الذي يتحقق عن إنفاق عشرة مليارات دولار في وقت يمكن فيه تحقيق النتائج نفسها من خلال التحالفات التجارية بجزء يسير من هذا السعر؟
الأمر الآخر هو أن البورصات مؤسسات تجارية وتحتاج للتوسع والتنوع. وهذه أيضاً حجة مقنعة للمساهمين في البورصة، لكن هل الدخول في عمليات اندماج بما تنطوي عليه من تكاليف باهظة ومخاطر هي الطريقة السليمة لذلك؟
من المفهوم أنه يتعين أن تكون هناك إرادة للبقاء تدفع البورصات، لكنها في نهاية المطاف تخرب العمل التجاري. وأية بورصة تخرج رابحة من هذه الحرب ربما تكسب ميزة على المدى القصير من خلال فوائد الاندماج وفوائد السيولة. لكن على المدى البعيد من المحتمل أن تنحسر فرص العمل أمامها في ظل المسارات الجديدة التي تفتحها التقنية للمستثمرين، للتعرف على أماكن بعضهم بعضا والتعامل التجاري فيما بينهم، وللمعلومات عن الأسعار لتجد طريقها إلى الأسواق.
ومن المحتمل أن يكون هناك مستقبل محدود للبورصات في مجال السندات والأوراق المالية الصغيرة، حيث مقدرتها على تركيز العمل التجاري وتقوية ثقة المستثمر تكسبها قيمة إضافية، كما أظهرت التجربة الناجحة التي خاضتها بورصة لندن مع سوق الاستثمار البديل. لكن مستقبل السندات والأوراق المالية الكبيرة التي تشكل الجزء الأكبر من المعاملات التجارية اليومية يبدو أنه معرض للسير في مسار الأسواق المتفرقة المرتبطة من خلال شبكات المعلومات. والاندماجات الضخمة لا تتماشى مع هذا التوجه.
ــــــــــــ
الكاتب مدير مشارك في مركز دراسات الابتكارات المالية، وهو مركز فكري مستقل في الحي المالي في لندن.